على الرغم من أنَّك تحب زملائك في العمل، إلا أنَّك لم تعد تشعر بأنَّ عملك ممتع ومجزٍ كما كان في السابق، إذاً هل يجب أن تترك وظيفتك في أي من الحالات السابقة؟ أم يجب عليك أن تثابرَ على المحاولة للمضي قُدماً؟
يمكنك القيام بأي من الأمرين، فأحياناً يكون من الحكمة أن تتوقف عن المحاولة، وذلك وفق اعتبارات سنذكرها في هذا المقال.
هل الهدف الذي تسعى من أجله يستحق منك هذه المثابرة؟
لا يعني امتلاك العزيمة عدم الاستسلام أبداً؛ بل يعني عدم التخلي أبداً عن أهدافنا طويلة الأمد، وتكون أحياناً أفضل طريقة لتحقيق أهدافنا طويلة الأمد؛ هي التخلي عن أهدافنا قصيرة الأمد غير المُنتجة.
يمكننا أن نرتِّب أفكارنا وفق تسلسل هرمي، وهو ما توضِّحه الأستاذة في علم النفس في جامعة "بانسلفانيا" (University of Pennsylvania) "أنجيلا داك وورث" (Angela Duckworth) والتي قدَّمت للعالم مفهوماً جديداً عن العزيمة.
توجد في قاعدة الهرم مجموعة من الأهداف المحددة قصيرة الأمد، والتي غالباً ما تكون جزءاً من قائمة مهامنا اليومية، مثل الاتصال بعميل مُحتمل، أو تسجيل طفلنا في معسكر صيفي، وتوجد أيضاً أهداف أشمل، وهي أهداف متوسطة الأمد، ولكنَّها مستقلة عن أهدافنا قصيرة الأمد، مثل تعلُّم مهارة جديدة، أو البدء بممارسة هواية جديدة، أو تأسيس مشروع تجاري صغير، وتقع في رأس هذا "الهرم" أكثر أهدافنا أهميةً، والتي قد نعدها غاياتنا القصوى، وهي الأهداف التي تضفي المعنى على حياتنا، وتجعلنا نشعر بوجود غاية من العيش، فمثلاً تقول "داك وورث" إنَّ هدفها الأسمى هو استخدام معرفتها في علم النفس من أجل رخاء الأطفال.
يساعدنا إدراك ترتيب أهدافنا حسب أهميتها على معرفة متى يجب أن ننسحب، ومتى يجب أن نثابر، لذا إليك فيما يأتي بعض الأسئلة التي تساعدك على معرفة ما إذا كان يجب الاستمرار في السعي وراء هدف قصير الأمد:
- ما هو احتمال نجاحي في تحقيق هذا الهدف؟
- ما هي الفائدة من تحقيق هذا الهدف؟
- كيف يخدم تحقيق هذا الهدف أهدافي متوسطة، وبعيدة الأمد؟
تتمثل المشكلة في المثابرة في أنَّ السعي نحو هدف غير مجدٍ، أو غير قابل للتحقيق قد يكون على حساب الوقت والاهتمام اللذان يجب أن ينصبَّا على أهداف أخرى أكثر فائدة، وأحياناً يكون منظورنا عن الشيء قاصراً، ولا يمكن التعرُّف إلى حقيقته ما لم نغيِّر وجهة نظرنا، وبخاصة عندما لا يكون ثمة فائدة من السعي ورائه، فعندما يكون من غير المُرجَّح أن ننجح في تحقيق أهدافنا قصيرة، ومتوسطة الأمد، فمن الأفضل أن نتخلى عن السعي ورائه حتى إذا كنا من أصحاب العزيمة التي لا تلين، إذاً لماذا يجد الأشخاص أصحاب العزيمة القوية صعوبةً في الاستسلام حتى عندما ينبغي عليهم القيام بذلك؟
5 أسباب تدفعنا لمواصلة السعي لتحقيق هدف غير مجد:
1. الإفراط في الثقة بالنفس:
يجب أن نطرح على أنفسنا سؤالاً هاماً عندما نريد أن نقرر ما إذا كان يجب الاستمرار في السعي وراء الهدف أو التخلي عنه، وهذا السؤال هو: إلى أي مدى يُحتمل أن أحقق النجاح؟
لكن قد يكون من الصعب الإجابة عن هذا السؤال؛ لذلك اطرح على نفسك سؤالاً آخر، وهو: إلى أي مدى أشعر بالثقة بالنفس؟
قد نكون مبالغين في تقدير مهاراتنا؛ وهذا قد يؤدي إلى الفشل.
