أولاً: طريقة مونتيسوري
طورت الدكتورة ماريا مونتيسوري، وهي أول امرأة في إيطاليا تحصل على شهادة في الطِّب، نموذجاً تعليميَّاً يحملُ اسمها أثناء تدريسها لمجموعة من 50 طالباً فقيراً من ضواحي روما في عام 1907. رفضت الدكتورة مونتيسوري، والتي عملت سابقاً مع طلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، فكرة أنَّ الأطفال يولدون "كألواحٍ بيضاءَ فارغة". بالأحرى، كانت تعتقد أنَّ الأطفال يولدون بعقولٍ ماصَّة (تمتص وتحتفظ بالمعلومات)، وأنَّهم قادرون تماماً على التَّعلم الذاتي. طورت مونتيسوري هيكليَّةً لبيئة تعليمية مُعدَّة مسبقاً، حيث يمكن للأطفال، المخولين بحرية اختيار كيف يقضون وقتهم في المدرسة، والبحث عن فرص للتَّعلم بمفردهم. وقد شكَّلَ عملها الرَّائد أساساً لما يُعرف بـِ "صف مونتيسوري"، والذي يجري بشكل أساسي في بيئات ما قبل المدرسة والصفوف المدرسية الابتدائية المعاصرة (ما يُشبه دور الحضانة).
تشمل صفوف مونتيسوري عادةً الفئات العمرية للثلاث سنوات. ويساعد عدم توفر الدرجات والاختبارات وأشكال التقييم الرسمي الأخرى في ضمان بقاء الفصول الدراسية غير تنافسية. تم افتتاح أول مدرسة تتبنى منهج مونتيسوري في الولايات المتحدة في تاريتاون، نيويورك، في عام 1911. ووصفت صحيفة نيويورك تايمز المدرسة على النحو التالي: "هذه ليست مدرسة للأطفال المعاقين أو الأطفال المصابين بالسل أو الأطفال المصابين بفقر الدم، إذ إنَّ التلاميذ الصغار في الصفوف الدراسية المشمسة الكبيرة في تاريتاون، هم أطفال أمريكيون عاديون وسعداء وصحيون وأولادٌ وبناتٍ من السُّكان الأثرياء في الريف".
وفي يومنا هذا، يتم استخدام طريقة مونتيسوري في حوالي 5000 مدرسة في الولايات المتحدة، بما في ذلك عدة مئات من المدارس العامَّة. قدمت دراسة أجريت في عام 2006 قارنت نتائج الأطفال في مدرسة عامة مونتيسوري في مدينة مع أطفال ذهبوا إلى مدارس تقليدية، أدلَّةً على أنَّ التعليم وفقاً لطريقة مونتيسوري، ينتج عنه أطفال ذوي مهارات اجتماعية وأكاديمية أفضل. من بين العديد من المشاهير الذين يمكنهم أن يشهدوا بقيمة التعليم وفقاً لطريقة مونتيسوري هما العضوان المؤسسان في شركة جوجل، سيرجي برين وَ لورنس بيج (لاري بيج).
ثانياً: طريقة شتاينر/ فالدورف
بالإضافة إلى إنشائه لمجال الأنثروبوسوفيا (علم طبائع البشر)، الذي يقوم على الاعتقاد بأنَّ البشر لديهم الحكمة الكامنة للكشف عن أسرار العالم الروحي، طَوَّر الفيلسوف والعالم النمساوي رودولف شتاينر نموذجاً تعليمياً يُرَكِّز على تطور "الطِّفل بأكمله" جسديَّاً ومعنويَّاً وروحيَّاً. يعتقد شتاينر، الذي تأثَّر بأمثال غوته وجان بياجيه، أنَّ هناك ثلاث مراحل لنمو الطفل، مدة كل منها 7 سنوات، ويعكس منهجه التربوي ما يعتقد أنَّه ينبغي ولا ينبغي تعليمه خلال كُل مرحلة من هذه المراحل.
