يوجد فرق بين أن يمارس الطفل نشاطاً واحداً يرغب فيه، وأن ترهقه بالمشاركة في عدد كبير من الأنشطة؛ حيث يميل الناس في الوقت الحالي إلى اتباع الطريقة الثانية؛ لكن علينا أن ندرك مخاطر تحميل أطفالنا ما لا يطيقون، وأن نعرف كيفية منع ذلك من الحدوث في عائلاتنا.
ما المشكلة في المبالغة في إشراك أطفالنا بالنشاطات؟
1. الإصابة بالإجهاد:
عندما يكون أطفالك في حالة نشاط دائم، وتكون جداول مواعيدهم مكتظة بإفراط رغم صغر سنِّهم، سيزداد احتمال تعرضهم إلى الإجهاد قبل أن يصلوا إلى مرحلة الدراسة الثانوية؛ حيث أجرت صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) دراسة خلصت إلى أنَّ تعرُّض الأطفال إلى الإرهاق مرتبط بازدياد عبء العمل الملقى على عاتقهم، كحال والديهم تماماً؛ ممَّا يعني أنَّ الأطفال الذين يتحملون أعباء تفوق ما يطيقون معرضون إلى الإرهاق أكثر من غيرهم؛ وبالطريقة نفسها، يميل الآباء المنهمكون بالعمل إلى تربية أبناء تكون جداول مواعيدهم مزدحمة أكثر من غيرهم.
الإجهاد:
عندما يتعرض شخص ما إلى الإرهاق، يشعر بالارتباك والتعب الشديد بسبب ما يتوقع الآخرون منه إنجازه يومياً؛ لذا فإنَّ الأطفال المنهمكين بممارسة الكثير من النشاطات دون وجود فترات استراحة معرضون إلى الإرهاق بنسبة أكبر.
عندما تشعر أنَّ طفلك يعاني من الارتباك والتعب الشديد بسبب كثرة نشاطاته اليومية، عليك أن تحدد تلك التي يمكن إلغاؤها؛ فإذا كان لديه الكثير من النشاطات خارج المدرسة، فيمكنك أن تقللها عبر إلغاء بعضها.
ستظهر على الطفل المنهك أعراض عديدة مثل: المزاجية، والعصبية، وغرابة الأطوار، والإحباط، والغضب، وآلام المعدة والرأس، والتمرد، والكثير غيرها؛ وقد يساعده تخفيف النشاطات على التحرر من الإجهاد، وتقليل علامات الإرهاق؛ أمَّا إذا كان طفلك يعاني من أعراض الإرهاق المفرطة، فعليك هنا أن تستشير طبيب أطفال أو معالجاً نفسياً.
وقت الراحة:
إنَّ وقت الراحة هو الحل للتحرر من الإرهاق؛ فإن لم يكن لدى الأطفال وقت فراغ خلال يومهم ليستريحوا، ستزداد نسبة تعرضهم إلى الإرهاق أكثر من غيرهم.
يعني وقت الراحة أن يفعل الأطفال ما يحلو لهم، أو أن يستريحوا؛ لذا تخلَّص من النشاطات التي لا تندرج ضمن المناهج المدرسية في حال لم يكن لديهم أوقات راحة ضمن برنامجهم، واجعل الوقت المخصص لها وقتاً للراحة.
2. عدم إتاحة المجال للعب، وقتل الإبداع:
يجب أن يعيش الأطفال طفولتهم؛ لكن عندما يكون جدول مواعيدهم مليئاً بالنشاطات -كتعلم الباليه، أو كرة القدم، أو دروس الموسيقا- وكانوا لا يأخذون استراحة إلَّا لتناول العشاء أو النوم؛ فيعني هذا أنَّهم يتحملون ما يفوق طاقتهم؛ لذا فهم بحاجة إلى أوقات فراغ بعد المدرسة ليستريحوا ويلعبوا، بدل أن ينتقلوا من نشاط إلى آخر.
لوقت اللعب دور هام في تنمية الطفل؛ إذ عندما لا يحصل الأطفال على وقت كافٍ للعب، تتناقص قدرتهم على تنمية الإبداع. إليك فيما يأتي 6 فوائد أساسية للعب تعود على الأطفال:
- الإبداع.
- تنمية المهارات الاجتماعية.
- التطور المعرفي.
- التطور الجسدي (كالتوازن والتناسق).
- مهارات التواصل.
- التطور العاطفي.
فإن لم يمتلك الأطفال وقتاً ليلعبوا لأنَّهم يمارسون نشاطات تفوق ما يطيقون، فيعني هذا أنَّهم يفوتون فرصة التطور عن طريق اللعب.
يحتاج الأطفال إلى وقت للراحة بعد المدرسة للاسترخاء واللعب والتحرر من الضغوطات؛ إذ كشفت دراسة أجرتها مجلة "تطوير الأطفال الصغار ورعايتهم" (Journal of Early Childhood Development and Care) أنَّ الأطفال بحاجة إلى اللعب كي يتعاملوا مع القلق والإجهاد، حيث إنَّه يمثل متنفساً يتمكَّنون من خلاله من إدارة مشاعرهم بطريقة صحية، ويساعدهم على تنمية إبداعهم.
يحتاج الأطفال إلى أوقات فراغ ليلعبوا يومياً؛ إذ لا تكفي فترة الاستراحة القصيرة التي يأخذونها بين النشاطات، بل إنَّهم بحاجة إلى قضاء ذلك الوقت في المنزل بعد عودتهم من المدرسة، وخارج نطاق النشاطات المجدوَلة.
الحل:
احرص على أن يكون لطفلك وقت للعب بعد المدرسة؛ فهو ضروري، خاصة للصغار الذين ينتفعون من اللعب كثيراً؛ لذا، ضع قواعد تنظم الأنشطة التي يمارسها الأطفال ليصبح لديهم فراغ ضمن جدول مواعيدهم للعب.
3. التسبب بالإجهاد والضغط:
عندما يكون جدول مواعيد الأطفال مزدحماً لكون الآباء يصممون على أن يتمتع أبناؤهم بأداء متميز، سيؤدي ذلك إلى تعرضهم إلى الإجهاد؛ حيث يضغط كثير من الآباء على أطفالهم ليتفوقوا في موادهم المدرسية والموسيقا والعديد من الرياضات، ممَّا يؤدي إلى شعورهم بالإجهاد والضغط، خصوصاً إذا كان والداهم يتوقعون نجاحهم في جميع هذه النشاطات.
إنَّ نجاح الأطفال في نشاط واحد صعب بما يكفي، وعندما يبالغ الآباء في إرهاقهم بالأنشطة، ويتوقعون أداء استثنائياً فيها جميعاً، فإنَّهم يعرضون بذلك أبناءهم إلى إجهاد شديد.
الحل:
يجب عليك ألَّا تتوقع نجاح أطفالك في جميع الأنشطة التي تثقل كواهلهم بها، كما عليك أن تأخذ اهتمامات طفلك في عين الاعتبار؛ فإن لم يكن مهتماً بنشاط ما، فسيزداد احتمال تعرضه إلى الإجهاد والضغط في أثناء القيام به.
على سبيل المثال: إذا كان طفلك يأخذ دروس بيانو منذ أربعة أعوام، ولم يعد يستمتع بتعلمها؛ فيعني هذا أنَّه حان الوقت لإيقافها؛ ذلك لأنَّك عندما تجبره على الاستمرار في أخذ الدروس والتدريب يومياً، سيتعرض إلى الضغط لأنَّ عليه أن يستمر لبناء على رغبتك أنت، ممَّا يدفعه إلى الاستياء منك لأنَّك ترغمه على الاستمرار في فعل نشاط لم يعد يحبه.
لذا، دع طفلك يشارك في اختيار النشاطات التي يشارك فيها، وقلِّل من عدد النشاطات التي يقوم بها؛ ذلك لأنَّه سيتعرض إلى الإنهاك إذا كان يمارس نشاطاً مختلفاً يومياً.
يحتاج الأطفال إلى وقت للراحة أيضاً؛ فإذا كان عليهم القيام بنشاط جديد يومياً، فلن يتمكنوا من الراحة؛ ذلك لأنَّ الوقت الذي يقضونه في المنزل أو في ممارسة أنشطة غير موجودة ضمن جدول نشاطاتهم محدود جداً، ويقضونه في حل الوظائف وتناول الطعام والتجهيز للنوم؛ لذا، سيمتلك أطفالك الوقت ليلعبوا بحرية عندما تلغي بعض النشاطات خلال أيام الأسبوع.
4. إهمال الطعام الصحي:
يعرف الآباء المنهمكون بتوصيل أطفالهم من نشاط إلى آخر بعد المدرسة كم يكون تناول الوجبات السريعة مغرياً؛ ولكنَّ ذلك يؤدي إلى اختيار أطعمة غير صحية، كتناول البطاطس المقلية وشطائر الهامبرغر التي تشكل الأطعمة الرئيسة في هذه الوجبات السريعة؛ إذ تميل العائلات التي تكون جداول مواعيدها مزدحمة إلى تناول الوجبات السريعة وسهلة التحضير.
