5 استراتيجيات للتعامل مع المشاعر الصعبة

"لا تقلق، كن سعيداً". يبدو الأمر جذاباً، لكنَّها ليست نصيحة جيدة؛ فعندما تكون في خضم وقت عصيب، فإنَّ العبارات من قَبيل "ابتهج"، و"انظر إلى الجانب المشرق"، و"يمكن أن يكون الأمر أسوأ"؛ قد تزيد من شعورك بالسوء.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة مارجي واريل (Margie Warrell)، والذي تُحدِّثنا فيه عن كيفية التعامل مع المشاعر الصعبة.

لقد أصبح  تبني "الإيجابية السامة" شائعاً في الآونة الأخيرة؛ ففي قلب الإيجابية السامة شكل من أشكال الخداع غير المتعمد؛ وهو الإفراط في تعميم حالة "كن سعيداً، وفكر بإيجابية" في جميع المواقف، إنَّه أمر غير صحي لأنَّنا عندما نُفرِط في استخدام الإيجابية لقمع المشاعر السلبية أو التقليل من أهميتها أو إبطالها، فإنَّنا ننكر التجربة الإنسانية الكاملة.

الحقيقة هي أنَّ الحياة سيئة في بعض الأحيان؛ تماماً كما كانت في الأشهر الأخيرة وسط هذا الوباء (كورونا) الذي جلب المشقة والحزن إلى منازل الملايين من الناس وقلوبهم.

هل يمكن أن يأتي الخير من الأوقات السيئة؟ بالتأكيد! ولكنَّ هذا لا ينفي المشاعر الصعبة والقاسية جداً التي تَبرُز بشكل طبيعي في حياتنا.

سيتخرج ابني "بين" في المدرسة الثانوية الأسبوع المقبل؛ ولكن لم يُسمح له برؤية أصدقائه منذ آذار، وأنا حزينة لأنَّه فوَّت الكثير من المرح، وشعرت أيضاً بخيبة أمل بسبب إلغاء جولة الترويج لكتابي الجديد في نيسان؛ ففي يوم إطلاقه، دخلت الحجر الصحي، ودخل زوجي المستشفى لإصابته بفيروس كوفيد-19 (COVID-19)، لم تكن كل كلمات المواساة وتعبيراتها كافية في ذلك اليوم.

أعتقد أنَّك أخذت نصيبك من النكسات والمعاناة في الآونة الأخيرة، وربما ما تزال تعاني حتى هذه اللحظة؛ إذا كان الأمر كذلك، فأنا أشجعك على إعادة صياغة الطريقة التي تنظر بها إلى الإيجابية؛ ليس لأنَّ امتلاك نظرة ذهنية إيجابية أمر غير حيوي للازدهار وسط تقلبات الحياة التي لا مفر منها؛ بل لأنَّنا عندما نحاول اختيار المشاعر التي سنشعر بها ونعزل أنفسنا عن المشاعر السيئة؛ فإنَّنا في الواقع نعزل أنفسنا عن المشاعر التي تجلب لنا الفرح؛ ذلك لأنَّ تجنب المعاناة هو شكل من أشكال المعاناة.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات لتكوين موقف ذهني إيجابي

فيما يلي خمس استراتيجيات لتجنُّب مآزق الإيجابية السامة والتعامل مع المشاعر السيئة بطريقة تخدمك:

1. الشعور بمشاعرك الحقيقية:

نحن لسنا مجبولين على الشعور بالألم؛ بل على تجنبه؛ ومع ذلك، فمن خلال تقبُّل مشاعرنا المؤلمة نتمكن من الوصول إلى أعمق مصادر قواتنا؛ إذ يمكنك فعل ذلك من خلال تقبُّل المشاعر غير المريحة التي تشعر بها؛ بدلاً من الهروب منها.

