تقول الخبيرة في فنِّ الخطابة "تيري شودين" (Terri Sjodin): "يعتقد الكثيرون أنَّ التحدث أمام الجمهور يقتصر فقط على إلقاء كلمة، أو عرض أداء تقديمي أمام حشد كبير من الناس، لكنَّ العبرة ليست بعدد الأشخاص الذين تتحدث أمامهم، فقد تؤدي أهم عروضك التقديمية أمام شخص واحد، أو 100 شخص، وأنت تتحدث عملياً أمام جمهور في كلتا الحالتين".
قد تكون لديك كلمة في مؤتمر تيد (TED)، أو قد يكون لديك خطاب ترويجي لتحسين مبيعاتك، أو قد يكون لديك اجتماع مع فريق العمل، أو مقابلة للحصول على وظيفة أحلامك، وتتطلب جميع هذه المواقف الهامة امتلاك مهارة التحدث أمام الجمهور، طالما أنَّك أمام فرصة لمشاركة ما تريد قوله مع الآخرين.
أجرت "شودين" بحثاً شمل الآلاف من موظفي المبيعات، وطلبت منهم تقييم عروضهم التقديمية، وعروض الآخرين، وتبيَّن لها من خلال البيانات التي جمعتها أنَّ الأشخاص الذين يقدمون عروضاً تقديمية، يرتكبون عدداً من الأخطاء الشائعة.
4 أخطاء شائعة عليك تجنُّبها خلال التحدث أمام الجمهور
1. عدم التحضير مسبقاً قبل العرض التقديمي
يتمثَّل الخطأ الأول الذي اعترف به موظفو المبيعات ممَّن شملهم بحث "شودين" بعدم تحضيرهم للخطاب أو عرضهم التقديمي تحضيراً كافياً؛ أي إنَّهم بدؤوا بالتحدث تحدُّثاً ارتجالياً، آملين بأن يحقِّقوا نتائج طيبة، ويُعزى هذا الخطأ إلى عدة أسباب، منها التسويف أو القلق أو الثقة المفرطة بالنفس، أو الاعتقاد بأنَّ الحديث الارتجالي يعكس مقداراً أكبر من المصداقية، وأياً يكن السبب، فإنَّ هذا النهج خاطئ؛ لأنَّ التحضير المُسبق، والشامل يساعد على فهم الموضوع الذي ستتحدث عنه بعمق، ووضوح، إضافة إلى أنَّه يمنحك القدرة على إجراء أي تعديل، والتعامل مع أي شيء غير متوقع دون التأثير في جودة خطابك أو عرضك التقديمي.
يكمن الحل لهذه المشكلة ببساطة في التحضير المُسبق للعرض التقديمي، خاصةً إذا ما علمنا أنَّ كبار المتحدثين العامين؛ بل وحتى الممثلين يلجؤون لهذه التقنية حتى يتمكنوا من الأداء بأريحية، وإظهار الإيماءات التي تساهم في إقناع المتلقي دون ارتباك أو نسيان جزء من النص، وفي حين أنَّ مستوى التحضير المطلوب يختلف باختلاف الموقف، أو الحدث الذي ستؤدي خلاله عرضاً تقديمياً، أو التحدث أمام الجمهور، إلَّا أنَّ الثابت أنَّه كلما زادت معرفتك بالموضوع الذي تتحدث عنه، كنت قادراً على التحكم في عواطفك في العرض.
2. الإفراط في تقديم المعلومات دون تقديم الحجج المُقنعة
ثمة خطأ شائع آخر يرتكبه الناس وهو الإفراط في تقديم المعلومات في العرض التقديمي، ممَّا لا شك فيه أنَّك تهدف إلى تثقيف الجمهور، أو تزويدهم بالمعلومات لكنَّ الخطأ يكمن في سرد المعلومات الواحدة تلو الأخرى، وتنوِّه "شودين" إلى خطأ الإفراط في تقديم المعلومات، لأنَّه يؤدي إلى فقدان اهتمام الجمهور، وعدم إصغائهم إليك بسبب كثرة المعلومات النظرية التي تقدمها لهم، ويتمثَّل الحل في الدمج بين المعلومات والأمثلة المُقنِعة، لأنَّك تُقنع جمهورك بهذه الطريقة من خلال تحويل المعلومات النظرية إلى وسيلة هادفة، تخدم الجمهور في تلبية حاجة ما، أو حل إحدى مشكلاتهم، أو حثهم على القيام بشيء ما.
يتمثَّل هذا الهدف في العروض التقديمية الخاصة بالمبيعات في المعلومات المقترنة بالحجج والتي تُقنع العميل المُحتمل بحلول تؤدي إلى توفير الوقت أو التكاليف، في حين يهدف هذا الدمج بين المعلومة والحجة المقنعة إلى إقناع مسؤولي التوظيف بملاءمتك للوظيفة في إجرائك مقابلة للحصول على وظيفة شاغرة.
أمَّا إذا لم تكن تعلم على وجه اليقين الطريقة التي تجعل بها عرضك التقديمي مُقنعاً، فإنَّ النصيحة التي تقدِّمها "شودين" هي أن تفكِّر مسبقاً لبعض الوقت في اهتمامات جمهورك، أو ما يحتاجون لإنجازه، أو ما يحقق لهم الفائدة، وإذا ما وضعت في حسبانك تطبيق النصيحة السابقة المتمثلة بالتحضير الكافي للعرض التقديمي مسبقاً، فسيكون من السهل عليك أن تجعل عرضك التقديمي يتمحور حول إقناع جمهورك بفاعلية نصائحك، أو ما تروِّج له من خدمات أو منتجات، وتؤكد "شودين" على ضرورة العمل على إيصال رسالتك بطريقة أخلاقية وصادقة وجذابة، فتحقِّق الفائدة لك ولجمهورك.