عندما نكون على عجلة من أمرنا، لا نتوفق في اختيار الأطعمة؛ ذلك لأنَّنا لا نمتلك الوقت لنفكر في القيمة الغذائية للوجبات والحمية المتوازنة لنا وللأطفال؛ لذا علينا الإبطاء في اختيار ما نتناوله، واعتماد غذاء صحي لنا ولأطفالنا.
5. عدم إفساح مجال للوجبات العائلية:
عندما تصطحب أطفالك إلى التدريبات الرياضية والنشاطات اللاصفية خلال وقت العشاء، تفوِّت العائلة فرصة الاجتماع لتناول الطعام سوياً في المنزل؛ فإمَّا أن تأكلوا معاً مبكراً إن أمكن، أو أن يأكل كل شخص على حدة حسب مواعيده؛ لكن في الحقيقة، لا يُقدَّر اجتماع الأسرة حول مائدة الطعام بثمن، فهو يمنح أفراد العائلة الفرصة ليناقشوا أحداث يومهم كالعمل والنشاطات المدرسية.
يجب الامتناع عن استخدام الأجهزة الإلكترونية في أثناء تناول الطعام ليتسنى للجميع التركيز على التواصل مع بعضهم بعضاً، والاطلاع على مستجدات حياتهم؛ لكن عندما يتضمن جدول طفلك نشاطات كل مساء، لن تتمكن العائلة من الاجتماع بسبب اكتظاظ جداولهم وجداول أطفالهم.
الحل:
قيِّم جدول مواعيدك الأسبوعية لتتأكد من وجود متسع من الوقت لتناول الطعام مع أسرتك، وأنشئ جدولاً يتضمن مواعيد الوجبات العائلية بحيث لا تمارس أنشطة أخرى في ذلك الوقت، وتذكَّر أنَّ الوقت الذي تقضيه مع أطفالك تحت سقف واحد عابر لا محالة؛ حيث إنَّهم سرعان ما سيكبرون ويغادرون المنزل لينشغلوا بتكوين أسرهم؛ لذا، لا يجب عليك أن تتجاهل فرصة توطيد علاقتك مع أطفالك في أثناء الوجبات.
كما يمنحك تناول الطعام مع العائلة الفرصة لتختار الأطعمة الصحية؛ حيث تتمكن بذلك من تحضير وجبات صحية ومتوازنة غذائياً، وتعلِّم أطفالك أهمية الطعام الصحي لأجسامهم.
كيف يمكنك تغيير الأمور لصالحك؟
1. لا تخلط بين طموحاتك وطموحات أطفالك:
غالباً ما تكون نوايا الآباء الذين يبالغون في جدولة نشاطات أبنائهم حسنة؛ فهم يرغبون في أن ينجح أطفالهم؛ لذا لا يحرمونهم من أي فرصة ليحققوا ذلك، وتراهم يسجلونهم في مختلف أنواع الصفوف والرياضات والنشاطات التي تساعدهم على تحقيق النجاح في الحياة.
أو لعلَّ الآباء حُرِموا من تلك الفرص عندما كانوا صغاراً، ويشعرون بأنَّه قد فاتهم الكثير؛ لذلك يقدمون تلك الفرص لأطفالهم؛ فعلى سبيل المثال: لعلَّ الأم كانت تحب الرقص في طفولتها، وأرادت أن تتلقى دروس باليه؛ ولكن مع الأسف، لم تستطع عائلتها تحمُّل تكاليف تلك الفرصة؛ لذا عندما رُزِقت بطفلة صغيرة، كانت تحلم أن تكبر ابنتها لتسجلها في صفوف الرقص، وتشاهدها تؤدي حفلات راقصة في نهاية المطاف؛ ولكنَّ حلمها لم يتحقق لكون ابنتها لم تستمتع بتعلم الباليه، حيث كانت تبكي وتتوسل إلى أمِّها كي لا ترسلها إلى تلك الصفوف لأنَّها لم تكن مهتمة بالرقص أبداً.
في الواقع، تحدث مثل هذه الأمور للكثير من الآباء؛ إذ إنَّهم يسجلون أطفالهم في نشاطات كانوا يرغبون في تعلمها في طفولتهم، ولكن لم تتسنَّ لهم الفرصة لفعل ذلك؛ ولسوء الحظ، لا تتوافق اهتمامات الآباء مع اهتمامات أبنائهم دائماً، فقد يوافق الطفل على ممارسة نشاط لبعض الوقت امتثالاً لأوامر والديه، ولكن سرعان ما يظهر عليه الاستياء إذا لم يكن يستمتع بالنشاط.
