4 طرق يساعدك بها الدعم الاجتماعي على التكيف

عندما ماتت والدتي، أول شيء فعلته هو الاتصال بصديقيَّ المقربَين؛ ومثلما يفعل الأصدقاء الحقيقيون، سارعوا إلى مساندتي على الفور، لقد أحدث وجودهم معي فارقاً كبيراً في اجتياز فترة صعبة للغاية من حياتي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الدكتورة جيل سوتي (Jill Suttie)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تأثير الدعم الاجتماعي فيها.

لم يؤكد الباحثون دائماً على هذا النوع من الدعم الاجتماعي كعامل يعزز قدرة الفرد على التكيف؛ أي القدرة على التعافي من المصاعب والمضي قدماً بطريقة إيجابية، بدلاً من ذلك، فقد أولوا أهمية كبيرة لدراسة الصفات الشخصية، وغالباً ما يقللون من شأن دور الإطار الاجتماعي.

على سبيل المثال، وجدت الدراسات أنَّ الأشخاص الأكثر سعادة، والذين لديهم هدف قوي في الحياة أو مستويات أعلى من الكفاءة الذاتية، تبيَّن أنَّهم يجدون سهولة أكبر في التعافي بعد المصائب، لقد ثبت أنَّ بعض هذه العوامل الشخصية وقائية، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون من ضائقة مالية، ويمكن أن تحقق نتائج صحية أفضل وتقلل خطر الانتحار وتؤدي إلى التعافي بعد فقدان شريكه أو أحد أفراد أسرته.

لا يزال البحث حول القدرة على التكيف معقداً ومتنوعاً، في بعض الحالات، وقد تبدو القدرة على التكيف مختلفة بعض الشيء اعتماداً على نوع المشكلة التي نواجهها، مثل فقدان الزوج مقارنة بالآثار طويلة الأمد لإساءة المعاملة في مرحلة الطفولة، بعض العوامل الوقائية التي قد تساعد مجموعة من الناس قد لا تساعد بالضرورة مجموعة أخرى، وتُظهِر بعض الدراسات أنَّ القدرة على التكيف ليست صفة ثابتة ولكنَّها تتغير بمرور الوقت، مما يشير إلى أنَّها تخضع لتغيرات تنموية أو بيئية، ولا تقتصر على الصفات الشخصية وحدها.

إنَّ الحلقة المفقودة في الأبحاث المتعلقة بالقدرة على التكيف هي أهمية الظروف الاجتماعية، فمدى القدرة على التكيف التي نتمتع بها، قد يرتبط ببيئتنا الاجتماعية ومحيط دعمنا - كمجتمعاتنا ومؤسساتنا وثقافتنا - كما هو الحال مع نقاط قوَّتنا الشخصية.

كما يقول الباحث في مجال القدرة على التكيف إليوت فريدمان (Elliot Friedman): "إنَّ توافر الدعم الاجتماعي بجميع أشكاله - الدعم الفعال والدعم العاطفي والدعم الذي تجده من خلال طريقة تفكيرك في الأمور - هام ويساعدنا على مواجهة التحديات".

على الرغم من أنَّنا قد نعتقد أنَّه من السهل تغيير أنفسنا عندما يتعلق الأمر بمواجهة المصاعب، تشير الأبحاث إلى أنَّ العلاقات الإيجابية والبيئات الداعمة لها دور مهم.

شاهد بالفديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

العلاقات الاجتماعية الإيجابية هي مفتاح التمتع بالقدرة على التكيف:

من الواضح أنَّ وجود علاقات اجتماعية جيدة، هو استراتيجية ناجحة في الحياة، ومرتبطة بالسلامة النفسية والجسدية، ومن ثم فليس من المستغرب أن تكون العلاقات الاجتماعية مهمة أيضاً عندما يتعلق الأمر بالقدرة على التكيف، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّها تساعدنا على الشعور بتوتر أقل عندما نمر بصعوبات.

أظهرت الدراسات التي أُجريت على نطاق واسع على السكان، أنَّ خوض علاقات إيجابية في فترة من الحياة، ينبئ باكتئاب أقل في المستقبل؛ إذ تحمي العلاقات الاجتماعية كبار السن خاصة، والذين قد يواجهون تدهوراً في القدرات الإدراكية أو تحديات صحية.

يقول فريدمان: "هناك الكثير من الطرائق للنظر فيما تعنيه القدرة على التكيف، ولكن ليس هناك شك في أنَّ العلاقات الاجتماعية مهمة للصحة، فإذا كان لديك بعض العلاقات الاجتماعية لمواجهة عوامل الخطر الأخرى - مثل التدخين والسمنة - فإنَّ عدم الترابط الاجتماعي يعد عاملاً قوياً يزيد من خطر الوفاة".

