من الصعب تقييم العاملين في المجالات المعرفية كليَّاً اعتماداً على نتاجهم؛ فالجودة هامة، وهذا يعني أنَّ مقدار الوقت الكلي المبذول في مشروعٍ ما، أو العمل النهائي المسلَّم، قد لا يرتبط مباشرةً بإنتاجية الفرد.
في اقتصادنا الحالي المعتمِد على المعرفة، إن ركزَت المؤسسات على قياس الإنتاجية كحجم مردود عمل الأشخاص، فمن المحتمَل أن يجدوا أنفسهم مع قوى عاملة مرهَقة وغير ملتزمة، تشعر بأنَّه يُساء فهمها. ومع ذلك، يبقى من الهام التأكيد أنَّه وبغض النظر عن إنجاز العمل، فإنَّ الأشخاص يمضون وقتهم بحكمة وفاعلية، ويشعرون بتأثيرهم في مكان العمل.
إليك بعض أكثر المثبطات الشائعة لإنتاجية الموظفين العاملين في المجالات المعرفية في يومنا هذا، وكيفية معالجتها:
1. خسارة الموظفين الاهتمام بالعمل:
إن فقد الأشخاص اهتمامهم بالعمل، فعلى الأرجح لأنَّهم لا يشعرون بالارتباط تجاه الشركة. ومن ناحيةٍ أخرى، وفقاً لدراسة من موقع "غالوب" (Gallup)، تشهد المؤسسات التي ترتفع فيها معدلات التفاعل إنتاجيةً أعلى بنسبة 21%؛ فعندما يشعر الأشخاص برابطة قوية تجاه مؤسسةٍ ما، يصبحون أكثر تحفيزاً، ومن ثمَّ أكثر ميلاً ليكونوا منتجين؛ وهذا يساهم في نجاح مؤسستهم.
ويأتي جزء أساسي من الالتزام من بناء ثقافة تنظيمية ناجحة يطوِّر الأشخاص فيها إحساساً بالانتماء ويشعرون بالدعم. ولنجاح ذلك، ينبغي التعبير عن قيم الشركة بوضوح لكل الفِرَق؛ وبذلك يعلم الجميع ما يعملون لأجله. سيساهم الإدراك الأعظم للهدف في تحفيز الناس على المستوى الشخصي؛ في عملهم ومهامهم اليومية. وإضافةً إلى ذلك، يحتاج الأشخاص إلى تقدير ملائم ومقنِع، وبإعلامهم بتأثير عملهم في نتائج الأعمال، بحيث ينتابهم شعور بأنَّهم جزء من شيءٍ هام، ويشكِّلون رابطاً عاطفياً وفكرياً يصبح مفيداً على نحوٍ متبادَل لهم ولرب عملهم.
2. التعامل مع الأداء عديم الفاعلية:
وجدت دراسة أجراها موقع "غالوب" (Gallup) أنَّ نصف العاملين لا يعرفون ما هو متوقَّع منهم في العمل؛ وهذا يقود إلى تعيينهم للأولويات الخاطئة، وشعورهم بالارتباك؛ وفي النهاية، العمل على الأمور الخاطئة، والذي بدوره ينقص الإنتاجية الشاملة.
ولكن إن ساعد المديرون بوضع تقارير لتحديد الأهداف في كل مرحلة للعمل، فإنَّ التوقعات الواضحة تسبِّب أرباحاً إنتاجيةً بنسبة 5-10%؛ لذا من الجوهري أن يُرشِد المديرون أعضاء فريقهم بواسطة تحديد الأهداف وبالتعاون معهم، ومساعدتهم بانتظام، وخلق الفرص للتواصل.
إنَّ مرةً سنوياً لا تكفي ليعرف الأشخاص كيف يؤدون، وما يمكنهم تحسينه؛ بل ينبغي أن يتمكَّن الأشخاص من معرفة نقاط قوَّتهم بصورة منتظمة، إضافةً إلى ما يجب عليهم العمل لتحقيقه خلال السنة. سيمدُّهم تقديم مراجعات أداء كل شهر أو ثلاثة أشهر متناسبة مع احتياجاتهم بالمعارف الضرورية لهم بالتحسُّن والتطوير المستمر.
