ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن 8 حقائق بديهية عن الحياة.
أهداني جدي في عيد ميلادي الثامن عشر 4 قمصان لم يعد يستخدمها، وأخبرني أنَّها ستليق بي عندما أرتديها، وكانت القمصان بحالة جيدة، ولا يبدو أنَّه ارتداها كثيراً، ولكنَّها لم تعجبني وقتئذٍ؛ بل إنَّها بدت غريبة بالنسبة إلي، ولم أستطع أن أخفي شعوري بالنفور منها، ونظرت إلى جدي مستغرباً ومستفهماً وبالكاد ابتسمت له، ثم انتقلت إلى الهدايا الأخرى الموجودة أمامي، ومن ثم توفي جدي بعد يومين إثر تعرضه لنوبة قلبية مفاجئة، وكانت القمصان آخر هدية تلقيتها منه، وما زلت أشعر بالندم لأنَّني لم أشكره على هديته، وأتحسر على رد الفعل الذي بدر مني عندما قدمها لي.
فيما يأتي:
8 حقائق بديهية عن الحياة:
1. قد لا تُتاح للفرد فرصة ثانية للإفصاح عن مشاعره:
توفي أحد زملائي في حادث سير قبل 15 سنة في أثناء قدومه إلى العمل، وبكى زملاء العمل في جنازته وقالوا كثيراً من العبارات اللطيفة مثل: "لقد أحببته، وأحبه جميع العاملين في الشركة، ولقد كان إنساناً طيباً".
رحتُ أبكي بدوري، وتساءلت إذا كان هؤلاء الأشخاص قد أخبروه بمشاعرهم عندما كان على قيد الحياة، واكتشفت حينها أنَّ الموت هو الذي يشجع الأفراد على الإفصاح عن محبتهم دون تردد، لذا عاهدت نفسي حينها أن أفصح عن مشاعر المحبة والتقدير التي أكنُّها لأحبتي، وألا أتوانى عن تذكيرهم بمكانتهم وأهميتهم عندي، ودورهم في إضفاء المعنى والقيمة إلى حياتي.
خلاصة القول:
عليك أن تفصح عن مشاعر المحبة، والتقدير، والإعجاب في وقتها ولا تؤجلها، فقد لا تتسنى لك فرصة أخرى لإخبار أحبتك بحقيقة مشاعرك؛ لأنَّ الأعمار بيد الله وليس بوسعك أن تضمن المستقبل.
2. معظم الأحكام التي تطلقها على الآخرين خاطئة:
أنت لا تعرف ظروف الآخرين والتجارب القاسية التي تعرضوا لها في حياتهم، ولكل إنسان على وجه البسيطة هموم وانكسارات لا يعلمها سواه؛ إذ تتعلق الافتراضات التي يكوِّنها الفرد عن حياة الآخرين بوجهات نظره المحدودة.
معظم الأحكام التي تصدرها على الآخرين هي خاطئة، ويعاني معظم الأشخاص الناجحين بنظر المجتمع من التعاسة، وقد تعتقد أنَّ نخبةَ اللامعين والملهمين وصلوا لهذه المكانة المرموقة بسهولة، ولا تدري أنَّهم عملوا بجد وتجاوزا كثيراً من الخيبات والانكسارات قبل أن يتمكنوا من تحقيق النجاح، لذا يمكن أن توحي تصرفات بعضهم بأنَّهم أثرياء على الرغم من أنَّهم مثقلون بالديون، وذلك بسبب هوسهم باقتناء الممتلكات المادية.
شاهد بالفديو: 6 حقائق قاسيّة ولكنّها واقعيّة عن الحياة
3. يفشل معظم الأفراد في حياتهم بسبب امتناعهم عن المحاولة:
لا يجب أن تخشى اقتراف الأخطاء أو التعرض للفشل، وإنَّما عليك أن تقلق بشأن الفرص التي تفوتها وتمتنع عن استثمارها؛ إذ تسهم المحاولات في تحقيق مستويات معيَّنة من النجاح مهما كانت النتيجة النهائية، لذا يمكنك أن تستفيد من الأخطاء والتجارب الفاشلة في اكتساب مزيد من الخبرة وعدم تكرار الأفعال الخاطئة في المحاولات اللاحقة.
