أهمية زيارة المريض في الإسلام:
تنال زيارة المريض في الإسلام مكانة رفيعة في الآداب التي حضَّ عليها وأمر بها، نظرا لما بها من فضائل ورفع للذنوب وتراحم بين المسلمين. يقول صلى الله عليه وسلم: (( إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عُدته، لوجدتني عنده…)).
ممّا يروى في أهمية زيارة المريض وتأكيدا على أنها سنة مفروضة في الإسلام، أن رسول الله كان كلما سمع أن أحدا مرض من أصحابه، زاره ودعا له. ومما اشتهر في هذا الصدد أن زيارة لرسول الله لغلام يهودي يخدمه كانت سببا في إسلامه.
هذا الفعل من عمل الرسول يبين بما لا شك فيه أهمية عيادة المريض والاطمئنان عليه ودعمه نفسيا، مما يخفِّف وطأة الألم عليه ويحسِّن عملية شفائه، ويؤلف بين القلوب.
فضل زيارة المريض في الإسلام:
شرعًا، نصت السنن الشريفة على أن عيادة المريض والاطمئنان عليه من حق المسلم على أخيه المسلم، وهذا ما أمرنا به رسول الله وذلك عبر أفعاله الواردة إلينا، فما علينا إلاّ التأسي بالرسول فهو أفضل البرية.
قال رسول الله: (( خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ)) وقد ذُكر في كتاب مشارق الأنوار على صحاح الآثار: ((عيادة المريض: هِيَ زيارته وافتقاده، وَأَصله من الرُّجُوع، وَالْعود: الرُّجُوع، وَيُقَال: عدت الْمَرِيض عودًا وعيادة)).
من المتفق عليه، أن زيارة المريض واجبة على المسلم سواء كان على معرفة بالمريض أو لم يكن. يقول النووي في "شرح مسلم" في صفات المريض الواجب عيادته: ( هو المريض الذي يحبسه مرضه عن شهود الناس، أما إذا لم يحبسه مرضه عن الخروج للناس فلا تجب عيادته).
من الفضائل التي اشتملت عليها زيارة المريض، نذكر التالي:
1. كسب الرضا والأجر:
أوصى الله بوجوب زيارة المريض، ووعد من يعود مريضًا بالأجر والثواب الكبيرين، فإن تطهير الله للعبد بالمرض ليس لسوء منه بل هو اختبار ومحنة له ولغيره من الناس، فمن عطف على مريض وعاده في مرضه أثابه الله بالرضا والقبول وغفران الذنوب.
2. استغفار الملائكة:
يقول الحديث القدسي عن رسول الله: ( ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلاّ صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية، صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، كان له خريف في الجنة).
3. عبرة وموعظة:
رؤية المرض تعيد للنفس طيبها وتذكرها بأفعالها وتعظها في قدرة الله وتعلمها الرحمة ولين القلب.
4. حكم زيارة المريض:
إن زيارة المريض سنة من سنن الإسلام المؤكدة كما هو معروف عند العلماء وتكاد تكون واجبة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالعيادة للمرضى لذلك يتوجب على مؤمن ولو لمرة واحدة أن يبادر في حال عرف أخًا له مريض لزيارته والسؤال عنه. وقد كان صلى الله عليه وسلم، كلما بلَغه مرض واحدٍ من أصحابه، سارعَ لزيارته، وقد سجَّلَت السنَّة كثيرًا من هذه الزيارات.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَن عاد مريضًا، لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرارٍ: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يَشفِيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض)، رواه أبو داود وصححه الألباني.
أحاديث نبوية عن فضل زيارة المريض:
كثيرة هي الأحاديث المنقولة لنا بالسنن الشريفة عن الرسول الكريم حول أهمية وفضل زيارة المريض ووجوب عيادته والإطمئنان عليه، فيما يلي نذكر أبرز هذه الأحاديث النبوية:
1. منزل في الجنة:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أن طبتَ وطاب ممشاك وتبوَّأت من الجنة منزلاً)، رواه البخاري وحسنه الألباني.
يبين رسول الله في هذا الحديث ما لزائر المريض من أجر عند الله تعالى، فممشاه إلى بيت أخيه المسلم المريض ممشى طِيب ولأجل ذاك له منزل في الجنة أجرًا ومثابة.
