والمقصود من هذا الاقتباس هو أن الأشخاص الذين تقضي وقتك معهم يؤثرون في شخصيتك، وأن صديقك يمكن أن يسهم في نجاحك أو فشلك.
كيف يؤثر الأشخاص مِن حولك فيك؟
هناك عاملان يحدِّدان مدى تأثر أفكارك وأفعالك بالأشخاص المحيطين بك، فالعامل الأول هو وعيُك وقدرتك على الصمود بوصفك فردا، والعامل الثاني هو مجموع الوعي الجماعي للأشخاص الذين تقضي معهم وقتك.
وقد تكون أكثر وعيا وأذكى فردا في محيطك، ولكن إذا كنت محاطاً دائماً بأشخاص سلبيين يبنون أفكارهم على الخوف، فسيؤثر ذلك في شخصيتك وفي تقدمك في الحياة، وإذا كنت شخصاً واعٍ، فقد يكون التأثير السلبي لأصدقائك السلبيين محدودا، ولكنَّك أيضاً ستحصل على مكاسب محدودة؛ لأنك تقضي وقتك مع أشخاص يعرقلون تقدمك بدلا من أولئك الذين يرتقون بك.
وهذا ما اختبَره المؤلف "روبرت كيوساكي" (Robert Kiyosaki)، وذكره في كتابه الأب الغني والأب الفقير (Rich Dad, Poor Dad)، أنَّه كان لديه أبوان، الأب الحقيقي، الذي كان عالقاً في الطبقة الوسطى ولديه آراء محدودة حول المال، وأبوه الفقير، وهو أحد أغنى الرجال في هاواي (Hawaii) والذي كان ذكياً في جعل المال يعمل لصالحه، فمن خلال اختياره الواعي لتعلُّم أمور المال من والده الغني، اكتسبَ عدداً من المعتقدات والعقلية الإيجابية حول كيفية تحقيق الثراء، ممَّا قاده في النهاية إلى النجاح في الحياة.
وبالتالي فإنَّ قضاء الوقت مع مجموعة من الأفراد الناجحين والإيجابيين، الذين يؤمنون بتحمُّل المسؤولية في حياتهم، له تأثير إيجابي كبير في تطورك الشخصي، فيشجِّعونك هؤلاء الأفراد الملهِمون على اتخاذ إجراءات استباقية، ويساعدونك على تطوير عقلية قوية وناجحة.
وعلى النقيض من ذلك، إذا وجدتَ نفسك محاطاً بالمتشائمين الذين يعتقدون أنَّ العالم ضدهم ولا يوجد شيء يستحق العناء، فمن المحتمل أن تتأثر في هذه العقلية السلبية في نهاية المطاف، حتى لو كنت شخصاً متفائلاً في البداية، ويُضعِف هذا المحيط السلبي عزيمتك وإرادتك، وقد يثنيك عن تحقيق أهدافك السامية.
هذا التأثير واضح خصيصا عند السعي لتحقيق أهدافك الشخصية، فمثلا إذا سعَيت لتخفيف وزنك، فمن الضروري أن تتبنى عقلية الشخص المثالي، شخص يتَّخذ قرارات صحية وواعية فيما يتعلق بالطعام وأسلوب الحياة، ولكن إذا كنت محاطاً بأشخاص يفضلون تناول الطعام غير الصحي، فستجد صعوبة في اتباع نظام غذائي صحي، فعندها سيعتمد نجاحك في تحقيق هدفك الصحي على مدى تركيزك وقدرتك على الصمود أمام الإغراءات.
لذا فإن اختيار محيطك الاجتماعي بعناية هو خطوة حاسمة باتجاه تحقيق أهدافك والمحافظة على عقلية إيجابية ومفعمة بالحيوية، وإن قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يفكرون بالطريقة نفسها ويشاركونك الأهداف نفسها، أو حتى أولئك الذين حققوا بالفعل هذه الأهداف، سيوفِّر لك الدعم والتشجيع اللازمَين للبقاء على المسار الصحيح.
