10 أمور سيندم عليها كثير من الناس خلال عشر سنوات

كان جدي يستيقظ كل يوم عند الساعة السابعة صباحاً في العقد الأخير من حياته، ويقطف زهرة برية نضرة في أثناء مشيه الصباحي ليأخذها فيما بعد إلى جدتي، وقد قرَّرت ذات صباح أن أذهب معه لرؤيتها، وبينما كان يضع الزهرة على شاهد قبرها، نظر إليَّ وقال: "أتمنَّى لو أنَّني قطفت لها زهرة نضرة كل صباح عندما كانت على قيد الحياة، كان سيسعدها ذلك الأمر".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك تشيرنوف" (MARC CHERNOFF)، يتحدَّث فيه عن تجربته ورؤيته لموضوع الندم.

لقد تركت كلمات جدي أثراً فيَّ، وضربت على وترٍ حساسٍ في داخلي، وظللت أفكِّر على مر السنين التي تبعت الأمر فيما قاله ذلك الصباح، وكيف ترتبط عاطفتي بكل شيء وكل شخص يهمني.

فأنا لا أودُّ أن أكون جالساً مع الأسف والندم عندما أكون على أعتاب الثمانينيات من عمري، ولا أرغب أن أتمنَّى لو أنَّني فعلت الأشياء بطريقة مختلفة، لا سيَّما أمراً يسيراً وذا مغزىً في الوقت نفسه، كقطف الزهور البرية لحب حياتي.

أعلم أنَّك توافقني الرأي إلى حدٍّ ما؛ فنحن نأسف في النهاية على الفرص الصغيرة التي لم نستفد منها، والعلاقات التي لا تقدَّر بثمن التي لم نمنحها الاهتمام الكافي لانشغالنا الشديد، والقرارات الجيدة التي انتظرنا وقتاً طويلاً لاتخاذها، فلقد علَّمتني خبرتي الواسعة هذه الأمور.

فخلال قضائي العقد الماضي في تقديم الكوتشينغ لمئات الطلاب والعملاء من جميع أنحاء العالم، رأيت نفس الندم تماماً يتكرَّر باستمرار في القصص الشخصية التي يشاركها الناس معنا؛ لذلك سوف نُلقي نظرة أدناه على عشرة من الأمور الشائعة التي يُبدي الناس ندماً عليها، ثمَّ سنغطِّي بعض المبادئ والاستراتيجيات لتجنُّبها والتغلُّب عليها:

1. عدم قضاء ما يكفي من الوقت المُمتع مع الأشخاص المناسبين:

سترغب في مرحلة ما بأن تكون فقط مع الأشخاص القلائل الذين يجعلونك تبتسم بكل الطرائق؛ لذا ابدأ من اليوم، بقضاء مزيدٍ من الوقت مع أولئك الذين يساعدونك على أن تحب نفسك أكثر والذين يجعلونك تشعر بالرضى، وخصِّص وقتاً أقل لأولئك الذين تشعر بضغط لتُثير إعجابهم، فلا تدع انشغالك يمنعك من تخصيص وقت خلال يومك للأشخاص الذين تهتمُّ لأمرهم، وتذكَّر أنَّ لا شيء سيكون محطَّ تقديرٍ أكثر من اهتمامك وحضورك الكامل مع الآخر.

2. عدم التعبير عن حبك بصراحة وصدق للأشخاص الذين تحبهم:

إنَّ خسارة أشخاص في حياتك هو أمر محتَّمٌ، فاعلم أنَّه بصرف النظر عن مقدار الوقت الذي تقضيه مع شخص ما أو مدى تقديرك له، سيبدو الأمر في بعض الأحيان كأنَّكم لم تحظوا بوقت كافٍ معاً، فلا تنظر إلى الأمر بطريقة سلبية جداً، بل عبِّر عن حبك فحسب، وأخبِر الناس بما تريد أن تخبرهم به.

