تحقق بعض الشركات الصغيرة أو الناشئة نمواً سريعاً وهائلاً خلال فترة زمنية قياسية، وتُعدُّ نتيجةَ ذلك ناجحة، ولا تكفي هذه المعطيات للحكم على الشركة، ولكن تنجم هذه الأحكام الخاطئة عن عدم وجود تعريف واضح وشامل لمفاهيم النجاح، وتوسيع نطاق الأعمال التجارية، وتنميتها، ولكن هل هذا النمو مستدام؟
يمكن أن يكون مستداماً في بعض الأحيان، ولكنَّه يُعدُّ علامةً على النمو المتسارع الذي يفتقر للاستقرار والثبات، وهو ما يجعل الشركةَ عرضةً للمشكلات والأزمات؛ إذ يقتضي الحدُّ من هذه المخاطر تكوينَ فكرةً واضحةً عن آليةِ توسيعِ نطاقِ الأعمال التجارية من أجل ضمان تطبيق الإجراءات والعمليات اللازمة؛ لتحقيق التنمية المستدامة على الأمد الطويل.
الفرق بين توسيع نطاق الأعمال التجارية وتنميتها:
يجب إدراك الفرق ما بين توسيع نطاق العمل التجاري وتنميته، وتتحقق التنمية عند زيادة عدد العملاء والموظفين بحيث تزداد التكاليف بالمقدار نفسه؛ وهذا يعني أنَّ الشركة زادت نشاطاتها وأعمالها، ولكنَّ الإيرادات بقيت ثابتة، فهذه التنمية غير مستدامة ولا سيما إذا تعرضت الشركة لأزمة انخفاض في عدد العملاء.
في مثل هذه الحالة تبقى موارد الشركة وموظفوها دون استثمار أو إيرادات تساعد على استمرارية العمل، ففي حين يقتضي توسيع نطاق الأعمال التجارية استخدام مزيد من الموارد والموظفين مع نمو إيرادات الشركة، ولكن بمعدل أبطأ من معدل زيادة عدد العملاء، تؤدي هذه الطريقة إلى توسيع نطاق الأعمال التجارية بطريقة مضبوطة، وهو ما يساعد على زيادة الأرباح تدريجياً مع مرور الوقت، وفي حال شهدت الشركة انخفاضاً في عدد العملاء، فإنَّ الإيرادات ستكون كافية لتغطية أجور العاملين وتكاليف الموارد.
توسيع نطاق الأعمال التجارية:
يجب عليك أن تفهم بدايةً معنى إطلاق الأعمال التجارية وتنميتها، وعلى فرض أنَّك أطلقتَ شركةً تجاريةً بغيةَ تلبية حاجة معيَّنة في السوق وكسب الأرباح وتحقيق أحلامك، فإنَّ تنمية العمل التجاري في هذه الحالة ضرورية للاستمرار في تحقيق الأرباح وتوسيع نطاق الوصول إلى السوق.
يعتقد معظم الأفراد أنَّ توسيع نطاق الأعمال التجارية يحدث بشكل مفاجئ وبزيادة هائلة خلال زمن قصير، بحيث تشهد الشركة نقلةً نوعيةً مفاجئةً تتسبب بزيادة كبيرة في معدل الإيرادات بعد مدة من النمو التدريجي البطيء، والتركيز على تنمية الأعمال التجارية في المراحل الأولى يمنع روَّاد الأعمال من إعطاء المسائل الضرورية مثل إرساء أسس وأنظمة الشركة حقها، وتمنع هذه الرؤية المحدودة رائد الأعمال من استثمار فترة النمو التدريجي السابقة لمرحلة النقلة النوعية في إرساء أسس النشاط التجاري، ويستغرق الوصول لهذه المرحلة حوالي 3-4 سنوات بعد انتهاء معظم الأعمال التأسيسية للنشاط التجاري.
يقتضي توسيع نطاق الأعمال التجارية استثمار الفترة التي تسبق النقلة النوعية في إرساء الأنظمة والإجراءات التي تساعد على تحقيق زيادة مستقرة ودائمة في الأرباح، لذا يجب أن تعمل خلال هذه المرحلة على تحديد قيم ورسالة الشركة وثقافتها، وبناء هوية العلامة التجارية، وتحسين تجارب العملاء، وإعداد النموذج المبدئي للأعمال التجارية الخاصة بالشركة؛ إذ يُستنتَج مما سبق أنَّ هذه المرحلة حاسمة في تحديد مستقبل الشركة.
