كتاب كيفية تعلم اللغات:
لكن ما هو قول العلم في تعلم اللغات؟ يتناول مقالنا كتاب كيفية تعلم اللغات (How Languages are Learned) بقلم المؤلفتين "باتسي لايت باون" (Patsy Lightbown) و"نينا سبادا" (Nina Spada)، وهو دليل تدريبي لمعلمي اللغات الأجنبية، يتحدث حول مجموعة متنوعة من الأبحاث عن تعلم اللغات، ويلخص الكتاب 6 مناهج شائعة لتعلم اللغات مع الأدلة المؤيدة والمعارضة لها، هي:
1. الأولوية للدقة:
كانت الترجمة هي النهج التقليدي لتدريس اللغات الذي يرتكز على إعطاء الطلاب قوائم بالمفردات والقواعد النحوية، ويطلب منهم ترجمة النصوص اللاتينية أو اليونانية، قد يكون هذا مفيداً لتقدير الأدب القديم، لكنَّه لا يلبي أهداف التواصل للطلاب المعاصرين الذين يتعلمون الفرنسية أو الإسبانية.
سعى المنهج السمعي الشفهي المستوحى من علم النفس السلوكي إلى استبدال النهج القائم على النداء والاستجابة بالنهج القائم على النص، وفي هذا النهج الأحدث، يصوغ الطلاب جملاً صحيحة اقتداءً بمعلمهم، وبتدريس الأنماط تدريساً صحيحاً من البداية، لن يرتكب الطلاب أية أخطاء.
الافتراضات الأساسية لنهج أولوية الدقة:
لقد كان النهج الذي يعتمد على الدقة في المقام الأول شائعاً منذ مدة طويلة في الصف الدراسي، لكنه فقد شعبيته بين الباحثين عندما بدأ التشكيك في الافتراضات الأساسية لهذا النهج:
- لا يعتمد استخدام اللغة في معظمه على التقليد الدقيق، فنحن نصوغ جملاً جديدة للتعبير عن المعاني التي نريدها على ذلك، قد لا يؤدي استخدام المنهج السمعي الشفوي إلى تعلُّم اللغة بالطريقة الصحيحة.
- يبدو أنَّ الطلاب يتعلمون القواعد النحوية بترتيب ثابت بصرف النظر عن كيفية تدريسهم، وهذا يشير إلى أنَّ تفادي جميع الأخطاء شبه مستحيل.
- يتعارض التعلم في الصفوف الدراسية مع الاستخدام الطبيعي للغة، ويذكر الكتاب دراسة وجدت أنَّ الطلاب الذين دُرِّسوا نمطاً معيناً، استخدموه بكثرة، ولكن كثرت أخطاؤهم في جملٍ أخرى أيضاً.
ربما كانت الضربة القاضية التي وجهها الفيلسوف نعوم تشومسكي (Noam Chomsky) لنظرية التفسير السلوكي للغة التي قدمها اختصاصي علم النفس والسلوكات "بورهوس فريدريك سكينر" (B. F. Skinner) هي التي شجعت الباحثين على البحث عن أساليب جديدة لتعلم اللغات.
2. المدخلات هي كل ما تحتاج إليه:
كان الباحث اللغوي "ستيفن كراشين" (Stephen Krashen) من أشد المنتقدين لنهج "الأولوية للدقة" في تعلم اللغات، ترى فرضية المُدخلات التي اقترحها أنَّ التمرينات النحوية ونهج التكرار غير مُجديين في تعلم اللغات، وأنَّ كل ما تحتاج إليه هو مُدخلات مفهومة لتعلم اللغة، وتشير المدخلات هنا إلى اللغة التي تستمع إليها أو تقرأها لفهم معناها، لا لتحليل تراكيبها النحوية، وهذا يعني أنَّ الكتاب أو لافتة الشارع أو المحادثة التي تحاول فهمها هي مدخلات؛ أمَّا الجمل التي تتعلمها من الكتاب المدرسي فهي ليست كذلك.