لا تخجل من خوض المحادثات الهامة لمجرد أنَّك تشعر بالحرج أو عدم الارتياح، فلن تكون الفرصة متاحة أمامك للأبد، ففي إمكانك أن تُخبر شخصاً ما بما تشعر به، وإنَّ فكرة أنَّهم قد لا يتفهَّمون الأمر هي فكرة مُمكنة؛ لأنَّه حتى عندما يسمعونك لا يمكنهم الشعور بالضبط بما تشعر به في داخلك، ولكن ما يزال ينبغي لك التحدث وإظهار مشاعرك كي يرتاح بالك، فأخبر الشخص الذي تُكِنُّ له التقدير ذلك، وأطلِعه على الأمر الهام الذي تودُّ إخباره به، فغالباً ما تتعافى القلوب المكسورة من خلال البوح بالكلمات التي لم تُقال من قبل.

3. عدم السماح للآخرين بالتأثير في رؤيتك لقيمتك الذاتية:

ننسى أنَّ معظم الناس يُطلقون أحكاماً علينا بناءً على تجارب من حياتهم الخاصة والتي ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، فعلى سبيل المثال، قد يفترض شخص ما أشياء عنك مستنداً بالمطلق إلى تجربة سابقة مضطربة كان قد مرَّ بها مع شخص آخر يشبهك إلى حدٍّ ما، لذلك فتحديد أي جزء من قيمتك الذاتية بناءً على ما يعتقده الآخرون، سيضعك في مأزق؛ لأنَّك ستكون حرفياً تحت رحمة نظرتهم المتحيِّزة وغير الموثوقة عنك، فتشعر بالرضى عن نفسك إذا نظروا إليك بطريقة مناسبة وكانت استجابتهم إيجابية، وأمَّا إذا كان تعاملهم تعاملاً مختلفاً تماماً، فستشعر كأنَّك فعلت شيئاً خاطئاً.

إنَّك لن تجد قيمتك أبداً لدى إنسان آخر، بل في نفسك، وعندها فقط ستجذب إليك أولئك الأشخاص الذين يستحقون طاقتك التي ستمنحهم إياها، وفي غضون ذلك، فإنَّ عدم المبالغة في رد الفعل أو أخذ الأمور على محمل شخصي سيُبقي ذهنك صافياً وقلبك في حالة سلام.

إقرأ أيضاً: كيف ترفع من قيمة ذاتك وتثق بنفسك أكثر

4. عدم الانشغال في إثارة إعجاب الآخرين لدرجة تنسى من خلالها الأمور التي تهمك:

بعد عشر سنوات من الآن، لن يكون نوع الأحذية التي انتعلتها اليوم، أو كيف كان يبدو شعرك أو نوع الملابس التي ارتديتها، أمراً ذا أهمية، بل ما سيهمُّ بالفعل هو الطريقة التي أحببت بها وأمضيت فيها حياتك وما الذي تعلَّمته على طول الطريق.

لذا؛ لا تهتم لإثارة إعجاب الناس لمجرد أن يُعجبوا بك، وكن على طبيعتك بدلاً من ذلك، فإذا كنت ترغب في نيل إعجاب شخص ما، فأذهِل نفسك بإحرازك تقدُّماً في مجال تفخر بصدق أنَّك مهتم به، وركِّز في الأمور الهامة؛ إذ سيُدهشك حجم الأمور التي تستطيع إنجازها في اليوم الذي لا تقلق فيه باستمرار بشأن ما يفكِّر فيه أو يفعله الآخرون.

أظهر لنفسك أنَّك تستطيع النمو والتحسُّن، وأنَّ الأمر ليس ذا صلة مُطلقاً بإثارة إعجاب الآخرين أو التنافس معهم؛ إذ في نهاية المطاف، من ينافسك هو ليس أي أحد آخر سواك.

شاهد بالفديو: 6 أخطاء نرتكبها في شبابنا ونندم عليها عندما نكبر

5. عدم السماح لليقين بأن يُصيبك بالشلل:

صدِّق ما أقول وستكتشف لاحقاً أنَّني كنت مُحقاً وستشكرني أيضاً، فعليك أن تتبنَّى انعدام اليقين؛ لأنَّه - حتى لوقت لاحق - لن تشعر بالراحة حيال أروع مراحل حياتك.

