على صعيد آخر استطاع زميل لي الحصول على فرصة عمل أونلاين مرموقة مع شركة أوربية؛ وذلك بسبب علاقاته الودية المتشعبة مع من هم في مجاله واختصاصه، وحتَّى مع كل شخص يعرفه، وأمام هذين الموقفين وجدت نفسي مذهولة أمام الأبواب والآفاق التي تفتحها العلاقات الصحية مع الآخرين؛ لذا فإنَّ فن بناء العلاقات مع الآخرين هو موضوع مقالنا لهذا اليوم.
فن بناء العلاقات مع الآخرين:
من خلال قراءات متنوعة وتحليلات أجريتها على أشخاص بارعين في إنشاء العلاقات مع الآخرين، توصَّلت إلى مجموعة من النقاط هي جوهر فن بناء العلاقات مع الآخرين، ولعلَّ أهمها:
1. كن مبادراً:
إنَّ فن بناء العلاقات مع الآخرين يرتكز ارتكازاً متيناً على المبادرة، ويعزِّز ذلك قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، [سورة فصلت، الآية 34]، ففي كثير من المرَّات تنشأ علاقات اجتماعية ناجحة بسبب اندفاع شخص ما إلى المبادرة بالحديث أو السلام أو النصح؛ وذلك لأنَّ بعض الناس تكون مُحبة للتعارف والتواصل، ولكنَّها تخجل من المبادرة، وتنسج في مخيلاتها ألف سيناريو عن صدِّ الآخرين لهم.
لكنَّ المبادرات الإيجابية لها مفعول سحري في العلاقات، وهي جوهر فن بناء العلاقات مع الآخرين، وهذا ما يفسِّر طلب معلِّمات الروضة من ذوي الطفل الخجول أن يقدِّم قطع الحلوى بوصفها ضيافة لزملائه من أجل اتخاذ زمام مبادرة وديِّة وطيِّبة معهم.
لكن لا بدَّ لنا أن نشير إلى أنَّ المبادرة شيء مختلف عن الفضول، فإذا ما أردت المبادرة بالحديث نحو الشخص الذي يجلس بجانبك في مقعد الطيارة، فإيَّاك أن تستهل حديثك بأسئلة خاصة، أو إذا ما رأيت شخصاً يبكي في مكان عام مثلاً، لا تظننَّ أنَّ أسئلة "ما بك؟ لماذا تبكي؟ ما الذي يزعجك؟" هي مبادرات؛ بل في مثل هذه المواقف إذا ما أردت المبادرة يمكنك تقديم منديل قائلاً: "كل شيء سيكون على ما يرام، ثِق بذلك".
شاهد بالفيديو: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة
2. كن ذكياً عاطفياً:
يعود الذكاء العاطفي مرةً أُخرى ليتصدَّر الصفات التي تجعل الإنسان محبوباً ومرغوباً، وليكون أيضاً سرَّاً من أسرار فن بناء العلاقات مع الآخرين، فهو الميزة التي تجعل الإنسان مفهوماً من قبل نفسه، ومدركاً لمشاعره، ومن ثمَّ واعياً لتصرفاته، فلا يتعامل بردود الأفعال المدمِّرة لأي علاقة؛ بل يكون هادئاً ومستجيباً بحكمة.
بالعودة إلى زميلي الذي نجح في الانتخابات النقابية، فهو مهندس مسؤول عن عدد من الموظفين، لا يصرخ في وجوههم إذا ما أخطؤوا في أداء مهمة، مهما تسبِّب له أخطاؤهم من متاعب؛ بل يبقى هادئاً ويشرح للموظف خطأه وكيفية الأداء الصحيح للمهمة.
هو فضلاً عن ذلك يحترم ظروفهم، ويقدِّر مشاعرهم، ويدرك كيفية إدارة الحوار الفعَّال بينه وبين أي زميل على اختلاف مستواه التعليمي والبيئي، ويضع نفسه مكان أي شخص منهم فيتفهَّم موقفه، وهو بالتأكيد لم يكن ليحسن التصرف على هذا النحو لولا امتلاكه لمهارات الذكاء العاطفي التي تساعده على فهم نفسه وفهم الآخرين وإنشاء قنوات تواصل فعَّال معهم.
