يعتمد الأمر بشكل أساسي على العواطف التي تحفِّز الشخص على تطوير العادات الإيجابية؛ لذا فكِّر في إحدى المرات التي دفعتك فيها التغذية الراجعة من مديرك في العمل إلى بذل مزيد من الجهد لتحسين أدائك مع ما شعرت به من رغبة قوية وحماسة لتحقيق مستقبل مهني حافل بالنجاح، أو فكِّر في خشيتك في أثناء دراستك الجامعية من الحصول على درجة متدنية وكيف دفعك ذلك لتكثيف جهودك من أجل تجنُّب هذا الإخفاق.
تساعد هذه العواطف، إذا أجدنا استثمارها على تسريع عملية تبنِّي العادات الإيجابية الجديدة، وجعل عملية تطوير الذات نهجاً مستداماً، وسلوكاً تلقائياً ومرناً في حياتنا يساعدنا على تحقيق الأهداف، والنجاح في العمل، وتطوير الذات.
سنقدِّم في هذا المقال 7 نصائح تشكِّل نهجاً شاملاً لعملية تكريس العادات الجديدة، لكن سنبيِّن أولاً بعض الحقائق المتعلقة بهذا المجال.
كم من الوقت يستغرق تكريس العادات الجديدة؟
تشير الأبحاث إلى أنَّنا نحتاج في المتوسط إلى 21 يوماً للتخلي عن عادة سلبية، أو تكريس عادة جديدة ذات مستوى متوسط من التعقيد، ما يعني أنَّ الأمر يتعلق في أحد جوانبه بالعادة، أو النمط السلوكي الذي تحاول تغييره أو تبنِّيه.
في حين قد تبدو فترة 3 أسابيع، أو 21 يوماً مدة قصيرة، إلا أنَّها كافية لتكريس عادات جديدة، وما نعنيه بذلك هو العادات البسيطة مثل الاستيقاظ باكراً في ساعة محددة، أو بدء يومك بممارسة التمرينات الرياضية، أو الاستماع إلى المدونات الصوتية في أثناء قيادة سيارتك إلى العمل، أو الخلود إلى النوم في ساعة معيَّنة، أو الالتزام بالمواعيد، أو التخطيط ليومك مسبقاً، أو إعطاء الأولوية في العمل للمهام المُلحة وتجنُّب العمل على أكثر من مهمة في نفس الوقت.
تُعد هذه العادات بسيطة إلى حدٍّ ما، ويمكن فعلياً تطويرها في مدة تتراوح بين ما يقارب الأسبوع، إلى 3 أسابيع.
العقبات التي يجب أن تدركها مسبقاً قبل العمل على تكريس العادات الجديدة:
نحن نواجه في أثناء سعينا إلى تكريس عادات جديدة بعض العقبات، ولكنَّك ستكون قادراً على تجاوز هذه الصعوبات من خلال تطبيق النصائح التي سنقدمها في هذا المقال؛ لذلك يجب، قبل أن تبدأ رحلة التغيير هذه، أن تستعد للتعامل مع الصعوبات المُحتملة، مثل عدم امتلاك ما يكفي من الحماسة، والصعوبات المرتبطة بتغيير روتين حياتك اليومية، والحل الأمثل كي تحافظ على التزامك بالعادات الجديدة هو أن تمتلك الحلول لهذه المشكلات مُسبقاً؛ لأنَّك ستواجه بعضاً منها، على الأقل.
من الضروري جداً أن تمتلك درجة عالية من الانضباط الذاتي كي يكون لديك الدافع للمثابرة في حال تعرضت للإخفاق في محاولاتك الأولى، إضافة إلى الحفاظ على تركيزك بشأن الأهداف بعيدة الأمد، وأفضل حل هو أن تمتلك مرونة الموقف الذهني التي تتيح لك النظر إلى الإخفاقات على أنَّها فرص لتطوير نفسك، والتعلُّم من الأخطاء.
لا تنسَ أهمية النصائح التي تركِّز على الدعم، لأنَّها ضرورية من أجل الشعور بالمسؤولية، وتعزيز الحافز، ويُنصح عادةً بتقنية التعزيز الإيجابي التي تقوم على فكرة المكافأة المرتبطة بالإنجاز من أجل تعزيز شعورك بالحماسة، كما يجب أن تمتلك المرونة الكافية للتكيف؛ نظراً لأنَّها تتيح لك تعديل عاداتك وروتين حياتك بما يلائم أهدافك، والأهم من كل ما سبق أن تتذكر أنَّ الصبر والمثابرة هما العاملان الحاسمان في تكريس عاداتك الإيجابية الجديدة.