شاهد بالفديو: 10 طرق فعالة لتعزيز ثقتك بنفسك
كيف تتجنب هذه المشكلة؟
يجب أن نمتلك ما يكفي من الثقة بالنفس بلا شك، ولكن دون إفراط، وما نحتاجه هو أن تكون ثقتنا بالنفس في مكانها، وبمعنى أن تكون ثقتنا بالنفس متوافقة مع قدرتنا على تحقيق النجاح؛ إذ يساعدنا امتلاك تصور واقعي عن قدراتنا على اتخاذ مخاطرات محسوبة لا متهورة، ووفقاً لما يقوله الدكتور "دون مور" (Don Moore) الأستاذ في كلية "هاس" (Haas School) لإدارة الأعمال في جامعة "بيركلي" (Berkeley) وذلك في لقاء أجرته معه مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، فإنَّ إحدى أفضل التقنيات للوصول إلى توقعات سليمة هي من خلال التفكير باحتمال أن تكون مخطئاً.
يقول "مور": "استخدم أحد أبرز الاستراتيجيات التي تكشف التحيز عن طريق مطابقة تصوراتك مع الواقع والتفكير في احتمال أن تكون مخطئاً، فيساعدك التعرُّف إلى الجوانب التي تخالف فيها تصوراتك الواقعية على امتلاك الثقة "السليمة" بالنفس؛ لذلك يجب أن تفكِّر في وجهة النظر المغايرة لتصوراتك".
2. الاعتماد على الحظ والأماني:
أحد الأسباب التي قد تجعل التخلي عن السعي دون جدوى وراء هدف ما هو عدم معرفتنا بشكل مؤكَّد إلى أين ستؤول الأمور في المستقبل، وحتى عندما لا تسير الأمور على ما يرام، فإنَّنا نأمل أن يحالفنا الحظ، ولا نريد أن نفوِّت هذه الفرصة من خلال التخلي عن الهدف، وقد يدفعنا تخيُّل النتائج الإيجابية الرائعة إلى الاستمرار بالمحاولة حتى عندما يظهر لنا بوضوح أنَّ احتمالات النجاح ضئيلة جداً، فالخيال الوردي يخلِّصنا مؤقتاً من شعور الضيق الذي يسببه لنا عدم اليقين.
كيف تتجنب هذه المشكلة؟
وفقاً لأستاذ علم النفس في جامعة "نيويورك" (New York University) "غابرييل أويتينغن" (Gabriele Oettingen)، فإنَّنا أكثر ميلاً للالتزام بأهدافنا إذا مارسنا أسلوب "التفكير المناقض"، وهو آلية تسمح لنا بتخيُّل حدوث النتائج المناقضة لرغباتنا بسبب العوائق التي تعترض طريقنا، وقد أظهرت دراسة أجراها الأستاذ "أويتينغن" وزملاؤه في جامعة "نيويورك" عام 2015؛ أنَّ الذين مارسوا آلية التفكير المناقض من المشاركين حققوا نجاحاً أفضل في إدارة وقتهم مقارنةً بالآخرين.
