3 فوائد يجنيها رواد الأعمال من تأسيس شركات متخصصة

لقد أمضيتُ فترةً طويلة في حياتي أقوم بأعمالٍ روتينية من دون شغفٍ، تابعاً بذلك المجال الأكثر ربحاً، مع عدم تأكدي من النهاية السعيدة. نبدأ كل مسارٍ في حياتنا بانطباعٍ جيد، سواء أكان مساراً مهنياً أم حياتياً، لكنَّنا غالباً لا نضمن النتيجة النهائية، فنحن نعلم على سبيل المثال، أنَّ الفاكهة ستحتاج إلى عصر لتُخرِج أفضل ما فيها، لكنَّنا لا نعلم كمية العصير المستخرَجة منها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في بدء عملٍ تجاري صغير ثم التوسع فيه، مع بعض الدروس المستفادة.

بدأتُ مشروعي التجاري بحثاً عن الحرية؛ إذ أردت الخروج من نمط حياة الموظف التقليدي أو بيئة العمل مع أرباب أعمال، ولم أكن أحاول جمع المال أو بدء شركة توازي شركة "فيسبوك"؛ بل كلُّ ما أردته هو عمل تجاري حيوي مستقل لأعمل من أيِّ مكان في العالم.

مطالب متواضعة:

بعد بضع سنوات من الاستماع للمدونات الصوتية مثل "إنتربرونور أون فاير" (Entrepreneur on Fire)، وقراءة كتب ريادة الأعمال المعاصرة مثل: "4 ساعات عمل في الأسبوع" (4 Hour Work Week)، أيقنت ضرورة التخصص في الأعمال التجارية اليوم؛ إذ يجب أن يكون الهدف من العمل التجاري حلَّ معضلةٍ محدَّدة للغاية، لمجموعة محدَّدة جداً من العملاء أو المستهلكين.

كان هذا يعني بالنسبة إليَّ عملاً تجارياً مصغَّراً من دون توسُّع، فقد أدركت ضرورة البدء بعملٍ تجاريٍ ناجح - مثل مشروع تجاري عبر الإنترنت بين شركتين (B2B) - مخصص لغرض معيَّن لخدمة فئة محددة من المجتمع، ومثال ذلك هو تطبيق إلكتروني لمربِّي النحل.

بدأت التفكير في مهام تطبيق إلكتروني يستهدف مربِّي النحل؛ فما هو الخلل الذي سيحاول التطبيق حله؟ وإن افترضنا وجود خللٍ، فكم عدد مربِّي النحل الذين سوف يهتمون بالاشتراك بالتطبيق؟

لست متأكداً من جودة هذه الفكرة؛ فقد تكون عملاً تجارياً مربِحاً، لكنَّها مخاطرةٌ كبيرة بسبب إمكانات مجالها الصغيرة، ومن ثمَّ، سقف المشروع محدودٌ جداً، وفي حين أنَّ التخصيص في المشاريع التجارية مرغوب فيه، إلا أنَّ المحدودية ليست كذلك.

شاهد: 7 أمور تميُّز رجال الأعمال الذين يملكون شركات بملايين الدولارات

إذاً، كيف نتخصص في الأعمال التجارية من دون مجازفة بنجاح توسعها؟

سأخبرك؛ عندما بدأت التفكير في العمل، لم أستطع الإجابة عن أيٍّ من هذه الأسئلة، لكن هذه هي النقطة التي أشرتُ إليها آنفاً: نحن لا نعلم النهايات، لكن نؤمن بوجود فرصة تستحق المحاولة والمتابعة.

لذا بتُّ متحفزاً لاقتناص الفرص والأفكار المناسبة، وقد اقتنصتُ فرصةً جديدة بعدما تناهى إلى سمعي افتقار سوق صناعة العصير إلى التسويق؛ إذ خاطبت نفسي: "هذا مجال عملٍ تجاري مخصَّص، لقد وجدتُ ضالتي"، ولتلبية هذه الحاجة، أنشأت وكالة إعلانات خاصة بالعصير.

أسَّسنا عملنا على خدمة واسعة الانتشار، ووظفناها في سوق خالية منها، فقد افتقرَت صناعة العصير إلى قناة إعلانية حديثة، ووجدنا لها الحل؛ لذا استلهمنا أفكارنا من التغذية البصرية في العديد من المنتجات التجارية والمدونات حول العالم، وبعد بضع تجارب فاشلة، بدأنا بإجراء عديدٍ من المكالمات في كل اتجاه، وحاولنا التحقق من صحة فكرتنا مع صنَّاع القرار، لكن كما نعلم، يوجد فرق بين الاهتمام بشيء والدفع للحصول عليه.

لقد نالت الفكرة استحسان الجميع، إلا أنَّهم لم يستطيعوا تحمُّل تكاليفها؛ لذا اعتمدنا سياسية إعلان واسعة النطاق لتنشيط وتحقيق وصول أعلى إلى تطبيقنا المرغوب، وبما يوجب المساهمة في شراء أسهم في التطبيق، لكن سرعان ما أدركنا أنَّنا سنضيِّع كثيراً من عملائنا وأصحاب مصانع العصير.

