لقد ساعدت اللقاحات في القضاء على الأمراض الفتَّاكة والحفاظ على حياة الملايين من الناس، خاصةً الأطفال والفئات المعرَّضة إلى الخطر.
وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC): أَسَهَمَ تلقيح الأطفال المولودين بين عامي 1994 و2018 في الوقاية من نحو 419 مليون مرض، و27 مليون حالة دخول إلى المستشفى، و936 ألف حالة وفاة.
ومع ذلك، يُمكنُ تفهُّمُ حاجتكَ إلى السؤالِ عن اللقاحاتِ في ظلِّ كُلِّ الأكاذيب المُربِكة التي تُحاك حولها؛ وليطمئنَّ قلبك، إليكَ مشورة طبيبَي أطفالٍ متخصِّصين في الأمراض المُعدية، والتي تجيب عن بعض الأسئلة الشائعة عن اللقاحات.
بالمناسبة، يُرحِّب أطباء الأطفال عادةً بهذا النوع من الأسئلة؛ لذلك لا تتردَّد في سؤال طبيبِ طفلك عن هذه المعلومات إذا أردت.
يقول "آدم راتنر" (Adam Ratner)، الأستاذ المساعد في طبِّ الأطفال وعلم الأحياء الدقيقة في جامعة نيويورك - لانجو: "يبذل الآباء -والأطباء أيضاً- قصارى جهدهم لمحاولةِ مقارنةِ المخاطر بالفوائد التي تعود على أطفالهم، وأنا لا أقلقُ عندما يفعلُ الناسُ ذلك بغية تقديمِ الأفضل لأطفالهم. نحن جميعاً في صفٍّ واحد، ونريد جميعنا أن ينمو الطفل سعيداً وسليماً، وألَّا يُصاب بأمراضٍ يمكن تجنُّبها".
مع أخذ ما سبقَ في عين الاعتبار، سنوردُ هنا بعض الأسئلة الشائعة حول اللقاحات، بالإضافةِ إلى إجابات الأطباء المُطمئِنة.
1. ما الفائدة من التلقيح إذا لم يكن فعَّالاً بنسبة 100٪؟
صحيحٌ أنَّ اللقاحات لن تكون فعَّالةً بنسبة 100٪ إلَّا في عالمٍ مثالي، لكنَّها لا تزال خطَّ دفاعنا الأول ضد "الأمراض التي يُمكن تجنُّبها باللقاح"؛ فعلى الرغم من كونها غيرَ مثاليةٍ تماماً، إلَّا أنَّها تفي بالغرضِ جيداً.
وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإنَّ لقاح (MMR) -لقاحٌ مختلطٌ ضدَّ كلٍّ من: الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف- فعَّالٌ بنسبة 97٪ ضد الحصبة، و88٪ ضد النكاف، و97٪ ضد الحصبة الألمانية؛ وذلك عند إعطائه وفقاً للجدول الزمني المناسب، حيث تُعطَى الجرعة الأولى بين عمر 12 و15 شهراً، والثانية في عمر أربع إلى ست سنوات.
وبالمثل، يُقدَّر أنَّ الحصول على جرعتين من لقاح الحماق للوقاية من مرض جدري الماء -الذي يُعطَى وفقاً للجدول الزمني نفسه للقاح MMR- فعالٌ بنسبة 98% في الوقايةِ من أيِّ شكلٍ من أشكال جدري الماء، و100% ضد الإصابة بجدري الماء المميت. الجدير بالذكر أنَّ هذا اللقاح قد أُضِيفَ مؤخَّراً في معظم البلدان حول العالم؛ لذا نعتذرُ إذا لم يكن هذا اللقاح متاحاً لك عندما كنت طفلاً.
