وما كان يوماً مهارة أساسية قد يصبح غداً متطلَّباً قديماً، وما كان يعدُّ غير ضروري قد يتحول إلى مفتاح النجاح. هنا يبرز السؤال الأهم مع هذا التطور المستمر، ما هي المهارات التي ستضمن لك مكاناً في هذا المستقبل القلق؟
ولا شك أنَّ التقنيات المتطوِّرة والذكاء الاصطناعي يعيدان صياغة قواعد اللعبة المهنية، مهدِّدين عدداً من الوظائف التقليدية. تشير التوقعات إلى أنَّ 50% من الوظائف الحالية قد تختفي خلال العقد القادم، ولكن لا داعي للقلق فهذا التغيُّر يحمل معه فرصاً ذهبية، ففي هذا المقال سنكشف عن المهارات المطلوبة لمواكبة هذا المستقبل المهني الجديد، وكيف يمكنك تطويرها لضمان النجاح في عالم العمل المتغيِّر.
التحديات التي تواجه المهارات المهنية
1. التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي
التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي من أبرز التحديات التي تواجه المهارات المهنية، فهما يسبِّبان تغييرات جذرية في طبيعة الأعمال والوظائف. مع تسارع الرقمنة، تراجعت الحاجة إلى المهارات التقليدية، مثل المهام اليدوية والروتينية، وزادت أهمية المهارات التقنية، مثل إدارة البيانات واستخدام الأدوات الرقمية.
إضافة إلى ذلك، يساهم الذكاء الاصطناعي في أتمتة عدد من الوظائف التقليدية، ممَّا يقلِّل من الطلب على العمالة البشرية في بعض القطاعات مثل التصنيع والنقل، ويزيد من الحاجة إلى المتخصصين القادرين على تشغيل وصيانة الأنظمة الذكية.
تشير الدراسات والإحصائيات إلى أنَّ 85 مليون وظيفة قد تختفي بحلول عام 2025 بسبب التحولات التكنولوجية، بينما ستظهر 97 مليون وظيفة جديدة تتطلب مهارات مختلفة، ممَّا يبرز الحاجة المُلحَّة لإعادة التفكير في التعليم والتدريب المهني.
في هذا السياق، يُتوقَّع أن يحتاج قرابة 375 مليون عامل، أي 14% من القوة العاملة العالمية إلى تغيير مهاراتهم نتيجة للأتمتة. كما أظهرت دراسة من قِبل IBM أنَّ 80% من قادة الأعمال يرون أنَّ المهارات الرقمية ضرورية للبقاء في المنافسة، بينما أشار تقرير Gartner في 2022 إلى أنَّ 54% من الشركات تعتزم زيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.
وشهدت المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي زيادة بنسبة 37% في طلبات التوظيف بالتالي، يُعدُّ التعليم المستمر واكتساب المهارات التكنولوجية المتقدِّمة أمرين ضروريين لضمان النجاح المهني في ظلِّ هذا الواقع المتغير.
2. العولمة
أثَّرت العولمة تأثيراً جذرياً في المهارات المهنية في العقود الأخيرة، وذلك من خلال تغيير طبيعة الأعمال وزيادة الترابط بين الأسواق العالمية. إليك شرحاً تفصيلياً لكيفية تأثير العولمة في المهارات المهنية:
2.1 زيادة التنافسية العالمية
مع انفتاح الأسواق وزيادة التجارة الدولية، أصبح سوق العمل أكثر تنافسية من أي وقت مضى، فلم يعد المهنيون ينافسون فقط داخل حدود بلدانهم؛ بل باتوا يواجهون تحديات جديدة نتيجة التنافس مع محترفين من جميع أنحاء العالم.
هذا التغيُّر دفعَ الشركات إلى البحث عن موظفين ذوي مهارات عالية قادرين على التكيف مع المعايير الدولية، ممَّا جعل إتقان اللغات الأجنبية وفهم الثقافات المتعددة أمراً ضرورياً للتفاعل بنجاح مع شركاء وزملاء من خلفيات مختلفة.
فمثلاً قد يحتاج موظف المبيعات الدولية إلى تعلُّم لغات جديدة واكتساب مهارات التواصل الثقافي لضمان نجاحه في التعامل مع عملاء من أسواق عالمية متنوعة.
