ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "تريسي مايليت" (TRACY MAYLETT)، ويُحدِّثُنا فيه عن 5 خرافات عن تفاعل الموظفين في مكان العمل.
لا يسعُ المرء قراءة مجلة أعمال أو تصفُّح منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى حضور مؤتمرات الموارد البشرية دون الشعور بالإحباط أو اليأس بسبب إحصاءات مثل هذه. وإذا كانت 88% من قوة العمل غير متفاعلة ولا تقدِّم لك أيَّة فائدة، فلماذا لا تسرح 7 موظفين من أصل 8، وتكلف إنجاز العمل للشخص المتبقي بتكلفة أقل بكثير؟
هذه الأفكار مخيفة، لكن هل هي مبنية على مبادِئ صحيحة وبحث راسخ؟ في الحقيقة؛ ليس تماماً؛ لذا لنلقِ نظرة عليها ببعض المنطق؛ حتى مع الأرقام الأكثر اعتدالاً التي يدَّعيها بعض الأشخاص، فإنَّ هذا المستوى من عدم التفاعل سيسبب كارثة لأيَّة شركة.
عندما يتعلق الأمر بتفاعل الموظف، غالباً ما يكون من الصعب التفريق بين الحقيقة والخيال؛ لذلك دعونا نطَّلِع على بعض خرافات تفاعل القوى العاملة التي عادة ما تصدمنا.
الخرافة #1: معظم القوى العاملة لديك غير متفاعلة
عندما أكملنا البحث عن كتابنا الصادر مؤخراً "تجربة الموظف" (The Employee Experience)، راجعنا نتائجنا من أكثر من 24 مليون رد على الإحصائية، وما تعلمناه هو أنَّ نسبة عدم التفاعل في جميع أنحاء العالم هي في الواقع أقل من 5%، وهو بعيد كل البعد عن الأرقام الهائلة التي أُبلِغَ عنها في منشورات الموارد البشرية. إذاً، لماذا تنتشر هذه الخرافة على نطاق واسع؟ لأنَّ هناك بعض الحقيقة فيها، ومع ذلك، هذه خرافة أكثر من أنَّها حقيقة.
الاعتقاد الخاطئ هو أنَّ موظفيك معظمهم غير متفاعلين؛ لكن في الواقع، نسبة صغيرة فقط تناسب هذه الفئة. لقد وجد بحثنا أنَّ 32% من الموظفين على مستوى العالم يتفاعلون تفاعلاً كاملاً "الأبطال المتحمسون"، و48% مساهمون رئيسون "الأقوياء والثابتون"، و16% "ينتظرون الفرصة للتفاعل"؛ هذا يعني أنَّ 20% من الموظفين إمَّا غير مشاركين بالكامل 4% أو مشاركين ظرفياً 16% قد يشاركون أو لا يشاركون؛ وذلك اعتماداً على الموقف أو اللحظة.
الرسالة هنا ليست فقط أن تحذر من هذه النسب المخيفة؛ وإنَّما أن تعرف مستويات التفاعل داخل مؤسستك أيضاً. ومع ذلك، يجب أن يكون التفاعل بوضوح أمراً هاماً لأيَّة منظمة، ويجب إعطاء الأولوية لقياس نسبة التفاعل وتحسينها.
الخرافة #2: يمكننا تحفيز التفاعل من خلال توفير مزايا سهلة
في زمن كرة قدم الطاولة في مكان العمل والتنظيف الجاف المجاني والقمصان وغيرها من الهدايا، يبدو أنَّ العديد من المنظمات اليوم تحاول التنافس من خلال توفير مزايا كثيرة للتفوق في حرب التوظيف، في حين أنَّ بعضها قد يخلق مكان عمل مرضياً، إلَّا أنَّ تأثيرها قصير الأمد عموماً؛ إذ إنَّ لها قيمة محددة، وهذا هو "مبدأ التكيُّف" (Adaptation Principle)، إذ تقول الأبحاث النفسية: إنَّه عندما ينتقل شخص ما إلى مستوى أعلى من الدخل أو مستوى معيشي جديد، فإنَّه يتكيَّف معه بسرعة ويصبح غير راضٍ مرة أخرى.