كل نتيجة يحرزها الإنسان تساعده على تنمية خبراته ومهاراته، وهذا ينطبق على التجارب الناجحة والفاشلة على حدٍّ سواء، ولهذا السبب عليك أن تُذكِّر نفسك على الدوام أنَّ الاستسلام وعدم المحاولة هو القرار الوحيد الذي يمنعك من تحقيق أحلامك وأهدافك، فلا تعتمد النجاحات التي يحرزها الإنسان في حياته على مخططاته أو أحلامه؛ بل على التزامه وأفعاله ومحاولاته على أرض الواقع.
يتسنى للإنسان أن يحرز مزيداً من التقدم ويعيش حياة كريمة عندما يعمل على تنمية معارفه وخبراته، لهذا السبب عليك أن تعطي الأولوية للتعلُّم والتنمية واكتساب العادات اليومية المفيدة والالتزام بتطبيقها؛ إذ تتناسب جودة حياة الفرد على الأمد الطويل طرداً مع المهارات والخبرات والعادات الإيجابية التي يكتسبها.
4. لا يعني الصبر الانتظار والعزوف عن العمل:
يعبِّر الصبر عن قدرة الفرد على تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة مع الحرص على التأكد من أنَّ النتائج التي يسعى إلى تحقيقها تستحق الوقت والجهد المبذول، ولا يمكن بلوغها بأي طريقة أخرى تتطلب مقداراً أقل من الوقت والجهد.
يعني الصبر أنَّ جودة الحياة على الأمد الطويل أكثر أهمية من إشباع الرغبات والاحتياجات العابرة الحالية، ويعبِّر الصبر من ناحية أخرى عن استعداد الفرد لقبول وضعه الحالي، وتقدير النعم التي يمتلكها في حياته مع التحلي بالطموح والعمل بجد لتحقيق الأحلام والأهداف الهامة بالنسبة إليه.
5. لا تنجم السعادة عن تحصيل الممتلكات المادية:
تعتمد الحياة الهانئة بشكل أساسي على جودة العلاقات والتجارب والعمل الهادف، ولكنَّك تعيش في مجتمع استهلاكي يستهدف عقول الأفراد على مدار الساعة من خلال الإعلانات التي تتحكم برغبات الفرد وقراراته، وتقنعه بشراء منتجات وسلع مادية لا يحتاج إليها ولا يرغب باقتنائها بالأساس.
تزعم الحملات الإعلانية أنَّ شراء المنتجات المادية يساعد على إشباع الاحتياجات العاطفية؛ ولكن يؤدي الإفراط في عمليات الشراء إلى أذية هذه الاحتياجات، ومن ثم عليك أن تحكِّم عقلك قبل أن تندفع إلى شراء المنتجات، وتسأل نفسك إذا كنت تحتاج إليها قبل أن تتهور؛ إذ تهدف بعض الحملات الإعلانية إلى ترغيب الفرد بمنتج معيَّن ودفعه إلى الاعتقاد بأنَّه يفتقر إليه ويحتاج إلى اقتنائه.
6. لا يوجد إنسان مثالي:
لا يوجد إنسان مثالي، وجميع الأفراد معرضون لاقتراف الأخطاء والغضب والمفاجآت والفشل وفقدان السيطرة على وضعهم في بعض الأحيان، فمن الطبيعي أن تقلَّ ثقة الإنسان بنفسه في بعض الأحيان، ويفقد الصبور قدرته على الاحتمال، ويمكن أن يتصرف الكريم بأنانية في حالات معيَّنة، ويشكك الخبير بمعارفه ومعلوماته، لذا عليك أن تدعم أحبتك عندما يواجهون ظروفاً عصيبة، وتتعامل مع أزماتك بنفس الطريقة حتى تنجح في تجاوزها، وتحل عليك أوقات اليسر من جديد.
7. التفاصيل البسيطة تُحدِث فارقاً كبيراً في جودة حياتك:
لا تدور الحياة حول لحظة تحقيق الإنجازات والنجاحات الكبرى فقط؛ بل هي تقوم على التجارب والأخطاء المقترفة والجهد المبذول والجد والعمل والانكسارات والمعاناة والأفعال والنشاطات البسيطة اليومية، وحياة الإنسان؛ هي حصيلة كل خطوة وحسرة وقرار ومأساة.