والجدير بالذكر أنه لا يعني هذا أنه يجب عليك قطع العلاقات أو التخلي عن أي شخص لا يسهم مباشرة في أهدافك، ولكن من الهام مراقبة تواصلك مع الأشخاص الذين لا يساعدونك على التطور والنمو بوصفك فردا، ويجب أن يكون قرار قطع العلاقات مع شخص ما قرارا مدروسا، خاصةً إذا كان هذا الشخص يؤثر سلباً في حياتك تأثيراً كبيراً.
تذكر إذا وجدت نفسك متعثرا في علاقات لا ترتقي بك أو لا تدفعك باتجاه التقدم، فإنك لا تساعد نفسك، ولا تساعد الشخص الآخر؛ لأنك لا تظهر أفضل ما لديك، ومن ثم لا تقدم أفضل ما لديك له، فقد تمكنه أيضاً من الاستمرار في سلوكاته السلبية.
لذا حافظ على علاقات صحية وإيجابية، وابتعد عن أولئك الذين يعرقلون تقدمك، فهذا الاختيار الواعي للعلاقات يساعدك على النمو والتطور، ويحقق أهدافك على الأمد الطويل.
5 أسئلة لاختيار الأشخاص الذين تقضي وقتك معهم
أحضر ورقة وقلم، واكتب إجاباتك عن الأسئلة الآتية:
1. أي نوع من الأشخاص تريد أن تكون؟
ما الصفات التي تتمنى أن تتحلى بها في ذاتك المثالية؟
2. مَن هم الأشخاص الخمسة الذين تقضي معهم معظم وقتك حالياً؟
ما صفاتهم؟ وما الصفات الثلاثة الرئيسة التي تميز كل واحد منهم؟
3. هل تتوافق صفات هؤلاء الأشخاص مع الصفات التي ستكتسبها في المستقبل؟
هل تدعمك هذه الصفات في تحقيق رؤيتك لنفسك أم أنها تعوقك؟ هل ترفع من شأنك أم تخفض مستوى طموحاتك؟
4. مَن هُم الأشخاص الخمسة الذين يجسِّدون الصفات التي تتمنَّى امتلاكها؟
يجب أن يكونوا أشخاصاً تتطلَّع إلى أن تكون مثلهم أو تحترمهم، فقد يكونوا أشخاصاً حقَّقوا بالفعل الهدف الذي تسعى لتحقيقه، فلا توجد قواعد هنا، ولا يهم إذا كان الشخص مشهوراً أو شخصاً عادياً، سواء كان صديقاً شخصياً أم شخصاً خارج دائرتك الاجتماعية، وإذا كان على قيد الحياة أو ميتاً، فقد يكون ذلك أي شخص، فأطلِقْ العنان لخيالك.
فمثلاً إذا كان أحد طموحاتك المهنية هو أن تصبح طاهٍ، فيمكنك ذكر أحد الطهاة المشهورين أو طاهٍ عالمي حائز على جوائز دولية ضمن قائمة الأشخاص الخمسة، فإذا خفَّفتَ وزنك، فيمكنك ذكر شخص حقَّق هذا الهدف بالفعل أو لديه النوع المرغوب من الجسم/الوزن، وإذا أردت أن تصبح منتج أفلام، فيمكنك ذكر شخص حقَّق النجاح في هذا المجال.
