مِثل وباء يتفشَّى خلسةً، ومختبئاً بين آلاف الرسائل التي تنبثق دون توقُّف من أجهزتنا الإلكترونية، والدندنة التي لا تنتهي، يكمن صوت عصرنا، فيصلنا طنين دائم من الإشعارات نستجيب لها بـ "الإعجابات" (likes)، و"التعليقات" (comments)، و"إعادة نشر التغريدات" (retweets)، و"التصنيفات" (labels)، ونقرأ كل يوم آلاف وآلاف الرسائل، تستهلك كلٌّ منها ثانيتين لا أكثر من وقتنا، ونتفاعل معها، ثمَّ نتابع التصفح لاستهلاك المزيد من المعلومات، والتظاهر بخوض الأحاديث والانتقاد والتواصل مع أشخاص ليسوا موجودين في الحقيقة أمامنا.
كما يختبئ خلف ملصقات ملونة، ومعارض صور لا تنتهي، وميمز (memes) مضحكة تفرحنا حتى في أتعس الأوقات، وإدمان هرمون "الدوبامين" (dopamine) المستتر الذي يشدُّنا إلى شاشات تعكس تفاصيل حياتنا مرة تلو الأخرى؛ حيث يكمن خلف كل ذلك رغبتنا بأن نُظهر للآخرين أنَّنا سعداء دوماً، وأنَّنا أذكياء، وفريدون، وطريفون، ونستمتع بوقتنا، وأنَّنا نعيش في عالم تغمره السعادة والإيجابية طوال الوقت، حيث تتجلَّى أفضل خصالنا فقط وتُمدَح على الدوام بالإعجابات؛ ففي ذلك العالم لا وجود لشيء اسمه النقد، وأيُّ ما يشبهه يدعى "التصيُّد" (trolling).
أصبحنا نخلط بين تلقِّي الإعجابات أو عدم تلقِّيها وبين النقد، في ظلِّ شبكات التواصل الاجتماعي التي توفِّر لنا الحماية، حتى أنَّنا حين نتعرض له فجأة لا ندري كيف نتصرف؛ ولهذا تحبطنا آراء مُعلِّمنا، أو زميلنا، أو مديرنا بعملنا في الحياة الواقعية، حتى عندما تكون صحيحةً، وتدفعنا نحو حفرة عميقة من الظلمة والاكتئاب؛ ذلك لأنَّنا لم نعتد على تلقِّي النقد، ودون الحماية التي تمنحنا إياها شاشاتنا لنختبئ خلفها، نشعر بالضعف وأنَّ الشخص الآخر يهاجمنا، في حين قد يكون يحاول مساعدتنا، فمعظم الوقت الانتقادات ليست تعليقات سلبية، ويجب أن تتعلم تقبُّلها وتحويلها إلى طاقة إيجابية مبدعة؛ لذا نستعرض فيما يلي ستَّ نصائح لتساعدك على ذلك:
1. لا تغضب:
من الطبيعي أن تدافع عن عملك الذي بذلتَ وقتاً وجهداً لإنجازه حين ينتقده أحد ما، لكن خذ نفساً عميقاً ولا تغضب؛ بل قدِّر واعترِف بالوقت الذي قضاه الشخص الآخر للاطلاع على عملك وإبداء رأيه فيه، وبدلاً من أن تغتاظ منه وتغلق مسامعك عن تعليقاته، أصغِ إليه وحاوِل فهم ما يقوله، لكن تذكَّر أنَّ الاهتمام بآراء الآخرين لا يعني الاتفاق معها؛ إذ لا يمكِن لأحد إجبارك على تغيير وجهة نظرك، لكن حين تتقبَّلها، قد تلاحظ جوانب يمكِن أن تسمح لك بتحسين نوعية عملك.
