ربما تشعر أنَّ معظم الناس إن لم يكن كلهم هم سبب معظم المشكلات، وأنَّك إذا حاولت بناء علاقات عاجلاً أم آجلاً فإنَّك ستفشل، فإنَّهم لا يفهمونك حقاً، ولن يتمكنوا من فهمك؛ لذلك قررتَ أنَّك ستكون في حالٍ أفضل بعيداً عن هذه المتاعب، وأنَّك لست بحاجة إلى وجود أشخاص في حياتك، فأنت سعيد وحدك، وأنت تعتقد أنَّ الناس مختلفون؛ فبعضهم يتواصل بصورة جيدة مع الآخرين، بينما بعضهم الآخر لا يفعل ذلك، وأنت أحدهم، وأنت تؤمن أنَّ سعادتك تأتي من داخلك ولست بحاجة إلى أي سبب خارجي لتكون سعيداً وراضياً، وأنت تتحكم في نفسك ومتوافق معها تماماً، إذاً لماذا تدخل في علاقات لا يمكنك التحكم فيها بالكامل وتسبب لك الألم؟
على مرِّ السنين، لقد تعلّمتَ كيف تتعايش مع نفسك وتكون راضياً، والآن أنت تعتمد على نفسك.
تكمن السعادة في داخلنا:
تكمن سعادتنا في داخلنا، إذا كنت تؤمن بهذه الفكرة، فأنت بالفعل متقدِّم خطوة على معظم الناس الذين يبحثون عن سعادتهم لدى الآخرين ويبقون كذلك إلى الأبد، فمعظم الأشخاص لا يستطيعون تخيُّل البقاء وحدهم، ويسعون إلى تكوين كثير من العلاقات مع الآخرين؛ لأنَّهم يبحثون عن الأمان بكثرة الناس في حياتهم، على الرغم من أنَّه كثيراً من الأشخاص لديهم كثير من الأصدقاء، غير أنَّهم ليسوا بأصدقاء حقيقيين، ففي حين أنَّ مشاركة السعادة هي أمر جيد، إلا أنَّ البحث عن سعادتك وأمانك لدى الآخرين هو ضعف.
إنَّ الأشخاصَ الذين يبحثون عن سعادتهم لدى الآخرين، والذين لا يمتلكون أصدقاء حقيقيين، ولا يتصرفون على سجيتهم حتى مع أقرب الأصدقاء لهم، يحتاجون إلى أنْ يسألوا أنفسهم، ما هي أسباب وجودهم مع هؤلاء الأصدقاء؟
لماذا نتواصل مع الآخرين؟
في الواقع، إنَّ التواصل مع الآخرين أمر ضروري جداً للنمو الشخصي وزيادة سعادتك، إنَّه يوفر شيئَين مميزَين، أولهما يمكنك مشاركة سعادتك مع الآخرين، ومن ثم زيادتها، وثانيهما التعلم من الآخرين، فنحن كائنات اجتماعية واعية، ومن الطبيعي أن نتعلم من الآخرين وأن ننمو ونتطور ونتبادل المعرفة ونتشارك السعادة، والبشر هم جزء من واقعنا، ويساعدنا التفاعل والتواصل معهم على اكتشاف أجزاء من أنفسنا لم نرها من قبل، ويساعدنا التواصل وتقدير رباط الحب على فهم طبيعتنا الحقيقية والنمو.
4 نصائح للأشخاص المتحفظين في علاقاتهم:
إليك 4 نصائح للأشخاص المتحفظين في علاقاتهم:
1. عزِّز سعادتك بمشاركتها مع الآخرين:
بينما تكمن سعادتنا بداخلنا، فإنَّها تتوسع وتتضاعف أكثر بكثير عندما نشاركها مع الأشخاص الذين نجدهم متوافقين معنا؛ لهذا السبب، ابحث عن شخص ما بحاجة فعلية إلى المساعدة، واعرض مساعدتك عليه، ثم يمكن أن تكون مساعدتك تلك لشخص بائس فقير بحيث تقدم له وجبة، أو ساعد شخصاً مسناً في عبور الطريق، كما يمكنك أن تساعد شخصاً يمر بأوقات عصيبة ويحتاج إلى التحدث فقط، بينما يكون الذهاب إلى مثل هؤلاء الناس شيئاً مخالفاً لرغبتك، لكن بمجرد مساعدتك لهم ستشعر بكثير من السعادة، وقد تكون مساعدة الآخرين فعلاً أنانياً؛ لأنَّك أول المستفيدين من فعل الخير هذا.
الآن حاول التواصل مع شخص تعتز به، وإذا لم يكن لديك أي شخص، فابحث عن أقرب شخص يشبهك وتتوافق معه، واذهب إليه وأخبره بمدى تقديرك لصحبته ووجوده في حياتك، بعد قول هذا، فقط اجلس ولا تحاول إجراء حديث لا فائدة منه، ودع الأمور تسير بشكل طبيعي، قد يترتب على ذلك محادثة عميقة وذات مغزى، أو قد تجلسان في صمت وتشعران بالسعادة، فهذا التواصل هو الشعور بالفرح الخالص والاكتمال وعدم الرغبة في أي شيء آخر، ولا يوجد بديل عن هذه الفرحة، ولا يمكن شراؤها بالمال، وقد لا تشعر بالفرح مباشرةً، أو في كل مرة تحاول فيها، قد يتطلب الأمر عدة محاولات للتخلص من الموانع النفسية، لكن بالتأكيد هذا الأمر يستحق كل هذا الجهد.