فعيشك للحياة هو بحدِّ ذاته عمل محفوف بالمخاطر؛ إذ تتَّخذ مخاطرة صغيرة وغير مؤكَّدة مع كل قرار وكل تفاعل وكل خطوة وكل مرة تنهض فيها من السرير في الصباح؛ لذلك يعني قرارك بأن تُكمل حياتك وتعيش بالفعل أنَّك تعرف أنَّك تنهض مُتحمِّلاً هذه المخاطرة واثقاً من قدرتك على خوضها، وإذا لم تتَّخذها تاركاً عدم اليقين يتمكَّن منك، فلن تكون قادراً أبداً على التيقُّن من أي شيء، وسيكون هذا الجهل أسوأ من اكتشاف أنَّ حدسك كان خاطئاً، لأنَّه في حال كُنت مخطئاً، يمكنك إجراء تعديلات والاستمرار في حياتك دون النظر إلى الوراء والتساؤل عن الاحتمالات التي كانت ممكنة، لذلك تذكَّر هذا الأمر، وابحث عن الشجاعة التي تحتاج إليها؛ إذ إنَّك لا تستطيع الحصول على ضمانات دائمة، فالحياة لا تسير بهذه الطريقة، فإمَّا أن تعيش حياتك مرتاحاً أو شجاعاً، لكن ليس كلاهما في آنٍ واحد.

6. عدم التركيز في الإخفاقات بدلاً من الفرص:

لقد فشلت بالتأكيد، وتعرَّضت للأذى في الماضي، ولكنَّك قد أحببت أشخاصاً وأحبُّوك بالمقابل، وقد خاطرت وكسبت في النتيجة، كما أنَّك لم تكبر فحسب، بل أصبحت أكثر حكمة؛ إذ تحمل جميع هذه التجارب ثِقَلاً خاصاً بها ووزناً أكبر من أي فشل أو جرح معيَّن؛ لذا من الأفضل أن تعيش حياة مليئة بالجروح الصغيرة والإخفاقات التي تعلَّمت منها، عوضاً عن عيش حياة مليئة بالندم على عدم المحاولة مُطلقاً.

لنفكِّر في الأمر إذاً، فهل سبق لك أن رأيت طفلاً صغيراً يأخذ دروساً في المشي؟ بالطبع لا، فهُم يتعثَّرون ويسقطون مرات عدة قبل أن يصبحوا قادرين على المشي بمفردهم وبطريقة صحيحة، لذلك تُمثِّل السقطات فرصاً للتعلُّم.

يتطلَّب الأمر في كثير من الأحيان ألماً وصبراً لإدامة التقدُّم؛ لذا انظر إلى الوقت على أنَّه شخص تريد إمضاء بقية حياتك معه وهو الآن يرحل، ولا تدع الأمر ينتهي بك بأن تُلوِّح إلى ذلك الشخص من الخارج مودعاً، بل انظر للوقت على أنَّه ذلك الشخص، ولا تدعه يمضي، لا تقضِ بقيَّة حياتك تُفكِّرُ في سبب عدم قيامك بما يمكنك فعله الآن.

7. عدم التمسُّك بشدة بكل ما هو وهمي وتضييع الفرص الحقيقية:

ليس في إمكانك أن تفقد ما لم يكن لديك من قبل، ولا يمكنك الاحتفاظ بما ليس لك، ولا ينبغي لك التمسُّك بشيء أو شخص لا يريد البقاء، ولكن في إمكانك محاولة القيام بكل ما سبق في حال أردت أن تدفع نفسك نحو الجنون، فما تحتاج إلى إدراكه هو أنَّه توجد معظم الأشياء في حياتك فقط لأنَّك تستمر في التفكير فيها، لذلك توقَّف عن التمسُّك بما يؤلمك، وافسح المجال للأمور التي تشعر أنَّها مناسبة.

فلا تدع ما هو خارج عن إرادتك يتداخل مع جميع الأمور التي يمكنك التحكم بها، وبعبارة أخرى، دع عنك الأمور والأشخاص الذين لم يلائمك وجودهم في حياتك حتى تتمكَّن من الترحيب بما قد يناسبك؛ فعندما يبتعد بعض الأشخاص عنك وتُغلِق بعض الفرص أبوابها أمامك، فلا داعي للتمسُّك بهم أو تمني بقائهم حاضرين في حياتك، فإذا قاموا بإنهاء العلاقة، فانظر إلى ذلك على أنَّه إشارة مباشرة إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص والظروف والفرص ليسوا جزءاً من الفصل التالي في حياتك، فيُعدُّ هذا الأمر تلميحاً إلى أنَّ نموك الشخصي يتطلَّب أشياء أو أشخاصاً مختلفين، لذلك تُتيح حياتك المجال لتجارب جديدة.

