نرشدك اليوم إلى البداية، فأنت لست وحدك، ومعظمنا يمرُّ بأوقات يشعر بحاجة ماسَّة فيها للدعم النفسي دون التفكير في الحواجز الاجتماعية. كما أنَّ بعضهم تمنعه الحواجز الجغرافية؛ لذلك أصبحت مجتمعات الرعاية الافتراضية في عالمنا الرقمي المعاصر أداة حيوية لتوفير الدعم النفسي للمحتاجين في أي وقت وأنت في منزلك.
سنكتشف في مقالنا كيفية الحصول على الدعم النفسي الافتراضي، وكيف يمكن أن يكون ذلك نقطة تحول تجاه الراحة النفسية.
ما هي مجتمعات الرعاية الافتراضية؟
مساحات رقمية يمكنك تخيُّلها بوصفها عيادة نفسية أو مجموعة أفراد يقدِّموا الدعم العاطفي والنفسي أو مركزاً للاستشارات، ولكنَّ كل ذلك من خلال الإنترنت في العالم الرقمي.
فتستفيد تلك المجتمعات من قوة التكنولوجيا في ربط الأفراد ببعضهم بعضاً أو بالمختصين دون التفكير بالحواجز الاجتماعية أو الجغرافية أو الزمنية. تشمل أهم الأمثلة عن مجتمعات الرعاية الصحية من خلال الإنترنت التي تقدِّم دعماً نفسياً، ما يلي:
1. منتديات الدعم
أقدم وأشهر أشكال الدعم النفسي الافتراضي، وهي منصات يمكن للأعضاء ضمنها نشر موضوعات وطرح أسئلة للنقاش مع أشخاص مرُّوا بتجارب متشابهة، وقد تجد منصات متخصصة بالقلق أو الاكتئاب أو الحزن على فقدان عزيز.
2. مجموعات الدعم الافتراضية الميسرة
تعدُّ أكثر تنظيماً من سابقتها، فيقودها معالج أو مستشار يعقد اجتماعات من خلال منصات الفيديو، مثل (Zoom)، لمناقشة موضوعات معيَّنة، مثل دعم الأمهات الجدد أو الإدمان.
3. منصات العلاج عن بعد
تقدِّم علاجاً نفسياً جماعياً أو فردياً، ويحجز الأفراد جلسات مع معالجين مرخَّصين، مثل شركات "بتر هيلب" (Better Help).
4. مجتمعات وسائل التواصل الاجتماعي المتخصصة
ظهرت عدد من الصفحات والمجموعات التي تقدِّم الدعم النفسي الافتراضي، ولكن قد تكون غير رسمية.
كيف تعمل مجتمعات الرعاية الافتراضية؟
تتساءل الآن "كيف يمكن لمجرد شاشة صغيرة تقديم الرعاية الصحية من خلال الإنترنت؟". دعنا نلقي نظرة على آلية عمل مجتمعات الرعاية الافتراضية:
1. الوصول المريح
تتيح المجتمعات الافتراضية الدخول إليها من أي مكان وفي أي وقت، ولكن تحتاج جهازاً متَّصلاً بالإنترنت (هاتفاً ذكياً، وكمبيوتر)، فيكسر ذلك الحاجز أمام كثيرين، فلا تحتاج للتفكير بالقيود الجسدية، كالأسباب الصحية ولا تفكر بضيق الوقت ولا تشعر بالخجل من حكم الآخرين.
2. التسجيل والخصوصية
تضع المنصات عادة بروتوكولات لحماية البيانات الشخصية وما تشاركه من معلومات لمنع الوصول غير المصرح به، ويمكنك اختيار السرية، كاستخدام اسم مستعار، كما أنَّ المشرفين ومدراء المجتمعات، يمنعوا أية إساءة أو تنمر.
3. تواصل متعدد الأشكال
تقدِّم مجتمعات الرعاية الافتراضية خيارات متعددة للتواصل لتختار ما يناسب حالتك. فمثلاً، يوجد منتديات نصِّيَّة تسمح بقراءة المنشورات المخصصة بك وبالآخرين، أو محادثات فيديو مباشرة مع معالج أو مع أفراد المجتمع ممن يعيشوا التجربة نفسها والتفاعل وجهاً لوجه يعزز الشعور بالاتصال الحقيقي.
