ليس سراً أنَّ الطريقة التي نتواصل بها مع أنفسنا تلعب دوراً رئيساً في نظرتنا إلى العالم والتجربة التي نخوضها فيه؛ لهذا السبب من الهام جدَّاً الانتباه لهذه الكلمات الحساسة للغاية التي نستخدمها بانتظام.
ومع ذلك، هناك أوقات يمكن أن يُحدِّث الجميع أنفسهم فيها بكلماتٍ سلبية، وهذا طبيعي تماماً.
لسوء الحظ، لا يوجد حلٌّ لإيقاف حديثنا الذاتي السلبي تماماً، ولكنَّ أهم شيء يمكننا القيام به في هذه الحالات هو أن نكون يقظين، تقول الدكتورة لاتويا جاينز (LaToya Gaines): "عادةً ما يكون الحديث السلبي مع الذات تلقائياً لدرجة أنَّه يحدث خارج حدود الإدراك الواعي؛ لذا فالخطوة الأولى لفهمه هي التدريب على الانتباه لهذه الأفكار في الوقت الذي تراودك فيه".
تقول جاينز إنَّه بمجرد أن تتحسن ملاحظتك لحديثك الذاتي، فإنَّك تشعر بمرونة أكبر في التعامل مع هذه الأفكار وتغييرها.
الشيء الصعب في الحديث السلبي مع الذات هو أنَّه يمكن أن يأتي بأشكال عدَّة، ووفقاً لمركز مايو كلينك (Mayo Clinic) الطبي، هناك أربعة أشكال رئيسة له على وجه الدقة، وهي:
- الحديث مع الذات الناجم عن أخذ الأمور على محمل شخصي.
- الحديث مع الذات الناجم عن تضخيم الأمور السلبية وتجاهل الأمور الإيجابية.
- الحديث مع الذات الناجم عن تهويل الأمور.
- الحديث مع الذات الناجم عن الاعتقاد بأنَّ الأمور إما سوداء أو بيضاء وليس هنالك رمادي بينهما.
سنتحدث بالتفصيل عن كل منها وسنشارك بعض النصائح حول كيفية التغلب عليها.
الحديث مع الذات الناجم عن أخذ الأمور على محمل شخصي:
يحدث هذا بشكل أساسي عندما تصبح عبارة "المشكلة ليست بك، بل بي" هي شعارك، إذا حدث شيء سيِّئ، فإنَّك تلوم نفسك تلقائياً.
على سبيل المثال: إذا أرسلت رسالة نصية إلى الدردشة الجماعية واستغرق الجميع وقتاً أطول من المعتاد للرد، فستبدأ في التفكير في نفسك، "ربما يكون الجميع غاضبين مني" أو "من الواضح أنَّهم لا يريدون أن يكونوا أصدقائي بعد الآن"، بينما يكونون جميعاً في الواقع يمضون يوماً حافلاً بالعمل.
تقول جاينز: "تتمثل الخطوة الأولى في إجراء بعض الاختبارات الواقعية؛ لذا أوصي بتحدِّي نفسك عن طريق طرح السؤالين التاليين: هل هناك أي دليل يدعم هذه الفكرة؟ وهل الفكرة واقعية أم مجرد تفسير؟ بعد ذلك، فكر في تفسير بديل يناقض الفكرة السلبية".
في المرة القادمة التي تشعر فيها كما لو أنَّك تتحمل اللوم إذا حدث خطأ ما أو بدت الأمور مختلفة عن المعتاد، عد خطوة إلى الوراء، وتنفَّس بعمق وانظر إلى الموقف من بعيد، فأنت تعلم أنَّ أصدقاءك يهتمون بك، ما هي الأسباب الأخرى الأكثر واقعية التي لم تسمعها منهم والتي ربما تكون هي السبب وراء ما يحدث؟
الحديث مع الذات الناجم عن تضخيم الأمور السلبية وتجاهل الأمور الإيجابية:
عندما تفعل هذا قد تضخم الجوانب السلبية للموقف وتتجاهل كل الجوانب الإيجابية، على سبيل المثال، إذا كنت تحاول توفير المال وتجاوزت الميزانية المسموحة بمقدار 50 دولاراً، فقد تنشغل بذلك بدلاً من حقيقة أنَّك وضعت 200 دولار في المدخرات.
