غرض العلاج النفسي هو توفير مساحة آمنة يمكنك التحدث فيها عن كل الأمور التي لا يمكنك التحدث عنها في أي مكان آخر، والسبب في حماية علاقتك السرية مع اختصاصي العلاج بموجب القانون هو أنَّ العلاج النفسي لا يؤتي بنتيجة إذا لم تثق في أنَّ اختصاصي العلاج سيحتفظ بأسرارك، لكن ربما تعلم بوجود استثناءات للسرية، وعدم الوضوح فيما يتعلق بماهيتها بالضبط قد يجعل الانفتاح في العلاج أكثر رعباً مما هو عليه بالفعل.
حتى الكشف الأكثر أخلاقية وشفافية من قبل اختصاصيي العلاج النفسي قد يهز ثقة العميل في العلاج إلى الأبد، وقد تجعلك قصص العملاء الذين أصيبوا بأذى بسبب كشف اختصاصي العلاج لأسرارهم تخاف من مشاركة معلومات هامة معهم أو ترغب في تجنب العلاج تماماً.
نحن هنا للمساعدة، ونرغب في أن تتمكن من دخول العلاج النفسي بثقة ومعلومات جيدة عما يمكنك وما لا يمكنك مشاركته مع اختصاصي العلاج النفسي؛ لذا سنتعرف إلى الخطوط الحمراء التي قد تساعدك على التعرف إلى الأوجه السيئة للعلاج وتجنُّبها.
ما لا ينبغي أن أخبر اختصاصي العلاج به؟
في الواقع، لا يوجد كثير مما لا ينبغي عليك إخباره لاختصاصي العلاج النفسي، لكن من الجيد أن تحاول عدم إخباره بكل شيء دفعة واحدة؛ إذ تُظهِر الأبحاث أنَّ نحو 20% من العملاء يتركون العلاج النفسي مبكراً، وأنَّ معظم الأشخاص الذين يتوقفون عن العلاج يتوقفون بعد جلستين فقط.
توجد أسباب عدة تجعل الناس يتوقفون عن العلاج النفسي بعد فترة قصيرة من بدايته، وأحد هذه الأسباب هو أنَّهم يشعرون بالتوتر بكمية المعلومات التي شاركوها في الجلسة الأولى، فيشعرون بالقلق جداً بشأن العودة ومتابعة الكلام عنها، لذلك لا يعودون.
يمكن لاختصاصي العلاج النفسي التعامل مع أي نوع من المعلومات التي تشعر بأنَّك جاهز لمشاركتها، ولكنَّ المفتاح هو معرفة مدى استعدادك لذلك، فالعلاقة مع اختصاصي العلاج النفسي تشبه أيَّة علاقة، فهي تتدفق بشكل أفضل وتكون أكثر إثراءً إذا فتحت نفسك وشاركت القليل عن نفسك وببطء، ومع مرور الوقت، ستتعرفان أكثر إلى بعضكما وتثقان في بعضكما بشكل أفضل، وإذا دخلت في وضع الاعتراف الكامل فوراً، فقد تقلق من أنَّك سترفض بسببه.
الفرص قليلة للغاية في أن يرفضك اختصاصي العلاج النفسي بسبب أي شيء تخبره به، لكن قد تشعر بالرفض حتى إذا كان اختصاصي العلاج متعاوناً، فقد ينشأ فيك رفض ذاتي ويجعل الأمر يبدو صعباً جداً لمواجهة نفس الاختصاصي مرة أخرى الذي يعرف الآن ذلك الشيء عنك.
لذا نصيحتنا هي أن تأخذ الأمور ببطء، فيمكنك البدء بإخبار اختصاصي العلاج النفسي بأهدافك في العلاج، وأسباب قدومك للعلاج، والأمور الأساسية التي لا تشعر بأنَّها شخصية جداً، على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من أعراض القلق أو الاكتئاب، أو تفكر في تغيير مسار حياتك المهني، أو ترغب في تحسين علاقاتك.
من الأفضل الانتظار قليلاً قبل مشاركة الشيء الذي تخاف أن يعرفه الآخرون عنك أو أسوأ ذكريات طفولتك، لكن مرة أخرى، ليس من السيئ مشاركة هذه الأمور في بداية العلاج، ويمكن لاختصاصي العلاج التعامل معها إذا كنت راضياً عن ذلك، لكن من المحتمل أن يجعلك الأمر تشعر بعدم الراحة؛ لأنَّه من المقلق بديهياً مشاركة أسرارك المحروسة بعناية مع أي شخص، حتى مع اختصاصي العلاج النفسي.