يمكنك، من خلال إدراك التحديات المُحتملة مسبقاً، وإعداد نهج مرن وحازم في نفس الوقت، أن تجعل السلوكات الإيجابية المُستهدفة جزءاً من روتين حياتك اليومي بشكل فعال، والأروع من ذلك أنَّك تصبح أكثر قدرة على تطوير نفسك، والارتقاء بأدائك بشكل مستمر.
7 نصائح لتكريس العادات الجديدة:
لطالما اعتمد أكثر الأشخاص نجاحاً على جملة من النصائح التي تشكِّل نهجاً بسيطاً وفعالاً ومستداماً لتطوير العادات الجديدة، ولأنَّ هذه النصائح عملية ومترابطة، فإنَّها تصلح لتكريس أية عادة ترغب بها، وستجد، ما إن تبدأ بتطبيق هذه النصائح، أنَّه من السهل جداً أن تكرِّس أية عادة إيجابية، وتجعلها جزءاً من روتينك الشخصي. إليك هذه النصائح:
1. اتخذ قراراً حاسماً بشأن العادات الجديدة التي ترغب بتكريسها:
ابدأ باتخاذ قرار حازم، لا لبس فيه بأنَّك ستتبنَّى سلوكاً معيَّناً طيلة حياتك، وأنَّك ستلتزم بهذا السلوك ما دام يصب في تحقيق مصلحتك، فإذا كان هدفك مثلاً هو الاستيقاظ باكراً وممارسة الرياضة، فاضبط المنبه على الوقت الذي ترغب بالاستيقاظ فيه، وتجنَّب التفكير عندما يرن المنبه، واستيقظ فوراً، وارتدِ الملابس المخصصة لممارسة التمرينات الرياضية، وأثبت لنفسك أنَّك تلتزم بما وعدت نفسك به، فهذه الخطوة الأولى التي تُظهر تفانيك الكامل لتحويل السلوك الجديد إلى عادة صحية مستدامة.
شاهد بالفديو: 10 طرق لتمارس العادات الجيّدة يوميّاً
2. مارِس العادة الجديدة بوتيرة ثابتة:
تتكرس السلوكات، وتصبح عادات متأصلة من خلال التكرار، لطالما أكَّد الفيلسوف اليوناني "أرسطو" (Aristotle) على أنَّ: "العادة محرِّك السلوك" عندما تطبِّق سلوكاً ما مراراً وتكراراً، فإنَّه يصبح عادة تلقائية، وهذا يقلل من الجهد الذي يبذله دماغك للتفكير فيما يجب القيام به وإنجازه، وبهذه الآلية يتحوَّل ما نبدأ القيام به بوصفه سلوكاً متعَّمداً إلى عادة راسخة في حياتنا.
يضمن لك الالتزام بالسلوك الجديد لفترة كافية تجنُّب احتمالية عدم القيام بالنشاط الجديد لسبب غير وجيه، ويحوُّله إلى عادة تلقائية مثل ارتداء الملابس في كل صباح، فلا تستهن أبداً بقوة التكرار، وتأثير الالتزام اليومي، لأنَّهما قادران على تكريس سلوكك الجديد من خلال تكوين مسارات عصبية جديدة تجعل السلوك جزءاً من حياتك الطبيعية.
3. أخبر الآخرين أنَّك تحاول اكتساب عادة جديدة:
تؤدِّي المساءلة الاجتماعية دوراً محورياً في تكريس العادات الجديدة، فتوفِّر لك الحافز والدعم والشعور بالمسؤولية أمام الآخرين ما يدفعك للالتزام بروتينك الجديد، ويمكن أن يؤدي إخبار الآخرين، مثل الأصدقاء، والأقارب، وأفراد العائلة بهدفك المتمثل بتبني عادة جديدة إلى توفير محيط اجتماعي تشعر أمامه بالمسؤولية، ويمنحك التشجيع في نفس الوقت.
تعزز مشاركة هدفك مع الآخرين الحافز الذي يدفعك للمثابرة والالتزام، والنتيجة هي أنَّك ستصبح أكثر انضباطاً وعزيمة؛ لأنَّك تشعر ببساطة بأنَّك مسؤول عن إثبات قدرتك على الالتزام بقرارك أمام الآخرين.
4. استفد من تقنية التصور الذهني في تكريس عادتك الجديدة:
خصص يومياً بعض الوقت في تخيُّل نفسك وأنت تطبِّق السلوك الجديد، فالغاية من هذه النصيحة هي تعزيز قدرة عقلك الباطن على تقبُّل السلوك الجديد وتحويله إلى نمط سلوكي تمارسه بحكم العادة.