إذا حاولت شراء رضى الموظفين عن طريق زيادة الامتيازات وعوامل الصحة، سترتفع التوقعات دوماً؛ لذا امنح الموظفين مكافأة، يصبح هذا جزءاً من توقعات العام المقبل؛ وامنحهم وجبة طعام يومياً وسيقولون لك يوجد مَن يُقدِّم وجبتين. هذا ليس جشعاً؛ بل إنَّها الطبيعة البشرية.
تفاعل الموظفين هو أكثر من مجرد امتيازات وفوائد؛ إذ يتعلق الأمر بالموظفين الذين يضعون قلوبهم وأيديهم وعقولهم وأرواحهم في العمل الذي يؤدونه. يتعلق الأمر بمؤسسة تعمل لتكون الأفضل أداءً وتحقيقاً للنتائج.
شاهد بالفديو: 6 طرق مبتكرة لرفع معنويات الموظفين
الخرافة #3: استطلاع تفاعل الموظفين يؤدي إلى تفاعلهم
لديَّ مديرون تنفيذيون في الشركة والموارد البشرية يطرحون السؤال التالي: "لقد أجرينا استطلاعاً للموظفين على مدار السنوات الثلاث الماضية، وبالكاد ازداد تفاعلهم. ما هي المشكلة؟".
قياس التفاعل يشبه قياس ضغط الدم؛ إذ إنَّه هام لأنَّه مقياس رئيس في فهم الصحة العامة، ومع ذلك، هو في حد ذاته لا يؤدي إلى تعافي المريض. الآن، تخيَّل اكتشاف أنَّك مصاب بارتفاع ضغط الدم، وفي كل عام تعود إلى الطبيب ليخبرك مرة أخرى أنَّك تعاني من ارتفاع ضغط الدم. لديك خيارات عدَّة؛ أولاً يمكنك الذهاب إلى طبيب آخر على أمل أن يكون لديه جهاز يعطيك أخباراً أفضل، وثانياً يمكنك بسهولة أن تقول: "إنَّ فحص ضغط الدم لا يعطيني النتائج التي أحتاج إليها؛ لذلك لن أقوم به بعد الآن".
هذا هو نهج النعامة في الرمال؛ والذي يمكن أن يكون خطيراً؛ لذا يمكنك العمل مع طبيبك لمعالجة تلك المجالات التي لن تحسن ضغط الدم فحسب؛ بل صحتك العامة. ربما يعني ذلك المزيد من التمرين، وربما يكون نظاماً غذائياً منخفض الصوديوم، وقد يكون الاسترخاء أو التأمل أو ربما دواء. بغض النظر عن ذلك، الممارسات والإجراءات الناجعة هي التي تحسِّن الصحة والشيء نفسه ينطبق على أيَّة منظمة، لذا القياس وحده لا ينفع.
يُعَدُّ استطلاع التفاعل خطوة أولى هامة ومستمرة؛ إذ إنَّه مقياس فعَّال لصحة المنظمة، وفي كثير من الأحيان، تخبر حقيقة أنَّك تقيس تفاعل الموظفين أنَّك تهتم بهم على الأقل؛ وهذا يزيد تفاعلهم بمقدار ضئيل. غالباً ما يكون الانتقال إلى استطلاع جديد أو التخلي عن القياس تماماً مجرد عذر لعدم القيام بالأعمال الشاقة، وإلى حين تبدأ العمل على النتائج من خلال وضع خطط عمل للتغيير والتفاعل من المحتمل أن تظل النتائج كما هي.