لقد وضعنا أنفسنا مكانهم؛ فلا يجب للمعلن أن يساهم في أسهم الشركة أو التطبيق، هنا وصلنا إلى طريقٍ مسدود؛ إذ لا يمكننا مساعدتهم، ولن يتمكنوا من الإسهام في نشر التطبيق، والأسوأ من هذا، أن تبذل جهوداً خلال أشهرٍ طويلة لزيادة المبيعات، ثم تبوء بالفشل، وعلى أيِّ حال، فقد استخلصنا بعض الدروس العملية للنهوض من جديد، التي قد تساعد أيَّ شخص لبدء مشروع جديد:

1. الفائدة الأولى:

أولى الدروس التي تعلَّمناها، هي أنَّنا لم نكن بالتخصص المطلوب؛ لقد مثَّلنا شريحةً واسعة من العملاء، وأدركنا أنَّ التخصص لا يعني صغر حجم المشروع، لكنَّنا لم نتخصص بما فيه الكفاية؛ إذ ظننا أنَّ عميلنا المثالي هو "أيُّ مصنع عصير يهدف لتوسيع انتشار منتجاته"، لكنَّنا حددنا عميلنا الجديد بأنَّه "مصنع عصير لديه المال للإنفاق على الإعلانات بوسائل حديثة مختلفة"، وبينما تخلو صناعة العصير من الابتكار، فقد ركد سوق إعلاناتها منذ سنين، إلا أنَّ فكرتنا كانت جديدة عليهم.

2. الفائدة الثانية:

هذا ما حالفنا الحظ فيه؛ ففي حين يحدُّ التخصص في المشروع التجاري مجال العمل والعملاء، إلا أنَّه لا يحدُّ العائد المالي؛ إذ عملنا على استهداف فئة معيَّنة من أصحاب المصانع، بعائد مادي كبير، وقد كانت مصانع العصير المستفيدة من خدماتنا، هي على الأرجح مصانع ناجحة مدرِكة أهمية التسويق ودوره في تحقيق ميزانيات عالية.

هل سمعت عن الشركة المصنِّعة لسراويل "شيريل كرو" (Sheryl Crow’s) التي ذُكِرَت في كتاب "عمالقة صغار" (Small Giants)؟ باختصار، فقد استهدفت هذه الشركة عدداً محدوداً من العملاء، لكنَّ أرباحها تجاوزت ملايين الدولارات، لماذا؟ لأنَّها استهدفت أصحاب الطبقات الثرية في البداية، ولو أنَّهم وسَّعوا انتشار منتجهم للناس عامة، لتأثرت قيمة العلامة التجارية في الأسواق.

لذلك، اتخذ أصحاب الأعمال خياراً واعياً لتقليل عدد العملاء وزيادة الإيرادات، وكان من الممكن إنشاء شركة لبيع الملابس إلى الناس عامة، لكن إن أردتَ النجاح، فعليك أن تتخصص وتكون انتقائياً جداً.

شاهد بالفيديو: 7 عادات تجعلك اسوأ موظّف في الشركة

3. الفائدة الثالثة:

ثم جرى تحولٌ مفاجئ كان لا بُدَّ أن نتنبأ به سابقاً؛ فبعد قرار استهداف العمل مع أصحاب المصانع ذوي الإيرادات العالية، المنفقين في التسويق، بدأت العديد من مصانع العصير الأخرى بالانتباه، مروراً بأصحاب المصانع الرافضين لتكاليف خدماتنا سابقاً، وغيرهم الكثير، وبعد إتمام العديد من عمليات التسويق، بات جلياً أنَّ أغلب المصانع تمتلك إمكانات كافية للتسويق.

هكذا يحدث الأمر؛ إنَّها "عقلية القطيع"؛ إذ يبدأ الأمر بإقناع القادة ثم يتبعهم القطيع، فنلاحظ عدم رغبة الأغلبية في المجازفة بالبدايات، إلى أن يتطور الأمر ليتسابقوا نحو إحداث التغيير بعد رؤية النتائج، وهذا أمرٌ لا يُصدَّق.

فالفائدة الثالثة، هي أنَّ مشروعك التجاري المتخصص ما هو إلا بوابة على مجال واسع، ولا يحدد حجم السوق عموماً، وبعد أن تتخصص، يمكنك التوسع.

لنأخذ شركة "أوبر" (Uber) على سبيل المثال، بدأت الشركة كخدمة سيارات لا تتعدى نسبة استخدامها 1% في "سان فرانسيسكو"، وتجاهل العديد من المستثمرين الشركة ظناً منهم أنَّ مجال عملها صغير؛ فكم عدد المدن الكبيرة التي ستخدمها شركة سيارات لا تستهدف أكثر من 1% من العملاء؟ هذا أصغر من حجم الاستثمار حتى.

إقرأ أيضاً: خمس نصائح لنجاح شركات العصر الرقمي

لكن ما لم يكن في الحسبان، هو توسُّع الخدمة بعد استخدامها، مع أنَّ الاستهداف كان عامَّاً؛ إذ يمكن لأيِّ شخصٍ طلب سيارة وليس الفئة المستهدفة في "سان فرنسيسكو"، وهنا يمكن لنا أن نحلل طريقة انتشار "أوبر"؛ إذ وجب عليها البدء بداية محددة حتى لا تتعقد المهمة، ثم انتشرت الخدمة بسهولة.

وهذه هي النقطة الرئيسة، فالتخصص لا يعني المحدودية؛ إنَّما يعني تحديد الهدف، ثم الانطلاق.

المصدر




مقالات مرتبطة