لا يحصل غالباً المديرون في الإدارة الوسطى على ما يكفي من التدريب أو التقدير الذي يستحقونه، وغالباً ما يتم تجاهلهم؛ لأنَّ الاهتمام ينصَّب على الموظفين في المستويات الأعلى والأدنى منهم.
أفادت دراسة أجرتها شركة "ذا كونفرنس بورد" (The Conference Board) أنَّ 19% فقط من المديرين في الإدارة الوسطى الذين استُطلعت آراؤهم يرون أنَّهم تلقوا التدريب المناسب في القيادة والإدارة بعد ترقيتهم، وأظهر استطلاع آخر أنَّ 35% فقط من المديرين مندمجون في العمل، و51% غير مندمجين (أي إنَّهم يهتمون قليلاً بوظائفهم والشركة)، و14% غير مندمجين على الإطلاق؛ لذا يحتاج هؤلاء المديرون في الإدارة الوسطى إلى الدعم كي تعود همَّتهم للعمل.
لماذا يعاني المديرون من "متلازمة الإدارة الوسطى"؟
تقع على عاتق هؤلاء المديرين مهمة تلبية احتياجات مديريهم وموظفيهم، فيقول الكوتش والمؤلف والمتحدث في مجال الأعمال والقيادة "بول جلوفر" (Paul Glover): "من بين جميع المناصب القيادية في المؤسسة، يشعر المديرون في الإدارة الوسطى بأكبر قدر من التوتر والضغط من الإدارة العليا وأفراد الفريق خلال فترات الاضطراب والتغيير، مثلما حدث عند انتشار الجائحة والتغيرات التي طرأت على بيئة العمل بعدها".
وضعت الشركات المديرين في الإدارة الوسطى تحت هذا الضغط؛ لأنَّ معظمهم لا ينالون ترقية لامتلاكهم المهارات اللازمة لإدارة الفِرق أو قيادتها؛ بل لأنَّهم موظفون ماهرون وأداؤهم عالٍ، وملتزمون تجاه المؤسسة.
قد يفترض المسؤولون في الإدارة العليا أيضاً أنَّ بعض الموظفين مناسبون لتسلُّم مناصب قيادية، ولكن لا يقدمون لهم التدريب اللازم لدعمهم وتطويرهم، تقول "باربرا بالمر" (Barbara Palmer)، مؤسسة شركة "برود بيرسبيكتيف كونسلتينغ" (Broad Perspective Consulting): "ثمة افتراض مفاده أنَّ الموظف الناجح والمساهم في الشركة سيكون مديراً ناجحاً أيضاً، لكن لا يحدث هذا دوماً؛ لأنَّ الموظف لا يحصل غالباً على الدعم اللازم لتنمية مهاراته القيادية عندما يترقى إلى منصب قيادي".
صعوبة متلازمة الإدارة الوسطى بالنسبة إلى النساء في المناصب القيادية:
تواجه النساء في المناصب القيادية أو الإدارية ضغطاً أكبر بسبب المعاناة من متلازمة الإدارة الوسطى والتحيز الجنسي المنتشر أصلاً في مكان العمل، تقول الدكتورة "روزينا راتشيوبي" (Rosina Racioppi)، المديرة التنفيذية ورئيسة شركة "ويمن أنليميتيد" (WOMEN Unlimited): "قد تكون تأثيرات ذلك سلبية أكثر؛ لأنَّهن يضطررن لتقديم أداء عالٍ في العمل أكثر من نظرائهن الرجال، تواجه المديرات أيضاً صعوبة في الترويج الذاتي، لاعتقادهن أنَّ عملهن كافٍ لإثبات أحقيتَهن، ولكن قد يؤدي تجاهل النساء لأنَّهن لا يُروجن لأنفسهن إلى تركهن مناصبهن أو حتى وظائفهن".
يتطلب حل هذه المشكلة إجراء تغييرات جذرية وجدية في الثقافة التنظيمية، وضمان حصول المديرين على التدريب والدعم والتقدير اللازم.
5 خطوات لدعم المديرين في الإدارة الوسطى:
1. إرساء ثقافة الدعم:
تقول "باربرا": "حينما تُقدم الشركات التدريب والدعم والكوتشينغ والمنتورينغ المستمر للموظفين الذين تُرقيهم لمناصب إدارية، تشهد هذه الشركات ازدياداً في معدلات الاحتفاظ بالموظفين ورضاهم سواء أكانوا من القادة أم أفراد الفريق، يساعد القادة الذين يتمتعون بالمهارات الأساسية اللازمة في تطوير قادة ملهمين، وهذا يعزز الثقافة التنظيمية بشكل عام.
يُعد التدريب على التطوير المهني هاماً للاستثمار في القادة ذوي الإمكانات العالية، والالتزام تجاه الموظفين الذين قد يحتاجون إلى دعم إضافي قبل الترقية؛ إذ يجب تقديم التدريب والدعم باستمرار وإنصاف، ومن المفيد أيضاً أن يخضع جميع الموظفين في مستوى وظيفي معين للتدريب؛ وذلك لضمان توفير المهارات والأدوات لجميع الأقسام في المؤسسة، ويجب ألا يُعد الكوتشينغ إجراءً عقابياً؛ بل استثماراً في نجاح الموظفين".
