تحرض النشاطات الإبداعية السلوك الإبداعي، وتفسح له المجال للظهور حتى يصبح هذا الإبداع جزءاً من الحياة اليومية للأطفال، فمن خلال هذه النشاطات يتعلم الطفل كيف يستخدم الأشياء بطرائق مبتكرة وخارج الاستخدام التقليدي لها، وهذا ما يساهم مساهمة كبيرة في تحرير عقله، وتوسيع مداركه توسيعاً يمكِّنه من التعامل مع مواقف الحياة المختلفة، ومنذ الصغر بمرونة عالية.
تعريف الأنشطة الإبداعية
يمكن تعريف النشاطات الإبداعية بأنَّها تلك النشاطات التي تستخدم مقومات التفكير الإبداعي؛ مثل المرونة والأصالة والإحساس بالمشكلات وحلِّها، وتعتمد على إثارة التفكير من خلال نشاطات اللعب والأسئلة والنشاطات العلمية والحركية وغيرها، ولا يُفصل كل نشاط عن الآخر؛ بل تكون هذه النشاطات متداخلة فيما بينها.
قبل الحديث عن أنواع النشاطات الإبداعية في مرحلة رياض الأطفال علينا أن نؤكد النقاط الآتية التي على كل معلم روضة مراعاتها عند قيامه وتنفيذه للنشاطات الإبداعية، وهي:
- على المعلم اختيار النشاطات التي يحبها الطفل وتثير فضوله حتى يتحمَّس للمشاركة فيها، وحتى تقوم بتحريضه للبحث والاستطلاع، فمثلاً يمكن استخدام ألوان كثيرة؛ لأنَّها تجذب انتباه الأطفال كثيراً في هذه المرحلة.
- من أهم النقاط التي على المعلم وضعها في باله السماح للأطفال في أثناء قيامهم بالنشاطات الإبداعية باللعب الحر، والتعبير عن أنفسهم بالطريقة التي يرغبون فيها.
- عدم تقييد الأطفال ووضعهم في قوالب جاهزة وإجبارهم على التعبير وفقاً لرؤية المعلم؛ بل يجب على المعلم السماح لكلِّ طفل أن يُظهر طرائق ذاتية في التعامل مع النشاط الذي يمارسه، مثلاً كأن يرسم المعلم على السبورة أرنباً ويجبرهم على رسمه بالطريقة ذاتها.
- توفير بيئة عمل مناسبة للأطفال ومريحة لهم من كل النواحي جسدياً وعقلياً ونفسياً، فمن غير المنطقي مثلاً القيام بنشاطات حركية داخل غرفة الصف الضيقة.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لتنمية الابتكار لدى الأطفال
النشاطات الإبداعية في مرحلة رياض الأطفال
توجد نشاطات إبداعية عديدة في مرحلة رياض الأطفال، والتي يمكن تعليمها وتطبيقها على التلاميذ، وسنتناول فيما يأتي بعضاً من هذه النشاطات الإبداعية:
1. النشاطات الإبداعية التي تقوم على إثارة الإبداع من خلال الأسئلة:
الهدف الأساسي من هذا النوع من النشاطات هو تقوية المرونة والطلاقة اللفظية والعقلية عند أطفال الروضة، وزيادة رصيدهم من مهارات التفكير الإبداعي، ويمكن استخدام أنواع مختلفة من النشاطات التي تعتمد على الأسئلة، سواء كانت نشاطات تخيلية أم واقعية، لكن الهام أن تحمل هذه الأسئلة أكثر من إجابة وتثير انتباه الطفل وتحرِّضه على الإجابة، ومن الأمثلة على هذه الأسئلة طبعاً بعد تهيئة البيئة المناسبة لتنفيذه، ما هي الأشياء الموجودة في الصف وتطفو فوق الماء؟ ما هي استخدامات الماء؟ ماذا يحدث في حال استمر المطر ولم يتوقف؟
2. النشاطات الإبداعية القائمة على الألعاب الحركية:
يشكِّل اللعب مجالاً واسعاً للنشاط الإبداعي؛ فاللعب في أساسه قائم على الحرية، وله دور كبير في تنمية جوانب الشخصية المختلفة للطفل، سواء الجسدية أم العقلية أم اللغوية، وفي النشاطات الإبداعية يُعتمد على اللعب الموجه أو اللعب الحر لكن الهادف، يقوم اللعب في جزء كبير منه على الحركة التي توجه من الدماغ.
