فيما يأتي 6 أسباب تجعل لمرض السرطان تشخيصاً عاطفياً أيضاً:
1. الخوف من الموت:
كان السرطان مرضاً يصعب علاجه منذ آلاف السنين، على الرَّغم من أنَّ تطور أساليب الكشف المبكر للمرض وعلاجه يعني استمرار انخفاض معدلات الوفيات، إلا أنَّنا جميعاً نهاب الموت؛ إذ سيدفعنا خبر إصابتنا بمرض السرطان إلى أزمة وجودية على الفور بصرف النظر عن مرحلته أو نوعه.
لسوء الحظ، فإنَّ الصدمة الناجمة عن سماع هذا النوع من الأخبار غالباً ما ستحرِّض استجابة الكر والفر في عقولنا، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات هرمون الأدرينالين لدينا، مما قد يساعدنا على اتخاذ رد فعلي جسدي؛ لكنَّه لن يساعدنا على استيعاب بقية ما يقوله لنا الطبيب، ومن هنا يدخل المريض في متاهة يصعب الخروج منها.
2. الشعور الشديد بالتوتر والقلق:
لا يكون التشخيص الأولي هو القصة بأكملها في معظم الأوقات، فتوجد معلومات كثيرة تتعلق بالمرض والتشخيص اللذين يظلَّان لغزاً، ما هو نوع السرطان؟ ما مدى تقدُّمِه؟ ما هي أفضل طريقة لمعالجته؟ كيف ستستجيب إلى العلاج؟ سيزيد قلقك من عدم اليقين الناجم عن الموضوع.
في الوقت ذاته، من المحتمل أن يعني هذا التشخيص الأوليُّ أنَّك بحاجة إلى إجراء فحوصات إضافية، واختيار فريق رعاية أو التفاوض مع شركة التأمين الصحي خاصتك أو حتى التعامل مع عوامل عملية عديدة في أثناء إعادة ترتيب حياتك.
سيكون التعامل مع كلِّ هذه المسؤوليات أمراً مُرهِقاً في الأيام العادية، لكن هذا اليوم ليس كذلك، فلديك الآن ذلك الخوف من الموت الذي يخيِّم عليك، ناهيك عن عدم اليقين المثير للقلق الذي عليك التعامل معه، وهذا اليوم بمنزلة يوم سيئ للغاية، قد يستمر لأسبوع أو لأكثر بينما تحاول إيجاد حل للأمر.
3. التغيرات الخلوية التي تثير العواطف:
بمجرد اجتياز الأسابيع الأولى من بدء العلاج، ستشعر براحة كبيرة وسيزول التوتر: "على الأقل يوجد من يعالجني الآن"، لكن ليس من الضروري أن يتعاون جسدك معك لتسهيل الأمر، فغالباً ما تخرج السيتوكينات المحرضة على الالتهاب والبروتينات التي تسمح للخلايا في جهاز المناعة بالتواصل والتنسيق عن السيطرة.
من الممكن أن تؤدي الجراحة أو الإشعاع أو العلاج الكيميائي أو حتى العلاج المناعي إلى إطلاق السيتوكينات، ويمكن أن يسبب ارتفاع مستوى السيتوكينات ما يسميه الأطباء "السلوك المرضي" (Sickness Behavior)؛ إذ إنَّ كل ما تريد القيام به هو البقاء مستلقياً في الفراش، وإذا بقي مستواها مرتفعاً، سيتمكن منك الاكتئاب ويصعب عليك التعافي منه.
في الوقت ذاته، تشتمل معظم العلاجات على الهرمونات، مثل ديكساميثازون أو الهرمونات المثبطة مثل الإستروجين أو الأندروجين، إضافة إلى القيام بعمليات جراحية تؤثِّر في إنتاج الهرمون أو استقباله، مما يجعل كل شيء غير منتظم، ومن الصعب أن تبقى على سجيتك إن عبث أحد ما بجهاز الغدد الصمَّاء خاصتك.