شاهد بالفيديو: كيفية التحكم بالانفعالات وضبط النفس
2. ركِّز على النقد البنَّاء:
عند تلقِّي النقد سيكون هناك نقاط تختلف معها؛ لذا من الهام أن تُصنِّف التعليقات تبعاً لفائدتها قبل أن تقرر كيف ستتعامل معها، وإن لم تفهم أمراً ما، فاسأل صاحب التعليق حتى يتَّضح لك معناه تماماً، وحين تفهم مغزى التغذية الراجعة حدِّد الجوانب التي يمكِن أن تساهم في تحسين عملك وحاوِل تطبيقها.
3. لا تتعالَ:
أحياناً تكون ردة فعلنا الأولى عند تلقِّي النقد التشكيك في مصداقية صاحبه بدافع الغضب؛ إذ نُفضِّل أن ننظر إليه على أنَّه تصيُّد حتى لو لم يكن كذلك، ولكن إن كان الناقد شخصاً خبيراً بمجال عملك، فاستفِد من رأيه، فلمجرد أنَّك موهوب وبارع لا يعني أنَّك مثالي ومعصوم عن الخطأ؛ لذا إن كنتَ محظوظاً وتلقَّيتَ نقداً من شخص أكثر خبرةً منك، فلا تكن متعجرفاً؛ بل حلل ما يقوله لك بتمعُّن قبل التشكيك به.
4. أدرِك النوايا الحسنة:
يسبب العالم الافتراضي تشوهاً آخر في مفاهيمنا يدفعنا إلى الاعتقاد بأنَّ أيَّ شخص يتجرأ على انتقادنا هو متصيِّد لا أكثر، لكنَّ ذلك غير صحيح، ويؤدي إلى تجاهل مئات التعليقات القيِّمة وحسنة النية وتصنيفها "تصيُّداً"، بينما ستصادف كلمات قاسية وتعليقات لئيمة دون شك، لكنَّ معظم الأشخاص الذين يقضون وقتاً في الاطلاع على عملك ثمَّ التعليق عليه تكون نواياهم طيبة؛ وذلك يشمل مُعلِّمك ومديرك اللذين قد تنظر إليهم كألدِّ أعدائك، لكن صدِّق أو لا تصدق، فهؤلاء هم الأشخاص الذين يكترثون ويريدون لك أن تُحسِّن عملك أكثر من أيِّ أحد آخر؛ إذ إنَّ واجبهم أن يوضحوا لك أخطاءك، ويوجهوك إلى فرص التحسين إن وُجِدَت؛ لذا لا تأخذ انتقادهم على محمل شخصي؛ بل ابحث دائماً عن طريقة للاستفادة منها.
5. لا تبالغ:
فلنواجه الحقيقة، لن يحب الجميع عملك، ويستطيع أن يؤكد ذلك أشهر الكتَّاب، ولاعبي كرة القدم، ومخرجي الأفلام؛ حيث سيكون هناك دائماً شخص ما يحاول التقليل من قيمة عملك، وبالطبع سيكون بعض من هذا النقد عدائياً وهدَّاماً، فلكل نجاح كارهون لن يعجبهم عملك مهما حاولتَ؛ لذا عليك تقبُّل وجودهم، لكن لا تسمح لآرائهم بالتأثير في ثقتك بنفسك.
6. أعرِب عن امتنانك للنقد:
تستطيع آراء الآخرين مساعدتك على تطوير فكرة ما، وعلى عكس "الإعجابات"، إنَّ التغذية الراجعة ذات معنىً واضح وتُقدِّم المزيد من التفصيل والتعمق، كما يمكِن أن تصف الجانب الإيجابي والسلبي من الأمور، وبالطبع، كلنا نحب أن نفكر أنَّ أي شيء نفعله مثالي، لكنَّ هذه ليست الحقيقة ولن تكون كذلك أبداً، فكل عمل قابل للتحسين، وعليك تركيز جهودك على ذلك؛ لذا بدلاً من كرهه أو إنكاره، تقبَّل النقد، واستفِد منه لتُقوِّي عملك.
أضف تعليقاً