رغمَ ذلك، لا تزالُ اللقاحات غير الفعَّالة بشكلٍ تام حاسمةً للحفاظ على سلامتك أنت وعائلتك والمجتمعِ عموماً، فعلى سبيل المثال: بلغت فعاليةُ لقاح الإنفلونزا نحو 40 % في موسم الإنفلونزا عام 2016-2017 و2017-2018. قد لا يبدو هذا عظيماً، ولكنَّ تأثيره كبيرٌ على مستوى المُجتمع؛ فقد أظهر تقريرٌ صادرٌ عن الأكاديمية الوطنيةِ للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية عام 2018 أنَّه حتَّى لو كان لقاح الإنفلونزا فعَّالاً بنسبة 20% فقط -مقارنةً بعدم وجود لقاح- فإنَّه يُساهمُ في الوقاية من نحو 21 مليون إصابة، وتداركِ 130 ألف حالة دخول إلى المستشفيات، و62 ألف حالة وفاة؛ حتَّى لو حصل عليه 43% فقط من السكان (وهو تقريباً عدد البالغين الأمريكيين الذين يتلقَّون لقاح الإنفلونزا كلَّ عام).
هُناكَ عددٌ قليلٌ جداً من الأشياء الفعَّالة بنسبة 100٪ في الحياة، خاصةً عندما يتعلَّق الأمر بالصحة والسلامة؛ لكنَّ هذا لا يعني ألَّا قيمة لها.
فكِّر في اللقاحات كما لو أنَّها أحزمة الأمان في سيارتك، كما يقترحُ "آرون ميلستون" (Aaron Milstone) -طبيب وبائيات الأطفال والأستاذ المساعد في طب الأطفال في كلية الطب في جامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins)- قائلاً: "أحزمةُ الأمان ليست فعَّالةً بنسبة 100% في درءِ خطر الموت عند وقوع حادث سيارة، لكنَّك ما زلت على الأرجح تضعها لطفلك؛ لأنَّ بعضَ السلامةَ الإضافية تستحقُّ كلَّ هذا العناء".
2. هل يمكن أن تُسبِّبَ اللقاحات إصابةَ الطفلِ بالمرض الذي يُفترَضُ أنَّها تقي منه؟
يقول الدكتور راتنر أنَّ هذا لا يحدثُ مطلقاً، ولا يكون ممكناً بيولوجياً في معظم الحالات.
تتكوَّن بعض اللقاحات -مثل لقاح شلل الأطفال- من مُستضدَّات "مُعطَّلة" (مُضعفة الفوعة) أو "مقتولة" -جراثيمٌ تعرَّضت إلى عمليات تعديلٍ لإبطال فوعتها (قدرتها الإمراضية)، أو قُتِلَت؛ وذلك لتحفيز الجهاز المناعي للجسم ليتعرَّف على هذا الكائن المُمرِض، ويُركِّب أجساماً مُضادَّةً له، تكون قادرةً على محاربته مستقبلاً في حال دخوله إلى الجسم بصورته الإمراضية- وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، حيث يقول الدكتور راتنر أنَّ ذلكَ يعني أنَّها غيرُ قادرةٍ على التسبِّب في المرض، إذ يستخدمون الجراثيم الميتةَ لتحريض جهاز مناعة الطفل على تكوين استجابةٍ فعَّالةٍ عندما يواجهُ المرضَ الحقيقي، وبالتالي يُصبحُ أفضلَ في محاربته.
كما يقول الدكتور راتنر أنَّ اللقاحات الأُخرى -مثلَ لقاح التهاب الكبد B- لا تحتوي إلَّا على أجزاءَ مُحددةٍ من الجراثيم، مثل: البروتين، أو السكر، أو الغلاف المحيط بها؛ وبما أنَّ هذه اللقاحات لا تحتوي على مستضداتٍ حيةٍ كاملة، فمنَ المستحيل أن تكون قادرةً على التسبُّب بالأمراض.