كذلك، يمكنك التواصل دون الظهور في فيديو من خلال المحادثات الصوتية، ويمكن التواصل فردياً من خلال الرسائل المخصصة، ويوجد منصات متخصصة بتقديم موارد تعليمية من مقالات ومقاطع فيديو وورشات عمل، بالتالي توفر لك أدوات إضافية لفهم حالتك والتكيف معها أيضاً.
4. الدعم من الأقران والأخصائيين
الشعور بأنَّك لست وحدك هام لتجاوز الأزمات النفسية؛ لذلك تقدِّم مجتمعات الرعاية الصحية للأفراد إمكانية تبادل استراتيجيات التأقلم والدعم النفسي، وتوفر معالجين نفسيين وأخصائيين للإجابة عن الاستفسارات وتقديم العلاج النفسي من خلال الإنترنت وفق أسس مهنية وعلمية.
فوائد مجتمعات الرعاية الافتراضية للصحة النفسية
تبرز قوة مجتمعات الرعاية الافتراضية بأنَّها لا تقدِّم دعماً نفسياً فحسب؛ بل لها فوائد تدير صحتك النفسية بفعالية عالية، وأهمها ما يأتي:
1. تقديم الدعم النفسي الفوري في أوقات الحاجة
تُعد مجتمعات الرعاية الصحية من خلال الإنترنت بمنزلة يد العون الممدودة إليك في لحظة الحاجة، فتخيَّل أنَّك تمرُّ بلحظة توتر أو شعور بالوحدة خلال الليل أو تذكرت شيئاً أثار مشاعرك وتحتاج دعماً فورياً.
ففي تلك الحالات لا يفيد الدعم التقليدي؛ لأنَّك تحتاج لحجز موعد مسبق والذهاب للعيادة لتلقي العلاج والدعم، أمَّا مجتمعات الرعاية الافتراضية، فتقدِّم ما يأتي وفي كل لحظة:
- التعبير عن مشاعرك بالكتابة فوراً وتفريغ ما بداخلك، فيمنحك ذلك الشعور بالراحة الفورية.
- الحصول على استجابة على ما كتبت سواءً ممن مرَّ بتجربة مشابهة أم من المتخصصين، وهذا التفاعل السريع يقلل الشعور بالوحدة فوراً، ويقدِّم لك إرشادات أولية لتجاوز هذه اللحظة الصعبة.
- روابط سريعة للأزمات: توفر عدداً من المنصات روابط بمنزلة خطوط مساعدة فورية لتضمن تقديم المساعدة المناسبة لك في الحالات الطارئة.
2. تعزيز القدرة على التكيف مع الضغوطات النفسية
تقدِّم المجتمعات إلى جانب العلاج النفسي من خلال الإنترنت مدارس عملية لتتعلم كيفية التعامل مع الضغوطات النفسية والتكيف معها، فيمكنك:
2.1. اكتساب استراتيجيات التأقلم
إنّ مشاركة أعضاء المجتمعات تجاربهم في التعامل مع الاكتئاب أو التوتر أو ضغوطات العمل أوالمنزل – مثلاً، يمنحك أفكاراً وطرائق مبتكرة لم تكن تعرفها مسبقاً ولم تكن لتتعلمها بمفردك، مثل تمرينات التنفس أو التأمل أو طرائق إدارة الوقت ووضع الحدود.
2.2. تطوير مهارات حل المشكلات
تحسِّن مناقشة التحديات وتبادل الأفكار المختلفة ووجهات النظر المتعددة ضمن بيئة داعمة قدرتك على تحليل المشكلات وإيجاد حلول مناسبة وبنَّاءة لها، فالتفكير الجماعي يفتح آفاقاً جديدة.
2.3. بناء وتعزيز المرونة النفسية
تمنح معرفة كثير من قصص النجاح الفرد الأمل والطاقة لمواجهة التحديات المخصصة، فتعرف أنَّ الانتكاسات جزء من رحلة العلاج والتعافي مما يزيد قدرتك على متابعة الرحلة.
2.4. الرؤية من منظور آخر
كل ما تحتاجه أحياناً هو رؤية مشكلتك من وجهة نظر أخرى، وهذا ما يقدِّمه الأقران والأخصائيين في مجتمعات الرعاية الافتراضية، فتفهم مشاعرك أكثر وتتعامل معها بوعي كبير.
شاهد بالفيديو: 6 طرق في التعامل مع الضغط النفسي
التحديات المرتبطة بمفهوم الرعاية الافتراضية
يجب أن نكون واقعيين ونتحدث عن التحديات المحتملة للعلاج عن بعد للمرضى لتكوِّن فكرة شاملة عنها:
1. الضوابط الأخلاقية
تُعد منصات الرعاية الصحية من خلال الإنترنت مجالاً حساساً جداً يتطلب مستوى عالٍ من الأخلاق والاحترافية، وأهم التحديات المتعلقة بالضوابط الأخلاقية ما يأتي:
1.1. اختلاف المعايير المهنية
تختلف معايير تقديم العلاج النفسي من خلال الإنترنت من بلد إلى آخر، وضمن الدولة الواحدة أيضاً؛ لذلك عند التعامل مع منصات عالمية لا تتوقع أن تتطابق مؤهلات المشرفين والأخصائيين ضمنها مع معايير ممارسة المهنة في بلدك. لذلك، من الضروري الانتباه لتراخيص المعالجين النفسيين والمؤهلات العلمية لهم.
1.2. حدود المسؤولية
يصعب في مجتمعات الرعاية الافتراضية تحديد المسؤول الرئيس عن وقوع خطأ ما أو التعامل تعامُلاً سيِّئاً، هل المنصة هي السبب؟ أم الأخصائي النفسي؟ لذلك يجب أن تنتبه إلى سياسات المنصة المتعلقة بالشكاوى والخلافات، ويجب أن تسأل عن وجود فريق للدعم عند حدوث مشكلات.
1.3. التشخيص الصحيح والعلاج المناسب
العلاج النفسي من خلال الإنترنت؛ إذ لا تعدُّ المجموعات التي يديرها الأقران بديلاً عن التشخيص السريري والحصول على العلاج من متخصص. فربما تكون النصيحة التي قدَّمها أحدهم بناءً على تجربته لا تناسب حالتك؛ لذلك انتبِه إلى أنَّ الأقران يقدِّموا لك التضامن والدعم النفسي وإن كنت بحاجة إلى تقييم متخصص، فيجب أن تبحث عن منصات تقدِّم الدعم النفسي الافتراضي على شكل علاج فردي مع معالجين متخصصين.
1.4. التعامل مع الحالات الطارئة
يعاني الأفراد من أفكار خطيرة ناتجة عن أزمات نفسية حادة، مثل فكرة الانتحار وقد تكون المنصة غير مجهَّزة للتعامل مع هذه الحالات بفعالية وسرعة عالية؛ لذلك تأكَّد في حال كنت تعاني من حالة نفسية صعبة من وجود خطوط للطوارئ للتواصل معهم في الأوقات الخطيرة.
2. الخصوصية في الدعم النفسي الافتراضي
الخصوصية هي حجر الزاوية في ما يتعلق بالحالة النفسية وأهميتها مضاعفة في العالم الرقمي؛ إذ يتطلب مشاركة معلومات شخصية ثقة عمياء. أهم التحديات ما يلي:
- أمن البيانات وحماية المعلومات، فالمنصات الإلكترونية معرَّضة للاختراق إن لم يُتَّخذ تدابير أمن سيبراني قوية.
- عدم الكشف عن الهوية في حال قدَّمت المنصة خيار استخدام اسم مستعار، وإن كنت تستخدم هويتك الحقيقية بالنشاط على الإنترنت، تجنَّب ذكر تفاصيل سكنك وعملك ومعلومات مخصصة عن حياتك.
- خصوصية المحادثات في مجموعات الدعم أمراً يجب الانتباه له، فقد يصبح مرئياً كل ما كتبته ضمن محادثة؛ لذلك استخدِم منصات تمنع نشر المحادثات ضمن المجموعة أو خارجها.
- مشاركة البيانات مع طرف ثالث قد يحدث في بعض المنصات، كأن تشارك معلوماتك مع شركات تأمين أو شركة إعلانية أو جهة بحث لتُستهدَف في إعلان مثلاً؛ لذلك ابحث عن بند يؤكد إن كانت بياناتك ستباع أو تشارَك مع طرف خارجي.
ختاماً
أصبحت الآن على دراية واسعة بكيفية الحصول على الدعم النفسي الافتراضي من خلال مجتمعات الرعاية الافتراضية التي تقدِّم الدعم النفسي الفوري وتساعدك على التأقلم ومواجهة التحديات، فالآن لا يمكن للخجل أو العزلة منعك من الحصول على الدعم النفسي.
فإذا كنت مهتماً بكيفية الحصول على هذا النوع من الرعاية النفسية، أو لديك تساؤلات حوله تفاعَل معنا وشارِكْ تجربتك.
أضف تعليقاً