تظهر الحركات الكبيرة قبل الدقيقة حسب التطور النمائي للطفل، بعضها يهدف إلى تطوير العضلات الكبيرة، وبعضها إلى تطوير العضلات الصغيرة، وتوجد أمثلة عديدة على النشاطات الإبداعية الحركية مثل التسلق والتأرجح، وحفر التربة باستخدام المعول، وقذف الكرات باتجاه هدف معين، ويمكن أيضاً القيام ببعض الألعاب مثل لعبة خمن من أكون؟ المشجعة على التفكير.
3. النشاطات العلمية الإبداعية:
تنقسم النشاطات الإبداعية العلمية في مرحلة رياض الأطفال إلى نوعين؛ النشاطات العلمية الرسمية: وهي النشاطات التي يخطط لها المعلم بهدف تعليم الطفل البحث والاستقصاء، وإكسابهم مجموعة من المهارات وتطبيقها ضمن ثلاثة مجالات معرفية هي الخصائص والمقارنات والتغيُّرات، ومن هذه النشاطات خلط الألوان لإبداع ألوان جديدة ومختلفة، مما يشجع الطفل على البحث والاستكشاف، شم الأشياء والطفل معصوب العينين بهدف تنمية حواس الطفل.
أما النشاطات العلمية غير الرسمية؛ فهي النشاطات التي يمارسها المعلم دون تخطيط، ويقوم بها الأطفال بحرية وحتى تُمارس هذه الألعاب والنشاطات جيداً لا بدَّ من تجهيز زاوية في غرفة الصف لممارسة هذه النشاطات بحرية، ومن الأمثلة على النشاطات العلمية غير الرسمية كل ما يتعلق بمجال الطفو والغمر والمغناطيسات.
4. النشاطات الإبداعية الموسيقية:
تبدأ ردود فعل الأطفال على النشاطات الموسيقية في عمر صغير، وهذا ما أدركه أجدادنا جيداً، فتراهم قد اعتمدوا اعتماداً كبيراً على الأسرَّة الخشبية المميزة بهزات إيقاعية، كما أنَّ الأمهات يعتمدن اعتماداً كبيراً على الأغاني الإيقاعية؛ نظراً لقدرة الأطفال الكبيرة على التقاطها، وهذا ما يزيد مقدار التأثير الذي تمارسه تلك الإيقاعات في الأطفال، فمثلاً إذا ما بكى الطفل لجأنا إلى الهدهدة أو غناء بعض الأغاني اللطيفة.
في الروضة تتداخل النشاطات الموسيقية مع النشاطات الحركية واللغوية وتعمل معاً؛ بهدف تنمية قدرات الطفل الحسية والحركية واللغوية، ويهدف النشاط الموسيقي إلى تنمية الحس السمعي لدى الأطفال، وهذا ما يزيدهم رهافةً ويغذي أرواحهم ويهذب مشاعرهم وأحاسيسهم، ومن المعروف حتى يبدع أي شخص في الموسيقى فهو يحتاج إلى نسبة ذكاء أعلى من المتوسط، وهذا يعني أنَّ الموسيقى ليست قيمة تعبيرية فقط؛ بل تحتاج أيضاً إلى التجريد.
الموسيقى كالرياضيات لغة لا تعرف الحدود، حتى يمكننا القول إنَّ الموسيقى هي اللغة المشتركة بين كل البشر، وبالنسبة إلى النشاطات الموسيقية الإبداعية في مرحلة رياض الأطفال، فهي كثيرة ومتنوعة وبحكم التجارب فإنَّ أنجحها تلك التي تعتمد على المشاركة الفعالة للأطفال في الغناء، وغالباً ما تكون هذه المشاركة غير واعية؛ وإنَّما تتطور عبر التمرين المستمر القائم على التقليد؛ إذ يُطوَّر نتيجة ذلك السمع الظاهر والسمع الباطن، والمقصود بالسمع الباطن؛ التخيلات الموسيقية التي لا تنتج تحت تأثير صوتي مباشر؛ وإنَّما على ما اختزنته الذاكرة من انطباعات موسيقية، والتي ستشكل فيما بعد البيئة الخصبة للخيال الموسيقي، الذي سيكون قادراً فيما بعد على إبداع ألحان جديدة.
