ففي هذا العصر الذي تسارعت فيه التكنولوجيا واندمجت بشكل لا مثيل له في حياتنا اليومية، أصبحت التحديات التي تطرحها تتسارع أيضاً، ومن بين هذه التحديات، تبرز بشكل واضح (التخمة الرقمية) كآفة معاصرة تعكس التوازن الهش بين الحياة الرقمية والواقعي.
وعلى الرغم من أن الحياة الرقمية من المفترض أن تجعل حياتنا أكثر راحة وسعادة إلا أن التخمة الرقمية قد تجعل حياتنا غير مفيدة لصحتنا وتحولنا إلى أشخاص عاجزين بسبب الكم الهائل من المحتوى والخوف من فقدان هذه الأجهزة وفقدان الاتصال بالإنترنت.
فما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها للتعامل مع حالة التخمة الرقمية واستعادة السيطرة على حياتنا الرقمية وتحقيق التوازن بين الحياة الرقمية والواقعية.
ما هي التخمة الرقمية؟
التخمة الرقمية، مصطلح يستخدم لوصف حالة الإفراط أو الاستخدام المفرط لأجهزة التكنولوجيا الرقمية (الهواتف الذكية، الحواسيب، الاجهزة اللوحية، الأجهزة الإلكترونية المختلفة) ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعية بشكل خاص،والإدمان على الألعاب الإلكترونية والتطبيقات الأخرى.
مما يؤدي إلى آثار سلبية على الصحة العقلية والجسدية للفرد والمجتمع بشكل عام، فالتخمة الرقمية تنشأ نتيجة فقدان التوازن بين الوقت الرقمي والحياة الواقعية، أي فقدان التوازن بين الوقت الذي يقضيه الفرد في العالم الرقمي واستخدامه للأجهزة والتطبيقات المختلفة والوقت الذي يقضيه في الحياة الواقعية والتفاعل مع الآخرين والبيئة المحيطة به.
ويشبه هذا المصطلح الوضع الذي يحدث في حالة السمنة الجسدية، حيث يمكن أن يتسبب الاستخدام المفرط للتكنولوجيا في مشاكل صحية مثل قلة النوم، والانعزال الاجتماعي، وتقليل التركيز، وضعف الذاكرة، والقلق، والاكتئاب وانخفاض الانتاجية وانعدام النوم الجيد وتدهور العلاقات الاجتماعية.
أسباب الإصابة التخمة الالكترونية
مع تزايد التكنولوجيا وانتشارها في حياتنا اليومية، أصبحت التخمة الرقمية ظاهرة متزايدة الانتشار تؤثر على العديد من الأفراد في جميع أنحاء العالم، وإن فهم أسباب حدوث هذه الظاهرة يعد أمراً بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهتها والتغلب عليها.
فيما أبرز الأسباب التي تؤدي إلى حدوث التخمة الرقمية:
- توفر التكنولوجيا الحديثة الوصول السهل إلى الأجهزة الإلكترونية والإنترنت بشكل شبه مستمر، مما يجعل من السهل الانغماس في عالم الوسائط الرقمية بشكل لا محدود.
- شبكات التواصل الاجتماعي تقدم مجموعة واسعة من الخدمات والمحتوى الجاذب، مما يجذب المستخدمين لقضاء وقت أطول على هذه الوسائل، مما يزيد من احتمالية حدوث التخمة الرقمية.
- يمكن أن يؤدي الاعتماد الشديد على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية إلى استخدام مفرط ومستمر للتطبيقات والألعاب الإلكترونية، مما يسهم في تفاقم التخمة الرقمية.
- عدم وضع حدود واضحة بين الوقت الذي يقضيه الفرد في العالم الرقمي والوقت الذي يقضيه في التفاعل مع العالم الحقيقي والآخرين يمكن أن يؤدي إلى زيادة الانغماس الرقمي.
- تصميم التطبيقات والمواقع الرقمية بشكل متعمد لجذب انتباه المستخدمين وإبقائهم ملتصقين بها بشكل دائم، مما يعزز من حدوث التخمة الرقمية.
- الضغط الاجتماعي على الأفراد للبقاء على اتصال دائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو لتحقيق النجاح أو التميز في العالم الرقمي، مما يدفعهم للانغماس بشكل زائد فيه.