2. الرحمة:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا غاص في الرحمة، حتى إذا قعد استقر فيها)، البخاري.
إن من فضل زيارة المريض رحمة الله لزائره، فهو محاط بالرحمة حتى وصوله إلى بيت المريض تكون الرحمة سكناه ومستقره.
3.الاستغفار له:
عن علي - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (مَن أتى أخاه المسلم عائدًا، مَشَى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرتْه الرحمة، فإن كان غدوةً، صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساءً، صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح)، رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
خرافة الجنة، تعني جُناها أي ثمرها، فقد شبه من يزور المريض بأنه يكسب الثواب ويجتنيه كما يفعل صاحب الثمر.
4. الشفاء:
عن عائشة رضي الله عنها، أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يعود بعض أهله يـمسح بيده اليمنى ويقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ النّاس، أَذْهِبِ البَأسَ، واشْفِ أَنْتَ الشافي، لا شِفاءَ إلا شِفَاؤُك، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمَا) أو يقول سبعاً: (أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك).
الدعاء للمريض بالشفاء من فضل ووجوب زيارة المريض، ففي الدعاء يذهب الضر والمرض ويستجيب الله للداعي بفضل ثوابه زيارة أخيه المسلم.
5. عظمة الثواب:
عن أبي هريرة قال، قال رسول الله: ((يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ))
في هذا الحديث حكمة رائعة، فليس المقصود بالمريض الله جلّ وتعالي، إنما هي مرتبة تشريفية لعبده المؤمن المريض، فهو إلى جانبه وسيجزي زائره الرحمة والثواب الكبيرين ويقرِّبه منه.
إقرأ أيضاً: أهم أحاديث الرسول محمد ﷺ عن الأخلاق
6. وجوب زيارة المريض:
عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا العاني).
في هذا الحديث يحض رسول الله على زيارة المريض ويشملها مع فضائل إطعام الجائع وإطلاق الأسير.
7. دخول الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أصبح اليوم منكم صائمًا؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (مَن عاد منكم اليوم مريضًا؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (مَن شَهِد منكم اليوم جنازة؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (مَن أطعم اليوم مسكينًا؟)، قال أبو بكر: أنا، قال مَرْوان: بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم، إلا دخل الجنة)، رواه البخاري وصححه الألباني.
إن من الفضائل التي يعظم الله ثوابها هي زيارة المريض ويؤجر من يقوم بها بالجنة ثوابا له ويضعها في مقام رفيع من السنن المؤكدة الواجبة على المسلم.
8. حق على المسلم:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإِذَا استنصحك فانصحه، وإِذا عَطَس فحَمِد اللَّه فشمته، وإِذا مَرِض فَعُدْه، وإِذا مات فاتبعه)، رواه مسلم.
من فضل زيارة المريض أن الله وضعها من الحقوق الواجبة على المسلم فِعلها مثلها مثل النصح بالرأي والمشي وراء الجنائز، حيث أمره بها وأخلف عليه ثوابا وجزاء كبيرا.
إقرأ أيضاً: 8 أحاديث للرسول محمد ﷺ عن الصدق
9. السعادة والرضا:
عنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَ)).
فمن يمشي في طريق زيارة مريض وكأنه يمشي في رياض الجنة ويجني ثمارها سعيدا راضيا مباركا بها.
10. رفع القسوة من القلوب:
يُروى أن رجلا زار السيدة عائشة رضي الله عنها، فقال : ((يا أم المؤمنين إن بي داء فهل عندك دواء؟ قالت: وما داؤك؟ قال: القسوة، قالت: بئس الداء داؤك، عد المرضى، واشهد الجنائز، وتوقع الموت)).
زيارة المريض دواء لرفع القسوة من القلوب، ففيه يشهد المسلم بلاء أخيه، فيعتبر ويشهد على نفسه بالضعف ويقر لله بالقدرة فيطيب قلبه ويلين فؤاده.
خاتمة:
لو جمعنا الأحاديث النبوية الشريفة في فضل زيارة المريض وعيادته لكانت أكثر مما يمكن عده، فأما السنة فهي واجبة علينا وحق من حقوق الناس على بعضهم في الرحمة والعطف، وأجرها عند الله ورسوله كبير جدا، وأما الأخلاق وحسن التعامل والرحمة فهي عُرفٌ أخلاقي مشهور بين الناس.
أضف تعليقاً