شاهد بالفيديو: كيف تتم تنمية الذكاء البصري المكاني عند الأطفال؟
إضافةً إلى هذا كله فإنَّ حفظ كلمات الأغاني والألحان والحركات المرتبطة بها تنمي ذاكرة الأطفال وتثيرها، ولا بدَّ للمعلم من أن يأخذ بحسبانه العوامل الآتية عند اعتماده على النشاطات الموسيقية:
- فهم خصائص نمو الطفل والمرحلة العمرية التي ينتمي إليها حتى يتعامل مع الطفل بالصورة المناسبة؛ فالأطفال مثلاً في عمر الثلاث سنوات يتمتعون بالخجل وعدم القدرة على التكيف، ولهذا لا يمكن أن نفرض عليهم الغناء مثلاً.
- اللغة التعبيرية هامة جداً، وحتى إنَّها أهم من اللغة الكلامية؛ فالطفل في عمر الروضة لا يفهم المعنى الدقيق للكلام؛ لكنَّه يفهم جيداً تعبيرات الوجه؛ لذلك يجب مراعاة انسجام حركات الوجه واليدين مع الكلمات المغناة، الأمثلة كثيرة على النشاطات الموسيقية الإبداعية في مرحلة رياض الأطفال، ومنها لعبة الغناء بالقَلب؛ أي أن يبدأ الأطفال الغناء، وعند رؤيتهم للإشارة يتابعون الغناء بقلوبهم، ويرجعون إلى الغناء بصوت مسموع عند رؤية الإشارة من جديد.
5. نشاطات الرسوم الإبداعية:
يُعدُّ الرسم وخاصة في مرحلة رياض الأطفال من أهم طرائق التعبير، وأهم وسائل تنمية التعبير الإبداعي للأطفال، وربما أهم نقطة هنا ترك الأطفال يرسمون بالطريقة التي يريدونها وبحرية مطلقة؛ فالأطفال يرون المشاهد من وجهة نظرهم؛ لذلك لا تحاول تصحيحها لهم، يقول هربرت ريد: "الفن يُخرج الأطفال من الاهتمام الضيق بنفوسهم إلى رحاب الحياة الواسعة".
في الحقيقة الحديث عن رسوم الأطفال لا يمكن تغطيته في مقال واحد، لكن توجد نقاط عدة لا بدَّ من الإشارة إليها، فقد خضعت رسوم الأطفال إلى دراسات عدة، وصُنِّفت بناء عليها إلى تصنيفات عدة تبعاً لمراحل النمو المختلفة، وفي مرحلة رياض الأطفال تحديداً توجد ثلاث مراحل للرسم هي: مرحلة الخربشة، ومرحلة الأشكال الأساسية، ومرحلة الرسوم الأولى.
أنشطة لتنمية الابتكار لدى طفل الروضة
1. لعبة ماذا لو
يمكن أن تكون هذه لعبة سخيفة ولكن يمكن أن تضع إبداع طفلك على المحك.
لكي تلعب هذه اللعبة، فكر في سيناريوهات مضحكة من شأنها أن تحرك تلك العقول الصغيرة.
فيما يلي بعض الأمثلة:
- ماذا لو نبحت القطط ومواءت الكلاب؟
- ماذا لو كنت (الطفل) تستطيع القيادة؟
- ماذا لو كان الجو مشمساً طوال الليل ومظلماً طوال اليوم؟
- ماذا سيحدث إذا خرجت الخيول؟
2. تلبيس خيالك
هل تعرف كل تلك الملابس التي إما أنك لم تعد تريدها أو لم تعد تناسبك أو أنك تحتفظ بها دون سبب وجيه؟ احفظها واستخدمها كأحد أنشطة التفكير الإبداعي لطفلك في رياض الأطفال. وإليك الطريقة:
- جمع كل الملابس ووضعها في كومة واحدة كبيرة. إنها فوضى تستحق القيام بها، ثق بي!
- بعد ذلك، اطلب من طفلك أن يجمع الزي ويرتديه.
- اسألهم عما يرتدونه.
- قد ينتهي بك الأمر مع ضابطة شرطة أميرة أو طبيب مجنون أو ربما غوتشي القادم!