ففي المرة القادمة التي تشعر فيها بعاطفة لا تُشعِرك بالراحة، اذهب إلى مكان هادئ، وحدد كل المشاعر التي تشعر بها مثل: الحزن والقلق والغيرة والشعور بالذنب وخيبة الأمل؛ وحدد مكان تواجد تلك المشاعر في جسمك (تلك المشاعر تزرع أنفسها دائماً في مكان ما!)، ثم ضع يدك هناك وتنفس بعمق لبضع دقائق في أي مكان تشعر فيه بهذا الانقباض، وفي أثناء ذلك، اسأل نفسك: ما هي المشكلة التي تحتاج إلى اهتمامك؟

لقد وجدت الدراسات أنَّ شعورنا بهذه المشاعر منذ البداية، يساعد على تخفيف قوتها؛ وعلى النقيض من ذلك، عندما ننكر المشاعر غير المريحة؛ فإنَّنا نجعلها أقوى، إذ يمكننا تذوق المشاعر الإيجابية، فقط من خلال شعورنا الكامل بمشاعرنا السلبية، فلا يمكنك الشعور بالمشاعر الإيجابية دون السلبية.

2. مشاركة حياتك مع القلة التي تستحق ذلك:

كيف حالك؟

"أنا رائع" هو الرد الافتراضي، فهذا ما يريد الناس سماعه، وهذا ما نريده أن يكون صحيحاً، وأحياناً يكون هكذا؛ ومع ذلك، عندما نخفي الحقيقة الأقل مثالية في حياتنا ونخلق عالماً عاطفياً مزيفاً؛ فإنَّنا نعزل أنفسنا عن الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتنا في تحمل أعبائنا بشكل أفضل؛ وبذلك نخاطر ببناء صداقات سطحية مع الآخرين.

3. التوقف عن لوم نفسك بسبب عدم شعورك بالتفاؤل:

إذا كنت تحب أن ترى نفسك شخصاً إيجابياً، فقد تُهدِّد أي مشاعر غير إيجابية إحساسَك بالهوية؛ لكنَّ لوم نفسك لعدم شعورك بالتفاؤل يزيد من يأسك.

فحتى الأشخاص الأكثر تفاؤلاً يمكن أن يشعروا بالسلبية في بعض الأحيان؛ لذا، هوِّن على نفسك، وعامل نفسك بالشفقة التي تعامل بها صديقَك المفضل؛ فقد يأتي الخير من مشاعر الخوف والغضب والحزن؛ شريطة ألا تتصارع معها أو تهرب منها؛ فبدلاً من محاولة القضاء على السلبية، يجب أن نحاول زيادة الإيجابية؛ ولكن لا يمكننا تنمية المزيد من المشاعر الإيجابية إذا كنَّا نعاقب أنفسنا في كل مرة نشعر فيها بمشاعر سلبية.

ولكن لا يعني هذا أنَّه يجب عليك إخبار أي شخص بكل مشكلاتك أو مقدار شعورك بالسوء؛ بل يعني المشاركة فقط مع أولئك الذين يستحقون معرفة ما يُثقل كاهلك؛ فليس كل شخص يستحق أن تشاركه أوجاعك.

عندما نُقل زوجي إلى المستشفى بسبب كوفيد-19 (COVID-19)، شعرت بالقلق والإرهاق؛ إذ لم يجعلني كتابي الذي كتبته عن مواجهة الشك والتحلي بالشجاعة محصنةً من الخوف في تلك اللحظة، وخلال الأيام القليلة الأولى لزوجي وهو يكافح الحُمَّى، خرجَت مخاوفي عن السيطرة؛ فتواصلت مع الأصدقاء المقربين والعائلة، وتدفقت دموعي حينها مع أنَّني أَعدُّ نفسي شخصاً مرناً إلى حد ما؛ ولكنَّني أعلم أيضاً أنَّ عاطفتي تزداد عندما أسمح للآخرين بتشجيعي.

ينطبق هذا عليك أيضاً، إذ لا تؤدي مشاركة معاناتك إلى القضاء عليها؛ ولكنَّها تساعدك على تحمِّلها بشكل أفضل؛ فالقول بأنَّ: "مشاركة العبء يُخفِّف من شدته إلى النِّصف" صحيحٌ إلى حدٍ بعيد.

فلا بأس أن تقول أنَّك لست بخير عندما تُسأل عن حالك، وبالطبع، إذا كنت لا تزال تكافح حقاً، فتحلَّ بالشجاعة لطلب المساعدة المهنية؛ فإنَّ الوصول إلى أولئك الذين يمكنهم مساعدتك ليس علامة ضعف، بل يُظهر أنَّك تريد أن تكون أقوى.