شاهد بالفديو: 10 أسرار لا يبوح بها الأشخاص السعداء
2. ابحث عن العلاقات الإيجابية:
الطريقة التي تؤثر بها تصرفات الآخرين فيك، والطريقة التي يجعلونك تستجيب بها، تخبر كثيراً من الأمور عنك، بل إنَّها فرصة للتفاهم الشخصي والنمو ولا يجب عليك تفويتها، وعندما تغضب من شخص ما، فهذا بسبب أمر ما يجعلك من الداخل غير سعيد، ومعظمنا لا يحب تحمل مسؤولية أي شيء؛ لذلك نرمي اللوم على الشخص الآخر.
صحيح أنَّك لن تجد أشخاصاً إيجابيين دائماً، لكن يجب عليك أن تبحث باستمرار عن الأشخاص الذين تشعر معهم بمزيد من النشاط والإيجابية، والآخرون هم أيضاً جزء منك، ولا يجب أن تكرههم أو تتجنبهم، الأمر يتعلق فقط بالتركيز أكثر على العلاقات الإيجابية، وعندما تجد نفسك تؤثر فيمن حولك، فإنَّ سعادتك لا حدود لها.
3. لا تخشَ الانفصال:
الخوف يأتي من فكرة الانفصال، فنحن لسنا منفصلين عن بعضنا بعضاً، وإنَّما جميعنا مرتبطون، فإنَّ "فيزياء الكم" تحتوي على كثير من الأدلة التي تشير إلى الارتباط بين الكون كله، فإذا كنت لا تشعر بالخوف من نفسك، فلماذا تخاف من الآخرين الذين هم جزء منك؟
قد لا تكون جميع المعلومات التي تحصل عليها من الآخرين مريحة، ولكنَّها كلها معلومات مفيدة، فهي فرصة للتعلم والنمو لتحسين نفسك.
إذا كنتَ تعتقد أنَّ الآخرين يجدونك مملاً، فيجب عليك أن تبدأ في طرح الأسئلة على نفسك: "هل كنت أبحث عن علاقات إيجابية مع الأشخاص الخطأ؟ هل أحتاج إلى التصرف بحرية أمام الآخرين؟ هل يجب ألا آخذ النكاتَ على محمل شخصي وأن أتعلم الضحك مع الآخرين؟ سيكون عليك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة وتجرب وتتعلم، وبالتأكيد لن يصبح كل شيء مبهجاً ومشرقاً على الفور، فالنمو يتطلب جهداً، لكن تجنُّب هذا الجهد يعني أن تعيش حياة أقل جمالاً ومتعة.
4. تعلَّم من الأذى وسوء التفاهم:
يعد الأذى وسوء التفاهُم فرصة للتعلم والتحسين، فيلمع الذهب فقط بعد تعرضه للنار، وهذا يعني أنَّ النار ليست بالضرورة سيئةً، وسنراها سيئة فقط إذا اعتقدنا أنَّها كذلك، ويمكن أنْ تحرقَ النار المنازل، كما يمكن استخدامها لطهي الطعام، فالنار ليست سيئة، وإنَّما السوء يكمن باستخدامها، هذه الأحداث غير المريحة ستكون سيئة إذا اعتقدنا أنَّها كذلك، ولكن من الممكن أن تحبها وتتقبلها ويمكن أن تتعلم منها.
يمكنك إما تجنُّب مثل هذه المواقف والعيش في منطقة راحتك وعدم التحسن أبداً وعدم زيادة سعادتك، أو يمكنك تقبُّلها والتوقف عن مقاومتها والاستسلام لها ومراقبتها ومراقبة نفسك بحيث تصبح شخصاً أفضل وأكثر معرفةً ممَّا أنت عليه، فالمواقف السيئة ستحدُث أكثر في البداية، وبمجرد أن تتوقفَ عن مقاومتها سيقُلُّ تكرارها وتنتهي.
ستتعلم وتصبح أفضل مع كل خطأ ترتكبه، وستجني كثيراً من الفوائد عندما ترتكب كثيراً من الأخطاء وتتعلم منها، فالأمر يستغرق وقتاً، لذلك يجب عليك التحلي بالصبر، والأمر الجيد هو أنَّ مسار التعلم الحقيقي مثير وممتع بحد ذاته، ولكي تُحسِّن علاقاتك مع الناس والأصدقاء، فقط حاول وافشل وتعلَّم وحاول مرة أخرى ستجد الطريق.
إذا كانت لديك مشكلة في التعامل مع الناس، فهذا يشير إلى شيء لا تحبه في نفسك، وعندما تتجاهلهم أو تتجنبهم فهذا يعني أنَّك تتجاهل جزءاً من نفسك، وكلُّ ما نراه وندركه هو جزءٌ من واقعنا، ونحن نتعلم وننمو من خلال مراقبة ما يحدث من حولنا، في حين توجد أمور جميلة كثيرة من حولنا، لكن لا شيء يقارن بالتواصل مع شخص واعٍ، كما أنَّ التواصل مع الحيوانات هو أمر جيد؛ فعندما تراقب وتتواصل مع الحيوانات وتحديداً "الحيوانات الأليفة" ستتعلم منها عيش اللحظة الراهنة.
في الختام:
إنَّ القدرة على إنشاء علاقات هادفة يحتاج إلى بعض الجهد، وإذا قلت إنَّك لا تحتاج إلى وجود أشخاص وتفاعلات اجتماعية في حياتك، فأنت لا تريد بذل الجهد وتفتقر إلى الشجاعة اللازمة لبناء علاقات مُرضِية؛ لذا ابذل مجهوداً ولا تكن كسولاً ولا تحرم نفسك من الحياة.
أضف تعليقاً