لا يمكن للأطفال -في الغالبية العظمى من الحالات- أن يصابوا بأمراض من اللقاحات الحية المُضعَّفة، حيثُ تحتوي هذه الأنواع من اللقاحات على نسخٍ حيةٍ ضعيفةٍ من العامل المُمرض؛ كما أنَّ الكمية الموجودة في اللقاح صغيرةٌ جداً بما يكفي كي يتعاملَ جهازُ مناعةِ طفلكَ معها دون مشكلة، على عكس المرض الفعلي الذي سيتعرَّضُ إليه الطفل في حياتِه.
إنَّ حقن فيروسٍ حي كلقاحٍ لوقاية طفلك من الإصابة بالمرض الذي يُسبِّبهُ الفيروس نفسهُ يبدو مخيفاً نوعاً ما، لكنَّ الباحثين قد أمضوا زمناً طويلاً في اختبار سلامة وفعالية اللقاحات، حتَّى توصَّلوا إلى قاعدةٍ عامةٍ مفادها "أنَّ اللقاحات الحية لن تُسبِّب المرض لمُتلقيها". بمعنىً آخر: ستُسبِّبُ هذه اللقاحات الحية في بعض الحالات النادرة استجابةً مناعيةً خفيفةً تُحاكي أعراضَ المرض نفسه، وقد يكون هذا سبب اعتقاد بعض الناس أنَّ اللقاحات قد تُسبِّبُ المرض الفعلي.
على سبيل المثال: وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها: هناك فرصةٌ ضئيلةٌ لأن يُصاب الطفل بطفحٍ محدودٍ يشبه شكلاً خفيفاً من جدري الماء بعد إعطاءِ لقاح الحماق (جدري الماء)، وتُقدَّرُ بـ 3% بعد الجرعة الأولى، و1% بعد الجرعة الثانية؛ ولكنَّ هذا ببساطةٍ جزءٌ من الاستجابة المناعية للقاح، وليس مرض جدري الماء في واقعِ الأمر؛ والأخبارُ الأفضل هي أنَّ تلقيحَ طفلك سيحميهِ من الإصابة بالفيروس الطبيعي الأكثر خطورة.
يقول الدكتور ميلستون أنَّ هُناكَ طريقةً وحيدة يُمكنُ للقاحٍ حي ومُضعَّفٍ فيها أن يُسبِّب المرض الذي من المفترض أن يقي منه، وهي في حالةِ ضعفِ جهاز مناعة الطفل لسببٍ ما، مثل حالاتٍ صحية معينة تؤثِّر في الجهاز المناعي (الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المُكتسب HIV) أو حالةٍ مرضيةٍ تتطلَّبُ علاجاً يُضعِف المناعة (العلاج الكيميائي أو العلاج المثبِّط للمناعة). يجبُ في هذه الحالة أن تُعلِمَ طبيب الأطفال بالأمر ليقرِّر إعطاء الطفل أيَّ لقاحات حيةٍ مُضعَّفَة من عدمه.
تجدر الإشارةُ أيضاً إلى أنَّ اللقاحات لا تعملُ على الفور، إذ تختلف المدة التي تستغرقها لتصبحَ فعَّالةً تماماً؛ ولكن يستغرق ذلكَ غالباً بضعة أسابيع فقط، بحسبِ مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. لذا من الممكن أن يصاب طفلك بمرضٍ (مثل الإنفلونزا) خلالَ هذه الفترة، وحينها قد يلتبس الأمرُ على الأهل ويظنُّون أنَّ اللقاحَ قد سبَّبَ المرض.
3. هل يمكن لجهاز مناعة طفلي التعاملُ مع جدول التلقيحِ المُوصَى به، أو مع لقاحاتٍ متعددةٍ في وقتٍ واحد؟
نعم، يمكنه ذلك.
غالباً ما يقلقُ الآباء من أنَّ اللقاحات ستُضعِفُ جهازَ مناعة الطفل، ويعتقدون أنَّه سيكونُ "مشغولاً" بتطوير الاستجابة المناعية للقاحات، ولن يتمكَّنَ في النتيجة من الاستجابةِ ضدَّ أمراضٍ أخرى؛ لكنَّ الأمرَ ليس كذلك لحسن الحظ، حيثُ يقول الدكتور راتنر أنَّ الطفل قد يبدو بلا حماية، ولكنَّ جهازَه المناعي قويٌّ بما فيه الكفاية؛ كما أنَّ اللقاحات تحتوي فقط على جزءٍ صغيرٍ من المستضدات التي يتعرَّض إليها الطفلُ يومياً.
