لم يكن الأمر سهلاً؛ نظراً لاعتماد غوغل على البيانات اعتماداً أساسياً، فقد واجه القائمون بالأبحاث صعوبة في بداية الأمر لتحديد العوامل المشتركة بين الفرَق الناجحة، ووجدوا أنَّ بعض هذه الفرَق كانت مكوَّنة من مجموعة من الأصدقاء الذين كانوا يقضون الوقت مع بعضهم بعضاً خارج أوقات العمل، في حين أفادت صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) أنَّ فرقَاً أخرى شملتها الدراسة كانت مكوَّنة من أشخاص لا تربطهم سوى علاقات العمل.
ظهرت على مدار عدة سنوات، نتائج غير متوقعة في مشروع أرسطو، ووجد الباحثون أنَّ أفضل الفرَق ليست تلك التي تضمُّ أذكى الأشخاص (من حيث المفهوم التقليدي للذكاء)، ولا أكثرهم اجتهاداً، بل ومن بين سمات أخرى هامة مثل الكفاءة، وامتلاك أهداف واضحة، فقد اتَّضح أنَّ ما يميِّز هذه الفرَق أنَّها مكوَّنة تكويناً أساسياً من أشخاص يصغون، ويحترمون بعضهم بعضاً، ولا يهابون المخاطرة، وكان ما يميِّز هذه الفرَق هو شعور جميع أعضائها بـ "الأمان النفسي"، وباختصار كانت هذه الفرَق مكوَّنة من أشخاص وُظِّفوا بسبب امتلاكهم لمستوىً عالٍ من الذكاء العاطفي.
أهمية الذكاء العاطفي في العمل:
يعرَّف الذكاء العاطفي، أو كما يُرمز له بـ EQ بأنَّه: قدرة الشخص على فهم وإدارة عواطفه، وعواطف الآخرين.
يشرح أحد المؤسسين، والمدير التنفيذي لشركة "إي كيو نيتوورك سيكس سيكوندس" (EQ network Six Seconds) جوشوا فريدمان (Joshua Freedman) مفهوم الذكاء العاطفي ويقول: "يمكن القول ببساطة إنَّ الذكاء العاطفي هو القدرة على التعامل بذكاء مع المشاعر"، ولدى أي منَّا مشاعر بلا شك، لكن يتعلَّق الذكاء العاطفي بإدراك هذه المشاعر، وفهمها.
يحاول "فريدمان" شرح ذلك بطريقة عملية فيقول: "يمكننا أن نكون أكثر ذكاءً في التعامل مع مشاعرنا من خلال محاولة تقييمها وفهمها، ويحاول الأشخاص الأذكياء عاطفياً استقاء معلومات من مشاعرهم والاستفادة من هذه المعلومات لحل المشكلات"، وتزداد أهمية الذكاء العاطفي في بعض الوظائف مقارنةً بوظائف أخرى، وتقول "فيكتوريا نيل" (Victoria Neal) استشارية المعارف المختصة في مجال الموارد البشرية أنَّ الذكاء العاطفي المرتفع هام خاصةً في الوظائف القيادية والإدارية.
تقول "نيل": "إذا خيَّرت أي شخص بين العمل تحت قيادة مدير يتعاطف معه، ويصغي لأفكاره، ويقدِّر مساهماته في العمل، وبين العمل تحت قيادة مدير سريع الغضب، وكثير الانتقاد، فسيختار الجميع بلا شك العمل تحت قيادة النوع الأول من المديرين، ويفضِّل الجميع العمل تحت قيادة شخص يهتم لأمرهم، ويأخذ مشاعرهم بالحسبان، ويستطيع التعامل مع عواطفهم بدلاً من المعاملة الفظة وتوجيه الاتهامات".