3. ثق بنفسك:
لا أحد يرغب ببناء علاقة مع شخص ضعيف الثقة بالنفس ومهزوز من الداخل، وأي حالة تندرج في هذا السياق فهي إمَّا تعاطف أو استغلال، فالناس ميَّالون عموماً إلى إنشاء العلاقات التي تضيف لهم شيئاً، سواء كانت الإضافة معرفية، أم شأناً اجتماعياً، أم طاقة إيجابية، أم منفعة مادية، وعليه فإنَّ الثقة بالنفس هي مفتاح أساسي في فن بناء العلاقات مع الناس؛ لأنَّ ثقة الإنسان بنفسه تشعر الآخرين من حوله بالأمان، والشخص الواثق بنفسه لا يحاول إيذاء الآخرين؛ بل يكون طرفاً فعَّالاً في العلاقة ومصدر ثقة وطمأنينة ودعم.
4. امدح الآخرين:
إنَّ امتداح تصرفات الآخرين وخصالهم الإيجابية يندرج ضمن فن بناء العلاقات مع الآخرين، وهذا لسببين: أولهما؛ الناس بطبيعتهم يحبون الإطراء وسماع عبارات المديح اللطيفة، وثانيهما؛ الإنسان الذي يمدح الآخرين هو شخص واثق بنفسه ومتصالح مع ذاته، فلا يملك أي حسد أو غيرة يمنعانه عن التعبير عن إعجابه بغيره.
على سبيل المثال، الصديقة التي تقول لصديقتها: "تبدين جميلة اليوم"، أو "لقد كانت كلمتك التي ألقيتها في الجمعية رائعة ومؤثرة"، وصاحب العمل الذي يثني على أداء موظفيه دون أن يظنَّ أنَّ المديح سيجعلهم يشعرون بالغرور، أو سيكون سبباً في تكاسلهم، هو شخص ناجح في بناء علاقة ناجحة وصحية معهم، تكسبه ولاءهم، وتدفعهم إلى مزيد من الإنجاز.
لكنَّنا يجب أن نشير إلى أنَّ الناس أذكياء ويميِّزون جيداً بين المديح والثناء الصادق والنابع من القلب، وبين النفاق والمجاملة بغرض الوصول إلى أي مآرب أخرى.
5. تقبَّل:
أكثر الناس فشلاً في بناء العلاقات مع الآخرين هم المتحجرِّون والمتعصِّبون، أولئك الذين يرون الحياة بلونين فقط: إمَّا أبيض أو أسود، فهذه الفئة من الناس لا تُدرك أنَّ تقبُّل اختلافات الآخرين وتدرجاتهم هي جوهر فن بناء العلاقات مع الآخرين.
التقبُّل أمر ضروري، وحالة صحية في العلاقات على اختلافها، سواء كانت مهنية، أم عاطفية، أم أسرية، أم اجتماعية، وهو لا يعني الموافقة على ما يفعله الآخر أو ما يظنُّ به، ولكنَّه يعني عدم نشوب خلاف معه فقط لاعتقاده بأشياء مغايرة لما نعتقد.
على سبيل المثال، في بيئات العمل، وفي الجامعة، وفي الأسرة، قلَّ ما نجد من تتشابه آراؤه ومواقفه مع آرائنا، فهل يعني هذا أنَّه يجب إقصاؤه؟ بالطبع لا؛ بل يجب أن نتقبَّل اختلاف هذا الفرد عنَّا لنبني علاقة صحية معه، فهل ننبذ زميلنا في العمل بسبب دينه المغاير لديننا؟ وهل نرفض زميلتنا لأنَّ ملابسها لا تشبه ملابسنا؟ لا يمكن تكوين علاقة صحية في أي مجال كان دون أن نعيَ أنَّ كل إنسان مختلف، وأنَّ واجبنا وحق الآخر علينا أن نحترم اختلافه طالما أنَّه لا يسيء لنا.
6. أظهر اهتماماً:
إذا ما تغيَّب زميلك عن العمل اسأله في اليوم التالي عن سبب غيابه، إذا لم تكمل أختك طبقها على الغداء اسألها عمَّا بها، إذا رأيت سيارة صديقك مركونة أمام المستشفى اتصل به واطمئن عنه؛ وذلك لأنَّ الاهتمام عنصر ضروري في فن بناء العلاقات مع الآخرين، وهو جوهر استمرار العلاقات وزيادة متانتها، فإذا ما كنت بارعاً في بناء العلاقات مع الآخرين، وجهلت أساليب الحفاظ على هذه العلاقات، فإنَّك ستكون مجرد محطة عابرة في حياة الناس، أمَّا إذا أردت الديمومة والاستمرارية فعليك أن تبدي اهتمامك بالآخرين، بما يتفق مع طبيعة علاقتك بهم.
