3 نصائح تحمي سعادتنا من قوى الحياة الحديثة التي قد تدمرها

إحدى أكبر مفارقات الحياة هي تراجع معدَّلات السعادة في ظل ازدياد وسائل الراحة بمرور الوقت؛ فوفقاً لمكتب تعداد الولايات المتحدة، كان متوسط دخل الأسرة في الولايات المتحدة بعد تعديله وفقاً للتضخم، أعلى في عام 2019 من أي وقت مضى، وعلى الرغم من ارتفاع التفاوت في الدخل، لم ينعكس هذا على استهلاك السلع والخدمات.



مع ازدياد ثراء المجتمع، يتحول اهتمام الناس إلى الاتجاه الخطأ.

على سبيل المثال: في الفترة من 2008 إلى 2019، أنفقَت الأسر الأدنى دخلاً حوالي 22% من دخلها على تناول الطعام خارج المنزل​​، بينما أنفقَت الأسر الأعلى دخلاً أقل من 8% على تناول الطعام في الخارج، وفي الوقت نفسه، زادت الخدمات الحكومية المحلية زيادةً كبيرةً، على سبيل المثال: ارتفع الإنفاق الفيدرالي على التعليم والتدريب والتوظيف والخدمات الاجتماعية من عام 2000 إلى عام 2019 بنحو 30% مع مراعاة معدلات التضخم.

ولكن وسط هذه التطورات في جودة الحياة، يتناقص مستوى ​​السعادة ويُظهر انخفاضاً تدريجياً طويل الأمد، وفي الواقع، ثمَّة العديد من التفسيرات المحتملة لهذه المفارقة: فقد يكون الناس غير مطَّلعِين على كل هذا التقدم المذهل، أو أنَّنا لا نستطيع إدراك التقدم جيداً عندما يحدث على مدى عقود، أو أنَّنا نقيس "جودة الحياة" بمؤشرات خاطئة، أو التفسيرات الثلاثة معاً، ومع ذلك، تُعَدُّ الفكرة الأخيرة هامَّةً للغاية؛ إذ يساعد فهمها على تعزيز مستوى سعادتنا.

فكرة أنَّ الاستهلاك لا يؤدي إلى السعادة ليست جديدةً، فقد ذكرَت الأديان جميعها هذا المفهوم، فضلاً عن العديد من المذاهب الفلسفية، كما جاءت أعظم أفكار "كارل ماركس" (Karl Marx) من نظريته في الاغتراب، والتي عُرِّفَت بِعَدِّها شعوراً بالاغتراب عن الذات نتيجة كون الإنسان جزءاً من مجتمع طبقي يشبِّهه بالآلة.

ولكن لا داعي لتبنِّي هذه الأفكار لإدراك مدى سخافة بعض المزاعم التي تصدر عن مجتمعنا الذي يُقدِّس الاستهلاك، فنحن ننتظر السعادة مع زيادة الراتب التالية، وشراء السلعة التالية، وحتى مع رشفة الماء التالية؛ حيث يقول أستاذ الأعمال السويدي "كارل سيدرستروم" (Carl Cederström) في كتابه "وهم السعادة" (The Happiness Fantasy): "إنَّ الشركات والمعلنين يَعِدون الناس بالرضا، ولكنَّهم قادوهم إلى سباق بائس من الإنتاج والاستهلاك، وعلى الرغم من زيادة وسائل الراحة المادية في الحياة، إلَّا أنَّ هذه الأشياء لا تعطي معنىً للحياة".

كان "ماركس" وأتباعه يريدون تأسيس نظام مختلف للحكومة الاقتصادية، وتحديداً الاشتراكية العلمية؛ ممَّا يجعل الناس أقل عرضةً لقوة الأسواق، ولكن لا يوجد أي دليل على أنَّ هذا هو الطريق إلى مزيدٍ من الرفاه.

في الواقع، لاحظ الكثيرون أنَّ تركيز الاشتراكية في الأساس ينصبُّ على المادية كالمجتمع القائم على السوق، وعلى الرغم من أنَّ التدخل الحكومي قد يساعد بالتأكيد على تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل الطعام والمال والرعاية الصحية، فإنَّ التفاعل مع الحكومة ليس عمليةً ممتعة؛ وذلك لأنَّه حتى في ظل اقتصادنا المختلط، يقع الناس في شبكة البيروقراطية.