لكنَّ الذكاء العاطفي المرتفع هام أيضاً في الوظائف التي تتطلَّب التعاون مع الآخرين، فتكون مهارات العمل الجماعي والتواصل، وحل المشكلات حلَّاً جماعياً أساسية لتحقيق النجاح، فيقول "فريدمان": "كلما احتاجت الوظيفة قدراً أكبر من التعاون، والتعامل مع العواطف، ازدادت الحاجة للذكاء العاطفي"، وتتطلَّب وظائف المبيعات مستوىً عالياً من المرونة، والقدرة على تحفيز الذات، لكن يوجد أيضاً جانب هام ينطوي على العلاقات والتفاعل مع الآخرين مثل العملاء، وغيرهم.
بالمثل يؤكد "فريدمان"، أنَّه إذا كنت تحاول أن تدير فريقاً من الموظفين عن بُعد، أو تحاول التشجيع على التغيير الإيجابي، فإنَّ هذه الوظائف والمهام تتطلب إيلاء مزيد من الاهتمام للجانب العاطفي، ومن ثم مستوىً أعلى من الذكاء العاطفي، فعدد من المشكلات التي نواجهها في العمل، سواء على أساس يومي، أم على الأمد الطويل، هي عاطفية في جوهرها، ومثلاً القدرة على تحفيز أنفسنا وتحفيز الآخرين، والتعاون الذي يمكِّننا من تجاوز العقبات، ومعالجة وحل المشكلات التي تعترضنا للمرة الأولى، وتعزيز الابتكار، والتواصل مع العملاء، وغير ذلك.
يضيف "فريدمان": "ما نعلمه من الأبحاث أنَّه كلما ازدادت مهارات الموظف المتعلقة بالذكاء العاطفي، كان أكثر كفاءةً بوصفه موظفاً فرداً، وتحسَّن أداء الفريق ككل، وهذا صحيح خاصةً بالنسبة إلى المديرين، فتزداد قدرة المدير على تعزيز الاندماج، والارتقاء بأداء الفريق كلَّما ازداد ذكاؤه العاطفي".
4 نصائح تساعدك على توظيف الأشخاص الأذكياء عاطفياً:
يؤكِّد "فريدمان"، بأنَّه توجد عدة أدلَّة تُثبت أنَّه يمكن تعليم مهارات الذكاء العاطفي للموظفين، إلَّا أنَّ بعض الشركات قد تفتقر للموارد التي تتيح لها تعليم وتدريب الموظفين على مهارات الذكاء العاطفي، لذلك من الهام أن تركِّز الشركة في هذه الحالة على توظيف المرشحين الذين يتمتعون فعلاً بذكاء عاطفي مرتفع، إذن، ما هي الاستراتيجيات التي تساعدك على العثور على هؤلاء المرشحين ضمن عملية التوظيف الشاملة.
يقول "فريدمان" إنََ الأمر يبدأ بالوصف الوظيفي، فمن الضروري أن تفكِّر في الدور الذي يؤديه الذكاء العاطفي في نجاح شركتك، وأهميته بالنسبة إلى ثقافة العمل، والوظيفة المُحددة، ويقول "فريدمان": "أرى أنَّ هذا الأمر هام عند تحديد الأشخاص الذين تريد استقطابهم للعمل في شركتك".
إليك فيما يأتي بعض النصائح التي تساعدك على تحديد الأشخاص الأذكياء عاطفياً من بين المرشحين لنيل الوظائف في شركتك:
1. اطرَحْ أسئلة تتعلق بالسلوك:
تنصح "نيل"، في مقابلة التوظيف، بطرح أسئلة تتعلَّق بالسلوك على المرشح، كأن تسأل المرشح: "برأيك، ما هي العوامل التي تجعل من الشخص زميل عمل مثالياً؟"، أو "أخبرني عن إحدى المرات التي واجهت فيها صعوبة في العمل، وكيف تجاوزت الأمر؟"، وتنصح "نيل" أيضاً القائمين على إجراء مقابلات التوظيف بطرح أسئلة صعبة عن الإخفاق، والرفض، والنزاعات في العمل، من قبيل الأسئلة التي تتناول إخفاق مشروع ما، أو عدم قيام أحد أعضاء الفريق بواجبه على أكمل وجه، وكيف تعامل المرشَّح مع هذه الصعوبات، وهل كان قادراً على تحويل السلبيات إلى فرص لتطوير الذات؟
تقول "نيل": "ليس الهدف من هذه الأسئلة تقييم المرشح بناءً على إخفاقاته، وإنَّما دفعه للتحدث عن الطريقة التي يتعامل بها مع الإخفاقات، والمواقف العصيبة، وأنت تحاول أن تفهم كيفية تعامل المرشح مع المواقف عندما تسوء الأمور، لذلك ركِّز في أسئلتك على السلوكات، واستخدِمْ الأسئلة مفتوحة الطرف، ومن ثمَّ تعمَّق في إجابة المرشح، واطرح أسئلة المتابعة".