يقول الدكتور راتنر: "إنَّ اللقاحات ليست سوى نُقطةٍ في بحر أحمالِ البكتيريا والفيروسات التي يتعرَّض إليها الأطفال كلَّ يوم؛ وعندما نعطي اللقاحات، نمنحُ الجهاز المناعي فرصة أن يكونَ سبَّاقاً لتطوير الأجسام المضادة التي يحتاجها لمحاربة مجموعةٍ صغيرةٍ من الأمراض الخطيرة للغاية".
ينطبقُ هذا على إعطاءِ لقاحاتٍ متعددةٍ في وقتٍ واحد، حيثُ يمكن للجهاز المناعي التعامل معها جميعاً دون مشكلة.
4. ما هي الآثار الجانبية المُحتملة للقاحات؟
قد تسبِّب اللقاحات -مثلَ أيِّ دواءٍ آخر- بعض الآثار الجانبية، وتشرح مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أنَّ معظم هذه الأعراض طفيفة، مثل: الألم، أو التورم، أو الاحمرار في موضع الحقن، أو الحمَّى منخفضة الدرجة.
ليس من الممتع بالتأكيد أن ترى طفلك يُعاني من هذه الأعراض، لكنَّها تختفي عادةً في غضون بضعة أيامٍ فقط.
من جهةٍ أخرى، فإنَّ احتمالَ حدوث ردِّ فعلٍ تحسسي خطيرٍ على اللقاحات منخفضٌ للغايةـ وتقدِّر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أنَّ هذا النوع من الاختلاطات يحدثُ بنسبةٍ أقل من 1 في المليون لكلِّ جرعة لقاح؛ كما أنَّ الأطباءَ عموماً مُدربونَ على التعامل مع هذه الحالات، وعلى استخدامِ أدويةٍ في حال الضرورة، مثل: الأدرينالين والأوكسجين.
يمكن أن تسبِّب اللقاحات أيضاً حمَّى خفيفةً كجزءٍ طبيعي من الاستجابة المناعية المرجوة، ونادراً ما تؤدِّي هذه الحمى إلى حدوث نوباتٍ قصيرةٍ من "الاختلاج"، والتي لا تسبِّب أيَّ ضررٍ دائم. تُعرَف هذه النوبات بـ "الاختلاج الحروري"، وهي لا ترتبطُ باللقاحات؛ فهي تُصيب حوالي 30 من كلِّ 100.000 طفل مُلقَّح فقط، وذلك حسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؛ علاوةً على ذلك، يمكن أن تحدثَ هذه النوبات نتيجة الحمى لأيِّ سببٍ كان، بما في ذلك الأمراض التي تُعطَى اللقاحات للوقاية منها.
يمكن أن تحدث الاختلاجات الحرورية حتَّى مع زيادةٍ طفيفةٍ في درجة الحرارة، ولكن من المُرجَّح أن تحدث عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر إلى خمس سنوات، مع درجة حرارة 38,8 مئوية أو أعلى؛ كما يمكن أن تحدث أيضاً عندما تنخفض درجة حرارة الطفل.
قد تتساءل هنا عن طريقةٍ للوقايةِ من الاختلاجات الحرورية، مثلَ إعطاء أدويةٍ للطفل مثل: الايبوبروفين (ibuprofen)، أو الأسيتامينوفين (acetaminophen)؛ هذا سؤالٌ جيد، ولكن لا توجد حتَّى الآن طريقةٌ لمنع حدوث الاختلاجات الحرورية. هدِّئ من روعك، وتذكَّر أنَّ الاختلاجات الحرورية قد تبدو مخيفة، إلَّا أنَّها لا تسبِّب أيَّ ضررٍ دائمٍ للأطفال.