5. كيف يمكنك زيادة التواصل مع هؤلاء الأشخاص؟
هذا هو الجزء المثير للاهتمام، واعتماداً على هوية هؤلاء الأشخاص، يمكنك استخدام الطرائق التالية للتواصل معهم:
التواصل المباشر
قد يكون هذا التواصل وجهاً لوجه، أو عبر الهاتف، أو البريد الإلكتروني/الإنترنت، فكيف يمكنك زيادة فرص التفاعل مع هذا الشخص؟
إذا كنت تعرف الشخص، كيف يمكنك التواصل معه تواصُلاً أكثر تواتراً؟ وإذا لم تكن تعرف الشخص، هل ينتمي هذا الشخص إلى مجتمع معيَّن يمكنك الانضمام إليه؟ هل لديك أصدقاء يعرفون هذا الفرد؟ وهل هناك طريقة للانضمام إلى الدوائر الاجتماعية نفسها؟
الاطِّلاع على أعمالهم
إذا لم ينجح التواصل المباشر، يمكنك الاطلاع على أعمالهم، فهل لهذا الشخص أية أعمال تحمل اسمه، مثل العروض أو الكتب أو المدوَّنات الصوتية؟ احصل على هذه الأعمال واستمتِعْ بها، فهذه المواد من صنعه، وستنقل وعيه ومعرفته إليك، وبعبارة أخرى إنَّ الاطلاع على أعمال هؤلاء يشبه التفاعل معهم.
التخيُّل
قد يبدو هذا الأسلوب غير واقعي، لكنَّه الأقوى، فتخيل هؤلاء الأشخاص، ثمَّ استشِرْهم ذهنياً، وانتبِه إلى ردودهم على أسئلتك، ويمكن استخدام هذا الأسلوب أيضاً في الحياة اليومية، فيمكنك تجسيد شخصياتهم في مواقف الحياة المختلفة، والتفكير أو التصرف بالطريقة التي تعتقد أنَّهم سيتصرفون بها.
كتب المؤلف "نابليون هيل" (Napoleon Hill) في كتابه فكِّر تصبح غنياً (Think and Grow Rich) أنه قبل النوم كل ليلة، كان يعقد اجتماعاً خيالياً مع مستشاريه غير المرئيين، وبدأ المجلس بمجموعة من 9 أشخاص، ثمَّ توسَّع ليضمَّ أكثر من 50 شخصاً، وشملَ أشخاصاً مثل "داروين" (Darwin)، و"أينشتاين" (Einstein)، و"أرسطو" (Aristotle)، فمن خلال هذه الاجتماعات الليلية، حصلَ على إلهام ومعرفة وأفكار مبتكَرة نسَبَها إلى نجاحه في الحياة.
تجسيد الشخصية الجديدة
ماذا سيحدث عندما تزيد من تواصلك مع هؤلاء الأشخاص الخمسة؟ إذا كان الفَرق في مستوى الوعي بينك وبينهم كبيراً، فمن المحتمل أن تشعر في البداية بأنَّك شخص غير مناسب تماماً، فمن المرجَّح أن يتحدَّثوا بلغة ومصطلحات مختلفة عمَّا اعتدته، وحتى عندما يتحدَّثون عن موضوعات مألوفة لك، فقد تكون وجهات نظرهم مختلفة تماماً عن وجهات نظرك، ومن المحتمل أن تشعر بالحرج في وجودهم.
ولكن إذا تواصَلت معهم يومياً، حتى لو كان ذلك مدة 15 دقيقة في كلِّ مرة، فمن المحتمل أن يتغيَّر وعيك وينتقل إلى مستوى جديد مع مرور الوقت، فستنسجم في النهاية مع الأشخاص الذين تتطلع إلى أن تكون مثلهم، وستجد أنَّك بدأت التفكير بالطريقة نفسها التي يفكِّرون بها، والتحدث عن الموضوعات نفسها التي يتحدثون عنها، وسوف يؤثِّر هذا التفكير بعد ذلك في أفعالك التي ستتجسَّد في النتائج التي تراها في حياتك.
في الختام
باختيار الأشخاص الذين تقضي معهم وقتك، فإنَّك تشكِّل مستقبلك، فحلِّلْ شخصيات أولئك الذين تقضي معظم وقتك معهم، وانظر ما إذا كان هؤلاء الأشخاص يساعدونك على تحقيق ذاتك، فإذا لم يكونوا كذلك، فحدِّد الأشخاص القادرين على جعلك شخصاً أفضل، ثمَّ تواصَلْ معهم.
أضف تعليقاً