سيطرح اختصاصي العلاج النفسي كثيراً من الأسئلة الشخصية في البداية، فأجب عنها بصدق قدر الإمكان، لكن تذكَّر أنَّه لا يجب عليك مشاركة أي تفاصيل أكثر مما ترغب أنت بمشاركتها، ومن الشرعي تماماً أن تخبر اختصاصي العلاج بأنَّك لست مرتاحاً للحديث عن ذلك حتى الآن.
على الرغم من أنَّنا لا نوصي بالكذب على اختصاصي العلاج النفسي، إلا أنَّها ليست نهاية العالم إذا فعلت ذلك، وخاصةً في بداية الجلسات، ففي بعض الأحيان، قد يكون قول بعض الكذبات الصغيرة أو الكتمان في بداية العلاج هو الشيء الوحيد الذي يجعلك تشعر بالأمان بما يكفي للاستمرار حتى تشعر بأنَّك جاهز لأن تخبر اختصاصي العلاج النفسي بالحقيقة الكاملة.
شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك
ماذا لو كذبت على اختصاصي العلاج؟
ربما يبدو لك أنَّ فكرة الكذب في العلاج النفسي غريبة، أو ربما قد قمت بذلك بالفعل، على أي حال، فإنَّه ليس أمراً غير عادي، ففي الواقع، وجد الباحثون أنَّ أكثر من 90% من عملاء العلاج يكذبون على الاختصاصيين، إحدى الأكاذيب الأكثر شيوعاً التي يخبرها الناس للاختصاصيين هي أنَّهم يستمتعون بالعلاج أو يستفيدون كثيراً منه، وهم ليسوا كذلك في الأصل.
إنَّ القيام بذلك غير إنتاجي، ولكنَّه أمر مفهوم تماماً، فمعظمنا لا يحب أن يقول بصراحة للآخرين إنَّنا لا نحبهم أو لا نعتقد أنَّهم يقومون بعمل جيد، ومعظم الناس يبدؤون بالعلاج النفسي ويرغبون في أن يحبهم اختصاصي العلاج وأن يظن الخير عنهم، وكذلك يكذب عملاء العلاج أيضاً بشأن مدى شدة أعراضهم، وما الذي يُشعِرهم بعدم الأمان، وكيف يشعرون بالسوء، كما أنَّه من الشائع أيضاً الكذب فيما يتعلق بوجود أفكار انتحارية.
عيب الكذب عن أي من هذه الأكاذيب (أو غيرها) هو أنَّه يقيد مدى قدرة اختصاصي العلاج النفسي على مساعدتك، فإذا لم يكن لدى المعالج علم بمدى سوء الأمور بالنسبة إليك، أو أنَّ الطريقة التي يعمل بها معك لا تساعد، فمن المرجح أن تشعر بالاستياء تجاه العلاج كله، حتى إنَّك قد تقرر تركه مبكراً دون تحقيق استفادة كبيرة منه.
العلاج النفسي هو سلسلة من الإجراءات، وأهمها هو أنَّه رحلة نحو الحقيقة، فكلما كانت الصورة أكثر واقعية وصادقة عنك، كان بإمكانه مساعدتك أكثر، ومع ذلك، بعض الحقائق صعبة القول، ويعرف اختصاصيو العلاج ذلك أيضاً؛ إذ إنَّ قول الحقيقة لاختصاصي العلاج النفسي كذبة، وخاصةً في بداية العلاج، لن يكون سبباً في فشلك أو منعك من الاستفادة من العلاج؛ إنَّما سيكون ذلك فقط سبباً في تقييد مدى فاعلية العلاج بالنسبة إليك حتى تكون جاهزاً للحديث بالحقيقة.
ماذا يحدث إذا قلت لاختصاصي العلاج النفسي إنَّني أفكر في الانتحار؟
إحدى أخطر الأشياء التي قد تخبر اختصاصي العلاج بها هي أنَّك تفكر في الانتحار، وحتى مجرد وجود هذه الأفكار قد يكون مخيفاً، فالتفكير في الانتحار قد يجعلك تشعر بأنَّك مليء بالعيوب، أو مكسور، أو كما لو كان لديك سر داكن يجب أن تخفيه بأي ثمن، ومن الصعب أن تخبر أي شخص خوفاً من الحكم عليك، حتى اختصاصي العلاج النفسي.