إنَّه لمن المقبول عادةً إعطاء الأطفال بأعمارٍ تبدأ من ستة أشهرٍ فأكثر ممَّن يعانون من الحمى (38.8 درجةٍ مئوية أو أكثر) تلكَ الأدوية لخفض درجة حرارتهم؛ ولكن يمكنُ أن تحدثَ هذه النوبات في أي طورٍ للحمى، حتَّى عندما تنخفضُ درجة الحرارة؛ لذا لن تقضي هذه الأدوية على احتمال حدوث النوبة تماماً.
ينصحُ الأطباءُ بعدمِ تجنُّبِ اللقاحات بناءً على الاحتمال الضعيف لحدوث رد فعلٍ تحسسي شديد أو نوبة حمى، حيث يقول الدكتور راتنر: "لا يمكنُ لأيِّ شخص القول بأنَّ أيَّ دواء أو تداخلٍ، لا يحملُ مخاطرَ مرتبطةً به؛ وبالمُقابل، يرتبط قرارُ عدم التلقيح بمخاطرَ لا يُستهانُ بها أيضاً".
5. لمَ علينا تمنيعُ الأطفالِ ضدَّ أمراضٍ قُضيَ عليها بالفعل؟
كانت اللقاحاتُ سبباً للقضاء على بعض الأمراض في الولايات المتحدة، ومن الصعب رؤية التهديدِ الذي تُشكِّلهُ أمراضٌ عفا عنها الزمن؛ لكنَّ اللقاحات مَن جعلت هذه الأمراض من الماضي، وأبقتها كذلك حتَّى الآن.
كما رأينا مع حالات تفشِّي الحصبةِ الأخيرة أنَّه إذا لم يتلقَّ عددٌ كافٍ من الأشخاص التلقيحَ اللازمَ ضد مرضٍ ما، فيمكن أن يعاود الظهور.
توضِّح مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) أنَّه بفضل برنامج التلقيحِ الفعَّال ضد الحصبة على الصعيد الوطني، أُعلِنَ عن التخلُّص من هذا المرض في الولايات المتحدة في عام 2000، أي لم يكن هناك انتقالٌ مستمرٌ للمرض لأكثر من عامٍ كامل؛ ولكن، جرى تأكيدُ أكثر من 110 حالة إصابةٍ بالحصبة في 30 ولاية في عام 2019، وكان معظمها في مجتمعاتٍ تحوي العديد من الأشخاص غير المُلقَّحين.
يقول الدكتور راتنر: "يرجع ذلك في جزءٍ كبيرٍ منه إلى اتخاذ الوالدين قراراً "بعدم التلقيح"؛ نظراً إلى اعتقادهم أنَّنا "لم نعد نرى الحصبة، فلمَ المُخاطرة؟"، وهذا الكلامُ مردودٌ عليه بـ: أنتم تخاطرون بالفعل بعدم تلقِّي اللقاح".
يُقلِّل انخفاض معدلات التلقيح من "مناعة القطيع" التي تتطوَّرُ عندما تُلقَّح نسبةٌ كبيرةٌ بما فيه الكفاية من المجتمع ضدَّ مرضٍ ما؛ فإذا أُصِيب عددٌ من أفرادِ المجتمع بهذا المرض، فسيكون من الصعب انتشارهُ إلى المجتمع كلِّه.
من منحىً آخر، حتَّى لو كان المرض الذي يمكن الوقاية منه عن طريق اللقاحات غير شائع، أو قُضِي عليه في بلدٍ ما؛ فقد يكونُ شائعاً في مناطقَ أخرى من العالم، ويمكنُ أن يتعرَّض الطفل غير المُمنَّع إلى الإصابة بالمرض في حال سافرَ إلى تلك المناطق، أو التقى شخصاً مصاباً قادماً منها.
