6 نصائح للتعامل مع الإنتاجية السامة

فكِّر في الأخلاقيات المهنية التي يتطلبها عملك في أثناء جائحة كورونا، واسأل نفسك: هل كنتَ شخصاً منتجاً أكثر من المعتاد؟ وهل تسارع للتطوع في تنفيذ مشاريع متعلقة بالعمل، حتى عندما تكون فعلياً منشغلاً بأمور عدة في الوقت الحالي؟ وهل تعِد نفسك بتحضير وجبة العشاء حالما تنتهي من تنفيذ مهمة أُخرى في قائمة مهامك؟



إذا أجبت بـ "نعم" عن أيٍّ من هذه الأسئلة، فربما أنت من الأشخاص الذين يعانون من الإنتاجية السامة، وبعد هذه المقدمة، من المؤكد أنَّك تتساءل في قرارة نفسك كيف يمكن أن تكون الإنتاجية، والتي هي علامة من علامات النجاح الأزلية، أمراً سامَّاً؟ نحن هنا لنقدم شرحاً تفصيلياً حيال هذا الموضوع.

إنَّ مصطلح "الإنتاجية السامة"، ومن نواحٍ عديدة، ليس أكثر من مصطلح جديد يدلُّ على الإدمان على العمل - ولكنَّه أيضاً أكثر تنوعاً ودقة بعض الشيء من العبارة القديمة التي تعلمناها في المدرسة؛ حيث إنَّ الإنتاجية السامة هي في الأساس رغبة غير صحية يرغب من خلالها المرء في أن يكون شخصاً منتجاً في جميع الأوقات، وبأي ثمن، كما أنَّها الحاجة إلى تجاوز الحد الإضافي في العمل أو في المنزل، حتى عندما لا يكون ذلك متوقَّعاً منك.

لا تتوقف الإنتاجية السامة بمجرد اكتمال المهمة التي تعمل على إنجازها حالياً؛ حيث إنَّه بمجرد الانتهاء من إنجاز مشروع في العمل من الناحية الفنية، قد تشعر بالذنب لعدم بذل المزيد من طاقتك لإنجاز المزيد من العمل، تقول "سيمون ميلاساس" (Simone Milasas)، كوتش أعمال ومؤلفة كتاب بهجة العمل "Joy of Business"، إنَّه بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من الإنتاجية السامة، فإنَّ بذل المزيد من الطاقة والعمل يُعَدُّ أمراً غير كافٍ على الإطلاق.

كما قالت "ميلاساس" لموقع "هاف بوست" (HuffPost): "إنَّ الإنتاجية السامة من شأنها أن تجعلنا نشعر بأنَّنا أشخاص فاشلون، إذا لم نبذل أكثر ممَّا هو متوقَّع منَّا باستمرار؛ إذ إنَّه عندما تسيطر فكرة الإنتاجية السامة على حياتك، فإنَّك تحكم على نفسك كل يوم على أساس ما لم تستطع إنجازه، بدلاً من النظر إلى ما أنجزتَه".

تقول "كاثرين إسكير" (Kathryn Esquer)، عالمة النفس ومؤسسة شبكة المعالجة عن بُعد (Teletherapist Network)، إنَّ الكثير منَّا كان ضحية أنماط الإنتاجية السامة في أثناء جائحة كورونا؛ حيث إنَّ السبب في المقام الأول يعود إلى أنَّنا توقفنا عن الروتين برمته الذي اعتدنا على القيام به، وفجأة، أصبح لدينا متسع كبير من وقت الفراغ لم يسبق له مثيل.

لكنَّ السؤال هنا: لماذا دفعنا أنفسنا إلى الانشغال بالعمل، بدلاً من اغتنام الفرصة لنأخذ استراحة من العمل، دون أن نشعر بالذنب مرة واحدة؟ الجواب هو لأنَّه في ذلك الوقت، جميعنا انتابه إحساس قاسٍ ومُلِحٍّ تجاه حالة الضياع وعدم اليقين التي مررنا بها؛ حيث كنَّا في وضع يلفه الغموض خلال تلك الأيام الأولى للجائحة.

وبالنسبة إلى أولئك الذين لم يُسرَّحوا من العمل، فقد كانوا على الأقل لا يزالون يزاولون مهنتهم ولم تتم إقالتهم؛ لذا كانت التضحية في سبيل العمل تمنح الناس إحساساً بالأمان، وهو أمرٌ يرحبون به.

تقول "إسكير": "كان بإمكاننا استخدام وقت فراغنا للراحة وإعادة شحن طاقتنا وتعزيز ثقتنا بأنفسنا، إلا أنَّ الكثير منَّا ملأ ساعات الفراغ تلك بمزيد من العمل كوسيلة لإثبات جدارته في العمل والوفاء والسيطرة".