أسّس شتاينر أول مدرسة فالدورف (مصطلح فالدورف يستخدم الآن بالتَّرادف مع شتاينر لوصف المدارس ذات المناهج المستندة إلى تعاليم شتاينر) في عام 1919 في شتوتغارت، ألمانيا، لأطفال العمال في مصنع سَجائر فالدورف أستوريا. وفي غضون 10 سنوات، كانت مدرسة شتاينر في شتوتغارت أكبر مدرسة خاصة في ألمانيا. وعندما أغلق النازيون المدارس الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، فرَّ معلمو فالدورف إلى بلدان أخرى، مما ساهم في زيادة شعبية تلك الطَّريقة بعد الحرب.
بقي المنهج الذي يحدد طريقة فالدورف، دون تغيير نسبياً خلال التِّسعين عاماً الماضية. يعتقد شتاينر أنَّ السَّنوات السَّبع الأولى من حياة الطفل، هي فترة تتميز بالتَّعلم الحسي الذي يرتكز على التَّقليد، ويجب أن تكرس هذه المرحلة من أجل تطوير قدرات الطِّفل غير المعرفية. وتحقيقاً لهذه الغاية، يتم تشجيع رياض الأطفال في مدارس فالدورف على اللَّعب والتَّفاعل مع بيئتهم بدلاً من تدريس المحتوى الأكاديمي في بيئة تقليدية. ويعتقد شتاينر أيضاً أنَّ الأطفال يجب أن يتعلموا الكتابة قبل أن يتعلموا القراءة، وأنَّه لا يجب أن يتعلم أي طفل القراءة قبل سن السابعة. إذ من سن 7 إلى سن 14، يتم التَّركيز على الإبداع والخيال.
وخلال هذه المرحلة، قد يتعلم طلاب مدرسة والدورف لغات أجنبية بالإضافة إلى تعلم رقصة اليوروثمي -وهي رقصة تعبيرية طورها شتاينر- وغيرها من الفنون المسرحية. بحلول سن الرابعة عشر، يكون الطُّلاب مستعدين لبيئة أكثرَ تنظيماً تُشَدِّدُ على المسؤولية الاجتماعية.
يجادل بعض منتقدي طريقة والدورف بأنَّها تُقَلِّد الديانات. فوفقاً للمناهج، يتعلم الطلاب عن القديسين المسيحيين في الصف الثاني والعهد القديم في الصف الثالث. على الرَّغم من تلك المخاوف والمطالب التي تنادي بوجود اختبار موحد، إلا أنَّه يوجد هناك أكثر من 800 مدرسة في جميع أنحاء العالم، والتي تستخدم بعض الاختلافات ضمن طريقة تدريس شتاينر.
تُعَد كلية رودولف شتاينر، التي تأسست عام 1974 في فير أوكس، كاليفورنيا، بمثابة مركز للدراسات الأنثروبولوجية وأرض للتدريب أجيال المستقبل من معلمي مدارس والدورف.
ثالثاً: طريقة هاركنيس
لا تعتمد طريقة هاركنيس على منهج معين أو أيديولوجية معينة، بل تعتمد على قطعة أثاث معينة، وهي طاولة بيضاوية. إذ تعد الطَّاولة الكبيرة البيضاوية، والتي تم تطويرها من قبل أحد من أقطاب النفط والمحسن إدوارد هاركنيس، محور أي صف مدرسي يستخدم أسلوب التدريس في هاركنيس. يجلس الطلاب مع زملائهم في الصف وبرِفقة المدرس حول الطاولة ويناقشون جميع المواضيع، من حساب التفاضل والتكامل إلى التَّاريخ، وغالباً ما يكون ذلك بتفصيلٍ كبير. تمثل طريقة هاركنيس خروجاً كبيراً عن الطريقة التي يتمُّ بها إعداد الصفوف المدرسية التقليدية، والتي تتمثل في مدرس يجلس أمام السبورة لإلقاء محاضرة على طلاب يجلسون في صفوف من المقاعد الدِّراسية. أما هنا يتم تكوين الآراء الفردية وتثبيتها ورفضها ومراجعتها على طاولة هاركنيس، حيث تتمثل المسؤوليات الرئيسية للمُعلم في ضمان عدم هيمنة أي طالب على المناقشة وإبقاء الطلاب ضمن الموضوع الذي يناقشونه. لا توجد محادثة على الإطلاق، تشبه سابقتها، مما يساعد المعلمين على تجنب الإرهاق الذي قد ينتج عن تدريس الدرس نفسه من سنة إلى أخرى.