نُذكِّر هُنا بمثال حزامِ الأمان؛ حيثُ يقول الدكتور ميلستون: "أنتَ لا ترتدي حزام الأمان لاعتقادكَ أنَّك ستتعرَّض إلى حادث سيارة في كل مرَّة تقود فيها، بل لأنَّك تريد أن تكون محمياً قدر الإمكان في حال تعرَّضت إلى حادث".
6. لماذا يتمُّ تحديث جدول اللقاحات بشكلٍ متكرِّر؟
في الوقت الذي يُصبحُ فيه اللقاحُ جزءاً من برنامجِ التلقيح، يكون قد مرَّ بعددٍ كبيرٍ من اختباراتِ السلامة. يقول الدكتور راتنر: "يمكن أن يستغرق الأمر عقوداً من الزمن لتطوير لقاحٍ مُرشَّحٍ في المختبر، إلى أن يُوضَع في التجارب السريرية، ثمَّ يصبح أخيراً جزءاً من برنامج التلقيحِ المُوصَى به".
تضمنُ هذه الاختبارات أنَّ اللقاح آمن، بالاشتراك مع اللقاحات الأخرى المُدرَجة بالفعل في جدول اللقاحات أيضاً.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، لا تعكس التغييرات من عامٍ إلى آخر بيانات السلامة بشكلٍ عام، ووفقاً للدكتور راتنر: عادةً ما تكون التغييرات التي تراها في جدول اللقاحات تحسيناتٍ للقاحات الآمنة لجعلها أكثر فعاليةً، أو إدخال تركيبةٍ جديدة أكثر فعالية. على سبيل المثال: أوصت اللجنة الاستشارية لممارسات التمنيع (ACIP) في عام 2006، بإعطاءِ جرعةٍ ثانيةٍ من لقاح الحماق في سن أربع إلى ست سنوات، بالإضافة إلى الجرعةِ الأولى في عمر السنة؛ وقد جاءت هذه التوصيةُ بناءً على بحثٍ أظهرَ أنَّ الاستجابة المناعية للقاح قد تضاءَلت بمرور الوقت.
بالعودة إلى مثالِ السلامة في السيارة: هل يعني ظهور طرازاتٍ محدَّثةٍ للسيارات كلَّ عام أنَّ الطرازَ الأقدم منها أصبحَ عتيقاً أو خطيراً دون سابق إنذار؟
7. هل ترتبطُ اللقاحات بالتوحد؟
الإجابة عن هذا السؤال بسيطة: لا، لا علاقةَ بين اللقاحات والتوحد، وذلك وفقاً لـ "مراكز الوقاية من الأمراض والسيطرة عليها" (CDC)، وعددٍ هائلٍ من الأبحاثِ المُجراةِ على هذا الموضوع.
يقول الدكتور راتنر في حديثه عن دراسةٍ أُجرِيت عام 1998، وجرى التراجعُ عنها: "لقد طُرِحت فرضيةُ وجود صلةٍ بين اللقاحات والتوحد في الأساس من خلال ورقةٍ غير أخلاقيةٍ قدَّمها طبيبٌ سُحِبَ ترخيصه لسببٍ وجيه"، فقد اقتُرِح بشكلٍ خاطئٍ أنَّ اللقاح الثلاثي (MMR) -الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية- يزيد من نسبة حدوث التوحد عند الأطفال البريطانيين؛ لكن فقدت هذه الدراسة منذ ذلك الحين مصداقيتها تماماً، وذلك بسبب الأخطاء الإجرائية، وحجم العينة الصغير الذي يبلغ 12 طفلاً فقط، والانتهاكات الأخلاقية الجسيمة، مثل جعل الأطفال يخضعون لاختبارٍ عدوانيٍّ دون موافقة الوالدين.