توسيع نطاق الأعمال التجارية مهمة صعبة لأنَّها تتطلب استخدام نهج مدروس ودقيق، وإرساء أسس وقيم ثابتة تساعد على الحفاظ على الاستقرار عندما تحدث النقلة النوعية وتشهد الشركة تنامياً كبيراً في الأعمال والإيرادات.
شاهد بالفديو: 7 نصائح لتطوير علامتك التجارية الشخصية فوراً
خطوات توسيع نطاق الأعمال التجارية:
فيما يأتي 11 خطوة لتوسيع نطاق الأعمال التجارية:
1. تحديد هدف المشروع التجاري:
يتطلب توسيع نطاق الأعمال التجارية التركيز على كسب ولاء العملاء، ويرتبط ولاء العملاء بشكل مباشر بولاء موظفي الشركة؛ إذ يؤدي الموظف السعيد دوراً بارزاً في ترويج خدمات الشركة والحديث عنها أمام معارفه وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ويزداد ولاء الموظف عندما تكون أهدافه وقيمه متوافقة مع ثقافة الشركة ورسالتها، ويشعر بأنَّ وظيفته تخدم أهدافاً سامية في الحياة.
خلاصة القول يجب أن تحدد الهدف الذي دفعكَ لإطلاق المشروع التجاري من الأساس، وتوضحه للموظفين حتى تزيد ولاءهم للشركة وإسهامهم في تنميتها وتوسيع نطاق أعمالها.
2. إعداد مخطط زمني للعمل التجاري:
يمتلك معظم روَّاد الأعمال خطة لأعمالهم التجارية، ولكن هل خطر لك من قبل أن تعمل على إعداد مخطط زمني لمشروعك التجاري؟
يُعدُّ المخطط وسيلةً فعَّالةً ومتكاملةً لتوسيع نطاق الأعمال التجارية وتحقيق الأهداف المطلوبة منها، كما أنَّه يشجع على مناقشة أسئلة أساسية من قبيل: ما هي طبيعة العمل التجاري الذي تزاوله؟ وما الذي دفعك لخوض هذا المجال بالأساس؟
تحفزك هذه المخططات على التفكير في بداياتك، وتحديد الهدف من نشاطك التجاري، وإعداد خطط التنمية المستقبلية، ودراسة المرحلة المقبلة، والهدف النهائي الذي تخدمه الشركة، وتوثيق هذه الأهداف ضمن المخطط هو أمر ضروري من أجل إعداد منهجية عمل تساعد على توسيع نطاق الشركة، لذا يمكنك أن تستفيد من هذا المخطط في وقت الأزمات أيضاً.
3. تحسين جودة المنتجات والخدمات:
يؤدي التركيز على تنمية الأعمال التجارية إلى تقديم خدمات ومنتجات تفتقر للجودة المطلوبة؛ إذ يؤجل روَّاد الأعمال حل مشكلة جودة الخدمات حتى يحصلوا على مزيد من العملاء وينجحوا في توسيع نطاق تجارتهم.
يجب عليك أن تحل مسألة الجودة في بداية إطلاق المشروع حتى لا تتأزم وتتفاقم وتخرج عن السيطرة عند توسيع نطاق العمل، وأيضاً عليك أن تكوِّن فكرةً واضحةً عن كيفية توسيع نطاق تجارتك قبل أن تبدأ العمل على التنمية، وذلك حتى توفر على نفسك العناء والمال على الأمد الطويل.
يُنصَح باستثمار المراحل الأولى من المشروع التجاري في الحصول على التغذية الراجعة، واكتشاف المشكلات، وتحسين الخدمات، والعمل على كسب رضى العملاء.
يساعد تحسين المنتجات والخدمات وتقديمها بالجودة المطلوبة على تجاوز كثير من المشكلات التي تعوق التنمية، ويُنصَح بحل المشكلات فور ظهورها حتى لا تواجه صعوبةً في إدارة الشركة عند توسيع الأعمال، وتساعدك هذه الممارسات على تكوين فكرة شاملة عن أهدافك واحتياجات عملائك، والجودة المطلوبة من منتجاتك وخدماتك.
4. دراسة الإجراءات والعمليات بدقة:
يتطلب توسيع نطاق الأعمال التجارية تنظيم سير العمليات والإجراءات داخل الشركة، لذا يمكن أن تخسر العملاء الذين عملتَ بجد على كسبهم؛ بسبب الضعف والخلل في نظام العمل داخل الشركة.