كما أنَّنا لم نتوقف عن إنجاز المهام بمجرد انتهاء يوم العمل؛ حيث كنَّا نقول لأنفسنا إنَّنا سوف نتعلم لغة جديدة، ونصبح خبازين محترفين، أو نتقن بعض المهارات الأخرى التي كنَّا نؤجل التعلم عنها قبل فوات الأوان.

وعلى حد قول إحدى التغريدات الشهيرة التي تدعم الإنتاجية: "إذا لم تخرج من هذا الحجر الصحي بتعلُّم مهارة جديدة، أو بدء ما كنت تؤجل القيام به وكأنَّه عمل تجاري جديد، أو باكتساب المزيد من المعرفة، عندئذٍ يمكن القول إنَّك لم تفتقر إلى الوقت أبداً؛ بل كنت تفتقر إلى الانضباط".

على حد قول "مونيكا توريس" (Monica Torres)، كبيرة مراسلي العمل والحياة في موقع "هاف بوست" في وقت مبكر من جائحة كورونا: "إنَّ ثقافة الانشغال الدائم لا تتوقف أبداً، سواءً كانت في فترة الحجر الصحي أم غيرها".

هناك سابقة لهذا الأمر؛ إذ يُعَدُّ العمل باستمرار في أوقات عدم اليقين أمراً مألوفاً بالنسبة إلى الشعب الأمريكي؛ حيث إنَّ ثقافة العمل في الولايات المتحدة تضفي قيمة على هذا المبدأ، وفي أوقات الأزمات، فإنَّنا ننخرط بالعمل بشكل أكبر.

انظر على سبيل المثال إلى الحرب العالمية الثانية والتوسع الهائل والسريع في قدرة التصنيع المدنية الأمريكية لتلبية متطلبات زمن الحرب، تقول "إسكير": "أن نكون أشخاصاً منتجين في بيئتنا المحيطة بنا، أمرٌ يبعد تفكيرنا عن الكثير من الأمور ويشعرنا بالرضى، على الأقل بشكل مؤقت".

وتشرح "إسكير" هذا الأمر قائلة: "عموماً، عندما تُعرِّضنا بيئتنا لضغوط أو تهديدات خارجة عن إرادتنا، فإنَّنا غالباً ما نجد أنفسنا نركز على الأشياء الصغيرة في بيئتنا المحيطة بنا، والتي يمكننا التحكم فيها، مثل تنظيف منزلنا أو التفوق في إنجاز مشاريع متعلقة بالعمل؛ حيث تكمن المشكلة هنا في إخفاء الضغط الحقيقي الذي نمرُّ به وعدم الراحة التي نشعر بها في وضعنا الحالي".

عندما تكون شديد التركيز على تحسين ذاتك، فإنَّك في الواقع تخاطر بأن تكون شخصاً أقل إنتاجية، لكن في النهاية، سوف تشعر بالاحتراق الوظيفي، والأكثر من ذلك، كما قالت "ميلاساس"، فإنَّ الإنتاجية السامة تؤثِّر في علاقاتك أيضاً؛ حيث قالت: "قد تكون سريع الغضب والإحباط مع الأشخاص المقربين منك؛ إذ إنَّه لأمرٌ مرهق أن نكون محاصرين في دوامة الإنتاجية السامة"، والانفعال هو استجابة طبيعية لذلك.

أتريد تجنب كل هذا؟ وهل تدرك طريقة تفكيرك وعاداتك من خلال ما ذُكِر آنفاً من وصف للإنتاجية السامة؟ إليك كيفية التعامل مع المشكلة قبل أن تجعلك تشعر بالاحتراق الوظيفي:

1. تعرَّف إلى العلامات التي تنذر بالإنتاجية السامة واعترف بالمشكلة:

تكمن الخطوة الأولى عند التعامل مع مشكلة الإنتاجية السامة في إدراك أنَّك تعاني من هذه المشكلة؛ لذلك، ابحث عن العلامات التي تشير إلى حالة الإنتاجية السامة التي تمرُّ بها، واسأل نفسك: هل تشعر بالمزيد من الذنب حيال العمل؟ وهل تشعر في كثير من الأحيان أنَّه يجب عليك إنجاز المزيد من العمل، وأنَّك إذا كنت لا تفعل شيئاً، فأنت تضيع وقتك؟

قالت "ميلاساس": "إذا كنت تحاول باستمرار أن تؤدي مهاماً لم يكن مطلوباً منك أن تؤديها أو تشعر بالذنب، فهذه إنتاجية ضارة"، وإنَّ الشعور بالتعب والإرهاق هو علامة أخرى تنبهك إلى الإنتاجية المسمومة، حتى لو كانا أول ما تشعر بهما في الصباح.