شاهد بالفيديو: 7 مهارات عملية لتحسين الذكاء العاطفي من دانييل جولمان
2. أجرِ تقييماً لذكاء المرشح العاطفي:
إضافة إلى طرح الأسئلة التي تساعد على الكشف عن مستوى الذكاء العاطفي لدى المرشح، ينصح "فريدمان" بإجراء تقييم لذكاء المرشح العاطفي، ويقول "فريدمان": "يمكنك بالطبع أن تطرح أسئلة تتعلق بمهارات الذكاء العاطفي مثل الأسئلة التي تتناول مرونة المرشح، وموقفه الذهني الإيجابي، وقدرته على التعامل مع المواقف المرهقة عاطفياً، ولكن لن تحصل من خلال إجابات المرشحين على دقة النتائج نفسها التي تقدِّمها لك تقييمات الذكاء العاطفي".
3. اجعَلْ الذكاء العاطفي جزءاً من استراتيجية استقطاب المواهب وثقافة الشركة:
ينصح "فريدمان" الشركات أيضاً في النظر إلى الذكاء العاطفي بوصفه عنصراً أساسياً في استراتيجية استقطاب وتوظيف المواهب بالكامل، وليس في مرحلة مقابلة التوظيف مع المرشحين فقط، ويقول "فريدمان": "إذا أرادت الشركات تحقيق نتائج رائعة، فيجب أن يكون معيار الذكاء العاطفي جزءاً من جميع مراحل استراتيجية البحث عن المواهب وتوظيفها، وألَّا يقتصر فقط على مرحلة الاختيار من ضمن المرشحين".
بمعنى أنَّه يجب أخذ الذكاء العاطفي بالحسبان في كل ما يتعلَّق بالمواهب على مستوى الشركة، بدءاً من اختيارك للموظفين، والآلية التي تختار على أساسها، وصولاً إلى بناء ثقافة الشركة وتقييمات الأداء، وتوافِق "نيل" على ذلك، وتقول: "يتطلَّب تحقيق أقصى فائدة من الذكاء العاطفي اتِّباع نهج شامل، ويجب بلا شك أن نركِّز على الذكاء العاطفي لدى المرشحين الجدد، لكن من البديهي أن تحدث الخلافات عندما توظِّف شخصاً ذا ذكاء عاطفي حاد ليعمل تحت إدارة شخص منخفض الذكاء العاطفي، وقد تضطر إلى إجراء مقابلات توظيف جديدة معتقداً أنَّ المشكلة تكمن في أداء الشخص الذي عيَّنته حديثاً".
تنصح "نيل" مسؤولي التوظيف بعدم الانبهار بالمهارات الفنية، والخبرة العملية للمرشح، أو على الأقل عدم الانبهار بهذه العوامل إلى الحد الذي يتجاهل معه مسؤول التوظيف مستوى الذكاء العاطفي لدى المرشح، فصحيح أنَّ هذا المرشَّح قد يكون موهوباً في أداء العمل من الجهة الفنية، لكنَّه سيضر بنجاح الفريق إذا كان لا يجيد العمل الجماعي، أو التعامل مع الزملاء، وسينعكس عدم الكفاءة العاطفية على نفقات الشركة، فسيتعيَّن عليك تحمُّل مزيد من التكاليف المالية لتعيين موظفين جدد.