شاهد بالفديو: 7 نصائح للتطوير الشخصي وتحقيق النمو المستمر

8. لعب دور الضحية:

إذا كنت تؤدي دور الضحية دائماً، فستُعامل على أنَّك الضحية دائماً، فالحياة ليست عادلة، لكن لا ينبغي عليك أن تدع الماضي يحدِّد شكل مستقبلك، فلربما تتذكَّر مرورك بوقت صعب سابقاً وظنك أنَّك لن تتمكَّن من تجاوزه، لكنَّك تجاوزته، وسوف تتجاوز الأمر مرة أخرى، فلا تدع التحديات التي تواجهها تتمكَّن منك، ولا تدع مخاوفك تسيطر عليك.

لا تكن ضحية نفسك، واتَّخذ أصغر خطوة من الخطوات التالية، فإنَّ أعظم الأخطاء التي قد تُرتكب هي عدم فعل أي شيء لمجرد أنَّك لا تستطيع سوى أن تفعل القليل، ففي إمكانك دائماً أن تفعل هذا الجزء الصغير، فالمرحلة التي تمرُّ بها الآن ضرورية.

قد نتجنَّب في بعض الأحيان اختبار ما نحن في خِضمِّه بالضبط، لأنَّنا طوَّرنا اعتقاداً بناءً على مُثلنا العليا، بأنَّ مكاننا هذا ليس حيث يجب أن نكون، لكن الحقيقة هي أنَّك في المكان الذي يجب عليك أن تكون به بالضبط، وهو المكان المناسب لاتخاذ الخطوة الصغيرة التالية نحو الأمام.

9. عدم الانتظار والإفراط في التحليل:

نحن نُضيِّع في كثيرٍ من الأحيان وقتنا في انتظار المسار المثالي، لكنَّه لا يظهر أبداً؛ وننسى أنَّ المسارات تُصنع بالعمل وليس بالانتظار، لنتذكَّر أنَّه من السهل أن نكون كسولين وننتظر، ومن السهل أن نُضيِّع يوماً آخر، ولكن علينا أن نفعل خلاف ذلك ونقرِّر ما نريد تحقيقه وإنجازه؛ إذ إنَّ العمل هو أسوأ عدو للقلق؛ فهو يحقِّق التقدُّم، لذلك لا تخلط بين الحركة العشوائية والعمل الحقيقي، فعندما تجد نفسك في مرحلة اتخاذ قرارات دقيقة؛ أي تكون عالقاً في دوامة تُفرِطُ فيها بالتحليل والتردُّد ولا تحرِز أي تقدُّم، خُذ نفساً عميقاً واخرج من هذه الدوامة، ثُمَّ حدِّد بصورة مدروسة الخطوة المنطقية التالية واتخذها، حتى إن أخطأت بقرارك، ستتعلَّم شيئاً مفيداً سيساعدك على تصحيح مسارك فيما بعد.

10. الانشغال الشديد لدرجة أن تنسى أن تُقدِّر حياتك:

بادر بالتحرُّك واعمل بجد، لكن لا تنسَ التوقف والانتباه إلى تفاصيل الحياة الصغيرة أيضاً، فقد تكون هذه بصراحة أفضل نصيحة يمكن تقديمها، فعليك أن تعلم أنَّ الحياة عبارة عن مجموعة من الفرص الصغيرة لنيل السعادة، وكل واحدة منها لها مدة معينة، فينبغي قضاء بعض الوقت كل يوم في ملاحظة الجمال الموجود بين الأحداث الكبيرة، فلا يمكن أن يكون هناك أفضل من لحظات الحُلم وغروب الشمس والنسمات المنعشة، ولكن الأهم من ذلك كله، أن تدرك أنَّ الحياة تقتصر على أن تكون حاضراً.