شاهد بالفيديو: 9 نصائح لتحسين مهاراتك في التحدُّث أمام الجمهور
3. إهمال العناصر الثلاثة الأساسية للإقناع
من المؤكد أنَّك لن تتمكن من إقناع جمهورك إذا فشلت في التواصل معهم بفاعلية، وقد يكون تحقيق هذا الأمر صعباً إذا كنت تتحدث أمام حشد كبير من الناس، أو إذا لم يكن لديك ما يكفي من الوقت، ولحل هذه المشكلة، تنصح "شودين" بالاستفادة من 3 نقاط أساسية حددها الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristotle) كي نتحدث بطريقة مُقنعة.
وَجَدَ أرسطو أنَّه يجب وكي نتحدث بطريقة مقنعة، أن نراعي 3 نقاط أساسية وهي المصداقية مع ما يدعم كلامنا من أدلة، والمشاعر (أي استمالة المستمع)، والمنطق (أي مخاطبة العقل)، وتقول "شودين": "أنصح الأشخاص الذين يرغبون بإتقان فن الخطابة أن يعملوا بوعي على تحقيق توازن جذاب بين المصداقية، والمشاعر، والمنطق في عروضهم التقديمية، وسينجحون غالباً في إقناع الجمهور"، وتستخدم "شودين" بدروها هذه العناصر الـ 3 عندما تقدِّم للآخرين النصائح التي تهدف إلى تحسين مهاراتهم في الحديث أمام الجمهور.
4. عدم فهم الطابع العام للمناسبة
قد يكون من الصعب تقديم نصيحة شاملة لتجنُّب الأخطاء على صعيد استخدام المفردات، لأنَّ لدى كل شخص أخطاؤه الفريدة، والتي تختلف تقريباً عن أخطاء أي شخص آخر، ومع ذلك يمكن أن نُجمل هذه الأخطاء بـ 6 فئات أساسية:
- كلمات الحشو والتكرار (مثل الهمهمة التي تدل على الارتباك، أو كلمات من قبيل "حسناً"، أو "كما تعرف").
- المصطلحات والاختصارات (استخدام الأحرف الأولى التي تشير إلى اسم شركة، أو شيء آخر).
- اللغة غير اللائقة (مثل الألفاظ النابية).
- عدم توخي الوضوح عند لفظ الكلمات.
- التحدث بسرعة كبيرة، أو ببطء شديد، أو بصوت منخفض جداً، أو بصوت مرتفع جداً.
- أخطاء تتعلق بالأسلوب الشخصي في الحديث مثل التحدث بثقة مفرطة، أو التحدث بأسلوب ينمُّ عن العناد والتعصب للرأي.
يتمثَّل الحل بأن تدرك ما تعانيه من مشكلة على هذا الصعيد، وتعمل على التخلص منها، فمثلاً، إذا اكتشفت أنَّك تستخدم كثيراً من مفردات الحشو والكلمات المكررة في الحديث، فدرِّب نفسك على التوقف مؤقتاً عن الحديث عندما تحتاج للتفكير بدلاً من اللجوء لهذا الأسلوب الخاطئ، وإذا نبَّهك صديقك إلى أنَّك تستخدم كثيراً من الاختصارات الخاصة بمجال عملك، فتدرَّب على تخصيص الوقت الكافي لتوضيح هذه المصطلحات لجمهورك.
تشير "شودين" أخيراً إلى نصيحة غالباً ما تُتَجاهَل، وهي فهم الطابع العام للأشخاص المستمعين، فإذا كان الأشخاص يتحدثون بهدوء، فمن الأفضل أن تكون رسمياً بعض الشيء في الحديث، أمَّا إذا وجدت أنَّ الأشخاص يتحدثون بأريحية، وعلى سجيَّتهم، فحاوِلْ أن تدخل في حالة التدفق في الحديث، ولا تهدف هذه النصيحة إلى تقليد الحشد؛ بل إلى إدراك الطابع العام للحضور، وفهم توقعاتهم.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أنَّه من غير الممكن التخلص تخلُّصاً كاملاً من الأخطاء اللفظية، والوصول إلى أسلوب خطابي متقن بالكامل، وإنَّما يتعلق الأمر بفهم جمهورك، وتحقيق مستوى متقدِّم من التواصل معهم من خلال التعاطف، والذكاء العاطفي.
في الختام
سيؤدي تدارك هذه الأخطاء إلى تعزيز مهارتك في التحدث أمام الجمهور، ولكن لا يجب أن تشكل محاولة تجنُّب هذه الأخطاء مزيداً من العبء عليك، كما لا يجب أن تدفعك للاعتقاد بأنَّك تفتقر للموهبة، فتعامَلْ مع الأمر على أنَّه محاولة لتدارك الأخطاء التي تعوقنا عن أداء عرض تقديمي مُقنع وجذاب، وامتلاك المهارة والثقة للتحدث أمام الجمهور بأريحية.
يتطلب الأمر بذل الجهد والوقت، لكنَّه يستحق هذا العناء، نظراً لأنَّ التحدث أمام الجمهور هو أحد المهارات الضرورية للنجاح، وبناء العلاقات القوية، والرائع في الأمر أنَّ إتقان فن التحدث أمام الجمهور لا يتطلب مستوىً متقدِّماً من التعليم، أو خلفية ثقافية، أو اجتماعية معيَّنة، بل هي مهارة متاحة للجميع، ومن خلال نصائح بسيطة وعملية.
أضف تعليقاً