مهما كانت الحالة، يستخدم طفلك خياله لخلق شخصية فريدة من نوعها، وإذا كنت ذكيا حقا، فستجعلهم يلعبون دور الخادمة وينظفون الفوضى بعد ذلك.
3. الطلاء الإسفنجي
الفن هو وسيلة رائعة للأطفال للتعبير عن تفكيرهم الإبداعي. بالنسبة لهذا النشاط، اشترِ إسفنجات يمكن استخدامها للطلاء.
دع أطفالك يصنعون أي شيء يرغبون فيه من الورق والألوان، سوف يصبحون فوضويين، لذا تعامل معهم فقط! كل هذا باسم الإبداع.
إذا كنت تريد تحديهم حقاً، يمكنك أن تطلب منهم أن يرسموا أشياء معينة لترى كيف يتصورون العالم.
4. لعب الأدوار الإبداعية
لا يوجد شيء أكثر إبداعاً من جعل الأطفال يلعبون الأدوار إما بالحيوانات المحنطة أو الدمى. هنا يمكنهم إنشاء محادثات ومواقف كيفما يريدون.
وهذا لا يسمح لخيالهم بالتحليق فحسب، بل يساعد أيضاً على بناء مهاراتهم الاجتماعية لمعرفة كيف يتفاعل الأشخاص الصغار في عالمهم.
اطلب من طفلك أن يأخذ بعض الدمى المحشوة ويمثل ما يريده، ويمكنه استخدام الأصوات المضحكة وإنشاء عالم جديد تماماً.
5. نهاية جديدة
الأطفال يحبون سماع قصة جيدة، ولكن ماذا لو سمحت لهم بإنشاء نهايتهم الخاصة؟ يمكن أن يكون ذلك أفضل.
اختر كتاباً، ربما ليس كتاباً مفضلاً، حتى لا تفسد نهايته المفضلة، وهذا من شأنه أن يحبط الهدف.
اقرأها لطفلك حتى النهاية، وعندما تصل إلى هذه النقطة، توقف واسأل كيف سينهون الأمر.
من المحتمل أنهم سيحبون نسختهم الجديدة بشكل أفضل!
6. اسم اللعبة
في هذه اللعبة، اطلب من الطفل أن يذكر أكبر عدد ممكن من الأشياء ذات اللون الأحمر، على سبيل المثال، ثم اسأل كم عدد الأشياء التي على شكل دائرة.
استمر في الأمثلة المختلفة، ويمكنك الاحتفاظ بالنتيجة والحصول على المنافسة.
7. رسم وإنشاء
يتطلب هذا النشاط رحلة إلى متجر الحرف من جانبك، والحصول على لفات من الورق الطويل جداً.
وعندما تعود إلى المنزل، اجعل طفلك يستلقي على الورقة ويتتبع جسده، ثم اطلب منه ملء التفاصيل، ومن المثير للاهتمام أن نرى كيف ينظر الأطفال إلى أنفسهم، ومدى إبداعهم أثناء رسم أنفسهم.
في الختام:
مرحلة رياض الأطفال من أهم المراحل التي يمر بها الطفل، وتسهم إسهاماً كبيراً في التطور الذي سيطرأ على الطفل لاحقاً، فكلما كان الأساس متيناً كانت عملية التطور أسرع وأكثر قابلية للنمو، وتؤدي النشاطات الإبداعية دوراً كبيراً في تفتيح ذهن الطفل وإبعاده عن الطرائق النمطية والتقليدية في التفكير، التي تجعل عقله محدوداً وقدرته على حل المشكلات أقل، فكلَّما كان تفكير الطفل إبداعياً ساعده ذلك على الاندماج في المجتمع والنجاح والتأقلم مع كل الظروف التي يمر بها مهما كانت صعبة، وهكذا يظهر بوضوح أنَّ التركيز على النشاطات الإبداعية في مرحلة رياض الأطفال لا يحقق هدفاً آنياً فحسب؛ بل يحقق هدفاً بعيد الأمد، ولا يؤثِّر في مسيرة الطفل التعليمية فقط؛ بل يصل تأثيره الإيجابي أيضاً إلى الحياة العملية والاجتماعية.
المصادر +
- كتاب الإبداع وتنمية القدرات الإبداعية لدى طفل الروضة للدكتور غسان أبو فخر، والدكتورة مها زحلوق.
أضف تعليقاً