كما يصف المُنظِّر السياسي "برناردو زاكا" (Bernardo Zacka) في كتابه "الأطلنطي" (The Atlantic)، المفهوم الشائع لقواعد البيروقراطية التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، والمتشابكة، وغير القابلة للاختراق عادةً، والسمات المادية؛ حيث المصابيح البيضاء وصفوف الكراسي المتطابقة، والألواح المخططة باللون الرمادي، والناس البعيدة وغير المكترثة، في الواقع، تختزل الاشتراكية العلمية المواطنة إلى سلسلةٍ من المعاملات الباردة مع الحكومة.

شاهد بالفديو: كيف تنعم بالسعادة في حياتك؟

يتمثَّل التفسير لاغترابنا الحديث في النزعة الاستهلاكية الفارغة والحكومة غير الرحيمة، وفي هذه الأيام، ثمَّة علامة تجارية جديدة، وهي التكنولوجيا التي وعدَتنا بتلبية رغباتنا، فصرنا نستطيع معرفة كل ما نريد بنقرةٍ على الفأرة، وصرنا قادرين على بلوغ الشهرة، واستلام كل ما نريد شراءه من على باب منزلنا في غضون أيام، ولكن لم يعزِّز كل ذلك سعادتنا؛ بل على العكس، تُظهِر الأدلة المتزايدة أنَّ استخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا يتنبأ بنتائج نفسية وفيزيولوجية ضارة، لا سيَّما بين الشباب؛ إذ أظهرَت عالمة النفس "جان إم توينج" (Jean M. Twenge) أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من الاكتئاب، خاصةً بين الفتيات والشابات.

نحن لا نشعر بالسعادة مع ازدياد ثراء مجتمعنا؛ وذلك لأنَّنا نلاحق الأهداف الخطأ، وفي الحقيقة، تَعِدنا النزعة الاستهلاكية والبيروقراطية والتكنوقراطية بقدر أكبر من الرضا، ولكن لا يحدث هذا، فقد تُعَدُّ المشتريات جذَّابةً وممتعةً، وقد تَعِدنا الحكومة بالحماية من تقلبات الحياة، وقد تساعدنا وسائل التواصل الاجتماعي على التواصل مع الآخرين، ولكن لا يوفر أي عنصر من هذه العناصر الحب والهدف اللذين يجلبان الرضا العميق والدائم إلى الحياة.

هذه ليست إدانةً للرأسمالية أو الحكومة أو التكنولوجيا؛ فهم لا يُعَدُّون وسائل للرضا لأنَّهم لا يستطيعون القيام بذلك ببساطة؛ ممَّا يشكِّل معضلةً حقيقية للمجتمع ولكل فرد منَّا، وفيما يلي ثلاث نصائح تساعدنا على الحفاظ على سعادتنا من قوى الحياة الحديثة التي قد تدمِّرها:

1. لا تشترِ كل شيء:

لقد أظهرَت مجموعةٌ من الباحثين في جامعة "هارفارد" أنَّه لكي نصبح أكثر سعادةً مع ازدهارنا، يتعيَّن علينا تغيير الخيارات التي نتخذها فيما يتعلق بمواردنا المالية، ففي مراجعة شاملة، قاموا بتحليل فوائد السعادة لأربعة استخدامات على الأقل للدخل، وهي: شراء سلع استهلاكية، وشراء الوقت من خلال الدفع مقابل المساعدة، على سبيل المثال: توظيف أشخاص للقيام بمهام لا تستمتع بها، وشراء التجارب، على سبيل المثال: الذهاب في إجازة مع أحد أفراد أسرتك، والتبرع الخيري أو الكرم على الأصدقاء والعائلة؛ وعلى الرغم من أنَّ الناس يميلون نحو العنصر الأول وهو شراء السلع الاستهلاكية، إلَّا أنَّ العناصر الثلاثة الأخرى هي التي تجلب السعادة.

يعرف المسوِّقون أنَّهم إذا تمكنوا من التحكُّم بدماغك، فسوف تدخل في حالة "استهلاك المتعة"، بحيث تحرِّك المتعة قراراتك أكثر من المنفعة؛ ممَّا يمكِّنهم من بيع شيء ما لك، سواء كنتَ تحتاج إليه أم لا، ولكن يمكِننا مقاومة تأثير الإعلانات في مشاعرنا، وفي المرة القادمة التي يُقدَّم لك أي منتج على أنَّه سيجعلك سعيداً، قُل خمس مرات بصوت عالٍ: "هذا لن يجلب لي الرضا" ثمَّ تخيَّل نفسك بعد ستة أشهر وأنت تتذكَّر هذا القرار وتشعر بالسرور لأنَّك اتَّخذتَه اتخاذاً صحيحاً.

