6 فوائد صحية مثبتة علمياً للتأمل

يرجع تاريخ التأمُّل إلى ما لا يقل عن 3000 سنة، وقد أصبح اليوم ممارسة لتعزيز السيطرة العقلية والوضوح والشعور بالراحة، وعلى الرغم من أنَّ بعض الناس يستخدمون التأمل كجزء من ممارستهم الدينية، إلا أنَّ الآخرين الذين يمارسونه يقومون بذلك للحصول على فوائده الصحية العديدة.



يعد هذا الأمر مفهوماً وواضحاً نظراً للوقت القليل الذي يستغرقه استخدام التأمل بفاعلية يومياً؛ حيث يستغرق حوالي 20 دقيقةً فقط، وهو أقل من الوقت الذي نقضيه في تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي.

دعونا نلقي نظرة في هذا المقال على ست فوائد صحية مثبتة علمياً للتأمل:

1. تقوية جهاز المناعة:

أحد الجوانب الأكثر إثارة للدهشة في التأمل هو تأثيره في جهاز المناعة لديك؛ فقد تبين أنَّ تهدئة عقلك بانتظام يساعد على مقاومة مختلف الأمراض، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ التأمل جدار حماية سيمنعك من الإصابة بالإنفلونزا مرةً أخرى، ومع ذلك، يوجد دليل قوي جداً يؤكِّد أنَّه يمكن أن يقلِّل بصورة كبيرة من فرص إصابتك بالمرض.

ومن الأمثلة عن هذه الفائدة، دراسة قارنت بين ثلاث مجموعات من الناس؛ مجموعة تحكم لم يطرأ أي تغييرٍ على حياتها اليومية، ومجموعة يمارس أعضاؤها التمرينات الرياضية يومياً، ومجموعة تمارس التأمل يومياً.

ووجدت الدراسة أنَّه بعد مرور ثمانية أسابيع، انخفضت نسبة إصابة مجموعة التأمل بالتهابات الجهاز التنفسي إلى أقل من 30% مقارنةً بمجموعة التحكم، وبالإضافة إلى ذلك، كانت شدة الأمراض التي أصابت الأشخاص ضمن مجموعة التأمل أقل بكثير من التي أصابت الأشخاص الذين يمارسون الرياضة أو أفراد مجموعة التحكم.

العِبرة: قد لا تكون الجرعة المنتظمة من الدواء الأمر الوحيد الذي يساعد على الوقاية من بعض الأمراض.

كيف يعمل التأمل في هذه الحالة؟ لا أحد يعرف تحديداً، ولكن يبدو من المحتمل أنَّه نظراً لأنَّ التأمل يقلِّل من التوتر؛ فإنَّه يساعد الجسم على البقاء في حالة استعداد قوية لمكافحة المرض.

2. انخفاض التوتر النفسي:

نحن جميعاً نعاني من التوتر، ولكن بعض الأمور التي تسبب التوتر قد تكون رائعة، مثل الزواج والذهاب في إجازة والانتقال إلى منزل أحلامك، ومع ذلك يوجد العديد من مصادر التوتر المزعجة، مثل طردك من العمل، وفقدان أحد أفراد أسرتك (لا سمح الله)، وتكاليف إصلاح سيارتك.

بغض النظر عن مصدر التوتر، وفيما إذا كان رائعاً أو مزعجاً، يمكن أن يؤثر سلباً في قِواك العقلية والبدنية، ومن ثم فإنَّ إيجاد طرائق فعَّالة للتحكم في توترك أمر هام جداً لعيش حياة مُجزيةٍ ومليئةٍ بالحيوية.

يمكن أن يكون التأمل أحد الأدوات المستخدمة لتحقيق هذا الهدف، وقد ظهر ذلك في العديد من الدراسات، فعلى سبيل المثال، قارنت الباحثتان كارا جيري (Cara Geary) وسوزان روزنتال (Susan Rosenthal) مستويات التوتر لدى مجموعتين على مدار ثمانية أسابيع؛ حيث تلقَّت إحدى المجموعات تدريباً على التأمل (ثم أدته باستمرار)، بينما تعاملت المجموعة الأخرى مع التوتر بطريقتها المعتادة.

ليس من المدهش أن ينخفض التوتر الذي تشعر به المجموعة التي مارست التأمل بصورة ملحوظة بعد ثمانية أسابيع، لكنَّ الأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو أنَّ هذه المجموعة استمر انخفاض مستويات التوتر لديها بعد عام واحد، وبالإضافة إلى ذلك، قُيِّم شعورهم العام بالرفاهية بأنَّه أعلى من أولئك الذين لم يتلقوا تدريباً في التأمل.