الخرافة #4: تفاعل الموظفين والسعادة في مكان العمل ورضى الموظفين جميعها شيء واحد
يخلط الكثيرون بين تفاعل الموظف ورضى الموظف، ومع ذلك فإنَّ الرضى هو تبادلي وتعاقدي، وفي مقابل عمل موظفيها؛ تَعِدُ المنظمة بتزويدهم بالأساسيات: التعويض، والأدوات والموارد، والسلامة الجسدية والعاطفية على سبيل المثال لا التحديد؛ ونسمي هذا "العقد التبادلي"؛ وهذا يعني أنَّ الموظف والمؤسسة يراقبان بعضهما بعضاً، فإن قصَّر أحد الأطراف، قصَّر الطرف الآخر.
على عكس رضى الموظف، فإنَّ التفاعل ليس عقداً تبادلياً؛ إذ إنَّ تفاعل الموظف هو حالة عاطفية نشعر فيها بالحماسة والحيوية والالتزام بعملنا، وفي المقابل نستثمر أفضل ما لدينا - قلوبنا وأرواحنا وعقولنا وأيدينا - في العمل الذي نقوم به. لاحظ أنَّ "القلوب" و"الأرواح" تنطوي على عاطفة أو إحساس، وهذا هو المكان الذي تأتي منه السعادة.
يُعرِّف باحث السعادة "شون أكور" (Shawn Achor) السعادة بأنَّها: "الغبطة التي تشعر بها وهي تتجه نحو إمكاناتك"؛ فالسعادة شعور، ومع ذلك تستثني السعادة المكونين الأخيرين لمعادلة التفاعل: "العقول" و"الأيدي"؛ وهذان المكونان لا يعنيان الشعور فحسب؛ بل يعنيان الفعل أو التصرف أيضاً، وقد يكون ممكناً تماماً العثور على موظفين سعداء غير متفاعلين والعكس صحيح.
الخرافة #5: الشركة مسؤولة عن تفاعل الموظفين
أنا أعمل مع طلاب جامعيين ومحترفي الأعمال في تدريس التحفيز، وإحدى الأسئلة التي أطرحها عليهم: "هل يمكن أن يحفِّزك شخص آخر؟" الإجابة الفورية عموماً هي "نعم". ومع ذلك، بمجرد التفكير في الأمر، يشكُّون في ذلك.
بعض المديرين والأفراد الآخرين هم ممتازون في خلق المواقف التي يقرر فيها الناس أن يتحمسوا؛ ومع ذلك، فإنَّ المفتاح هنا هو الاختيار مثل التحفيز، حيث ينطوي التفاعل على الاختيار، في حين أنَّ دورَ المدير هو خلق بيئة مناسبة لذلك؛ لذا فإنَّ مسؤولية الموظف في نهاية المطاف هي اختيار التفاعل.
التفاعل هو معادلة بنسبة 50/50؛ تمتلك المنظمة 50٪ من المسؤولية لخلق البيئة، والموظف يمتلك 50% لاختيار المشاركة، ونسبة صغيرة من الموظفين ستختار؛ إذ وجدنا أنَّ أقل من 10% يتفاعلون في أيَّة بيئة تقريباً. على العكس من ذلك، نادراً ما تتفاعل نسبة صغيرة - مرة أخرى أقل من 10% - في معظم بيئات العمل؛ ومع ذلك، فإنَّ الغالبية منا في مكان ما في الوسط سيتفاعلون في بيئة يمكننا فيها اختيار التفاعل؛ هذه البيئة ليست هي نفسها بالنسبة إلى كل فرد، لذا تذكَّر أنَّ التفاعل اختيار.
في الختام: التفاعل الحقيقي
يؤدي التفاعل الحقيقي إلى النتائج وينطوي على كل من الشعور والسلوك، بالإضافة إلى بذل جهد تقديري. اكتشفنا في بحثنا أنَّ الموظفين الذين وجدوا "المعنى والاستقلالية والنمو والتأثير والتواصل"، يتفاعلون في عملهم، أمَّا الامتيازات والاستطلاعات وحتى الموظفين السعداء جميعها لا تؤدي إلى التفاعل.
أضف تعليقاً