تقول "ميلاساس": "انظر إلى مقدار الطاقة التي تملكها في الصباح؟ فهل تستيقظ في الصباح عندما تضغط على خيار الغفوة في المنبه، أم أنَّك تستيقظ بشكل طبيعي دونما أيِّ منبه؟ وكيف هي حالتك الجسدية عندما تستيقظ؟ وهل قررتَ أنَّ هذا الشعور طبيعي، أو أنَّ الأمور تسير دائماً بهذه الطريقة؟".

تُضيف "ميلاساس": "يجب ألَّا يكون الشعور بالإرهاق أمراً طبيعياً، ويمكن أن يكون علامة على أنَّك عالق في دائرة من الإنتاجية السامة".

تقول "لوري رويتيمان" (Laurie Ruettimann)، مستشارة الموارد البشرية ومؤلفة كتاب "المراهنة عليك: كيف تجعل نفسك أولاً و(أخيراً) تتحكم في حياتك المهنية" (Betting on You: How to Put Yourself First and (Finally) Take Control of Your Career): "انظر كيف تبرز نفسك في مكان العمل أيضاً، ولاحظ ما إذا كنت تشعر أنَّك بحاجة إلى إظهار مدى اجتهادك في العمل".

تقول "رويتيمان": "إنَّ إحدى العلامات التي تدل على الإنتاجية السامة هي الدعوة إلى اجتماع عبر برنامج "زووم" (Zoom)، عندما يكون من المؤكَّد أنَّ إجراء مكالمة هاتفية أو التواصل عبر إرسال البريد الإلكتروني سوف يفي بالغرض، كما أنَّ إحدى الطرائق الأخرى التي تشير إلى الإنتاجية السامة هي استخدام الكثير من المصطلحات التي تطيل المحادثة؛ لأنَّك تخشى كيف ستبدو المحادثة إذا كنتَ موجزاً ​​ومختصراً فحسب".

إقرأ أيضاً: علامات تدل على الإصابة بمتلازمة الاحتراق النفسي المهني

2. ألغِ سؤالاً مثل "ماذا يجب أن أفعل الآن؟" من مفرداتك واستبدله بسؤالٍ آخر:

عندما تنتهي من إنجاز مشروع ما، هل تمنح نفسك استراحة تستحقها، أم أنَّك تسارع للبدء بإنجاز المشروع التالي دون تفكير؟ وهل تسأل نفسك باستمرار "ماذا عليَّ أن أفعل الآن؟" حتى عندما تكون في عطلة نهاية الأسبوع؟

تقول "ميلاساس" إنَّ هذا السؤال هو علامة واضحة من علامات الإنتاجية السامة، كما قالت إنَّ السؤال الأفضل الذي يجب أن تطرحه على نفسك هو: "ما الذي يمكنني فعله بسهولة الآن؟ وما الذي يتطلبه الأمر لفعل هذا دون الشعور بأيِّ ضغوط؟".

3. اعلم أنَّ رئيسك أو مديرك أقل اهتماماً ببذل الجهود الإضافية ممَّا تعتقد:

تقول "رويتيمان" إنَّ الأمر المضحك في الإنتاجية السامة هو أنَّها موجودة في تفكيرنا، أكثر ممَّا هي في بيئات العمل الفعلية لدينا؛ بعبارة أخرى، هناك عدد قليل جداً من الرؤساء الذين يهتمون إذا كنت تعمل بجد على مدار الساعة، وتضيف "رويتيمان" أيضاً: "إنَّ ما يبهرهم ويعجبهم هو إنجازاتك، وليس عدد الساعات التي استغرقتَها في إنجاز عمل ما، ولا يعني المديرون الفارق بين العمل مدة 40 ساعة و50 ساعة؛ إذ إنَّ كل ما يريدونه هو تقديم عملٍ جيد فحسب".

4. ضع "الرعاية الذاتية" في قائمة مهامك:

ابذل جهداً إضافياً للرعاية الذاتية، بالطريقة التي تريد بها الاهتمام بذاتك، فربما تحصل على هذه الرعاية عن طريق ممارسة رياضة الركض في الصباح الباكر، أو أخذ استراحة لشرب الشاي بعد الظهر، وربما تكون في تناول رقائق الشيبس ومتابعة المسلسلات.