شاهد بالفديو: كيف تزرع التفاؤل في حياتك؟

4. احترام المشاعر الصعبة التي يُحِسُّ بها الآخرون:

بعد الإجهاض في منتصف فترة حملي الأولى، واساني الكثير من الناس لمساعدتي على الشعور بالتحسن، ولكن كان لكلماتهم تأثير عكسي في بعض الأحيان؛ إذ قال زميل في العمل: "أعتقد أنَّه لم يكن مُقدَّراً لهذا الطفل أن يعيش"، بالتأكيد لا!! فقد كنت أتخيل بالفعل أول يوم له في المدرسة، وقال آخر: "على الأقل ما زلتِ صغيرة"، نعم! كنت كذلك؛ ولكن في خضم حزني لم تُعطني كلماتهم أيَّ عزاء كان.

وكما تعلمت من تجارب الفقدان؛ فإنَّ السبيل الوحيد للتخلص من الحزن هو تقبُّله واحترامه احتراماً كاملاً؛ وعندما يشعر به الآخرون، فيجب عليهم الاعتراف بأي واقع جديد صعب يواجهونه.

فمن أهم احتياجات الإنسان أن يجد من يستمع إليه ويفهمه، وهذا يتطلب منا التغلب على استجابتنا الغريزية المتمثلة في تخفيف آلامهم أو حل مشكلاتهم، فبعض المشكلات لا يمكن إصلاحها أبداً.

أولاً وقبل كل شيء، ما يحتاجه الناس حقاً ليس كلاماً مبتذلاً يستخفُّ بتجاربهم من قبيل "انظر إلى الجانب المشرق"؛ بل سماعهم والاعتراف بهم وفهمهم أينما كانوا وكيفما شعروا (حتى لو كنت تظن أنهم يبالغون في ردة فعلهم!)، وفيما يلي ثلاث طرائق للقيام بذلك:

  • احترم ما يشعرون به من خلال الشعور بمشاعرهم: "هذا سيء! أنا آسف جداً، هذه أمور صعبة، وأنا أعلم كم هذا مرهق بالنسبة لك، وأتفهم شعورك بهذه الطريقة".
  • دعهم يعرفوا أنَّك تقف إلى جانبهم: "لا أعرف ماذا أقول؛ لكنَّني أقف إلى جانبك وأؤيدك، سوف تتجاوز هذه المحنة". "سوف نتجاوزها معاً، فهل هناك أي شيء يمكنني القيام به اليوم لتخفيف العبء عنك؟"
  • أكد إيمانك بهم وبمستقبلهم: "سيكون النجاح حليفك، فأنا على يقين أنَّك ستتجاوز هذا الأمر، كيف يمكنني دعمك؟ سأقف إلى جانبك في كل خطوة تخطوها".

5. مواجهة الواقع مع الاحتفاظ بالأمل:

لا تتعارض المشاعر الصعبة مع التفاؤل؛ إذ يمكنك الشعور بالسلبية تجاه بعض جوانب حياتك والبقاء متفائلاً بشأن مستقبلك في آنٍ واحد.

إقرأ أيضاً: 6 طرق فعّالة تمنحك الأمل لتجاوز الوضع الراهن

 أشعر بالضيق في الوقت الحالي لأنَّ عائلتي مشتتة في ثلاث قارات وتمنعني قيود السفر الدولية من لقائهم؛ ومع ذلك، أعلم أنَّنا سنلتقي في يومٍ من الأيام، وسيكون يوماً بهيَّاً.

فالتغيير قانون إلهيُّ؛ لذا احترم أي مشاعر تشعر بها مع الحفاظ في الوقت نفسه على إيمانك بأنَّ المستقبل يحمل الكثير لنتطلع إليه، ومهما كانت الأمور سيئة الآن، فلن تبقى كذلك إلى الأبد.

أن تعيش حياة كاملة يعني أن تعيش حياة شجاعة؛ فلا مكان للإيجابية السامة في الحياة؛ وفي الحقيقة، تظهر الشجاعة من خلال مواجهة مخاوفنا العميقة، وليس من خلال إنكارها.

وفي بعض الأحيان، قد يكون السماح لنفسك بالشعور بالسوء هو أفضل شيء يمكنك تقديمه لنفسك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة