أولاً: مفهوم الرأسمالية
هو نظام اقتصادي وسياسي يتم من خلاله التحكُّم بالصناعة والتجارة في الدولة؛ إذ يعتمد على الملكية الخاصة لمختلف وسائل الإنتاج؛ والتي هي الأرض والعمل ورأس المال، إضافةً إلى المبادرة الفردية والمنافسة الحرة وتقسيم العمل وتخصيص الموارد عبر آلية السوق؛ إذ يمتلك الأفراد والشركات الخاصة السلع الرأسمالية.
تُنتَج السلع أو الخدمات بالاعتماد على العرض والطلب في السوق العام وعلى اقتصاد السوق؛ أي لا يستند إلى التخطيط المركزي أو الاقتصاد الموجَّه، وهذا يعني أنَّ كل صاحب ثروة أو وسيلة من وسائل الإنتاج أو مَن لديه ملكية في الأسواق الرأسمالية يمكنه أن يتَّخذ القرار ويحدد الأسعار ويوزِّع البضائع والسلع التي ينتجها وفقاً للمنافسة وبما يحقق له أكبر الأرباح دون أي تدخُّل مباشر من الدولة.
من الخصائص الهامة جداً التي ميَّزت الرأسمالية هي قدرتها الكبيرة على الصمود أمام مختلف الأزمات التي واجهتها؛ فهي قابلة للتكيُّف مع مختلف التغييرات والتحولات التي تجري في المجتمع؛ لذلك لم تسقط كما توقَّع بعض الاقتصاديين لها، وأسباب صمودها وقدرتها على تجديد نفسها باستمرار هي التطور التكنولوجي والابتكارات التي تساعد على إتاحة فرص جديدة دائماً لينموَ الاقتصاد إضافة إلى قدرة الدول على التدخُّل في الاقتصاد من خلال وضع وتنفيذ سياسات تصحيحية.
ثانياً: أنواع الرأسمالية
مع مرور الزمن شهدت الأفكار الرأسمالية العديد من التطورات والمراحل التي جعلت منها في النهاية أهم الأنظمة الاقتصادية العالمية، وهذه التطورات أدَّت إلى ظهور عدة أنواع لها تبعاً لكل مرحلة، وهي ما يلي:
1. الرأسمالية الإقطاعية:
هي النوع الأول من الرأسمالية؛ والذي لم يُطلق عليه مسمى رأسمالية بشكل مباشر؛ إذ كانت الرأسمالية الإقطاعية عبارة عن تجمُّع بين طبقة العمال والطبقة الإقطاعية في أوروبا فقط؛ ففي تلك الفترة من الزمن كان أغلب الناس في أوروبا يعيشون في مناطق ريفية، وعملهم الأساسي كان في الأرض التي كانت من أملاك الإقطاعيين؛ وذلك بصفتهم أصحاب رؤوس الأموال فهُم قادرون على التحكُّم بأجور العمال وبالأدوات المخصصة للإنتاج؛ وذلك ما أدى إلى حدوث اختلاف واضح بين المجتمعات المدنية والريفية حينها.
2. الرأسمالية التجارية:
التي ظهرت في الفترة الممتدة من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، وكانت تعتمد الرأسمالية التجارية على فكرة تعزيز التجارة بين المدن والمناطق الأوروبية، فكانت تسعى كل دولة إلى دعم صادراتها التجارية، وانتشر هذا النوع من الرأسمالية وازدهر بالتزامن مع انتشار الاستعمار الأوروبي للأراضي والدول، لكن لم يساهم ذلك في تطوير القطاع الاقتصادي؛ وذلك لأنَّه لم يكُن اعتماده على الاهتمام بالإنتاج مباشرة.
3. الرأسمالية الصناعية:
ظهرت هذه الرأسمالية بوصفها نتيجة لظهور اكتشافات جديدة في تقنيات الإنتاج مثل آلة الغزل والمحرك البخاري في إنكلترا، وعُرفت في ذلك الوقت بالثورة الصناعية في أوروبا؛ إذ بدأت بتأسيس المصانع وإنتاج السلع وبيعها وتحقيق الأرباح منها، وهذا النوع من الرأسمالية هو الذي سعى إلى تطبيقه آدم سيمث بدلاً عن الرأسمالية التجارية؛ إذ تحوَّلت الأنظار عن الاهتمام بالتجارة إلى الاهتمام بالصناعة والسعي بهدف النجاح في هذا القطاع في مختلف مجالاته وهو ما ساهم في تطوُّر المجتمعات الأوروبية.
4. الرأسمالية المالية:
دخلت الرأسمالية في هذه المرحلة وأصبحت تُسمى رأسمالية في نهاية القرن التاسع عشر، وكان ذلك بعد ظهور المؤسسات المصرفيَّة الكبرى وانتشار الشركات القابضة، إضافةً إلى النشاط الكبير في الأسواق المالية، كما ازدادت هيمنة المصارف على الشركات الصناعية في مختلف المجالات؛ وكنتيجة لزيادة المضاربات في هذه المرحلة ظهرت أزمات مالية متعددة.
شاهد: كيف يمكن الوصول إلى الحرية المالية؟
ثالثاً: ميزات الرأسمالية
ينطوي مفهوم الرأسمالية بوصفه نظاماً اقتصادياً على العديد من النقاط الإيجابية والميزات، ومن أهمها ما يأتي:
- تقوم الرأسمالية على مبدأ الحرية؛ وذلك من خلال البحث عن الربح في مختلف الأساليب وشتى الطرائق إلَّا ما تمنعه الدولة لأنَّه يتسبَّب بضرر عام كالمخدرات مثلاً.
- تقدِّس الرأسمالية الملكيات الفردية؛ إذ تعطي الحرية الكبيرة للفرد في تجميع الأموال وشراء ما يريد وخاصةً وسائل الإنتاج، كما أنَّها تفتح الطريق للإنسان كي يحمي ثروته ويمنع الاعتداء عليه دون تدخُّل الدولة في الحياة الاقتصادية إلَّا بالقدر الذي يتطلَّبه النظام العام، بالإضافة إلى توطيد الأمن؛ أي يمكننا القول إنَّ مهمة الدولة كانت الرقابة فقط.
- المنافسة في السوق ومحاولة كل طرف من أطراف المنافسة أن يتفوَّق على الطرف الآخر، ومن ثم تشجِّع الرأسمالية الناس على الإبداع والتميُّز في العمل والاجتهاد الدائم للحصول على المكافآت التي يحصل عليها الآخرون.
- نظام حرية الأسعار الذي يعتمد على متطلبات العرض والطلب في الأسواق واعتماد السعر المنخفض بهدف ترويج السلع وبيعها.
- تُعَدُّ جودة الإنتاج من أهم أهداف المنشآت في النظام الرأسمالي؛ وذلك لأنَّها تتسبب في زيادة الأرباح وتطوير المنشأة نتيجة زيادة الطلب على الإنتاج، حتى بوجود العديد من المنافسين لها في السوق.
- الفساد محدود نوعاً ما في النظام الرأسمالي؛ إذ يعتمد اختيار الأفراد في العمل على كفاءة العامل دون أيَّة عوامل أخرى كالتوصيات.
- الدعم الكبير والتحفيز الذي تقدِّمه الرأسمالية للتطور التكنولوجي.
- تساهم الرأسمالية في رفع معدل الدخل القومي.
- معدل الضرائب منخفض نوعاً ما في النظام الرأسمالي مقارنة مع الأنظمة الاقتصادية الأخرى.
رابعاً: عيوب الرأسمالية
على الرغم من المميزات العديدة المذكورة آنفاً إلَّا أنَّه يوجد للنظام الرأسمالي العديد من العيوب؛ وهي ما يأتي:
1. نمو ظاهرة الاحتكار:
ففي نظام الرأسمالية يمكن أن ينفرد مشروع معيَّن فقط في إنتاج سلع أو إنتاج معيَّن، وعدم السماح لأي مشروع آخر بمنافسته وإنتاج نفس السلعة؛ وهذا يعني أنَّ المحتكر يستطيع أن يسيطر على السوق؛ إذ يحدد الكميات التي سوف ينتجها، ويوزع السلع المنتجة بالشكل الذي يحقق له أعلى ربح.
يستطيع المحتكر أيضاً أن يحدد السعر كما يريد، وفي هذه الحالة يمكن أن يحدد كمية إنتاجه حتى إن أدى ذلك إلى قلَّة في توفر منتجاته في السوق أو حرمانه منها؛ وذلك بهدف رفع السعر على الرغم من إمكانية إنتاج السلعة بكميات كبيرة؛ إذ تتوفر الموارد اللازمة لذلك لكن يُفضِّل المحتكر أن يبقى المصنع عاطلاً عن العمل، فغايته هي تحقيق الأرباح فقط وليس تأمين احتياجات المجتمع؛ أي الاحتكار يؤدي إلى سوء استغلال الموارد، وقد تدخَّلت الحكومات الرأسمالية بهدف إيقاف ظاهرة الاحتكار من خلال سنِّ تشريعات وقوانين بخصوص ذلك.
2. توزُّع الثروة والدخل بشكل سيِّئ:
إذ إنَّ النظام الرأسمالي ركز كثيراً في أهمية الملكيات الخاصة لعناصر الإنتاج؛ والسبب في تركُّز عناصر الإنتاج في أيدي قليلة من المجتمع هو ندرة عناصر الإنتاج بالنسبة إلى عدد السكان في الدولة، فبقي عدد كبير من سكان الدولة ينتمون إلى طبقة العمال الكادحة ويحصلون على دخل مقابل بذل مجهود كبير جداً وأكبر من الدخل الذي يقدِّمه لهم أصحاب العمل.