يتراكم تأثير الأحداث التي تبدو في ظاهرها غير هامة، ويؤدي إلى إحداث فارق في جودة حياتك، ومن أمثلة هذه التفاصيل الراتب البسيط الذي كنت تتقاضاه في المرحلة الثانوية، والأمسيات الطيبة التي تقضيها رفقة زملائك، والأفكار التي تنشرها على منصات التواصل الاجتماعي، والساعات التي تقضيها في التفكير بخطط مستقبلية لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، والليالي التي تقضيها وحدك وأنت تقرأ الكتب والروايات، وتتابع أخبار العالم، وتشكك بصحة مبادئك في الحياة، وتقيم نفسك ومن ثم تتساءل فيما إذا كنت إنساناً طيباً.
لقد ساهمت هذه الأفعال والنشاطات البسيطة في تنمية قدراتك، وشخصيتك، ومساعدتك على تحقيق النجاحات والإنجازات وإحراز التقدم الذي تطمح إليه.
لا شك أنَّك تعرضت لعدد كبير من الانكسارات والتجارب الفاشلة، ولكنَّك نجحتَ في تجاوزها، وتمكنت من استعادة بأسك والمحاولة من جديد، لذا عليك أن تفكر بالتقدم الذي أحرزته خلال العام أو الشهر الفائت، وتدرك التطور الذي طرأ على شخصيتك في أثناء ذلك، فالإنسان ينمو ويتطور ويتقدم باستمرار دون توقف.
8. التبريرات هي مجرد أكاذيب:
هل تعتقد أنَّك غير قادر على تحقيق الأهداف والنجاحات مثل الآخرين؟ وهل تبرر موقفك بسبب افتقارك إلى المقومات أو المؤهلات اللازمة، أو لأنَّك سبق أن فوَّت فرصتك؟ أو هل تعتقد أنَّ احتمالات نجاحك تكاد تكون معدومة؟ أنت تبحث عن أسباب تبرر قدرة الآخرين على تحقيق النجاح وتثبت عجزك، ومن ثم افتقارك إلى المقومات المطلوبة.
فيما يأتي مثالان عن تبرير الفشل:
- "لقد نجح في مجال ريادة الأعمال والتأليف لأنَّه أعزب، ولا يحمل هم إعالة أسرته".
- "هي أكثر رشاقة مني؛ لأنَّها غير ملزمة بأعباء العمل والواجبات العائلية الواقعة على عاتقي، أو ربما هي تتلقى الدعم الذي تحتاج إليه من زوجها".
يمكنك أن تبرر عجزك وتقصيرك بكل سهولة، ولكن ثمة أشخاص نجحوا في تحقيق النجاح على الرغم من ظروفهم الصعبة، والعقبات التي تعرضوا لها في حياتهم؛ إذ يواجه معظم الأشخاص مصائب وظروفاً قاهرة مثل خسارة أحد أفراد العائلة، ولكنَّهم ينجحون في تخطيها وتحقيق التقدم في حياتهم على الرغم من ذلك.
ينجح معظم الأفراد في بناء عائلات سويَّة، والتخرج من الجامعة، وإطلاق المشاريع التجارية بعد تقدمهم في السن، وثمة عدد كبير من القصص الملهمة عن أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة استطاعوا التغلب على العقبات التي تعوق تقدمهم، ونجحوا في تحقيق أهداف بارزة في حياتهم.
حياتك صنع يديك وثمرة جِدِّك واجتهادك، وأنت المسؤول الوحيد عن تحقيق النجاح، وثمة عدد كبير من الفرص التي تتيح لك إمكانية تحقيق التقدم الذي تصبو إليه في حياتك، لذا توقف عن التأجيل، وابدأ العمل في أقرب فرصة ممكنة.
في الختام:
أتمنَّى لك أن تحظى بالإلهام الذي تحتاج إليه، وتتحلى بالطموح، وتحرز التقدم في حياتك، وتعثر على الحب الصادق، والقدرة على قبول الظروف الصعبة التي لا يمكنك تغييرها، وتتخذ قراراتك بحكمة، وتتعامل بلطف ومودة مع نفسك ومع الأشخاص المحيطين بك.
أضف تعليقاً