لا يمكنك أن تستمر بتطبيق الأنظمة وإجراءات العمل التي ساعدتك على تحقيق النجاح في المراحل الأولى من إطلاق شركتك، وقد لا تكون هذه الأنظمة صالحة عند العمل على نطاق أوسع؛ لهذا السبب سوف تضطر لإجراء التعديلات على سير العمل في أثناء تنمية نشاطك التجاري، وهنا تبرز أهمية إمكانية تعديل الإجراءات والأنظمة بما يتناسب مع المعطيات التي تفرضها المرحلة الجديدة.
يتطلب توسيع نطاق النشاط التجاري وتحقيق الاستقرار تطوير منهجية عمل بالاعتماد على الاستراتيجيات والإجراءات التي ساعدتك على تحقيق النجاح خلال المراحل الأولى، ويمكنك أن تعمل على تحسين هذه المنهجية تدريجياً مع مرور الوقت، ولكن لن تستطيع إعداد واحدة جديدة بسهولة بعد أن يبلغ النشاط التجاري مرحلة متقدمة.
5. بناء فريق من الموظفين الأكفاء:
يتطلب توسيع نطاق الأعمال التجارية بناء فريق إداري متكامل يتطور مع نمو الشركة، كما يجب العمل على بناء علاقات خارجية مع مزودي الخدمات والشركاء والمؤسسات الخارجية؛ من أجل تحقيق تنمية شاملة والنجاح في توسيع نطاق الأعمال التجارية في نهاية المطاف.
قاعدة العملاء هي أيضاً جزء أساسي من فريق العمل، وتنجح المشاريع الصغيرة عندما تركز الإدارة على بناء علاقات وثيقة مع العملاء، وتحسين تجاربهم، وتهدف هذه الممارسات إلى إرضاء العميل وكسب ولائه وحثه على ترويج العلامة التجارية والمساهمة في توسيع نطاق العمل.
يمكنك أن تعمل أيضاً على بناء مجتمع يدعم نشاطك التجاري، ويعزز من استقراره، ويساعدك على ترويجه ووصوله لشريحة أكبر من الناس في أثناء تنميته، وشبكة العلاقات ضرورية لنجاح التوسع؛ لهذا السبب يجب عليك أن تبذل وقتك وجهدك في بناء فريق يساعدك على تحقيق التقدم والتطور.
6. تفويض المهام عند الحاجة:
يجب عليك أن تبني فريقاً متكاملاً من الموظفين الأكفاء الموثوقين حتى يتسنى لك أن تفوض المهام وتركز على إدارة الشركة، فيميل أرباب العمل عموماً إلى التدخل في كافة العمليات التي تجري داخل الشركة، وقد يرفضون تفويض المهام في بعض الحالات، وتفويض المهام ضروري للتركيزِ على توسيع نطاق الأعمال التجارية.
يجب أن تعتمد على الموظفين في تسيير العمل دون أن تضطر إلى التدخل في جميع العمليات والإجراءات، ويتم ذلك في طريقة التخلص من المعتقدات المقيِّدة من قبيل: "لا بدَّ أن أنفذَ المهمة بنفسي، فما من أحد سواي يستطيع تأديتها بالجودة المطلوبة"، والاعتياد على تفويض المهام.
7. بناء العلامة التجارية:
يتطلب توسيع نطاق العمل تحديد هوية الشركة، وذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما هي الخدمات التي تقدمها شركتك؟
- ما هي مكانتك بين المنافسين؟
- ما الذي يميزك عن المنافسين؟
- ما هي أبرز نقاط ضعفك؟
- ما هي نقاط قوتك؟
- ما هي رسالة الشركة؟
- كيف يمكنك الابتكار في مجال عملك؟
يمكن أن تستغرق عدة سنوات للإجابة عن هذه الأسئلة، لهذا السبب عليك أن تعدَّ منهجية عمل مبدئية وتحرص على تحسينها وتطويرها تباعاً بعد الحصول على الأجوبة التي تحتاج إليها، وتستطيع الشركات الصغيرة أن تجري التغييرات على منهجية العمل بسهولة أكبر من حالة المؤسسات الكبيرة، فإذا كانت شركتك تحتاج إلى تغيير نهج العمل، عندئذٍ يجب أن تستثمرَ الفرصة في إجراء تحسينات مبتكرة تناسب وضع الشركة وظروف السوق.