تقول الخبيرة في مكان العمل ومؤلفة كتاب "روِّض طاغية المكتب المخيف: كيف تتعامل مع سلوكات المدير الصبيانية وتستمر في عملك" (Tame Your Terrible Office Tyrant: How to Manage Childish Boss Behavior and Thrive in Your Job): "مهما كانت الطريقة التي تحل بها مشكلاتك، ينبغي أن تعطي الرعاية الذاتية الأولوية، تماماً كما تفعل مع مشروع عمل هام".

وتضيف: "تتطلب الأوقات غير العادية جهوداً استثنائية، وإنَّ جائحة كورونا هي من الأوقات غير العادية؛ حيث إنَّ الجسد والعقل في حالة تأهب قصوى شئنا أم أبينا، فأنت لديك جسد واحد فقط، وهذا هو الوقت المناسب للاهتمام به".

شاهد بالفيديو: 12 وسيلة فعالة للرعاية الذاتية لا يمكنك العيش دونها

5. استبدل الإنتاجية السامة بـ "الانفصال المهني":

إذا كنت تعاني من حالة سيئة من الإنتاجية السامة في العمل، فأنت بحاجة إلى تعلُّم مهارة الانفصال المهني، وهو المصطلح الذي حدَّدَته "رويتيمان" في كتابها والتي تقول: "سوف تنقذ روحك"؛ حيث إنَّ الانفصال المهني يبدو مثل البقاء ملتزماً بوظيفتك والقيام بعمل جيد مع فهم أنَّ "الوظيفة ليست هويتك الوحيدة".

تقول "رويتيمان": "عندما تكون منفصلاً من الناحية المهنية، فإنَّك تعامل الجميع مثل العملاء سواء كان رئيسك في العمل أم أقرانك أم زملائك، كما أنَّك تختار أن تكون في شركتك؛ لذلك احضر إلى العمل وكن محترفاً واعمل بجد وأظهر كفاءتك، ولكن عليك أن تكون أيضاً منفصلاً من الناحية العاطفية عن وظيفتك".

إقرأ أيضاً: كيف تكون موظفاً محترفاً؟

6. تذكَّر كم سيطرت ثقافة الانشغال على عقلك وتخلص منها:

يُعرَف الأمريكيون بسوء فهمهم للتوازن بين الحياة العملية والشخصية؛ فالناس هناك لا يحبذون فكرة الراحة في أيام العطلة، وهم مثقلون بالعمل، خاصةً في أثناء الوباء؛ إذ إنَّهم يرسلون رسائل بريد إلكتروني غير ضرورية خلال عطلة نهاية الأسبوع، إنَّهم ببساطة لا يستطيعون التوقف عن العمل.

كن صادقاً مع نفسك بشأن مدى اقتناعك بالأسطورة القائلة إنَّه عليك العمل طوال الوقت، تقول "ميلاساس" إنَّه في المرة القادمة التي تقرر فيها تولِّي مهمة لا تملك القدرة العقلية اللازمة لتنفيذها، توقف واسأل نفسك: "ما الذي أختار القيام به الآن، ولماذا؟".

كما تقول أيضاً: "أنت تحتاج إلى معرفة ما إذا كنتَ تختار حقاً ما هو الهام بالنسبة إليك، أو أنَّك تختار ما تعتقد أنَّه يجب عليك القيام به أو ما يقول المجتمع إنَّه يجب أن يكون هاماً؛ حيث يكمن جزءٌ كبير من الإنتاجية السامة في القيام بما نعتقد أنَّه يجب علينا القيام به، بدلاً من اختيار ما المناسب بالنسبة إلينا".

وتضيف "ميلاساس" بقولها إنَّنا قد اقتنعنا من الناحية الثقافية بفكرة أنَّه "عليك أن تعمل ساعات طويلة وأن تتعامل مع المواقف الصعبة، لكن لا يوجد سبب يمنعك من تغيير هذا المعتقد؛ إذ ينبغي ألَّا يكون خيارك الافتراضي "الانشغال من أجل الانشغال" إذا لم تكن بحاجة لذلك، وبالتأكيد لا تفعل ذلك إذا كان رئيسك نادراً ما يلاحظ ذلك على أيِّ حال.

تقول "ميلاساس": "إذا كنت ترغب في تجنب الإنتاجية السامة، فإنَّ ما أقترحه عليك هو أن تعيش حياتك، بدلاً من ترك العمل أو الإنتاجية الزائدة تسيطر على حياتك؛ إذ إنَّك تملك حياة واحدة فقط، وهذه الحياة التي تعيشها الآن ليست تجربة؛ هذا كل شيء!".

المصدر




مقالات مرتبطة