ستشعر بالتعب، وتتقلَّب حالتك المزاجية وستشعر بالتوتر مجدداً بينما تشاهد عالمك ينهار حولك، ولأنَّك لا تعرف فريق رعاية مرضى السرطان الخاص بك منذ وقت طويل، فسيكون من الصعب عليك أن تشارك مشاعرك معهم؛ لأنَّك تعتقد بأنَّ مجرد بقائك على قيد الحياة كافٍ لأن تكون ممتناً، وأنَّ الحديث عن المرض سيكون ضرباً من ضروب الجحود.
4. فقدان الهوية الذاتية:
عندما يبدو مظهرك غير مألوف أو تشعر بأنَّك لست على سجيتك أو تشعر باضطراب في أفكارك ولا تفعل أيَّاً من الأشياء التي اعتدت القيام بها، وقد يكون هذا مربكاً للغاية.
هذا بسبب تساقط الشعر الناجم عن العلاج الكيميائي والتعب والقصور الإدراكي المرتبط بالسرطان - المعروف أيضاً بالضعف العقلي الناتج عن العلاج الكيميائي، والذي يسبِّبه الإشعاع أيضاً - وغياب أيِّ شيء طبيعي في الحياة، ومع كلِّ هذه الأعراض ليس غريباً أن يعاني مرضى السرطان من فقدان هويتهم الذاتية.
شاهد بالفيديو: 15 عرض من أعراض السرطان قد تتجاهلها النساء!
5. الحاجة إلى التحلي بالصبر:
جزء كبير من التعامل مع مرض السرطان يكمن في العجلة والانتظار، فأنت تزور الطبيب لمناقشة خطة علاجك، وتضطر لأن تنتظر في العيادة، وحين تُجري اختباراً فإنَّك تنتظر النتائج، وإن خضعت لعملية جراحية فإنَّك تبقى بانتظار تقرير النتيجة.
حين تبدأ علاجك تكون بانتظار المسحة القادمة لتعرف ما إن كان هذا العلاج يُجدي نفعاً، ولأنَّك تعلمت درساً قاسياً مفاده أنَّك لا تسطيع أن تثق بجسدك، ففي نهاية المطاف لقد أُصيب بمرض السرطان من دون علمك، فإنَّ عدم اليقين وكلُّ هذا الانتظار يزيد قلقك، وإن تمكنت من كبح هذا الخوف لأسابيع أو حتى أشهر، ففي وقت ما ستحدد موعد لفحص طبي وسيعود عدم اليقين هذا مثل اضطراب ما بعد الصدمة، فالخوف من نتائج الفحوص الطبية هو الحالة الجديدة التي قد تستمر لأشهر أو حتى لسنوات.
6. الإحساس بالذنب المترافق بالمسؤولية ووصمة العار:
يلقى معظمنا دعماً إيجابياً في المنزل، ونحصل على الرعاية الداعمة التي نحتاج إليها من المستشفى أو جمعيات السرطان، لكن عدم فهم الاستجابة العاطفية للسرطان يجعل الأمر صعباً ومخيفاً للغاية؛ إذ ما تزال وصمة العار تجاه قضايا الصحة العقلية موجودة.
نحن نتجنب الحديث عن السرطان في مجتمعاتنا؛ لأنَّه أمر مخيف للغاية، ولأنَّ وصمة العار تجاه قضايا الصحة العقلية موجودة، فنحن بالتأكيد لا نتحدث عن الصحة العاطفية المرتبطة بالسرطان.
يعني هذا الافتقار إلى التواصل أنَّ حتى الأصدقاء والعائلة ذوي النوايا الحسنة لا يفهمون حقاً ما تمر به ولا يعرفون كيف يدعمونك، ويمكن للأشخاص ذوي النية السيئة أن يرشقوك بالكلمات التي تؤثِّر سلباً في مشاعرك الحقيقية، ومن المألوف أن تسمع تعليقات تلومك على إصابتك بالسرطان، وعلى عدم اتباعك لأحدث علاج عبر الإنترنت، وتقلل من شأنك لأنَّك لم تقاتل بشجاعة، وتُشعرك بالذنب لعدم طلب المساعدة التي تحتاج إليها، وتُجبرك على العزلة التي يوصيك بها أيضاً أولئك الذين يرغبون في دعمك حينما يطلبون منك الامتناع عن البوح بعواطفك.