للأساليب القائمة على المدخلات جاذبيتها: التدريبات ليست ممتعة بالضرورة، وقد تكون فرص التحدث نادرة ومحرجة؛ أمَّا الكتب والتسجيلات الصوتية فهي متاحة في أي مكان، وقد وجدت إحدى الدراسات أنَّ أداء الطلاب الذين تعلموا في الفصل الدراسي قائم على المدخلات، كان يضاهي (أو أفضل) من نظرائهم الذين درسوا في صف تقليدي، وقد شمل ذلك مهارة التحدث أيضاً مع أنَّهم لم يمارسوها قط.
مع ذلك، دحضت بعض الدراسات ادعاءات فرضية "كراشين" الجريئة، ووجدت الأبحاث التي أُجريت على طلاب درسوا الفرنسية عن طريق تلقي كميات هائلة من المدخلات اللغوية، أنَّه على الرغم من ممارستهم هذا النهج سنوات عديدة ومن وصولهم إلى مستويات المتحدثين الأصليين في فهم اللغة، فإنَّهم ما زالوا يرتكبون أخطاء نحوية في أثناء التحدث لا يرتكبها المتحدثون الأصليون، يبدو أنَّ الطلاب يستفيدون من تخصيص بعض الدروس لتعلم القواعد والنحو تحديداً.
3. التحدث أهم شيء:
من النظريات الأخرى لتعلم اللغات، النظرية التي تقول بحاجة الطلاب إلى التواصل التفاعلي، وليس فقط المدخلات، فقد عكست فرضية المخرجات التي قدمتها عالمة اللغة "ميريل سوين" (Merrill Swain) فرضية المدخلات التي وضعها "كراشين"، بحجة أنَّ الحاجة إلى التعبير عن أفكار أكثر تعقيداً هي الدافع لتعلم اللغة. وبالمثل، أيَّدت فرضية اختصاصي علم اللغة النفسي "مايكل لونج" (Michael Long) أنَّ التفاعل، وليس فقط المدخلات، ضروري للتعلم.
إحدى مزايا الأساليب القائمة على التفاعل هي أنَّ المتحاورين يعدلون مستوى التواصل بحيث يفهمه الطالب، وفي المقابل، الكتاب أو التسجيل الصوتي ثابت، وهذا يجعل من الضروري العثور على مواد بمستوى الصعوبة المناسبة تماماً.
ومن المزايا الأخرى أنَّ التواصل الحقيقي يسمح للطلاب بوضع افتراضات عن الأسلوب اللغوي وبتلقي تغذية راجعة فورية بناءً على نجاحهم، وفي المقابل، لا تسمح الأساليب التي تركز فقط على المدخلات أو التدريبات بهذه التجربة.
مع ذلك، قد تصعِّب الأساليب التفاعلية البحتة التي تخلو من دراسة القواعد اكتساب عادات التحدث الصحيحة، وعادةً لا يصحح المتحاورون الأخطاء عندما يُفهم المعنى، ولا يستفيد معظم الطلاب من التغذية الراجعة التي تكرر عباراتهم بطريقة صحيحة.
4. استخدام اللغة في تدريس مواد أخرى:
يمثل الوقت عقبة كبيرة في تعلم اللغات، فالأطفال يتعلمون ويتحدثون بلغتهم الأم طوال الوقت، ولن يستطيع من يكبرهم سناً مهما بلغ من الذكاء أن يضاهيهم إذا كان يتعلم اللغة نصف ساعة في الأسبوع.
أحد الحلول لهذه المعضلة هو الجمع بين تعلم اللغة والأهداف الأكاديمية الأخرى، وفي هذه البرامج، لا تُدرَّس اللغة بوصفها مادة منفصلة؛ وإنَّما تُستخدم في تدريس مواد أخرى.