قد يكون السبب في ذلك هو أنَّ العلاقات الاجتماعية الجيدة تساعدنا - على ما يبدو - على تخفيف ردة فعلنا للتوتر، حتى إذا تذكَّرنا تلك العلاقات فقط، في إحدى الدراسات، شعرت الزوجات اللواتي شعرن بالتوافق الشديد مع أزواجهن برد فعل أقل مبالغة تجاه صدمة كهربائية خفيفة.

تساعد العلاقات الداعمة أيضاً أولئك الذين عانوا من الإساءة في طفولتهم، خاصة "العلاقات الداعمة التي تعزز الارتباط والتوجيه والتعاون والاندماج الاجتماعي والتأكيد على قيمة الشخص"، وجدت إحدى الدراسات أنَّ الأطفال الذين عانوا من ضغوط نفسية - بما يكفي لدخول المستشفى - تكيَّفوا تكيُّفاً أفضل بعد بلوغهم عندما كوَّنوا علاقات اجتماعية إيجابية، وشعروا بإحساس بالارتباط بالآخرين.

كما كتبت جمعية علم النفس الأمريكية (American Psychological Association) في تقريرها عن القدرة على التكيف: "تُظهر العديد من الدراسات أنَّ العامل الأساسي في القدرة على التكيف، هو وجود علاقات داعمة داخل الأسرة وخارجها؛ أي العلاقات التي تعزز الحب والثقة، وتقدِّم التشجيع والطمأنينة، وتساعد على تعزيز قدرة الشخص على التكيف".

ربما لهذا السبب عندما نكون في مأزق، فإنَّنا نتطلع تطلُّعاً طبيعياً إلى علاقاتنا الاجتماعية للحصول على المساعدة.

يقول الباحث فريدمان: "وجود أصدقاء يمكنك التحدث إليهم ومشاركتهم مخاوفك، ربَّما قد يساعدك على الحصول على منظور جديد للأمور، وفي هذه المواقف، يمكن أن تكون الروابط الاجتماعية مفيدة".

إقرأ أيضاً: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة

تعتمد القدرة على التكيف على الثقافة:

قد يكون ما هو مهم لتعزيز القدرة على التكيف في ثقافة ما، أقل أهمية في ثقافة أخرى، على سبيل المثال، أظهرت الأبحاث أنَّه في الثقافات الجماعية، قد يكون الدعم الاجتماعي والقدرة على التكيف أكثر أهمية في التغلب على النكسات من الكفاءة الذاتية، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ بعض السمات الشخصية التي تدعم القدرة على التكيف في ثقافة ما قد تضر بثقافة أخرى.

في إحدى الدراسات، وجد الباحثون أنَّ وجود مستويات عالية من المشاعر الإيجابية - إذا اقترنت بدعم اجتماعي منخفض - أدى إلى تدهور صحة المشاركين، وفي حين أنَّ المشاعر الإيجابية قد تكون مرتبطة بالقدرة على التكيف في الولايات المتحدة، إلا أنَّها ليست كذلك بالضرورة في الثقافات الأخرى، في الواقع، يمكن أن يؤدي التوازن بين المشاعر الإيجابية والسلبية إلى تجاوز المصاعب.

تشير هذه الدراسات وغيرها إلى أنَّ العوامل الثقافية مهمة عند التفكير في القدرة على التكيف، وقد لا تكون السمات الشخصية أقل أهمية في حالات معينة فحسب؛ بل قد تؤدي في الواقع إلى نتائج عكسية عند جعل الناس يعتقدون أنَّ الوقوف على أقدامهم هو أمر متروك لهم.

تزيد شبكات الأمان الاجتماعي قدرة المواطنين على التكيف:

في البلدان التي تقدِّم فيها الحكومات الدعم الاجتماعي - مثل الرعاية الصحية المجانية الشاملة والإجازة مدفوعة الأجر للوالدين - وجدت الدراسات أنَّ الناس أكثر سعادة وصحة، وهذا بدوره يساعدهم على التعافي من التحديات والمصائب؛ حيث يعاني الناس نفسياً عندما تكون هذه الأمور مفقودة.

تخيل كيف يمكن أن يحدث هذا: لنفترض أنَّه يتعين عليك ترك العمل لرعاية طفلك المريض، وأنَّك تعيش في مكان يُمنح فيه إجازة عائلية مدفوعة الأجر، ربما لا تزال تواجه تحدياً عاطفياً، لكن لن تتفاقم بسبب الضغوط المالية أو الخوف من التعرض للطرد بسبب قضاء إجازة؛ حيث لا تؤدي الإجازة مدفوعة الأجر إلى تحسين صحة الوالدين والأطفال فحسب؛ بل إنَّها تساعدهم على العودة إلى العمل في وقت أقرب.