تقول "نيل": "يجب أن يسعى قادة الشركة إلى إرشاد الموظفين، وتكريس هذه الثقافة على مستوى الشركة، فإذا لم تشجِّع ثقافة الشركة على الروح التعاونية، والشمول، بل أدت إلى خلاف ذلك تماماً، فلن يقدِّم موظفوك أفضل أداء لديهم، وسيفكِّر موظفوك بالبحث عن وظيفة في شركة أخرى، وستضطر إلى البحث دائماً عن موظفين جدد".
4. اجعَلْ التوظيف بناءً على الذكاء العاطفي جزءاً من استراتيجيتك الأساسية:
بالطبع ليس من الضروري أن تصل إلى مرحلة يصبح فيها الذكاء العاطفي جزءاً من ثقافة الشركة بين عشية وضحاها، ويكفي أن تبدأ بجهود مركَّزة ومتواصلة، وشاملة لجميع أقسام الشركة للتأكيد على أهمية الذكاء العاطفي، ويقول "فريدمان": "تعتقد معظم الشركات أنَّه ينبغي أن تتبنَّى المبادرات التي تهدف إلى أخذ الذكاء العاطفي بالحسبان، لكنَّهم يتعاملون مع الأمر على أنَّه عملية آنية بسيطة لا تتطلب جهوداً كبيرة، ولكن إذا كنت تريد أن ينعكس ذلك على أرباح الشركة، فابدأ بدراسة جدوى الفكرة على مستوى الشركة، واتَّخِذْ الإجراءات الملائمة بناءً على أسئلة مثل: كيف يعزِّز هذا الإجراء من ميزتك التنافسية؟ وكيف يؤدي إلى إضافة قيمة؟"، ويضيف: "لا يجب التعامل مع الأمر على أنَّه مجرد إضافة يمكن الاستغناء عنها، بل على أنَّه جزء من الاستراتيجية الأساسية التي تهدف إلى الحفاظ على تميُّز الشركة، وتقديم قيمة لأصحاب المصلحة".
تشير "نيل" إلى أنَّ بعض الوظائف ملائمة للأشخاص الذين قد لا يتمتعون بذكاء عاطفي حاد، وتقول: "يُعدُّ الذكاء العاطفي هاماً جداً لثقافة الشركة، لكن لا يحتاج الشخص في بعض الوظائف إلى التمتُّع بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي بخلاف المناصب القيادية، والوظائف التي تتطلَّب عملاً جماعياً، وغالباً ما تكون هذه الوظائف هي الوظائف التي تتَّسم بالاستقلالية، ويمكن أداؤها أداءً فردياً، ولا تتطلَّب مقداراً كبيراً من التفاعل مع الآخرين، مثل: المهندسون، وخبراء الحاسوب، وأخصائيو جودة المنتج، والمسؤولون عن إدخال البيانات، ويمكن لهذه الوظائف، وكثير غيرها أن تكون ملائمة جداً للأشخاص ذوي الذكاء العاطفي المنخفض".
أمَّا إذا كنت تتساءل عمَّا إذا كان بالإمكان تحسين الذكاء العاطفي، فإنَّ "فريدمان" يؤكد ذلك، ويقول "فريدمان": "أعتقد أنَّ إجراء تقييم الذكاء العاطفي، وتحديد مقدار ما تتمتَّع به من مهارات ذات علاقة بهذا النوع من الذكاء، ووضع خطة لتطوير نفسك في هذا الجانب، قد يكون فكرة رائعة من أجل تقدُّمك المهني، وأؤكد وجود علاقة قوية بين الذكاء العاطفي، والارتقاء المهني، فإذا كنت ترغب بأن تصبح مديراً ناجحاً، فسيكون من الهام جداً أن تتَّخذ هذه الخطوة".
في الختام:
تزداد الأدلَّة على أهمية الذكاء العاطفي في نجاح الفرَق والشركات، فقد لا تكون الدراسة التي أجرتها "غوغل" الوحيدة من نوعها، لكنَّها الأشمل والأشهر في هذا المجال، وأياً يكن مجال عمل شركتك، فإنَّ امتلاكك لموظفين ذوي ذكاء عاطفي مرتفع يزيد من فرص نجاحك، ويعزز تميُّزك في سوق العمل.
أضف تعليقاً