تعد برامج تعلُّم اللغة الفرنسية في كندا أحد أنجح الأمثلة عن ذلك، فابتداءً من رياض الأطفال، يدرس الطلاب الناطقون باللغة الإنجليزية المنهج باللغة الفرنسية، بدلاً من الإنجليزية، وعندما يصلون إلى الصف الثاني عشر، يكونون قد اكتسبوا قدرات لغوية قريبة من المتحدثين الأصليين، وتمكنوا أيضاً من دراسة نفس المنهج الذي درسه زملاؤهم باللغة الإنجليزية.
شاهد بالفيديو: وفقاً للباحث النفسي كريس لونسيدل" كيف تتعلم لغة جديدة بطلاقة في 6 أشهر؟"
عيوب برامج تعلم اللغات:
لاحظ مؤلفا الكتاب المذكور آنفاً أنَّ هذه البرامج مفيدة جداً في تعلُّم اللغات، ولكن تشوبها بعض العيوب:
- قد يستغرق الطلاب عدة سنوات لتحقيق أداء أكاديمي جيد في لغة جديدة، وهذا يشير إلى أنَّ هذا النهج قد لا ينجح عند تطبيقه في عمر متأخر أو إذا لم يكن لدى الطلاب الوقت الكافي للتكيف مع لغة التدريس الجديدة بسبب ضخامة المنهج الدراسي المفروض عليهم.
- قد لا ينجح هذا النهج في اكتساب قدرات لغوية تضاهي المتحدثين الأصليين إذا لم يكن لدى الطلاب فرصة كافية للممارسة أو لم تُدرَّس اللغة بوصفها مادة منفصلة.
5. الدراسة بالتسلسل الصحيح:
في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، أفاد عالم اللغة "مانفريد بينيمان" (Manfred Pienemann) وزملاؤه بأنَّ قواعد اللغة لا يمكن تعلمها ببساطة بأي ترتيب، فمتعلمو اللغة الأجنبية - مثل الأطفال الذين يتعلمون لغتهم الأم - يتعلمون القواعد النحوية بترتيب ثابت لا يتغير مهما كان أسلوب التدريس.
حسب هذا الرأي، يمكن تدريس بعض ميزات اللغة، مثل المفردات، في أي وقت؛ أمَّا ميزات أخرى، مثل تقديم الفعل على الفاعل عند صياغة سؤال في اللغة الإنجليزية، فتحتاج إلى تسلسل زمني ثابت حتى يفهمها المتعلم.
يتناقض هذا النهج مع النهج الأول، فإذا كانت بعض الأخطاء ناجمة عن تجاوز التسلسل الزمني الصحيح، فإنَّ التركيز المستمر على تصحيح الأخطاء يؤدي إلى نتائج مناقضة.
ترى المؤلفتان أنَّ الدرس المستفاد من هذا النهج هو ليس أنَّ الطلاب لا يستفيدون من دراسة القواعد النحوية، وإنَّما يفضَّل تدريسها لهم بالترتيب الذي يتطابق مع فهمهم الطبيعي للغة.
6. الجمع بين المناهج كافة:
بمراجعة المناهج السابقة إلى جانب عقود من الأبحاث المتراكمة، ترى المؤلفتان أنَّه يجب علينا تجنب المغالاة في نظريات تعلم اللغات السابقة.
- على خلاف المنهج السمعي الشفوي، يجب أن تتاح للطلاب فرصة استخدام اللغة بطريقة مفيدة من البداية.
- بدلاً من التركيز على مناهج المدخلات أو التفاعل أو المخرجات البحتة، يستفيد معظم الطلاب من التركيز على بنية اللغة في اكتساب مهارة التحدث بدقة.
في الختام:
راجعت المؤلفتان عدداً من الدراسات التي توضح أنَّ أداء الطلاب يتحسن بتعلم القواعد النحوية شريطة التركيز على تدريسها وممارستها ومع ذلك، من الواضح أيضاً أنَّه من غير المرجح التحدث بطلاقة دون تواصل حقيقي.
أضف تعليقاً