في عام 1930، تبرَّعَ هاركنيس بملايين الدولارات إلى أكاديمية فيليبس إكستر، وهي مدرسة ثانوية خاصة في نيو هامبشاير، بشرط استخدام الأموال لتنفيذ طريقة تعليمية جديدة من شأنها إشراك جميع الطُّلاب في عملية التَّعلم. أُنفِقَ جزءٌ من هبةِ هاركنيس على توظيف 26 مدرساً جديداً، مما مكن إكستير من تقليص عدد الصف المدرسي الواحد، إذ كان ذلكَ أمراً ضرورياً، وذلك نظراً لأنَّ أسلوب هاركنيس يكونُ أكثر فعالية ضمن صفوف تضم 15 طالباً أو أقل. يقول لويس بيري، مدير أكاديمية فيليبس إكستير لصحيفة (نيويورك تايمز) في السنوات الأولى من البرنامج: "إنَّ الصفوف الدراسية الآن صغيرةٌ بما يكفي بحيث لا يختفي فيها الطالب الخجول أو البطيء الاستيعاب. أمَّا بالنِّسبة للطالب العادي، فإنَّه وبالمثل، يجد أنَّ متطلباته تلقى آذاناً صاغية".
باختصار، أفضل تعريف لطريقة هاركنيس هي أنَّها عبارة عن سلوك. إنَّها طريقة جديدة لمشكلة الوصول إلى كل ولدٍ على حدى. "لقد كانت الطريقة فعالة من البداية؛ وأفادت أكاديمية إكستر بانخفاض في الدرجات الفاشلة البالغة 6 في المئة خلال السنوات الثلاث الأولى من تبني طريقة هاركنيس.
يُجبِرُ الإعداد الودي لطاولة هاركنيس الطلابَ على تحمل مسؤولية التَّعلم الخاصِّ بهم، ويشجعهم على مشاركة آرائهم. وإضافةً إلى تعلُّم المواضيع التي تجري مناقشتها، يتعلم الطلاب أيضاً مهاراتٍ قيمة في التَّحدث أمام الجمهور ويحترمون أفكار زملائهم الطلاب. كما أيدت الدراسات فعالية تلك الطريقة في زيادة استبقاء واسترجاع الموادِ عند الطلاب. يستغرق الأمر وقتاً للدخول في مناقشة المواضيع باستخدام طريقة هاركنيس، وهو أحد الأسباب، بالإضافة إلى القيود المفروضة على حجم الصف المدرسي، التي لم تجعل هذه الطريقة في التدريس أكثر شيوعاً في المدارس العامة.
رابعاً: طريقة ريجيو إميليا
"ريجيو إميليا" هو منهج تعليمي يستخدم في المقام الأول لتعليم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 6 سنوات. سُميت هذه الطريقة باسم مدينة في شمال إيطاليا حيث أسس المعلم لوريس مالاجوزي إبَّان الحرب العالمية الثانية، نهجاً جديداً لتعليم الأطفال في مراحل طفولتهم المبكرة. تستند فلسفة مالاجوزي إلى الاعتقاد بأنَّ الأطفال هم أشخاص أكفاء وفضوليين وواثقون، ويمكنهم أن يزدهروا في بيئة تعليمية موجهة ذاتياً، حيث يكون الاحترام المتبادل بين المعلم والطالب أمراً بالغَ الأهمية. في حين تمَّ افتتاح أول مدرسة تمهيدية باسم ريجيو إميليا في عام 1945، إلا أنَّ ذلك النَّهج جذب متابعة جادةً في الولايات المتحدة في عام 1991، وذلك بعد أن اختارت مجلة نيوزويك مدرسة ديانا التمهيدية في بلدة ريجيو إيميليا، من بين أفضل مؤسسات الطفولة المبكرة في العالم.