تذكَّر أنَّ علامتك التجارية تحدد ثقافة الشركة في أثناء توسيع نطاق الأعمال، وهي المسؤولة عن وضع المعايير للموظفين الجدد، وإعداد تجارب العملاء، كما أنَّها تؤثر في إجراءات التسويق، والبيع، والتصميم، والتقدم الذي تحرزه الشركة.
8. التقرب إلى العملاء:
تقتضي هذه الخطوة العمل على زيادة ولاء العملاء للمنتجات التي تقدمها حتى تستطيع الشركة أن تحافظ على استقرارها في ظل التغير في احتياجات السوق وخيارات المستهلكين، ويجب الاستفادة من مرحلة توسيع نطاق العمل في تطبيق أساليب ومنهجيات بناء العلاقات مع العملاء والمحافظة عليها، واستخدام الإجراءات التي تركز على العميل في كافة جوانب النشاط التجاري.
يجب أن تشجع الموظفين على إبداء التعاطف والاحترام والانفتاح؛ من أجل بناء بيئة تعاونية تشجع على الابتكار، وتساعد هذه الإجراءات على تشجيع الموظفين على بناء الألفة مع العملاء، وإنشاء روابط مع الجمهور المستهدف لزيادة المبيعات.
9. العمل على بناء شبكة معارف مهنية:
يجب أن يعمل رائد الأعمال على بناء شبكة معارف من زملاء المهنة، ومدرب الأعمال، والمستشارين، وغيرهم من الأشخاص النافذين؛ للمحافظة على استمرارية نموه، ويتم ذلك بطريقة حضور فعَّاليات التعارف المهنية، والانضمام للمجموعات المتعلقة بقطاع العمل من أجل بناء العلاقات والاستفادة من خبرات الآخرين في توسيع نطاق الأعمال التجارية.
يُنصَح أيضاً بالاستفادة من خدمات التدريب الشخصي أو المهني، والتواصل مع الخبراء في مجال عملك بحثاً عن "منتور" يساعدك على توسيع تجارتك، فيزداد نجاح عمليات التوسع كلما حصلت على عدد أكبر من المرشدين والداعمين.
10. إعطاء الأولوية للاستمرارية:
الإبداع ضروري لنجاح الأعمال التجارية، ولكن يجب الحرص على تجنب اتخاذ قرارات غير مدروسة، وينبغي أن تتعامل مع الإبداع على أنَّه وسيلة لتوسيع نطاق العمل التجاري وليس مجرد أداة لحل المشكلات، فإعطاء الأولوية للنمو الدائم والمستمر يساعدك على التعامل مع التحديات بطريقة مدروسة وإيجاد الحلول التي تضمن الاستقرار والنجاح على الأمد الطويل.
شاهد بالفديو: 11 نصيحة لتغيير قواعد اللعبة لأصحاب الأعمال الصغيرة
11. مواصلة الابتكار والتأقلم مع التغيرات:
يبدو التوسع مستحيلاً عندما يتوقف نمو النشاط التجاري، وفي هذه الحالة يُنصَح بتغيير نهج العمل، لذا يجب عليك أن تجيب عن الأسئلة الآتية في هذه المرحلة:
- متى كانت آخر مرة ركزت فيها الشركة على الابتكار؟
- متى كانت آخر مرة عملتَ فيها على تقييم العوائق التي تحول دون تقدم الشركة واتخذت القرارات اللازمة لتذليلها؟
ينص قانون الحياة والعمل على أنَّ الإنسان يتراجع إذا كان لا يحرز التقدم، لذا يجب أن تكون إجراءات التوسع مبنية على أسس منهجية تتوافق مع الهدف النهائي للشركة، لهذا السبب عليك أن تخصص للعملية الوقت الذي تحتاج إليه، كما ينبغي أن تكون متفائلاً ومنطقياً في آنٍ معاً، وتركز على تحقيق التنمية المستدامة التي تضمن استمرارية الشركة ونجاحها على الأمد الطويل.
في الختام:
توسيع نطاق العمل ضروري لتحقيق النجاح على الأمد الطويل، ويتم ذلك عن طريق كسب ولاء العملاء، والمحافظة عليهم، والتفوق على المنافسين، وتوقع التغيرات المستقبلية والاستعداد لها.
أضف تعليقاً