ووفقاً للدكتور راتنر، إنَّ أحد أسباب استمرار تداول هذه الخرافةِ هو أنَّ الجرعة الأولى من اللقاح الثلاثي (MMR) تُعطَى في نهاية السنة الأولى من العمر، وهو العمرُ الذي قد تظهر فيه أعراض التوحد؛ ولكن، حدَّد الخبراء بعض الأعراض المُرتبطة بالتوحد التي يُمكن التعرف عليها في وقتٍ أبكرَ من عمر السنة، أي قبل وقتٍ طويل من تلقِّي الأطفال هذا اللقاح؛ فحتى لو لاحظ أحد الوالدين أعراض التوحد لأول مرةٍ بعد تلقيحِ الطفل، فلا يعني هذا أنَّ اللقاح قد تسبَّب بهذه الأعراض.
من جهةٍ أخرى، إنَّه لمن غير المبرَّرِ تماماً الادعاءُ بأنَّ التيميروسال (thimerosal) -مادةٌ حافظةٌ تحتوي على الزئبق- الموجود في اللقاحات قد يكون سبباً في التوحد، حيثُ لم تجد 9 دراساتٍ أجراها أو موَّلتها "مراكز مكافحة الأمراضِ والوقاية منها" (CDC) في عام 2003 وبعده، أيَّ رابطٍ فيما بينهما.
وكما تصرِّحُ مراكز (CDC)، لا يقتصر الأمر على بيانات العديد من الدراسات التي لم تُظهِر أيَّ أدلةٍ على الضرر الناجم عن جرعاتٍ منخفضة جداً من التيميروسال في اللقاحات، غير أنَّ هذه المادة لم تدخل في تركيب اللقاح الثلاثي (MMR) المُتهم أبداً؛ كما أنَّها لم تكن موجودةً أيضاً في بعض اللقاحات الشائعة الأخرى، مثل لقاح كلٍّ من: الحماق، وشلل الأطفال المُضعَف، ولقاحات المكورات الرئوية التي تحمي من البكتيريا التي قد تسبب أمراضاً مثل الالتهاب الرئوي.
الأكثر من ذلك أنَّه لم يُضمَّن التيميروسال منذ عام 2001 في أيِّ لقاحاتٍ روتينيةٍ أخرى للأطفال من سن 6 سنوات أو أقل، مثل لقاح (DTaP) الذي يُستَعمَل للوقاية من الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي؛ باستثناء كميات ضئيلةٍ للغاية بسبب التصنيع، كما وضَّحت إدارة الغذاءِ والدواء الأمريكية (FDA).
الاستثناء الوحيد هو لقاحُ الإنفلونزا المُعطَّل الذي ما زال يحتوي على كميةٍ صغيرةٍ جداً من التيميروسال، حيث تقولُ "مراكز مكافحة الأمراضِ والوقاية منها" (CDC) أنَّ هناك تركيباتٍ من لقاح الإنفلونزا خاليةٍ من الثيميروسال؛ لكنَّ المركز ومنظمة الصحة العالمية لم يوصيا بتجنُّب اللقاحات الحاوية على التيميروسال لأيِّ سبب.
علاوةً على ذلك، لم ينخفض مُعدَّلُ حدوث التوحُّد على الرغمِ من الجهود للتقليل أو التخلُّص من التيميروسال في اللقاحات، بل قد ازداد بالفعل؛ ممَّا يؤكُّد أنَّ اللقاحات لا تسبِّب التوحد.
لقد درسَ العديد من الباحثين هذا الأمر، وتوصَّلوا إلى استنتاجٍ مفاده عدمُ وجودِ صلةٍ بين اللقاحات والتوحد.
8. هل هناك سببٌ يدعو لأخذ اللقاحات في وقتٍ مبكر، أو قبلَ الموعد المحدد؟
يقولُ الدكتور راتنر أنَّ هذا السؤال يدورُ في الغالب حول اللقاحات الموصى بها عندما يبلغ الطفل عمر السنة، مثل لقاح MMR الذي يُوصَى بالجرعة الأولى في عمر 12 شهراً؛ على عكس اللقاحات الأخرى التي تُعطَى في وقتٍ أبكرَ من ذلك، مثل: لقاح التهاب الكبد B المُوصَى به عند الولادة، والجرعة الأولى من لقاح DTaP المُوصَى به في عمر الشهرين.
