5 استراتيجيات لأتمتة القرارات وزيادة قوة الإرادة وتجنُّب إجهاد القرار

عندما تُؤتمت القرارات غير الهامة، تزداد عزيمتك، وتتحسَّن قدرتك على اتخاذ القرارات التي ستؤثر في حياتك.



تخيَّل أنَّك في العمل عندما يرن الهاتف، إذ كنت تنتظر المكالمة ولا تعرف ما سيقوله الشخص الآخر، ولكنَّك تعلم أنَّ هناك فرصة كبيرة، فرصة فيها بعض المجازفة، ولكنَّها قد تغيِّر حياتك، وتحسِّن حياتك المهنية، وظروفك العائلية، لكن يوجد احتمال صغير بأن تتَّجه الأمور للأسوأ إن وافقت.

السؤال هو: متى أفضل وقت في اليوم لاتخاذ هذا القرار؟ قد يبدو السؤال غريباً، فما هي أهمية التوقيت؟ إذ يوجد فرصة عظيمة ومخاطرة طفيفة، أليس من المفترض أن تتَّخذ القرار الصحيح بصرف النظر عن التوقيت؟ وَفقاً لمعظم الأبحاث سيؤثر التوقيت في إجابتك، ففي الواقع نتَّخذ مختلف أنواع القرارات يومياً، على سبيل المثال:

  • متى يجب أن أنهض من السرير؟
  • كم يجب عليَّ الادخار للتقاعد؟
  • متى يجب أن أُطعم القط؟
  • هل يجب أن أتزوج؟
  • وغيرها كثير وكثير.

ليس من الصعب الإجابة عن هذه الأسئلة حين يكون كلٌّ منها على حِدَة، وحتى الأسئلة الأعمق والتي تتطلَّب تفكيراً أكثر من السهل الإجابة عنها أيضاً، ولكنَّ الوضع يختلف حين تجتمع معاً، فإذا سألت نفسك كل هذه الأسئلة في الوقت نفسه، ستُنهك نفسك، وستشعر بما يسمِّيه الخبراء "إجهاد القرار"، وهو عدم القدرة على اتِّخاذ قرار ذكي وعقلاني بعد الاضطرار إلى اتخاذ كثير من القرارات قبله.

لكن إذا كنت قائداً، سيكون لديك الكثير من القرارات التي يتعيَّن عليك اتخاذها كل يوم، والطريقة التي تقرِّر بها سيكون لها تأثير كبير ليس فقط في حياتك، لكن في حياة من حولك؛ إذ يعتمد عليك الناس لاتخاذ خيارات جيدة، ومن الضروري جداً أن تتَّخذ أفضل القرارات المُمكنة بشأن الموضوعات الهامة؛ فالخبر السيئ هو أنَّك ربما لا تفعل ذلك، أو على الأقل لا تنجح في فعله طوال الوقت، ولكنَّ الخبر السار هو أنَّه يمكنك فعل شيء وبسرعة لإصلاح المشكلة.

لذا، سنتحدث في هذا المقال عن كيفية تحسين قدرتك على اتخاذ قرارات ذكية في أهم خيارات الحياة:

استنزاف العزيمة:

كيف تقرِّر ما إذا كان يجب على شخص ما قضاء حياته حرَّاً أو محبوساً في السجن؟ من غير المُحتمل أن تضطرَّ إلى الإجابة عن مثل هذا السؤال، لكن يجب على القضاة الإجابة عنه مرات عدة كل يوم، على سبيل المثال، في حال ارتكب شخص ما خطأ منذ سنوات وقضى بعض الوقت في السجن، يجب أن يقرِّر القاضي ما إذا كان مناسباً أن يفرج عنه بإطلاق سراح مشروط، أو ما إذا كان يجب أن يبقى في السجن.

إذ سوف ينظر القاضي إلى عدة تفاصيل، منها:

  • ما هي الجريمة؟
  • كم من الوقت قضى الشخص في السجن؟
  • كيف كان سلوكه خلال هذا الوقت؟
  • ما هو رأي الخبراء النفسيين؟

يجمع القاضي كل هذه العوامل ويفكِّر فيها بعناية قبل اتخاذ قرار بشأنها، أمَّا إذا كان صباح القاضي حافلاً بالعمل ولم يتناول غداءه بعد، فمن المُحتمل كثيراً أن يلجأ إلى الخيار الآمن ويعيد الفرد إلى السجن.

فحتى القضاة الذين يُعدُّون أعلى سلطة لتطبيق العدالة، يقعون ضحية لإرهاق القرار، وذلك لأنَّهم قد يفتقرون العزيمة اللازمة لاتخاذ القرار الصحيح في ظلِّ ظروف خاطئة، تماماً مثل بقيتنا، وكل ذلك لأنَّ مخزون العزيمة محدود.