العبرة: هي أنَّ التعرف بإيجازٍ إلى التأمُّل يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في نمط الحياة بحيث يكون له تأثيرات طويلة الأمد.

شاهد بالفيديو: 9 نصائح تساعدك في الوصول إلى السلام الداخلي

3. تحسين جودة النوم:

لقد اختبر الجميع مدى تأثير النوم في مزاجهم وقدرتهم على العمل بفاعلية؛ حيث يعد النوم الجيد أساساً لبدء اليوم التالي، كذلك يشكِّل قضاء ليلة من التقلبات عقبةً أمام المضي قدماً نحو تحقيق أهدافك في اليوم التالي.

وقد أظهرت الإحصاءات أنَّ 60 مليون أمريكي يعانون من هذه المشكلة كل عام، فإذا كنت من الأشخاص الذين يواجهون صعوبةً دائمةً في الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم الجيد، فقد يكون التأمل هو الأمر الوحيد الذي سيساعدك على تجاوز ذلك.

أُجرِيَت دراسة على مجموعة من المشاركين - الذين يعانون كثرة اضطرابات النوم - لمدة عام واحد؛ حيث قسَّم الباحثون المشاركين إلى مجموعتين فرعيتين، وتعلَّمت إحدى المجموعتين أساليب التأمل البسيطة، في حين تلقَّت المجموعة الأخرى تعليمات حول طريقة الحصول على قسطٍ أفضل من النوم ليلاً (على سبيل المثال، وضع نظام روتيني وتقليل تناول الكافيين وما إلى ذلك).

بعد مرور عام، أظهرت هاتان المجموعتان اختلافات كبيرة في جودة نومهما؛ حيث تحسَّن نوم مجموعة التأمل بصورة ملحوظة، على غرار ما وُجِدَ لدى الأشخاص الذين يستخدمون الأدوية لعلاج مشكلات النوم، وقد وجدوا أنَّ قوة التأمل في تحسين جودة النوم كانت مساوية تقريباً لتلك الموجودة في الأدوية أو العلاج السلوكي المعرفي.

أما المجموعة الأخرى التي تلقَّت تعليمات للحصول على قسط أفضل من النوم والراحة ليلاً، أظهرت تحسناً بسيطاً في نومها.

لكنَّها ليست الدراسة الوحيدة التي تدعم العلاقة بين التأمل وتحسين النوم، فقد وجد بحث أُجرِيَ عام 2018 شمل 18 دراسة تتعلق بالتأمل شارك فيها 1654 مشاركاً، أنَّ التأمل أدى إلى تحسين جودة النوم أكثر بكثير من استخدام أسلوب الانتظار والترقب.

إقرأ أيضاً: 8 وسائل للحصول على قسط وافر من النوم ليلاً

4. انخفاض شيخوخة الخلايا:

على الرغم من أنَّ ممارسة التأمل لا تؤدي إلى الشباب الدائم، إلا أنَّها تقلل من سرعة تقدُّم الخلايا في السن وتحلُّلِها في النهاية، وقد يبدو أنَّ جزءاً من الآلية التي يحفز بها التأمل هذا التأثير هو زيادة وجود التيلوميراز، وهو إنزيم يحمي المورثات من الشيخوخة (يحميها ولكنَّه لا يمنع حدوثها في النهاية).

عندما يكون هذا الإنزيم نادراً، تميل الخلايا إلى التقدُّم في السن بسرعة، وعندما يتواجد بكثرة، فإنَّ الخلايا تتقدَّم في العمر ببطء، كذلك يزداد إفراز إنزيم التيلوميراز عندما يتكيَّف شخص ما مع الحياة جيداً، وينخفض عندما يشعر المرء بالتوتر الشديد.

يبدو أنَّ التأمل يسبب زيادة في هذا الإنزيم، ومن ثم يقلِّل من معدل شيخوخة الخلايا، قد تكون الآلية التي يحدث بها ذلك هي انخفاض التوتر النفسي الذي غالباً ما يُلاحظ عند الأشخاص الذين يتأملون، فمن خلال تخفيف حدة التوتر في الحياة، وزيادة الشعور بالصحة والرفاهية، يجب أن يزداد وجود التيلوميراز؛ ممَّا يساعد على عيش الخلايا لفترة أطول.

كلَّما طالت مدة بقاء خلاياك، قلَّت الحاجة لاستبدالها، وتقدَّمت في السن ببطء.

إقرأ أيضاً: كيف نحصل على نتائج التأمل في حياتنا؟

5. تحسين الذاكرة:

تُظهِر العديد من الدراسات أنَّ التأمل يعزِّز الذاكرة، ومن ثم يحسِّن تدفُّق الدم في الدماغ، ممَّا قد يفسر التحسن في الذاكرة.

على الرغم من أنَّ الدراسات لم تُظهِر أنَّ أي شكل من أشكال التأمل يتفوق على الآخر، إلا أنَّها أظهرت أنَّ الحصول على هذه الفوائد يحتاج إلى ممارسة التأمُّل 10 دقائق في اليوم، وبالإضافة إلى ذلك، يبدأ التحسن في الذاكرة بالظهور بعد فترة وجيزة من بدء الشخص التعود على ممارسة التأمُّل كل يوم.

من أمثلة ذلك دراسة قارنت مجموعتين من الأشخاص؛ حيث تتألف المجموعة الأولى من أشخاص استمعوا إلى تسجيل عن التأمل مدته 13 دقيقةً يومياً، في حين استمعت المجموعة الأخرى من الأشخاص إلى تدوينةٍ صوتية مدتها 13 دقيقةً ولا علاقة له بالتأمل.

بعد مرور ثمانية أسابيع، اختُبِرَت كلتا المجموعتين وأظهرت المجموعة التي تأملت يومياً تحسناً ملحوظاً في كل من الذاكرة طويلة الأمد وذاكرة التعرف، وليس من المدهش أنَّهم أظهروا أيضاً توتراً أقل.

6. انخفاض الشعور بالقلق:

القلق هو جزء من الحياة يشعر به الجميع من وقت لآخر، فهو ينشأ ويصبح مصدر إزعاجٍ مؤقت ويجري التعامل معه وحله.

ومع ذلك، يصبح القلق بالنسبة إلى بعض الأشخاص مصدراً أساسياً، وينتج عنه عواقب تُغيِّر الحياة، مثل فقدان العمل والعلاقات المدمرة والفرص الضائعة وبعض الأمراض الجسدية، حتى الشعور بالقلق المعتدل (ولكن المزمن) يمكن أن يكون له تأثير كبير في سعادة الشخص وقدرته على العمل في أفضل حالاته.

لحسن الحظ، يوجد العديد من الأساليب الفعَّالة لتقليل الشعور بالقلق أو القضاء عليه وتشمل العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، والأدوية، والعلاج بالتعرض (Exposure Therapy)، والعلاج المركَّز على التجربة التصحيحية (Corrective Experience Focused Therapy)، وغيرها، لكن لا يمكن لأي من هذه الأساليب أن ينافس بساطة وسهولة التأمل.

استنتج بحث أُجرِيَ عام 2010 شمل 39 دراسة أُجريَت على 1140 شخصاً، أنَّ التأمل له تأثير إيجابي في تقليل الشعور بالقلق، ومن المثير للاهتمام، ما وجده مُعدُّوا البحث أيضاً من أنَّ التأمل مفيد أحياناً في تقليل القلق الذي يظهر بسبب الألم المزمن وعلاجات السرطان.

ليس من الضروري أن يُمارَس التأمُّل فتراتٍ طويلة حتى يكون فعَّالاً في تقليل الشعور بالقلق، 20 دقيقة فقط في اليوم يمكن أن تكون مفيدة لمساعدتك على ذلك.

من المحتمل أن يلاحظ معظم الناس تحسناً في مستويات القلق لديهم بممارسة التأمل لمدة عشر دقائق مرة في الصباح ومرة في المساء.

إقرأ أيضاً: علامَ تدل الأحاسيس التي تظهر في أثناء ممارسة التأمل؟

في الختام:

يمكن أن ينتج عن ممارسة التأمل لفترات قصيرة العديد من الفوائد، ومع ذلك، لا يتطلب الأمر سوى القليل من الجهد والوقت، فمن السهل تعلُّم التأمل ويمكن القيام به في المنزل أو في المكتب أو عند السفر لأماكن بعيدة.

يمكن لأي شخص يريد تحسين جودة حياته الاستفادة من التأمل بسهولة، كل ما عليك القيام به هو اتخاذ قرار والبدء اليوم.

يمكنك القيام بذلك بسهولة من خلال الاستماع لبعض التسجيلات المتعلقة بالتأمل؛ حيث يمكنك الاستماع إلى إحدى التأملات الموجهة للأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical school) رونالد جي سيغل (Ronald D. Siegel)، وباربرا فريدريكسون (Barbara Fredrickson)، أستاذة علم النفس بجامعة نورث كارولينا (University of North Carolina)، وهي واحدة من أبرز الباحثين في مجال التأمل؛ حيث يوجد لديها دروس تأمُّل مجانية على موقعها على الإنترنت ستجعلك تبدأ في الاستمتاع بفوائد جعل التأمل ممارسة يومية.

المصدر




مقالات مرتبطة