توجد حقيقة أنَّ أحد الأوقات القليلة التي يجوز فيها لاختصاصي العلاج كسر السرية هو عندما تصبح خطراً على نفسك أو على الآخرين، فقد تشعر بالقلق من أنَّه في اللحظة التي تخبر فيها اختصاصي العلاج النفسي بأنَّك فكرت يوماً ما في قتل نفسك، سيقوم بالاتصال بخط الطوارئ، ونقلك إلى مستوى أعلى من الرعاية، أو حتى محاولة إدخالك إلى مصح.
لحسن الحظ، توجد تفاصيل أكثر دقة في هذا الأمر، فقولك لاختصاصي العلاج إنَّك فكرت يوماً ما في الانتحار لا يعني بالضرورة أنَّه سيحاول فوراً تصعيد الوضع أو إحالتك إلى مستوى أعلى، وفي النهاية، بصرف النظر عن نوع الأفكار الانتحارية التي تملكها أو مدى مخاطرتك، يجب أن تخبر اختصاصي العلاج عنها.
ما هي الأسباب التي قد تجعلك تتردد في الانفتاح أمام اختصاصي العلاج النفسي؟
إذا كنت قد كذبت في العلاج النفسي أو أدركت أنَّك لم تقل الحقيقة بأكملها، فإنَّه من الهام التفكير في الأسباب التي دفعتك إلى الكذب أو سببت لك تردداً في أن تكون جريئاً.
افحص مشاعرك:
قد لا يكون القول إنَّه يجب عليك أن تخبر اختصاصي العلاج بكل شيء كافياً لدفعك نحو القيام بذلك فوراً، ومع ذلك، قد يكون التفكير في الأسباب التي تجعلك تكذب أو لا مفيداً:
1. العار:
قد يؤدي الشعور بالعار إلى الانسحاب نفسياً وحتى جسدياً، فإذا وجدت نفسك تشعر بالعار بسبب تفاصيل في حياتك، أو أجزاء من ماضيك، أو حتى كيف تشعر في العلاج النفسي، فقد تجد نفسك تنفصل عن العلاقة العلاجية أو حتى تفكر في إنهاء العلاج.
2. التردد:
من الطبيعي أن يحدث تردد عند مشاركة تفاصيل حياتك مع شخص لا تعرفه جيداً، فتذكَّر أنَّ العلاج هو مكان آمن يجب أن يبقى خالياً من الأحكام.
3. الإحراج:
ربما تبالغ في رد فعلك على شيء في حياتك الشخصية وتشعر بالإحراج من مشاركة ذلك مع اختصاصي العلاج، فقد تخشى أن يحكم عليك اختصاصي العلاج أو يضحك عليك، ولكنَّ هذا ليس صحيحاً، فالاختصاصيون في العلاج النفسي موجودون لمساعدتك على فهم ردود فعلك وأفكارك ومشاعرك.
4. الغضب:
ربما تكون غاضباً بسبب شيء قاله اختصاصي العلاج وترغب في أن تخبره بكيفية شعورك، وحتى القول إنَّك تشعر بالاستياء قد ينشئ حواراً لكي تتعاملا معه معاً.
5. الخوف:
من الممكن أيضاً أن تكون خائفاً من مشاركة أشياء عن حياتك، فربما قد تعرضت لتجارب مؤلمة أو بقايا علاقة سامة، وتخشى ما سيكون رد فعله، فيجب أن تفهم أنَّ اختصاصيي العلاج ليست مهمتهم أن يحكموا عليك وأنَّهم تم تدريبهم على الاستماع للموضوعات التي قد يكون الحديث عنها صعباً.
تذكَّر أنَّ كل مشاعرك صحيحة وأنَّه من الصحي مشاركتها مع اختصاصي العلاج النفسي.
إقرأ أيضاً: فن ومهارات العلاج النفسي
في الختام:
هل يمكن الوثوق بالمعالج النفسي؟ عموماً، نعم؛ إذ يحترم المعالجون السرية، وتُعَدُّ جوهر العلاج النفسي، ولكنَّ الثقة في المعالج ضرورية لنجاح العلاج، فيجب عليك عدم الخوف من مشاركة معلومات شخصية، فالسرية هي أساس العلاج، وعلى الرغم من وجود استثناءات قليلة، يُعَدُّ الإبلاغ عن معلومات العملاء أمراً نادراً؛ لذا تجنَّب الخوف واستفد من الانفتاح مع المعالج لتحقيق فوائد العلاج النفسي.
التعليقات
علي محمد
قبل 2 شهرممتاز.
أضف تعليقاً