تخيَّل نفسك معتاداً على هذا السلوك الجديد واحرص على أن تكون الصور الذهنية واضحة ومدعومة بالتفاصيل، وتخيَّل كل شيء بدءاً من البيئة، والنشاطات التي تمارسها، وما تشعر به من أحاسيس وعواطف، وكلما كان التصور أكثر دقة وتفصيلاً، كان تأثيره أقوى؛ لذا خصص بضع دقائق كل يوم لهذه الممارسة، ويفضَّل أن يكون ذلك في مكان هادئ يمكنك التركيز فيه دون أن تتشتت.
5. استخدم عبارات التحفيز الإيجابية:
تُعد عبارات التحفيز الإيجابية وسائل فعالة في تكريس العادات الجديدة؛ فتعرَف عبارات التحفيز الإيجابية بأنَّها جُمَل تعبِّر عن شعور التفاؤل والثقة بالنفس، ويمكن نتيجة لذلك أن تساعد، عند تكرارها بما يكفي، على إعادة برمجة عقلك الباطن وتهيئته لتَّبني معتقدات وسلوكات جديدة.
اختبر عبارة تحفيز إيجابية ورددها على مسامعك مراراً وتكراراً، فتزيد هذه الممارسة من سرعة تكريس العادة الجديدة، فيمكن مثلاً أن تقول لنفسك كي تتحفز على تبني عادة الاستيقاظ باكراً: "أنا شخص نشيط أستيقظ يومياً في الـ 6 صباحاً، وأمارس الرياضة فور استيقاظي".
كرِّر هذه العبارة قبل أن تخلد إلى النوم مباشرةً، ومن المرجَّح أن تعيد برمجة عقلك الباطن ليوقظك قبل أن يرن المنبه حتى، ولن تحتاج، بعد أن يتحول هذا السلوك إلى عادة راسخة إلى المنبه من الأساس.
6. تحلَّ بالمثابرة:
غالباً ما يكون التحدَّي الأصعب عند البدء بتكريس عادة إيجابية جديدة هو قدرة الشخص على الالتزام والمثابرة، لقد وضَّحنا سابقاً أنَّ هذه العملية تنطوي على صعوبات، والتحدي الحقيقي هو في ألا تلين عزيمتك عند مواجهة هذه العوائق، بل الحفاظ على التزامك بتكريس العادة الجديدة مهما واجهت من إخفاقات وإحباط، وهذه هي الطريقة الأنجع لتحويل السلوك إلى عادة متأصلة في روتينك اليومي، وهذا يؤدي في النهاية إلى نتيجة مستدامة.
يجب أن تدرك أنَّ تكريس عادة جديدة لا يتم بين عشيةٍ وضحاها، بل يتطلب المواظبة والعمل الدؤوب؛ لذا من الهام أن تدرك هذه الحقيقة قبل أن تبدأ رحلة التغيير كي تحافظ على توقعات منطقية فيما يتعلق بمقدار التقدُّم المُنجز بمرور الوقت، إضافة إلى الحفاظ على تركيزك على الهدف وما يتطلبه من مثابرة، فمن المفيد من أجل ذلك أن تتذكر الفوائد بعيدة الأمد التي ستحققها لك العادة الجديدة، وهذا يحافظ على حماستك خلال فترات الإحباط.
7. استخدم تقنية التعزيز الإيجابي:
الخطوة الأخيرة والأهم هي مكافأة نفسك على كل مرحلة تنجزها في اتجاه تكريس عادتك الجديدة، فيؤدي التعزيز الإيجابي دوراً حاسماً في ترسيخ العادات الجديدة، فيقوم على تنشيط مركز المكافأة في الدماغ، وهذا يشجعك على تكرار السلوك بغرض الحصول على المكافأة.
تنطوي هذه العملية على تحريض إفراز مادة الدوبامين التي تعزز شعورنا بالسعادة، والمتعة، وسيبدأ عقلك الباطن من خلال هذه العملية الكيميائية، بربط المكافأة بالسلوك، ما يعني أنَّك سترغب بتكرار السلوك مجدداً بهدف الحصول على المكافأة.
في الختام:
يُعدُّ ما قدَّمناه من نصائح الوسيلة الأنجع، والنهج الأكثر تكاملاً ومرونةً وواقعية لتكريس العادات الإيجابية الجديدة، ويوجد كثير من النصائح التي تَعِد بحلول سحرية للتخلي عن العادات السلبية، أو تبنِّي عادات إيجابية، لكنَّك بغنى عن الإحباط في هذه العملية التي تنطوي أصلاً على ما يكفي من العقبات.
تذكَّر أخيراً أنَّ التغيير صعب في بدايته، لكنَّه يصبح عملية سهلة وتلقائية ما إن تعتاد عليه لفترة من الزمن، والأروع من ذلك ما يحمله لك من نتائج مذهلة تجعلك تنسى عناء التجربة.
أضف تعليقاً