وتشدد مدارس ريجيو إميليا على أهمية قيام الآباء بدور نشط في التَّعليم المبكر لأطفالهم. تم تصميم الصفوف الدراسية لتبدو وكأنَّها في المنزل، كما أنَّ المناهج الدراسية مرنة، حيث لا توجد خطط محددة للدروس. كما يشدد نهج "ريجيو إميليا" على النمو وفق شروط التلاميذ. كما تُعد اللوازم الفنية مُكَوِّناً هامَّاً في أيِّ صف دراسي من صفوف ريجيو إميليا، والمدارس التقليدية فيها مصمم فني أو مدرس فنون يعمل عن كثب مع الأطفال في مجموعة متنوعة من المشاريع الإبداعية. غالباً ما يقوم مدرسو ريجيو إميليا بتوثيق مكثف لنمو الطِّفل، بما في ذلك مجلدات العمل الفني والملاحظات حول القصص التي تكمن وراء كل قطعة فنية.
"إنَّها تتعلق باستكشاف العالم معاً ودعم تفكير الأطفال بدلاً من مجرد منحهم إجابات جاهزة. إنَّ ريجيو إميليا تدور حول الإمكانات البشرية الكاملة، وكيفية دعم ذلك من الناحيتين الفكرية والإبداعية"، تقول لويز بويد كادويل، التي كانت متدربة في مدرستي ريجيو إميليا في إيطاليا في أوائل التسعينيات، ثم ألفت كتاباً عن طريقة التدريس تلك.
خامساً: طريقة سودبوري
تأخذ مدارس سودبوري اسمها من مدرسة وادي سودبوري، والتي تأسست في عام 1968 في فرامنغهام، ماساتشوستس. في مدارس سودبوري، يتمتع الطلاب تقريباً بالسيطرة الكاملة على ما يتعلمون، وكيف يتعلمونه، والطَّريقة التي يتم تقييمهم بها أيضاً. في الاجتماع المدرسي الأسبوعي، يصوّت الطلاب على كل شيء بدءاً من قواعد المدرسة وكيفية إنفاق الميزانية، وصولاً إلى ما إذا كان ينبغي تعيين الموظفين. كل طالب وموظف له صوت، وكل الأصوات متساوية. فلسفة سودبوري تقوم على أنَّ الطلاب قادرون على تحمل مستوى معين من المسؤولية واتخاذ قرارات سليمة؛ وفي حالة اتخاذهم لقرارات سيئة، يأتي التَّعلم على شكل التَّعامل مع عواقب قراراتهم الخاطئة.
وفي حين أنَّ العديد من المدارس العامة والخاصة تبحث باستمرار عن طرق جديدة لتحفيز الطلاب على التَّعلم، فإنَّ مدارس سودبوري لا تُلقِ بالاً لذلك، إذ وفقاً لنهج سودبوري، فإنَّ الطلاب لديهم دوافع متأصلة للتَّعلم. وفي هذا الصَّدد يضرب لنا أحد معلمي سودبوري مثلاً عن الطِّفل الرضيع الذي يتعلم المشي، وذلك بالرُّغم من سهولة الخيار البديل المتمثل في الاستلقاء على السرير.
إنَّ مدارس سودبوري، والتي لديها بعض أوجه التشابه مع "المدارس المجانية" التي اكتسبت شعبية في الولايات المتحدة خلال حقبة السبعينيات، لا تقوم بتقسيم الطلاب إلى فصول مختلفة حسب العمر. إذ يُشارك الطلاب بانتظام فيما يسمى التَّعلُّم التعاوني، حيث يقوم الطلاب الأكبر سناً في كثير من الأحيان بتوجيه الطلاب الأصغر سناً. والرسوم الدراسية السنوية لمدرسة وادي سودبوري، التي ترحب بالطلاب بدءاً من سن 4 سنوات، تبلغ 6450 دولاراً للطفل الأول في الأسرة الذي يذهب إلى المدرسة.
أضف تعليقاً