وعلى الرغم من أنَّ العولمة تفتح فرص عمل جديدة، إلا أنَّها تزيد أيضاً من مستويات التنافس، خاصة مع انتشار العمل عن بُعد ونشر الوظائف من خلال الإنترنت، ممَّا يجعل تطوير المهارات والمواهب عاملاً حاسماً للتميُّز في هذا السوق العالمي المتغيِّر.
2.2 الطلب على المهارات التقنية
مع انتشار التكنولوجيا الرقمية وتوسُّع شبكات الاتصالات، أصبحت المهارات التقنية جزءاً لا يتجزأ من كل صناعة تقريباً. دفعَ التحول الرقمي عدداً من الشركات إلى تبنِّي أنظمة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات وإدارة المشروعات العالمية، ما يتطلب من المهنيين اكتساب مهارات تقنية متقدمة.
2.3 التكيُّف مع التغيرات السريعة
لم تسرِّع العولمة فقط وتيرة التغيير التكنولوجي؛ بل جعلت التكيُّف السريع مهارة حيوية، تتطلَّب التغيُّرات في التكنولوجيا والأنظمة الاقتصادية من المهنيين تعلُّم مهارات جديدة باستمرار لتجنُّب تقادم خبراتهم وعدم ملائمتها لسوق العمل الحديث، فمثلاً موظفو خدمة العملاء، الذين كانوا يعتمدون في السابق على المكالمات الهاتفية، باتوا الآن مطالبين باستخدام الدردشة التفاعلية والذكاء الاصطناعي لتقديم دعم فوري للزبائن من خلال الإنترنت.
2.4 المرونة الثقافية والعمل في بيئات متعددة الثقافات
أدَّت العولمة إلى انتشار بيئات العمل متعددة الثقافات، وباتَ التعاون بين فرق من مختلف البلدان والثقافات أمراً شائعاً، هذا يتطلَّب من المهنيين مرونة ثقافية وقدرة على التكيُّف مع أنماط العمل المختلفة والاحترام المتبادل بين الثقافات، ويفرض العمل في بيئات متعدِّدة الجنسيات على الموظفين فهم القواعد الاجتماعية والثقافية لكل دولة والتفاعل معها بمرونة وكفاءة.
2.5 ظهور الحاجة إلى التعليم المستمر
مع تسارع التطور التكنولوجي والاقتصادي، أصبحت الحاجة إلى التعليم المستمر وإعادة التدريب ضرورة ملحَّة للمهنيين للحفاظ على قدرتهم على المنافسة. وتعني العولمة أنَّ المهنيين في جميع أنحاء العالم يجب أن يطوروا مهاراتهم باستمرار، سواء من خلال الدورات التدريبية من خلال الإنترنت أم التعليم العالي المتخصص.
2.6 تأثير العولمة في نقل الوظائف (الأوفشورينغ)
شجَّعت العولمة الشركات على نقل بعض الوظائف إلى دول ذات تكاليف تشغيل منخفضة، مثل الهند أو الفلبين، ممَّا قلَّل من الطلب على بعض المهارات التقليدية في الدول المتقدِّمة، وزادَ من الطلب على المهارات التقنية والعالمية.
يتطلَّب هذا النقل من المهنيين في الدول المتقدِّمة التركيز على تطوير المهارات ذات القيمة العالية التي لا يمكن الاستعاضة عنها بسهولة، مثل الإبداع والابتكار وحل المشكلات المعقَّدة.
شاهد أيضاً: نصائح لتجنُّب الفشل وتحقيق النجاح في الحياة المهنية
2.7 تزايد الطلب على المهارات الناعمة (Soft Skills)
بالإضافة إلى المهارات التقنية، أدَّت العولمة إلى زيادة الطلب على المهارات الناعمة، مثل التواصل الفعَّال والقيادة والتفكير النقدي والعمل الجماعي. أصبحت هذه المهارات أكثر أهمية لأنَّ الأفراد يجب أن يكونوا قادرين على العمل بفعالية في فُرَق متنوعة متعددة الثقافات، وأن يتواصلوا من خلال الحدود الجغرافية والثقافية.
2.8 تغيير الهياكل المهنية
أدَّت العولمة إلى تغييرات في الهياكل المهنية داخل الشركات، وأصبحت الأعمال أكثر تعقيداً وتتطلب مهارات متخصصة، فأصبحت عدد من الشركات العالمية تعمل بنماذج تنظيمية لامركزية مع فُرق تعمل عن بُعد، ما أدى إلى زيادة الحاجة إلى مهارات، مثل إدارة الفُرق الافتراضية وتنظيم العمل عن بُعد.