ينبغي أن يصغي الأباء إلى أبنائهم؛ فعندما لا يستمتع طفلك بممارسة نشاط ما، خذ رأيه في اختيار ما يرغب في فعله، وتخلَّص بعدها من كل النشاطات التي لا تستهويه، ودعه يجرب القيام بنشاطات متنوعة في سنٍّ صغير؛ إذ إنَّه لا يدرك أحياناً إذا كان يحب نشاطاً ما إلَّا بعد تجربته.
2. جرِّب تسجيل طفلك في جلسة تدريبية قبل الالتزام بتعلم النشاط:
لا تسجل طفلك في عدة نشاطات في الوقت نفسه لتكتشف ما يحبونه أو يتقنون فعله؛ ذلك لأنَّك ستنهك طفلك بهذه الطريقة؛ بل اجعله يجرب نشاطات مختلفة يهتم بها ضمن الجلسات التدريبية أو المخيمات التي تُنظَّم خلال عطلة الصيف، حيث توفِّر هذه الجلسات مساحة للأطفال ليتعرفوا على النشاط خلال يوم واحد، ويكتشفوا ما إذا كانوا سيحبونه أم لا قبل الالتزام بممارسته خلال موسم كامل.
توجد في معظم المدن والبلدات حدائق ومراكز ترفيهية يمكنك أن تجد فيها جلسات تدريبية أو مخيمات لتجربة النشاطات المختلفة؛ حيث لا تتجاوز معظمها أربع جلسات، ويكون الغرض منها أن يطلع الأطفال على النشاط قبل الالتزام بممارسته لفترة طويلة.
3. تحقق من نشاطاتك الأسبوعية:
غالباً ما نهمُّ بالقيام بنشاط ما دون التفكير في عدد النشاطات التي نلتزم بها مسبقاً خلال الأسبوع؛ لذا، عليك أن تتحقق من جميع النشاطات التي يقوم بها أفراد العائلة قبل الالتزام بأي شيء آخر، إذ إنَّ نشاطات أطفالك تُعدُّ من مسؤولياتك أيضاً، وينبغي أن تصطحبهم من وإلى كل تدريب؛ لذا عليك أن تأخد مدة التنقل في عين الاعتبار.
على سبيل المثال: إذا كان لديك ثلاثة أطفال، وسجَّلت كل واحد منهم لتعلُّم عدة نشاطات، فسترهق نفسك كثيراً؛ لأنَّ هذا يعني أنَّ عليك اصحابهم لعدد كبير من النشاطات كل أسبوع، إضافة إلى الألعاب التي ينوون ممارستها خلال عطلة نهاية الأسبوع؛ فيكون هذا القدر من النشاطات مرهقاً للعائلة؛ لذا، عليك أن تأخذ وقت الراحة ومستوى الإجهاد وقدرتك على اصطحابهم إلى كل نشاط في عين الاعتبار.
جرِّب أن تطرح هذه الأسئلة قبل أن يلتزم أطفالك بنشاطات عديدة:
- ما مقدار الوقت الذي ينبغي أن يلتزم الطفل به كل أسبوع؟ وهل يتمتع بما يكفي من الطاقة والقدرة على ممارسة هذه النشاطات؟ وهل يحصل على ما يكفي من وقت الراحة يومياً لتجنب التعرض إلى الإرهاق؟
- هل التدريب المطلوب منه يُمارَس خارج أوقات الألعاب والتمرينات الموجودة في جداول مهماته؟
- كم يستغرق اصطحاب طفلك، إضافة إلى الوقت الذي تقضيه في انتظار انتهائه؟ وهل لديك ما يكفي من الوقت لهذه النشاطات في جدول مواعيدك؟
- هل تتعارض أوقات النشاطات هذه مع نشاطات أخرى على الجدول؟ وهل ستُمنَع العائلة من تناول الطعام معاً بصورة دائمة؟
- هل يرغب الطفل في ممارسة النشاط فعلاً؟
- ما هو الدافع الكامن وراء التسجيل في النشاط؟
- هل سيتعرَّض الطفل أو أفراد الأسرة إلى الإجهاد بسبب الالتزام بالنشاط؟
عزِّز نشاطات أطفالك واهتماماتهم:
رغم كل ما ذُكِر، إلَّا أنَّ هذا لا يعني أنَّك لا يجب أن تسجل أطفالك لتعلم نشاطات مختلفة كالرياضات، أو الموسيقا، أو الرقص، أو الكاراتيه، أو غيرها؛ فجميعها نشاطات رائعة، وكفيلة بتطوير العديد من المهارات الحياتية المختلفة؛ لكنَّ الهدف هو أن تسجلهم في نشاطات تستهويهم، وتتجنب المبالغة في إشراكهم بالكثير من النشاطات، وتقليلها ما أمكن.
أضف تعليقاً