إذ يتطلَّب اتخاذ خيارات جيدة كثيراً من قوة الإرادة، وليس لدينا ما يكفي منها لاتخاذ الخيارات الصحيحة طوال اليوم؛ أي بالنسبة إلى معظمنا هناك عدد محدود من القرارات التي يمكننا اتخاذها اتخاذاً صحيحاً كل يوم، لذا تحديد أي منها سنتخذه اليوم أمر حاسم.

فعندما تنظر كيف أنَّنا نعطي الأولوية إلى الأشياء التافهة على حساب الأشياء الهامة، فلا عجب أنَّنا نتخذ قرارات فاشلة طوال الوقت، فإن كانت لديك رؤية مستقبلية هامَّة تتطلَّب كثيراً من قوة الإرادة والتركيز، فكيف ستنجح عندما تحظى مسألة تافهة مثل لون القميص الذي يجب أن ترتديه اليوم بالقدر نفسه من الاهتمام الذي توليه لمسألة هامة مثل إطلاق برنامج جديد في اليوم ذاته، فبالتأكيد لن تنجح إلَّا إذا كنت مستعدَّاً لبذل الجهد الآن لجعل عملية اتخاذ القرارات أسهل.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

5 استراتيجيات لأتمتة القرارات:

لدينا كثير من القرارات التي يتعيَّن علينا اتخاذها كل يوم، وليس لدينا الكثير من الطاقة لاتخاذها، فضلاً عن ذلك أدمغتنا ليست بارعة في ترتيب الأولويات بسرعة، لذا يجب أن تحرص على تركيز انتباهك على القرارات الهامة، وألَّا تستنزف عزيمتك على اتخاذ خيارات غير هامة.

فأسهل حل هو اتخاذ القرارات الهامة في الصباح، ولكنَّه ليس حلَّاً فعَّالاً دائماً؛ إذ هناك كثير من القرارات غير الهامة التي يتعيَّن عليك اتخاذها كل صباح، بدءاً من لون الملابس التي يجب أن ترتديها حتى الفطور الذي ستتناوله، قبل أن يحين وقت الأمور الهامة.

لكن أنت لا تعرف دائماً متى ستواجه قراراً حاسماً، ومتى ستطرق الفرصة بابك، فالجانب السلبي الآخر هو أنَّ هذا الحل لا يعالج مشكلة القرارات الكثيرة والعزيمة المحدودة لاتخاذها؛ إذ يمكن أن تأخذ قرارات رائعة بشأن الأشياء الهامة، ولكن ستشعر بالسوء عندما تواجه صعوبة مع بقيتها.

فالحل الأفضل هو الأتمتة، فبهذه الطريقة يمكنك الاستغناء عن الحاجة إلى العزيمة لاتخاذ قراراتك غير الهامة، أو التي يمكن التنبُّؤ بها من خلال بناء أنظمة تبحث عن أدلة وتتخذ القرار الأفضل تلقائياً، فإذا حدث شيء معيَّن تتصرف بطريقة معينة، ولكنَّ "أتمتة قراراتك" أمر يصعب تصوره، وأسهل طريقة لفعل ذلك هي إلقاء نظرة على بعض الأمثلة ومحاولة تقليدها.

فيما يأتي 5 أمثلة يمكنك الاستعانة بها لبدء أتمتة قراراتك كل يوم:

1. اتباع روتين في الصباح:

عندما تستيقظ في الصباح، هل تعلم بالضبط ماذا ستفعل بعد ذلك، وتفعل الشيء نفسه دائماً، أم تقضي وقتاً في التفكير ويختلف ما تفعله كل يوم؟ فلن تدرك ذلك في لحظتها، ولكنَّ هذا التردُّد في اتخاذ القرار يستهلك من مخزون عزيمتك.

فعوضاً عن ذلك حدِّد روتيناً متسلسلاً لنهارك، على سبيل المثال، عندما تستيقظ الساعة 6 صباحاً، مارس الرياضة، ثمَّ تناول الفطور، ثمَّ استحم وارتدِ الملابس، ثمَّ اذهب إلى العمل، وهكذا سيكون كل قرار تقريباً يمكن أن تحتاج إلى اتخاذه قبل بدء العمل في الصباح جاهزاً ولا حاجة لبذل أي جهد من أجله، ويمكنك استخدام العزيمة التي وفَّرتها على شيء هام في وقت لاحق من اليوم.

إقرأ أيضاً: كيف تؤسس لروتين صباحي راسخ

2. إنشاء نظام أتمتة لقائمة المهام اليومية:

يعرف كل شخص مهووس بالإنتاجية أهمية قائمة المهام اليومية، وهناك كثير من القواعد لذلك، منها:

  1. إنجاز المهام الهامة أولاً.
  2. تخفيض توقعاتك لعدد المهام التي يمكنك إنجازها في اليوم الواحد.
  3. تحديد مهام صغيرة وقابلة للتنفيذ.