3. التغيُّرات الديموغرافية
تعدُّ التغيرات الديموغرافية من أبرز التحديات التي تؤثِّر في المهارات المهنية في سوق العمل اليوم، وتشمل هذه التغيرات تحولات في التركيبة السكانية، مثل ارتفاع متوسط الأعمار وزيادة عدد كبار السن في القوى العاملة، بالإضافة إلى النمو السكاني السريع في بعض المناطق وتراجع معدلات الولادة في أخرى.
مثلاً، تؤدي زيادة أعداد كبار السن العاملين إلى تمديد فترة العمل، وتتطلب مهارات مهنية تتكيف مع احتياجاتهم، مثل التدريب المستمر على التكنولوجيا الحديثة. في المقابل، تحتاج القوى العاملة الشابة إلى مواكبة متطلبات العصر الرقمي والابتكارات السريعة، ممَّا يزيد من الضغط على العاملين لاكتساب مهارات تقنية متقدِّمة ومهارات تواصل فعَّالة للعمل ضمن فُرق متعددة الأجيال.
بالإضافة إلى ذلك، تفرض التغيُّرات الديموغرافية تحديات على الشركات في تنوع القوى العاملة ودمج مختلف الثقافات والأجيال، ممَّا يتطلَّب مهارات، مثل إدارة التنوع الثقافي والفكري وفهم الفروقات العمرية، وتُعيد هذه العوامل مجتمعة تشكيل المهارات المهنية المطلوبة لتظلَّ ملائمة لتغيرات القوى العاملة.
المهارات المهنية المطلوبة في المستقبل
1. المهارات الرقمية
تشير المهارات الرقمية إلى مجموعة من القدرات والمعارف التي تمكِّن الأفراد من استخدام التكنولوجيا بفعالية في مختلف المجالات. وتشمل هذه المهارات التعامل مع الأدوات الرقمية، وتحليل البيانات، وإدارة المعلومات، والتواصل من خلال الإنترنت، وتطوير المحتوى الرقمي. إليك أهم 10 مهارات رقمية حاسمة:
المهارات الرقمية |
النسبة المئوية |
وسائل التواصل الاجتماعي |
28% |
التسويق الرقمي |
27% |
تطوير البرمجيات |
24% |
البرمجة، وتطوير الويب والتطبيقات |
19% |
هندسة البرمجيات |
19% |
إدارة المشروعات الرقمية |
18% |
علوم البيانات وتحليل البيانات |
18% |
تحليل الأعمال الرقمية |
17% |
التصميم الرقمي وتصوير البيانات |
17% |
2. مهارات إبداعية
المهارات الإبداعية هي القدرات التي تمكِّن الأفراد من التفكير بطريقة مبتكَرة وغير تقليدية، وتطوير أفكار جديدة وحل المشكلات بطرائق فريدة. تُعدُّ هذه المهارات ضرورية في عدد من المجالات، فهي تعزِّز الابتكار، وتزيد الإنتاجية، وتطوِّر استراتيجيات فعَّالة. تشمل تلك المهارات الإبداعية ما يأتي:
- التفكير النقدي: تحليل الأفكار والمعلومات تحليلاً منطقياً، وتقييم الجوانب المختلفة للمشكلة.
- التفكير خارج الصندوق: رؤية الأمور من زوايا جديدة وغير تقليدية، وتطوير حلول مبتكرة.
- مهارات حل المشكلات: تحديد المشكلات وتطوير استراتيجيات فعالة لحلها بطرائق جديدة.
- المرونة: التكيُّف مع التغيرات والضغوطات، والتفكير بطريقة مختلفة عندما تتغيَّر الظروف.
- التعاون: العمل مع الآخرين وتبادل الأفكار والاستفادة من وجهات نظر متعددة لتطوير حلول إبداعية.
- التواصل الفعَّال: التعبير عن الأفكار بوضوح وفعالية، سواء شفهياً أم كتابياً، لجذب انتباه الجمهور وتحفيزهم.
- التصوُّر والتخيُّل: تخيُّل الأفكار والمفاهيم الجديدة، وتصور كيف يمكن تطبيقها في الواقع.
- التجريب: الاستعداد لتجربة أفكار جديدة، حتى لو كانت غير تقليدية، والتعلم من الفشل لتحقيق النجاح لاحقاً.