7. كن لطيفاً:
قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، [سورة آل عمران، الآية 159]؛ إنَّها آية قرآنية كريمة تثبت أهمية اللطف بوصفه عنصراً أساسياً في فنِّ بناء العلاقات مع الآخرين، فالفظاظة صفة مُنفرِّة في الإنسان، وجميعنا يرغب بأن يلقاه الآخرون بالتحية والابتسامة، وأن يبادلوه عبارات الشكر والترحيب؛ لذا إذا ما أردت أن تبني علاقات ناجحة مع الآخرين، فتمتَّع باللطف في الكلمات، واللطف في الهيئة، واللطف في الصوت، وستجد الناس يحبونك ويحترمونك وسعداء جداً ببناء علاقة معك.
شاهد بالفيديو: بناء العلاقات: 8 قواعد للترويج الذاتي
كيف أجعل العلاقة غير مُملَّة؟
إذا سألتنا ما هي إجابتنا عن سؤال "كيف أجعل العلاقة غير مملة؟"، فسنقول لك: "كن أنت غير ممل"، وإليك كيفية ذلك:
- ثقِّف نفسك باستمرار، وتعرَّف إلى أصدقاء جدد وكتب جديدة وعوالم جديدة، واستمع إلى آراء مختلفة؛ لأنَّ كل هذه الأمور ستضيف غنىً إلى شخصيتك، وتجعل منك شخصاً متجدِّداً، ومن ثمَّ يكون لديك شيء جديد دائماً.
- افعل شيئاً غير روتيني إذا ما شعرت بأنَّ العلاقة بدأت تسير نحو الملل، ادع صديقك إلى السينما، أو اذهب بصحبك موظفيك في رحلة.
- قدِّم الهدايا؛ لأنَّ الناس جميعاً على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم يحبون الهدايا حتَّى لو كانت مجرد زهرة برية؛ لأنَّ الهدية تعبِّر عن اهتمامك واكتراثك بالآخر.
- كن إيجابياً ومتفائلاً، لقد خسرت واحدة من صديقاتي مع إعجابي الكبير بثقافتها وذكائها؛ وذلك بسبب تشاؤمها وسوداويتها الدائمة والمفرطة، فبتُّ أشعر بثقل وطاقة منخفضة وملل كلَّما التقينا وحدثتني الحديث ذاته عن الأمراض وغلاء المعيشة وغيرها من السير التي تجعلني أتمنى هبوط نيزك ينهي البشرية.
كيف أتعامل مع شخص في بداية العلاقة؟
إليك إجابة سؤال "كيف أتعامل مع شخص في بداية العلاقة؟" بطريقة تصلح لجميع العلاقات:
- لا ترفع سقف توقعاتك مهما بدا الشخص الذي أمامك مبهراً، فجميعنا مذهلون في البدايات؛ لذا احسب حساب خط الرجعة دائماً، ولا تمنح الثقة المطلقة بسرعة.
- التمس لأخيك سبعين عذراً، ولا تسئ الظن، وفي حال حدث أي سوء تفاهم لا تحكم قبل أن تسمع وجهة نظره، فأنت لا تعرف طبائعه جيداً بعد.
- كن واضحاً ولطيفاً في الوقت ذاته، ولا تترك له مهمة توقع ما يجب أن يفعله لأجلك، فإذا ما كنت تحب أن يدعك وشأنك حتَّى تهدأ إذا كنت غاضباً، فأخبره بذلك بصراحة ولطف، وإذا كنت تحب أن يرسل لك معايدة في عيد ميلادك، فأخبره أيضاً، ودعك من حركات اختبار الاهتمام الساذجة.
- لا تبالغ في مدح نفسك أو تقديمها بصورة لا تشبهها، كن حقيقياً وواقعياً، واخلق جواً مريحاً، ليشعر الآخر بالأريحية في حضرتك، وإيَّاك أن تنتقد الآخرين؛ لأنَّ ذلك سيشعره بأنَّ أفعاله وكلماته وحتَّى ملابسه تحت مجهر رقابتك وسيفها الصارم.
في الختام:
إنَّ فنَّ بناء العلاقات مع الآخرين هو فن قلَّ مُتقنوه، وهو عبارة عن مجموعة من المهارات والخطوات التي ما إن يقوم بها شخص ما، حتَّى يفوز بمحبة الآخرين واحترامهم، ومن ثمَّ فإنَّه يحقِّق من ذلك مكاسبه الشخصية بأريحية كاملة، عدا عن فوزه بالمحبة التي تعدُّ بحدِّ ذاتها فوزاً عظيماً.
أضف تعليقاً