يجب أن تشاهد وتصغي وتعمل دون ترقُّب للوقت، أو توقُّع للنتائج في كل لحظة، وأن تترك في الأيام الجيدة بالفعل هذه اللحظات الصغيرة تملأ قلبك بالامتنان الشديد، والحق يُقال إنَّ اليوم الذي ستتمنَّى فيه لو قضيت وقتاً أقل من حياتك في القلق والاندفاع ومزيداً من الوقت لتكون يقظاً وشاكراً لكل يوم يمضي، هو يوم قادم لا محالة سواء أكان ذلك غداً أم على فراش الموت.

كيف تتخلَّص من الأمور التي قد ندمت عليها بالفعل؟

النقاط المذكورة أعلاه هي تذكيرات هامة لتُجنِّبك الندم، ولكن ماذا لو كنت تواجه صعوبة شديدة في أمور تشعر بالندم عليها؟

لا شك أنَّ مشاعر الندم تتسلَّل أحياناً إلى أفضل الأشخاص منَّا، فبقدر ما تبدو فكرة عيش حياة خالية من الندم مغرية، إلا أنَّه نادراً ما يكون هذا الأمر سهلاً؛ إذ ما يحدث في كثير من الأحيان، وقبل أن ندرك حتى ما نفكِّر به، هو أنَّنا:

  1. نأسف على الفرص الضائعة.
  2. نأسف لأنَّنا لم نقضي وقتنا ونستثمر طاقتنا بحكمة أكبر.
  3. نندم للمواقف والمحادثات التي لم تسر على ما يرام.
  4. نأسف لعدم التحدث عندما سنحت لنا الفرصة.
  5. نندم على دخولنا في علاقات سامَّة، أو ارتكاب أخطاء في العلاقات السابقة.

إنَّنا نندم على أشياء معيَّنة حتى عندما نكون على معرفة أفضل بالأمور، ونفعل ذلك لأنَّنا نقلق من أنَّه كان يجب علينا اتخاذ قرارات مختلفة في الماضي، وأنَّه كان ينبغي لنا أن نقوم بعمل أفضل، لكنَّنا لم نفعل، وكان يجب أن نعطي العلاقة فرصة أخرى، لكنَّنا لم نمنحها ذلك، وتعيَّن علينا البدء بذلك المشروع، لكنَّنا لم نتخذ هذه الخطوة، وهلُّم جراً.

فنحن نقارن النتائج الحقيقية لقراراتنا السابقة بالتخيُّل المثالي للكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الأمور؛ وبعبارة أخرى لدينا تصوُّر خرافي يدور في رؤوسنا عن الطريقة التي كانت ستؤول إليها الأمور لو اتخذنا قرارات مختلفة.

فالمشكلة هي أنَّنا لا نستطيع تغيير تلك القرارات، لأنَّنا لا نستطيع تغيير الماضي، ومع ذلك فإنَّنا نقاوم هذه الحقيقة إلى ما لا نهاية، مستمرين في التحليل والمقارنة بين الواقع غير القابل للتغيير وبين خيالنا المثالي، ونبقى على هذا المنوال إلى أن نُضيِّع أياماً من حياتنا في بؤس شديد.

لكن لماذا نقوم بذلك؟ إذا كنا على دراية بأفضل بالأمور، فلماذا لا يمكننا التخلِّي عن كل مُثُلنا وخيالاتنا؟ ذلك لأنَّنا نتعرف شخصياً إلى هذه المُثُل والتخيُّلات، فلدينا جميعاً هذه الرؤية في أذهاننا عن هويتنا ونوايانا الحسنة وذكائنا وتأثيرنا الاجتماعي وما إلى ذلك، لذلك نقوم بالتأكيد باتخاذ أفضل القرارات التي يمكننا اتخاذها، لأنَّه لدينا نوايا جيدة، فحتى إن كنت تُعاني من مشكلات متأصِّلة في احترام الذات، فمن المُحتمل أنَّك ما تزال تُعرِّف نفسك على أنَّك إنسان محترم وخلوق.

لذلك عندما يقول شخص ما شيئاً عنَّا يتعارض مع الرؤية التي نُعرِّف أنفسنا من خلالها، فنشعر بأنَّ أهدافنا وذكاءنا وشخصياتنا مُهانة، ونشعر بأنَّنا مهاجمون شخصياً، ويصعب علينا تجاوز الأمر.