هل من الممكن والآمن إعطاءُ اللقاحات في وقتٍ أبكر من المُوصَى به لكسب أقصى قدرٍ من الحماية؟
نعم، تحتَ بعض الظروف. يقول الدكتور ميلستون: "إذا كان أحد الوالدين يسافر مع طفله إلى مكانٍ قد يتعرَّضُ فيه الطفلُ إلى الحصبة، فقد نُوصِي بإعطاءِ اللقاح في سن ستة أشهر"؛ حيثُ يُوصَى بإعطاءِ اللقاح الثلاثي (MMR) قبل أيِّ سفرٍ دولي.
في الواقع، يكونُ للعديد من اللقاحات الروتينية للأطفال حدُّ أعمارٍ أدنى قليلاً من الأعمار المُوصى بها في جدول التلقيح، فعلى سبيل المثال: الحد الأدنى لعمر إعطاء الجرعة الأولى من لقاح DTaP هو ستة أسابيع، بينما العمر الموصى به للجرعة الأولى هو شهران؛ لذا لا مانعَ من إعطاءِ اللقاحات في أقرب وقتٍ ممكنٍ إذا كان ذلك آمناً.
تُشيرُ بعض الأبحاث إلى أنَّ إعطاءَ اللقاحات قبل الجدول المقترح يمكن أن يجعلها أقلَّ فعاليةً بطريقةٍ ما، على الأقل على المدى القصير.
تتعلَّقُ إمكانية وتوقيت إعطاء اللقاح مُبكِّراً بكلِّ حالةٍ على حدة، ولا ينطبقُ ذلك على الجميع؛ لذا تحدَّث مع طبيب الأطفال للحصول على مزيدٍ من المعلومات.
9. ماذا لو لم أستطع تحمُّلَ تكاليف تلقيح طفلي؟
يؤكِّد كُلٌّ من "الدكتور راتنر" و"الدكتور ميلستون" على أنَّ أيَّ طبيب أطفالٍ سيكون مُستعداً -على الأرجح- لمساعدتك في العثور على خيارات تلقيحٍ مجانيةٍ أو بأسعار معقولة.
يقول الدكتور راتنر: "يريدُ أطباء الأطفال أن يكون الأطفال أصحاء، ونُمضي الكثير من الوقت في تعليمِ الآباء كيفية القيام بذلك، ونوجِّههم نحو الموارد اللازمة".
يُمكنكَ الحصولُ على لقاحاتٍ مجَّانيةٍ أو أرخصَ في العيادات العامَّة أو الأقسام الصحية مُقارنةً بعيادات الأطباء الخاصة.
10. ماذا يحدث إذا اخترتُ عدمَ تلقيحِ طفلي؟
ينصحُ الأطباء بشدةٍ بعدم القيام بذلك، حيثُ يقول الدكتور ميلستون: "عندما تختار عدم تلقيح طفلك، فأنت تختارُ أن تُعرِّض طفلك إلى أمراضٍ خطيرة بإمكانكَ وقايتهُ منها"، ناهيكَ عن تعريض الأشخاص الآخرين في مجتمعك -الذين يعتمدون على مناعة القطيع للبقاءِ بصحةٍ جيدة- إلى خطرٍ كبير.
يقول الدكتور ميلستون: "فكِّر في اللقاحات كهديةٍ يمكنك تقديمها لأطفالك، إذ إنَّ تشجيعهم لممارسة كرة القدم جيد، وتقديم الهدايا لهم في عيد ميلادهم غايةٌ في الاهتمام؛ ولكنَّ إعطاءهم لقاحاً قد ينقذ حياتهم يوماً ما".
لذا فكِّر في سلامةِ أطفالك، واتخذ القرار الذي يصبُّ في مصلحتهم.
أضف تعليقاً