كل إنجاز - بغض النظر عما إذا كان كبيراً أو صغيراً - أهم من الأمور السلبية، عندما تبدأ بالنظر إلى نصف الكوب الممتلئ، بدلاً من النظر إلى نصفه الفارغ، ستشعر بأنَّ الحياة مجزية أكثر.
إذا وجدت نفسك تقوم بهذا النوع من الحديث الذاتي، فحاول تدوين كل الأشياء التي سارت على ما يرام مؤخراً، وستبدأ ببطء في إدراك أنَّ الأمور قد لا تكون بالسوء الذي تبدو عليه.
الحديث مع الذات الناجم عن تهويل الأمور:
عندما نقوم بالتهويل، نتوقع الأسوأ تلقائياً، على سبيل المثال، إذا توقفت السيارة وأنت في الطريق إلى المكتب ستفترض على الفور أنَّك ستعلق لساعات في الطريق.
عندما يحدث ذلك، تقترح جاينز وضع الأمور في نصابها، وهذا يشمل التفكير في "ما مدى احتمالية حدوث ذلك؟" والنظر في النتائج الأخرى، والتمييز بين الكارثة والوضع السيِّئ نسبياً.
هل يمكن للسيارة المتوقفة أن تظل عالقةً لساعات؟ وإذا حدث ذلك، ألن تظل بخير على الأمد الطويل؟ نجد من خلال هذا المثال أنَّ التمهل والتفكير في الموقف على حقيقته مفيداً.
الحديث مع الذات الناجم عن الاعتقاد بأنَّ المواقف إمَّا سيئة وإمَّا جيدة وأنَّه لا يوجد حلٌّ وسطٌ:
ترى الأشياء إما جيدة أو سيئة عندما تمارس هذا النوع؛ إذ تعتقد أنَّه لا يوجد حلٌّ وسطٌ، وتشعر بأنَّك يجب أن تكون مثالياً أو فاشلاً تماماً، على سبيل المثال، إذا كنت تستيقظ مبكراً طوال الأسبوع، وفي صباح أحد الأيام شعرت بالحاجة إلى الحصول على المزيد من النوم، وأخذت غفوة إضافية فجأة، ستشعر حينها كما لو أنَّ هذا يجعلك شخصاً كسولاً.
في هذه الحالات، عليك أن تعامل نفسك بلطف، وإذا لم تفعل شيئاً فعلاً مثالياً، فطمئن نفسك، فأنت إنسان والإنسان خطَّاء، ويُسمح لك باتخاذ خيارات تلبي احتياجاتك في الوقت الحالي، وأحياناً، يمكن لما نعدُّ خطأ أن يصبح درساً أو دافعاً لمواصلة المحاولة.
تتطلب مكافحة هذه الأنواع من الحديث السلبي مع النفس التدريب، ومن المعروف أنَّه قد يكون من الصعب أحياناً التخلص منه؛ لذلك من الهام دمج الإيجابية في حديثك مع ذاتك سواءً كنت تمر بلحظات صعبة أم لا.
تقول جاينز: "ابدأ يومك ببعض الطمأنينة الإيجابية، فيمكن أن يتضمن هذا عبارات بسيطة مثل: "أنا جيد بما فيه الكفاية"، "سأكون قادراً على التأقلم"، أو "خذ نفساً، ستتمكن من هذا" على غرار ما يحدث عند ظهور الأفكار السلبية، تحدَّ نفسك لإضفاء لمسة إيجابية على أفكارك.
لا تتعلق ممارسة الإيجابية بتجاهل الطبيعة المؤسفة للموقف، ولكن بدلاً من ذلك الاعتراف بأنَّك ستجد طريقة للتغلب عليه، ستجدها بكل تأكيد.
أضف تعليقاً