ولذلك هم بعيدون كل البعد عن الثراء؛ بل استمروا في البقاء في مستوى معيشي منخفض جداً ولا يمكِّنهم من الادِّخار وشراء أيَّة وسيلة من وسائل الإنتاج، أمَّا أصحاب رؤوس الأموال، فأصبحت ثروتهم بازدياد دائم؛ وذلك بسبب ارتفاع مدخولهم باستمرار وزادت ملكيتهم من عناصر الإنتاج.
شاهد أيضاً: 7 طرق للتغلب على الظروف الاقتصادية العصيبة
3. الحريَّة غير المطلقة:
إذ لا يتمتع بالحرية إلَّا فئة محدودة جداً من المجتمع؛ وذلك لأنَّ حريَّة العامل محدودة جداً وقد لا يتمتع بها إطلاقاً؛ وذلك لأنَّ غالبية المجتمع من الطبقة الكادحة ولا يستطيع العامل إيجاد العمل الذي يريده؛ وإنَّما هو مضطر إلى أن يقبل أجراً منخفضاً مقابل جهوده الكبيرة المبذولة في العمل كي لا يخضع للبطالة، وهذا ينعكس سلباً على الاستهلاك؛ فالعامل منخفض الآجر لا يمكنه أن يحصل على أي شكل من أشكال الرفاهيات؛ وإنَّما أجره يكفيه ليحصل على أساسيات حياته فقط إن استطاع.
4. التأثير في القرارات السياسية:
وذلك لأنَّ الحكومات تكون مقيَّدة أمام الكيانات الاقتصادية الرأسمالية، ومن ثم فإنَّ الاقتصاد يتحكم بالسياسة في الدولة؛ فأدى ذلك إلى انحياز السياسة إلى طبقة محددة ونتج عن ذلك ضعف في الخدمات العامة التي يجب أن تقدِّمها الدولة.
وقد سيطر الأثرياء على النواحي الاقتصادية والاجتماعية في الدولة وسيطروا أيضاً على النواحي السياسية؛ إذ وصل نفوذهم إلى إدارة شؤون الدولة من خلال السيطرة على الأحزاب وانتخابها.
5. حدوث تقلبات اقتصادية وأزمات دورية:
فمع السير الطبيعي للنظام الرأسمالي ظهرت البطالة ودخلَ الاقتصاد في أزمات متتالية، ومع ازدياد أرباح المنتجين توسَّع نشاطهم وازدادت الطاقة الإنتاجية لديهم من خلال زيادة المصانع والآلات، لكن دون زيادة دخل العامل لم تزدَد القدرة الشرائية له؛ فأدى ذلك إلى تكديس المنتجات في السوق وتحوَّل السعي إلى تخفيض الإنتاج من السلع المكدسَّة عن طريق الاستغناء عن قسم من العمال؛ فزادت البطالة من حدَّة الأزمات الحاصلة.
6. الاهتمام بالماديات أكثر من الاهتمام بالإنسان:
إذ نظر نظام الرأسمالية إلى أنَّ الإنسان هو عبارة عن كائن مادي فقط دون أي اهتمام بميوله الأخلاقية أو الروحية، فلا مشكلة من استبدال العامل في أيَّة لحظة نتيجة وجود مَن يأخذ أجراً أقل منه أو مَن يعمل أكثر منه مقابل نفس الأجر المقدَّم له أو نتيجة تقدُّمه في السن دون الحفظ لشيخوخته.
في الختام:
على الرغم من السلبيات الكثيرة المذكورة آنفاً لهذا النظام الاقتصادي والتي لاحظنا أنَّها تتفوق على ميزاته إلَّا أنَّ الكثيرين من الاقتصاديين ما يزالون يشجعون النظام الرأسمالي ويدعون إلى الاعتماد عليه أيضاً، وازدادت الآراء الاقتصادية المشجِّعة للاعتماد عليه في ظل الدراسات الاقتصادية التي أُجريَت لمعرفة مدى صلاحية هذا النظام في اعتماد اقتصاديات الدول عليه.
أكَّدت هذه الدراسات أنَّ النمو الاقتصادي الذي حدث في ظل تطبيق النظام الرأسمالي متفوق كثيراً على النمو الاقتصادي في ظل تطبيق الأشكال الأخرى من النظم الاقتصادية، لكن أكَّدت الدراسات نفسها أيضاً أنَّ نجاح هذا النظام يرتبط بالتوجيه الصحيح لمسار النظام الرأسمالي، والذي يتم من خلال السياسات الحكومية وجهود الجمهور العام كي يعمل هذا النظام لمصلحة المجتمع ككل وليس لمصلحة رؤوس الأموال فقط.
أضف تعليقاً