كما يشير تقرير صادر عن البنك الدولي (World Bank)؛ أنَّ شبكات الدعم الاجتماعي ضرورية للقدرة على التكيف، خاصة بالنسبة إلى الفقراء والضعفاء، في المناطق التي يوجد فيها تفاوت كبير في الثروة، يعاني الناس من المزيد من الآثار الصحية السيئة كنتيجة لوضعهم الاجتماعي.

يمكن أن توفِّر شبكات الأمان الاجتماعي أيضاً القليل من الوقاية اللازمة؛ حيث وجدت إحدى الدراسات أنَّ القدرة على التكيف مرتبطة بعدد أقل من الأحداث السلبية في حياة المرء، مما يشير إلى أنَّ الوقاية من المصاعب - ربما من خلال البرامج الاجتماعية مثل تدريب الوالدين أو الرعاية الصحية الشاملة - قد تكون مفتاح زيادة القدرة على التكيف، أظهرت الأبحاث أنَّه في الدول التي تتبنَّى سياسات تهدف إلى تحسين الرعاية الاجتماعية، تنخفض نسبة مواطنيها الذين أبلغوا عن معوقات، مقارنة بالدول التي لم تتبنَّ هذه السياسات.

إقرأ أيضاً: ما تأثير حالتك الاجتماعية والاقتصادية على التوتر؟

ترتبط القدرة على التكيف بوجود روابط اجتماعية أقوى:

يقترح العديد من الباحثين أنَّ عيش حياة أكثر إيثاراً أو حياة هادفة، يساعدنا على أن نكون أكثر قدرة على التكيف عند وقوع المصائب، ولكن هل يمكن ربط أساس هذه المنفعة بالقيم التي تنتج عن الإيثار وعيش حياة هادفة؟

يصعب تحديد هذا الأمر؛ حيث يستخدم العديد من الباحثين مقاييس متعددة الجوانب لقياس القدرة على التكيف - كَجمع هذه العوامل معاً: الضمير الحي والحيوية والعلاقات، كسمات للقدرة على التكيف - مما يُصعِّب معرفة العوامل الأكثر بروزاً أو كيفية تفاعلها.

ومع ذلك، فإنَّنا نرى أدلة من أبحاث أخرى على أنَّ الإيثار مرتبط بالعلاقات الاجتماعية، مما يساعد على القدرة على التكيف، كما أنَّ الشعور بالامتنان يقوي العلاقات، مما يساعد على تقليل التوتر والاكتئاب.

يقول فريدمان: "نحن نجد أنَّ الطريقة الجيدة للشعور بالهدف والمعنى في الحياة - والذي يُعدُّ عاملاً مفيداً في القدرة على التكيف - يأتي من الخروج إلى العالم والمشاركة في أنشطة هادفة تفيد الآخرين، فالمشاركة في أنشطة ذات مغزى، له بالتأكيد مكون اجتماعي كبير".

بالإضافة إلى ذلك، كثيراً ما يتم تشجيع الأفراد الذين يعانون من انتكاسة على الذهاب إلى معالج أو الانضمام إلى مجموعة دعم أو التطوع، وتتمحور جميع هذه النشاطات على التواصل الاجتماعي والعاطفي بصورة أعمق وأوسع، ومن المثير للاهتمام أنَّ الأبحاث تشير إلى أنَّ العلاقة بين المريض والمعالج على سبيل المثال، قد تكون العنصر الأكثر أهمية في نجاح العلاج، وحتى أكثر من التقنيات العلاجية.

حتى المعتقد الديني - الذي يُنظر إليه أحياناً على أنَّه مفيد للقدرة على التكيف - قد يكون بالنسبة إلى الكثيرين، فرصة لتعميق الروابط الاجتماعية، مما قد يفسر تأثيره.

إذن، لماذا هذا الأمر مهم؟ إذا لم نفهم أهمية السياق الاجتماعي في القدرة على التكيف، فقد ينتهي بنا الأمر إلى أن نوصل أنفسنا إلى الفشل، فإذا كانت القدرة على التكيف لا تعني ببساطة التركيز على نقاط قوتنا الشخصية والتغلب على الصعاب، فسنخلق المزيد من الطرائق للناس لتعزيز أنظمة الدعم الخاصة بهم، وللحكومات لسَنِّ سياسات تساعد على منع الشدائد غير الضرورية في المقام الأول.

بمعنى آخر، عندما تمر بوقت عصيب، استعن بالأشخاص من حولك، لتتمكن من تخطي مصيبتك.

المصدر




مقالات مرتبطة