شاهد بالفيديو: طرق تعامل المدير الناجح مع الموظفين
2. معالجة حالة "الاستقالة الصامتة" التي يتعامل معها المديرون في الإدارة الوسطى:
قد يواجه المديرون مشكلة شائعة، وهي التعامل مع الموظفين الذين لا يبذلون قصارى جهدهم في العمل، أو ما يسمى بحالة "الاستقالة الصامتة" (quiet quitting)، لا سيما أنَّ المديرين هم مَن يقدمون التقارير إلى القادة عن سبب عدم سير أمور العمل بسلاسة.
يقول "جلوفر": "يجب على المديرين التنفيذيين أن يُدركوا الصعوبات التي يواجهها المديرون في الإدارة الوسطى في التعامل مع قوى عاملة تتكون من موظفين مستقيلين صامتين غير مندمجين في العمل، وموظفين غير مندمجين على الإطلاق، وموظفين مندمجين - من أصحاب المواهب - قد يقدمون استقالاتهم في حال لم يحصلوا على الاهتمام والتقدير الذي يحتاجون إليه من مديريهم؛ يعني هذا أنَّ قادة المنظمة يجب أن يُزودوا المديرين في الإدارة الوسطى بالموظفين والموارد اللازمة لإنجاز مهامهم بفاعلية وكفاءة".
من المفيد أيضاً تدريب المشرفين والمديرين على مراقبة العلامات التي تشير إلى وجود مشكلة، تقول "روزينا": "يجب على القادة أن ينتبهوا إلى العلامات التي تشير إلى أنَّ الموظفين غير مندمجين؛ أي الافتقار إلى الحماسة التي كانت تملؤهم في السابق، أو قلة الالتزام بالمنصب الذي يعملون فيه، وتؤثر المتابعة المنتظمة مع المديرين، لا سيما المديرات، وإعطائهم تغذية راجعة بنَّاءة وتقدير إنجازاتهم، تأثيراً عميقاً في تجنب تفاقم متلازمة الإدارة الوسطى".
3. مراقبة انخفاض اندماج المديرين قبل فقدانه كلياً:
يرغب بعض المديرين في أداء مهامهم دون إحداث أي جلبة، لا سيما في بيئات العمل التي لا يستطيع فيها المديرون شرح مشكلاتهم دون تلقي النقد، فمن الممكن أن يفقد المديرون اندماجهم في العمل بسبب إحباطهم؛ لذا هم بحاجة إلى قادة داعمين ينتبهون إليهم، ومستعدون لتقديم الدعم لهم.
تقول روزينا: "إذا شعر المدير أنَّه لا يتلقى الدعم من القادة، ومضطر إلى الاستمرار في توجيه مرؤوسيه، فقد يفقد اندماجه في منصبه ويفقد في النهاية شغفه بوظيفته، الأمر الذي يعرقل نموه في المنظمة، ويؤثر تأثيراً سلبياً في جميع أنحاء المنظمة".
إن لم يكن المدير مندمجاً، فمن الصعب على من يشغلون مناصب أدنى الاهتمام بعملهم، فهذا يؤدي إلى انخفاض أدائهم، ويتأثر القادة بنتائج ذلك كثيراً؛ لأنَّ المسؤولية تقع على عاتقهم.
4. تقدير المديرين لموظفيهم:
يضرب "بول" مثالاً عن تأثير تقدير المديرين لموظفيهم في تغيير ثقافة الشركة، وعن تجاهلهم إن لم يفعلوا ذلك، فيقول: "سخِر أحد المديرين الخبيرين من فكرة أنَّ التعبير عن التقدير لأحد أفراد الفريق أو الفريق بأكمله من شأنه تعزيز اندماجهم، ولكن، وافق المدير على تجربة الأمر؛ فظلَّ يعبر عن تقديره الصادق يومياً لكل فرد أدى مهام يومه بنجاح لمدة أربعة أسابيع وفي نهاية الأسبوع، كان يعبر عن تقديره للفريق بأكمله في حال أتموا جميع مهام ذلك الأسبوع.
في نهاية الشهر، عبر ذلك المدير عن إعجابه بمستوى الجهد الذي يبذله الفريق بأكمله، وطلب أن يشارك في ورشة عمل عن الذكاء العاطفي".
5. تقديم فرص خاصة للنساء في القيادة:
على الرغم من أنَّ جميع المديرين بحاجة إلى الدعم، إلا أنَّ النساء اللاتي يواجهن صعوبات كبيرة وعزلة محتملة في المناصب القيادية قد يستفِدن أحياناً من فرص محددة وموجهة خصيصاً لهن.
تقول "روزينا": "كثيراً ما نواجه حالات من "متلازمة الإدارة الوسطى" التي تصيب المديرات، فلا يوفر قادتهن ما يكفي من الاهتمام والتوجيه لهن، ودون أن يكون لهن أي ذنب في ذلك، لم تتلقَ هؤلاء المديرات تدريباً على الترويج الذاتي، وهذا أدى إلى شعورهن بالإحباط عند ملاحظة تقدُّم نظرائهن الذكور في حياتهم المهنية، لأنَّهم بشكل عام أكثر مهارة في الترويج لأنفسهم".
يحدث التغيير حينما تتعلم النساء كيفية إثبات قيمتهن بفاعلية أمام القادة في المنظمة، فيتعلمنَ كيفية البحث عن فرص للحصول على التغذية الراجعة من القادة، وطرح الأسئلة عن التقدم الوظيفي المحتمَل، والاستعداد لتحمل مسؤوليات ترتبط ارتباطاً مباشراً بأهداف المنظمة، توفر جميع هذه الأساليب فرصاً للنمو الوظيفي، وتضمن ألَّا يتعرضن أبداً لـ "متلازمة الإدارة الوسطى" في مكان العمل.
أضف تعليقاً