كما أنَّ المتخصصين في علم الأورام لا يهتمون بالجانب النفسي من هذه العملية، فهم يركزون فقط على القضاء على السرطان وغالباً ما ينسون أنَّ السرطان يقطن في جسم لديه مشاعر حقيقية، ويعاني آثاراً جانبية حقيقية، ولديه آمال مستقبلية.
تماماً كما لا تتماثل حالتين من مرض السرطان، فلا يتماثل مريضَي سرطان أيضاً؛ إذ يختلف الحمض النووي، وتجارب الحياة والشخصية والاهتمامات والخيارات المفضلة والعلاقات والعادات؛ لذا فإنَّ طريقة اختبارنا لمشاعرنا وتعبيرنا عنها ستختلف حتماً وسيجد كلٌّ منا طريقة مختلفة للتأقلم.
السرطان تجربة عاطفية:
إنَّ معرفة أنَّ السرطان هو تجربة عاطفية، وأنَّ المصابين الآخرين يشاركونك المشاعر ذاتها، وأنَّ ثمة تغييرات جسدية تؤدي إلى التقلبات العاطفية التي تشعر بها، وعدَّها جزءاً متوقعاً من تجربة السرطان، وأنَّ لا ضير في طلب المساعدة، تساعدك جميعها على اكتشاف أفضل طريقة لمواجهة المرض.
اسمح لمشاعرك بالتدفق، وشارك عواطفك، وتحدَّث إلى شخص ما واطلب الدعم الذي تحتاج إليه لمواجهة الاضطرابات النفسية التي ترافق السرطان؛ نظراً لأنَّ الجسم والعقل متشابكان للغاية، فإنَّ التعامل مع عواطفك سيساعد على تقوية جهاز المناعة لديك حتى تتمكن من التعامل مع الأعراض الجسدية للسرطان تعاملاً أفضل أيضاً.
سينثيا هايز (Cynthia Hayes)، صحفية سابقة ومديرة مشفى وناجية من مرض السرطان، تدافع حالياً عن مرضى السرطان، وتقدم لهم المنتورينغ من خلال مبادرات مختلفة، وكانت تكرِّس حياتها لكتابة كتاب (المحنة الصعبة) (The Big Ordeal)؛ إذ تعلَّمت أساسيات إجراء المقابلات ومطابقة المعلومات والعثور على العناوين الرئيسة ورواية قصة صحفية في وقت مبكر من حياتها المهنية.
بعد أن حصلت على شهادة ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد (Harvard)، أمضت هايز 25 عاماً تعمل بوصفها مستشارة إدارية، وحققت نجاحاً في مجالها هذا من خلال قدرتها على التطرق إلى موضوعات جديدة وطرح أسئلة حساسة وفهم المعلومات الاختصاصية وتحويل النتائج المعقدة إلى سرد مقنع.
استقالت سينثيا من مركز مونتفيور الطبي (Montefiore Medical Center) في نيويورك (New York) قبل أن تُشخَّص بمرض السرطان بفترة قصيرة؛ إذ كانت تعمل هناك بوصفها نائبة رئيس ورئيسة قسم التسويق وركزت على سرد قصص الصحة والتعافي.
اكتسبت سينثيا فهماً عميقاً للطب حين كانت تعمل في مونتفيور، وكانت لديها الفرصة لبناء علاقات مع متخصصين بمرض السرطان واختصاصيين آخرين ممن ساعدوها على كتابة كتاب (المحنة الصعبة).
في الوقت الذي لا تكون فيه سينثيا هايز في ملعب التنس أو تكتب، فهي تقدم المنتورينغ للمرضى اللواتي يعانين سرطان الجهاز التناسلي بوصفه جزءاً من برنامج تحت اسم (من امرأة إلى أخرى) (Woman To Woman) في مشفى سيناي (Sinai) في نيويورك، كما أنَّها منتور للمرضى الذين يتلقون الرعاية في مركز مونتفيور آينشتاين (Montefiore Einstein Center for Cancer Care) لرعاية مرضى السرطان في برونكس، وعضو في مبادرتي (التقدم لأجل الحياة) (Moving For Life)، وهو برنامج تدريب على الرقص للمتعافين من مرض السرطان ولجنة (التركيز العالمي على السرطان) (Global Focus on Cancer)، والذي يوفر التعليم والدعم للمرضى في الدول النامية.
أضف تعليقاً