القواعد رائعة، لكن هل تلاحظ كيف ينتهي بك الأمر بكتابة المهام نفسها كل يوم، وإجراء نفس المحادثة مع نفسك عما يجب فعله أولاً؟ إذ يتطلَّب كل هذا التفكير هدر طاقة.

فهناك مهام روتينية في حياتك لا حاجة لأن تفكِّر فيها كل يوم، بدلاً من ذلك أنشِئ نظام أتمتة حتى لا تضطر إلى التفكير فيها سوى مرة واحدة ثمَّ تنفيذها مباشرة.

إذ إنَّ هناك أشياء ستتطلَّب إنجازها كل يوم، ولا يمكن أن تكون في هذه القائمة، ولكنَّها لن تمثِّل مشكلة لأنَّه سيكون لديك الكثير من العزيمة لاتخاذ قرارات جيدة بشأن المهام التي ليست جزءاً من نظام الأتمتة.

3. تسهيل خيارات الملابس:

باستثناء بعض المناسبات الخاصة، لا حاجة لأن تحتوي خزانة ملابسك على أكثر ممَّا تحتاجه، فمن الطبيعي أن تستمتع بالتنوُّع، لكن هذا مثال رائع من واقع حياتك يوضِّح كيف تخرج فيها القرارات الصغيرة عن نطاق السيطرة، وتستنفد العزيمة مبكِّراً في الصباح، وهذا لا يترك مخزوناً كافياً للأشياء الأهم التي ستصادفها لاحقاً؛ لذا إذا كنت تظنُّ أنَّ العشر دقائق التي تقضيها في التحديق في المرآة، واختيار الملابس المناسبة لا يؤثر في القرارات الأكبر فأنت مخطئ.

لذا بدلاً من القيام بذلك كل يوم، اكتفِ بفعل ذلك فقط عندما تبتاع الملابس مرة واحدة كل عام، واشترِ ملابس تتناسب مع كل شيء آخر تملكه بالفعل، ولتكن خزانة ملابسك مرنة؛ إذ يمكنك ارتداء أي شيء مع أي شيء آخر، واستخدم الوقت الذي تقضيه في اختيار الملابس للتفكير في أمور أهم.

4. تسهيل خيارات الوجبات:

من السيِّئ تأجيل التفكير في الطعام حتى تشعر بالجوع، وذلك لأنَّك حينها تميل إلى اتخاذ خيارات سيئة تضرُّ بصحتك وتستنزف عزيمتك؛ لذا عوضاً عن ذلك، يمكنك تقليص خيارات وجبة الإفطار من خلال إنشاء قائمة تحدِّد فيها وجبة الإفطار التي ستتناولها كل يوم، وبذلك ستوفِّر الوقت وتتَّبع نظاماً صحياً في آن واحد.

شاهد بالفديو: 7 نصائح لتغذية صحية سليمة

5. تحديد مواعيد لتفاعلاتك الاجتماعية:

من المفيد تحديد أيام وأوقات للخروج مع أصدقائك أو بصحبة عائلتك أسبوعياً، وهكذا لا تحتاج إلى القلق، أو قضاء وقت طويل في التفكير للإجابة عندما تتلقَّى دعوة مُفاجئة؛ وبذلك، يمكنك العمل خلال اليوم، وتخصيص الوقت لأصدقائك وزملائك الآخرين، وهذا أيضاً يزيد من الوقت المُخصَّص لهم، وذلك لأنَّك لن تضيِّع الوقت في القلق بشأن كيفية الرد على الدعوات، فإذا كانت الفعَّالية خلال "ساعات العمل"، يمكنك الإجابة دائماً: "يبدو ذلك ممتعاً جداً، ولكن لا يمكنني الحضور، هل يمكننا تأجيله إلى وقت آخر بدلاً من ذلك؟".

احرص على عدم الالتزام بكثير من المواعيد في أي أسبوع معيَّن إذا كانت التفاعلات الاجتماعية ترهقك؛ إذ تضمن قواعد الأتمتة الاجتماعية هذه إنشاء توازن بين عملك وعلاقاتك الاجتماعية.

إقرأ أيضاً: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة

في الختام:

هناك كثيرٌ من القرارات التي يتعيَّن عليك اتخاذها، وليس لديك العزيمة الكافية لتجنُّب إجهاد القرار؛ لذا إذا كنت ترغب في التركيز على أهم أعمالك، وأن تكون قائداً ناجحاً للأشخاص الذين يعتمدون عليك، فتحتاج إلى نظام لأتمتة الأشياء غير الهامة والتي يمكن التنبُّؤ بها؛ فهذه أجزاء قليلة من حياتك يمكنك أتمتتها كل يوم لزيادة سعادتك وإنتاجيتك؛ إذ لا يمكنك تطبيق كل هذه الاستراتيجيات اليوم، ولكن يمكنك تطبيق واحدة على الأقل، لذا اختر الاستراتيجية التي تبدو أسهل واختبرها لمدة أسبوع.

المصدر




مقالات مرتبطة