- استخدام التكنولوجيا: استخدام الأدوات التكنولوجية استخداماً إبداعياً لتطوير الحلول والمشروعات.
- الابتكار: تطوير أفكار جديدة أو تحسين الأفكار القائمة تحسيناً يؤدي إلى قيمة مضافة.
3. مهارات التواصل والتعاون
مهارات التواصل والتعاون هي مجموعة من القدرات التي تتيح للأفراد التفاعل بفعالية مع الآخرين، سواء في بيئة العمل أم في السياقات الاجتماعية. تعدُّ هذه المهارات ضرورية لنجاح الأفراد في مختلف المجالات، وتعتمد معظم الأعمال على القدرة على العمل الجماعي والتواصل بوضوح. تشمل مهارات التواصل والتعاون:
- التواصل الفعَّال: التعبير عن الأفكار والمشاعر بوضوح، واستخدام أساليب تواصل مناسبة (شفهية، وكتابية، وغير لفظية).
- الاستماع النَّشِط: التركيز على ما يقوله الآخرون، وفهم وجهات نظرهم، وإظهار التعاطف والتفهم.
- إدارة النزاعات: التعامل مع الخلافات بطريقة بنَّاءة، وحل المشكلات من خلال الحوار والتفاوض.
- التعاون في الفريق: العمل عملاً مشتركاً مع الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة، وتقديم الدعم المتبادل.
- الذكاء العاطفي: التعرُّف على المشاعر (لدى الذات والآخرين) وإدارتها، ممَّا يُحسِّن التفاعل والعلاقات.
- تقديم الملاحظات البنَّاءة: تقديم تعليقات تساعد الآخرين على التحسين، دون التسبب في الإحراج أو التوتر.
- التكيُّف مع اختلافات الأفراد: القدرة على العمل مع أفراد من خلفيات ثقافية، وتجريبية، واحتياجات مختلفة.
- التفاوض: الوصول إلى اتفاقيات مُرضية من خلال الحوار والتبادل، مع الأخذ بالحسبان مصالح جميع الأطراف المعنيَّة.
- بناء العلاقات : إنشاء والحفاظ على علاقات إيجابية مع الزملاء والعملاء والشركاء.
- استخدام التكنولوجيا في التواصل: استخدام أدوات التواصل الرقمي (مثل البريد الإلكتروني، ومنصات التعاون، وتطبيقات المحادثة) بفعالية لتعزيز التعاون والتواصل.
شاهد بالفديو: 12 طريقة مُجرَّبة لتحسين مهارات التواصل
4. مهارات اجتماعية وعاطفية
تُعدُّ المهارات الاجتماعية والعاطفية من العوامل الأساسية لنجاح الأفراد في سوق العمل المتغير، فالمهارات الاجتماعية هي القدرات التي تساعد الأفراد على التفاعل مع الآخرين تفاعُلاً إيجابياً وفعَّالاً، وتشمل القدرة على بناء العلاقات، والتعاون والتفاوض وحل النزاعات.
أمَّا المهارات العاطفية فتتعلَّق بفهم الأفراد لمشاعرهم ومشاعر الآخرين، بالإضافة إلى القدرة على إدارة هذه المشاعر إدارةً فعَّالةً، وتشمل مهارات مثل التعاطف، والتحكم في الانفعالات، والوعي الذاتي.
في الختام
في ظلِّ التغيُّرات السريعة التي يشهدها سوق العمل، بات من الضروري إدراك أنَّ المهارات المهنية لن تبقى ثابتة؛ بل ستستمر في التطور والتكيُّف مع احتياجات العصر.
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، وتغيُّر طبيعة الوظائف، تتطلب المرحلة القادمة من الأفراد تعزيز مهاراتهم وتطوير كفاءاتهم لتلبية متطلبات السوق المتغيِّرة، ومن خلال الاستثمار في المهارات الرقمية والإبداعية والتواصل والمهارات الاجتماعية والعاطفية، يمكن للموظفين تعزيز قدرتهم على المنافسة والابتكار في بيئة العمل.
كما يجب على الشركات والمؤسسات تبنِّي ثقافة التدريب والتطوير المستمر لضمان تحقيق النجاح المستدام. من خلال هذا النهج، يمكن للجميع أن يصبحوا روَّاداً في سوق العمل المتغيِّر، وأن يبنوا مستقبلاً مهنياً مزدهراً للجميع.
أضف تعليقاً