قد يحدث شيء مشابه جداً عندما نعتقد أنَّنا ارتكبنا خطأً من خلال قيامنا بشيء يتعارض مع نفس الرؤية التي رسمناها لأنفسنا، لنشعر عندها بالإهانة أيضاً، وفي بعض الحالات نغضب ونوبِّخ أنفسنا لارتكابنا الخطأ، مُتسائلين: "كيف لي أن أفعل هذا؟" أو "لماذا لم أتصرَّف بذكاء أكبر، واتخذت قراراً أفضل؟" لنواجه مرة أخرى صعوبة في تجاوز الأمر واستيعاب حقيقة أنَّنا لسنا دائماً بنفس الجودة التي نتصوَّرها في مخيِّلتنا عن أنفسنا.

باختصار؛ تؤدي مُثُلنا وخيالاتنا عن أنفسنا إلى شعورنا بكثير من البؤس، ويكمن المفتاح للتخلُّص من هذه الحالة بالتدرُّب التدريجي على التخلِّي عن هذه المُثُل والأوهام، والتركيز بدلاً من ذلك على تحقيق أفضل نتيجة من واقعنا من خلال اعتناق وتبنِّي الحقيقة.

كل قرار سيئ اتَّخذناه في الماضي قد اتُّخِذ بالفعل ولا يمكن تغيير أي من تلك القرارات:

توجد بعض الجوانب الجيدة - في حال رغبنا في رؤيتها - في كل قرار من تلك القرارات السيئة أيضاً، وتُعدُّ القدرة على الاستيقاظ في الصباح، والقدرة على التعلُّم والنمو من تجاربنا الحياتية الواسعة نِعماً، فمجرد القدرة على اتخاذ قرار على الإطلاق هو نعمة.

في الحقيقة، نحن لسنا الصورة التي نتخيَّلها عن أنفسنا، على الأقل ليس دائماً:

نحن بشرٌ، ومن ثمَّ فنحن متعدِّدو الشخصيات وغير كاملين، فنقوم بأشياء جيدة ونرتكب الأخطاء ونرد الجميل، كما أنَّنا أنانيون وصادقون ونُخبِر أكاذيب بيضاء أحياناً، فنحن عرضة للفشل حتى عندما نبذل قصارى جهدنا، وبمجرد أن نتقبَّل هذه الحقيقة ونشعر بالراحة مع إنسانيتنا، سيُحدِث اتخاذ القرار السيئ تعارضاً وصراعاً بدرجة أقل مع رؤيتنا الجديدة الأكثر مرونة ودقة لأنفسنا.

إذ إنَّ القول أسهل من الفعل بكل تأكيد، لكن كلما وجدت نفسك مهووساً ونادماً على قرار سابق، ففي إمكانك:

  1. الاعتراف بأنَّك تكرِّر الوقوع في فخِّ الندم.
  2. تُدرك أنَّك تقوم بمقارنة قراراتك ونفسك مع بعض الأفكار المثالية أو الخيالية التي كوَّنتها في مخيلتك.
  3. التخلِّي عن هذه المُثل العُليا أو التخيلات، وتقبُّل الواقع من خلال التصالح مع تجارب سابقة حتى تتمكَّن من التركيز أكثر على ما هو قادم.

فقد يتطلَّب الأمر ممارسة مستمرة، لكنَّك لن تندم على القيام بذلك.

إقرأ أيضاً: لماذا يكون الندم مضيعة للوقت في معظم الأحيان؟

في الختام:

ستجد نفسك ذات يوم تفكِّر في البداية بعد أن أصبحت على وشك النهاية، واليوم هو تلك البداية؛ فاليوم هو اليوم الأول ممَّا تبقَّى من حياتك، لِمَ لا تبدأ الآن باستخدام المبادئ الموجودة في هذا المقال بطريقة جيدة؟

حفِّز نفسك على البدء الآن من خلال الإجابة عن سؤال يسير: ما هو الشيء الوحيد الذي تستطيع أن تفعله اليوم وتعلم أنَّك لن تندم على قيامك به؟

المصدر




مقالات مرتبطة