شاهد بالفيديو: 9 قواعد أساسية لزيادة الإنتاجية في العمل
3. نقص الأدوات وغياب التدريب والتطوير:
بعد تحديد أهداف وتوقُّعات واضحة، يبقى الأشخاص بحاجة مستمرة إلى التوجيه والتدريب كل شهر أو ثلاثة أشهر. وكيلا يُوصَفوا بعديمي الكفاءة، يواجه بعض الأشخاص الصعوبات بمفردهم؛ لذا إما يستغرقون وقتاً أطول، أو يرتكبون الأخطاء خلال مسيرتهم؛ وهذا قد يؤثر في الإنتاجية الإجمالية. عوضاً عن ذلك، من الهام تطوير ثقافة التعلُّم المستمر كي يشعر الناس بالقدرة على طرح الأسئلة، وبالتفويض للتعلم في عملهم.
ودور المديرين هو إثبات أنَّهم منفتحون لإعطاء أعضاء فريقهم تغذية راجعة، أو نصائح بنَّاءةً، لمساعدتهم على تطوير أدوارهم. حقيقةً، وجدت دراسة أجرتها جامعة "ويستيرن ميتشيغن" (Western Michigan) أنَّه يمكن لردود الفعل العظمى زيادة الأداء بنسبة 5%-20%.
4. كثرة الاجتماعات:
تعجُّ مقرات العمل في يومنا هذا بمصادر تشتيت الانتباه، وتخلق المساحات المكتبية المفتوحة، وإشعارات التطبيقات تشتتاً والتهاءً أكثر من أي وقتٍ مضى، لكنَّ الاجتماعات تُعَدُّ المُذنب الأول في تشتيت الانتباه. تأتي أوقات يكون فيها يومك كلُّه عبارة عن اجتماعاتٍ متبادلة؛ أو الأسوأ، أيام تملك فيها فترات استراحة قصيرة بينها لمدة 30 دقيقة، والتي لا تكفي تماماً للعودة إلى العمل، ولكنَّها كافية للشعور بدقائق الإنتاجية تنزلق بعيداً.
إن كانت ثقافة شركتك قوية، فتأكَّد من أنَّها تتطرَّق إلى أشياء مثل؛ كيفية عقد الاجتماعات، وتأثير ذلك في الأشخاص في مكان العمل. وإن كنتَ تُمثِّل ثقافة مَرِحةً وفعالةً، فساعد الأشخاص لإيجاد طرائق فعالة لإجراء اجتماعات لا تستنزف الإنتاجية وتوهن العزيمة.
قد تكون إحدى الطرائق للتخلُّص من مصادر تشتيت الانتباه في مكان العمل تخصيص يوم خالٍ من الاجتماعات خلال الأسبوع، أو تخصيص غرفة في المكتب يُمنَع كل من يدخل إليها من التحدث، أو إطلاق إشارة عندما يحتاج أحدهم إلى وقت للتركيز خالٍ من التشتيت تماماً.
5. أسباب غير متعلقة بالعمل:
قد يكون سبب قلة الإنتاجية أحياناً شخصياً. ولكن يؤدي ضغط العمل الشديد إلى الإرهاق الكبير، والاحتراق الوظيفي. وكثيراً ما تنسى الشركات أنَّ الموظفين بشر أيضاً. ومع ذلك، فكما ذُكِر في بداية هذا المقال، الإنتاجية ليست معادلة يسيرة يُبذَل فيها المال مقابل الحصول على عمل.
يمكن للتوتر غير المتعلق بالعمل أن يؤثر تأثيراً كبيراً في قدرة الأشخاص على التركيز وإنجاز الأعمال. بدلاً من هدر الموارد، أعطِ الناس الوقت والدعم الذي يحتاجونه للتعافي واحصل على سفراء مخلصين للشركة في المقابل.
إحدى طرائق ضمان شعور الأشخاص بالمساندة من قِبل رب العمل هي عقد اجتماعاتٍ منتظمةٍ وجهاً لوجه بين المديرين والموظفين. وإن تواصلوا بانتظام - ليس بخصوص العمل؛ وإنَّما بخصوص مشاعرهم تجاهه - فذلك يخلق فرصةً للأشخاص للتحدُّث في الأوقات الصعبة. إضافةً إلى ذلك، يمكنك تشجيع ثقافة تدريبية في كل المستويات في المؤسسة؛ وبذلك لا يحتاج الأشخاص إلى الاتكال على مديريهم، ويشعرون بالدعم من قِبل أي زميل.
في المحصلة، يجب عليك التأكد من أنَّ فريقك يشعر بالتقدير، ويَرُدُّون الجميل للشركة. ويساهم في ذلك مساعدتهم على الشعور بأنَّهم أكثر إنتاجية، وامتلاك الهيكل الصحيح لدعمهم.
أضف تعليقاً