3. عدم التفكير في البدائل:
أحد الأسباب الأخرى التي تجعلنا نستمر دون جدوى في السعي وراء هدف ما هو افتراض أنَّه من الضروري أن نستمر في سعينا هذا من أجل تحقيقه، لذا يسمِّي كل من "بيل بورنيت" (Bill Burnett)، و"ديف إيفانس" (Dave Evans) من جامعة "ستانفورد" (Stanford University)؛ هذا "بالمشكلات المستعصية" والتي يتحدثان عنها في مدونة "ديزاينينغ يور لايف" (Designing Your Life)، والفكرة ببساطة هي ألا تحوِّل مشكلاتك القابلة للحل إلى مشكلة مستعصية في طريقة المحاولة الحثيثة في تطبيق حل غير مجدٍ.
كيف تتجنب هذه المشكلة؟
لحسن الحظ غالباً ما نكون قادرين على استبدال أهدافنا قصيرة الأمد لكونها غالباً تكون مهاماً يومية يمكن تأجيلها وتغيير ترتيبها حسب الأولوية.
يقول "بورنيت" و"إيفانس" في مدوناتهما: "المطلوب منك لإعادة تصميم حياتك؛ هو إعادة تعريف المشكلة، وإجراء عصف ذهني للوصول إلى البدائل"، ومن ثمَّ التفكير بهذه البدائل للوصول إلى خطة تساعدك على تحقيق أهدافك.
4. الوقوع في فخ التكلفة الغارقة:
أحد الأسباب الأخرى التي تدفعنا لمواصلة السعي لتحقيق هدف غير مجد هو عدم رغبتنا في إضاعة كل الوقت، والمال، والجهد المبذول في سعينا نحو هذا الهدف؛ إذ يشير خبراء الاقتصاد لهذه الظاهرة باسم التكاليف الغارقة، وهي النفقات التي تكبدناها ولا يمكننا استعادتها، لذا يتحول هذا الوضع إلى مشكلة عندما نقرر استثمار مزيد في شيء ما لا يحقق لنا أي نتائج، وذلك فقط لكوننا أنفقنا عليه كثيراً من المال والجهد والوقت.
كيف تتجنب هذه المشكلة؟
بدلاً من التفكير في حجم الموارد التي استثمرتها في وظيفتك الحالية، أو علاقة ما، أو مشروع جانبي، اسأل نفسك: ما هو الشيء الذي أريد أن أستثمر فيه مالي ووقتي وجهدي حالياً؟
ينصحك الكاتب ورائد الأعمال "سيث غودين" (Seth Godin) بأن تتخيل أنَّ وظيفتك، أو مشروعك الجانبي، أو علاقاتك هدية قُدمت لك في الماضي، ويجب أن تقرر ما إذا كنت ترغب بالاحتفاظ بها الآن، أو التخلي عنها.
5. النظر إلى الكف عن السعي بوصفه فشلاً ذريعاً:
قد نتردد في الكف عن السعي عندما نعتقد بأنَّ هذا التصرف يجعلنا أشخاصاً فاشلين، والكف عن السعي ليس دليلاً على الفشل؛ بل قد يكون أحياناً مؤشراً واضحاً على الرغبة في النجاح عندما نقرر أنَّه من الأنجع أن نحاول في شيء أكثر فائدة.
كيف تتجنب هذه المشكلة؟
قد نكون عاجزين عن تجنُّب الشعور بالإخفاق بالكامل، ولكن قد نكون أكثر قدرةً على تجنُّب المراوحة في المكان دون جدوى إذا كان بمقدورنا إعادة صياغة مفهومنا عن التجارب الفاشلة وعدها فرصاً للتعلُّم بدلاً من الإخفاقات.
في الختام:
يمنحنا اختيار الكف عن السعي وراء هدف غير واقعي الفرصة لاستكشاف أشياء جديدة، وتعلُّم المزيد، وإيجاد الأهداف التي تستحق أن نتفانى من أجل تحقيقها، ولا يعدُّ التوقف عن المحاولة دليلاً على الفشل، لذا كن مستعداً لتغيير مسارك كلما رأيت أنَّ لا فائدة من الاستمرار في المحاولة، وستجد النجاح بألف طريقة أخرى.
أضف تعليقاً