إقرأ أيضاً: 6 أسئلة عليك أن تسألها لنفسك قبل أن تشتري سلعة باهظة الثمن

2. لا تثق بالسياسيين:

إذا اشتكيتَ من أنَّ الحكومة عديمة الرحمة أو أنَّ السياسيين يجعلونك غير سعيد، فيعني هذا أنَّك تنتظر هذه الأمور، وأنَّ حدوثها سيُشعِرك بالسعادة، وهذا تفكير ساذج.

لقد وعد بعض أعظم الطغاة في التاريخ بأنَّ الحكومة ستجلب الفرح إلى الحياة؛ ففي عام 1949، روَّجَت الحكومة السوفييتية لشعار "الحبيب ستالين هو سعادة الشعب"، وفي الواقع، تؤثر الحكومات والسياسيون في حياتنا، لكنَّهم لا يستطيعون جلب السعادة، وهذا ما أشار إليه الرئيس السابق للبرلمان الدنماركي والسياسي الاجتماعي الديمقراطي البارز في الدنمارك "موجينز ليكيتوفت" (Mogens Lykketoft)، عندما قال في فيلم وثائقي عن السعي وراء السعادة، وردَّاً على سؤال حول سكان الدنمارك المشهورين بالسعادة: "لا يمكِن للحكومة أن تجلب السعادة، ولكن يمكِنها القضاء على مصادر التعاسة".

3. لا تستبدل الحب بأي شيء:

ثمَّة دراسة شهيرة تتبَّعَت مئات الرجال الذين تخرَّجوا من جامعة "هارفارد" من عام 1939 إلى عام 1944 طوال حياتهم، وحتى التسعينيات من العمر؛ إذ أراد الباحثون معرفة من الذي تطوَّر، ومن لم ينجح، والقرارات التي اتخذوها والتي ساهمَت في تحقيق السلامة، وكان الباحث الرئيس في الدراسة لسنوات عدة هو الطبيب النفسي في جامعة "هارفارد" "جورج فيلانت" (George Vaillant)، والذي لخَّص النتائج في كتابه "انتصارات الخبرة" (Triumphs of Experience)، إليكم هذا الاقتباس الذي يشير فيه إلى أنَّ "السعادة هي المحبة".

"لقد أخبرني المدير الحالي للدراسة، الطبيب النفسي "روبرت والدينجر" (Robert Waldinger) بأنَّ الأشخاص الذين أفادوا بأنَّهم يعيشون حياةً أسعد، هم أولئك الذين يمتلكون علاقات عائلية وطيدة، وأصدقاء مقرَّبين، وحياةً غنيَّةً بالمشاعر الرومانسية، بينما كان الأشخاص الذين تعرَّضوا للاكتئاب والوحدة - فضلاً عن احتمالية تعرُّضهم للخرف أو إدمان الكحول أو المشكلات الصحية الأخرى - هم الذين أهملوا علاقاتهم المقرَّبة؛ ممَّا يعني أنَّ أي شيء يحل محل العلاقات الإنسانية الوثيقة في حياتك هو تجارة سيئة.

توضِّح هذه الدراسة تأثير استخدامات المال في هذا الأمر، ولكنَّ النقطة أعمق من ذلك بكثير، وهي أنَّ التضحية بالسعادة تحدث إذا اجتمعَت العلاقات مع العمل أو السياسة أو وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يشجعنا العالم على حب الأشياء واستخدام الناس، ولكنَّ العكس صحيح؛ إذ يجب أن تحب الناس، وتستخدم الأشياء.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تأمّل لإدخال مزيد من الحب إلى حياتك

كما يجب أن نتذكر جميعاً أنَّه للرفاهية المادية فوائد وتكاليف أيضاً، ويصبح الثمن غالياً عندما نسمح لتوقنا للرخاء بأن يعمينا عن المصادر الخالدة للسعادة الإنسانية الحقيقية؛ كالإيمان، والأسرة، والصداقة، والعمل الذي نجني من خلاله نجاحنا ونخدم فيه الآخرين، وبغضِّ النظر عن الكيفية التي قد يتغير بها العالم، فقد كانت هذه الأشياء وستظلُّ دائماً هي الأشياء التي تُحقق الرضا الذي نتوق إليه.

المصدر




مقالات مرتبطة