كيف تتعامل مع التخمة الرقمية؟
1. إيقاف تنبيهات الإشعارات
بما أن دماغ الإنسان يحتاج إلى الهدوء والاسترخاء، فلماذا لا تخصص ببساطة أوقات توقف فيها جميع الإشعارات الصادرة عن التطبيقات على الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو الحواسيب بما فيها إشعارات التطبيقات والرسائل النصية القصيرة.
ومن خلال تعطيل الإشعارات، يمكن للفرد تقليل التشتت و التشويش الناجم عن الإشعارات المتكررة، وبالتالي يمكنه التركيز بشكل أفضل على المهام أو حتى النوم بهدوء والحصول على راحة الجسم المطلوبة.
كما أن إيقاف التنبيهات يمكن أن يكون تحولاً إيجابياً في طريق الشخص للتحكم في الاعتماد الزائد على التكنولوجيا وتحسين الصحة النفسية والعملية، ابدأ بساعة واحدة في اليوم، ثم زد هذه الساعة أو أضف ساعات أكثر متفرقة خلال اليوم.
2. قلل من عدد مرات التحقق من الأجهزة الرقمية
غالباً ما يقوم كل شخص منا بالتحقق من هاتفه عدد كبير من المرات في الساعة الواحدة مسببا لنفسه التخمة الرقمية، فكما هو معلوم لدى الكثيرين هناك عدد قليل من الرسائل التي تستحق الرد الفوري لذا يجب تقليل عدد مرات التحقق لاستعادة التوازن في الحياة.
ويمكنك تحديد فترات محددة خلال اليوم للتحقق من الأجهزة الرقمية، مثل كل ساعتين مثلاً، بدلاً من التحقق بشكل عشوائي في أي وقت، كما يمكنك تعطيل الإشعارات غير الضرورية وتحديد وقت محدد لفحص البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من الاستجابة لها فور وصولها.
وهذا يساعد في خلق توازن أكبر بين الاستخدام الرقمي والحياة الواقعية ويقلل من التأثير السلبي للتخمة الرقمية.
3. ضع هاتفك في غرفة أخرى عندما تقوم بعمل مهم مثل الدراسة أو العمل على مشروع ما
عندما تكون في غرفة واحدة مع أجهزتك الرقمية مثل هاتفك على سبيل المثال، فإن فرص التشتت والانحرافات تكون أكبر، حيث يمكن أن تلفت انتباهك الإشعارات، أو يحثك الشعور بالفضول على فتح التطبيقات.
وبوضع الهاتف في غرفة أخرى، يمكنك تقليل هذا الانحراف وتجنب حدوث انقطاع وتركيز انتباهك بشكل أفضل على المهمة التي تقوم بها.
4. تجنب التعرض للمحتوى الرقمي الضار
تجنب التعرض للمحتوى الرقمي الضار هو إحدى الطرق الفعالة للتعامل مع التخمة الرقمية، يشير هذا إلى تجنب استهلاك المحتوى الرقمي الذي قد يكون سلبياً على صحتك العقلية والعاطفية، مثل: المحتوى العنيف المروع، المحتوى الإباحي، المحتوى العنصري والكراهية، المحتوى الإجرامي والمخالف للقانون، المحتوى التشهيري والمسيء للآخرين.
شاهد بالفديو: 9 علامات تدل على إدمانك للإنترنت
5. حدد المناطق الخالية من التكنولوجيا
حدد مناطق في المنزل أو في العمل حيث لا يُسمح باستخدام الأجهزة الرقمية، مما يساعد في تقليل الاستجابة الفورية للإشعارات والتنبيهات، في هذه المناطق، يمكن للأفراد التركيز على الأنشطة الأخرى والتفاعل الاجتماعي دون تشتت الانتباه.
6. أخبر العائلة والأصدقاء بتقليلك استخدام الأجهزة الرقمية
إخبار العائلة والأصدقاء بتقليل استخدام الأجهزة الرقمية يمكن أن يساعد في إنشاء بيئة داعمة ومتفهمة لجهودك في التخلص من التخمة الرقمية، عندما يكون الآخرون على علم بقرارك بتقليل استخدام التكنولوجيا، فإنهم لن يتوقعوا منك الرد الفوري على اتصالاتهم أو رسائلهم النصية،وسيكون من المبرر الطلب منهم إيقاف هواتفهم أو وضعها جانباً عندما يجتمعون.
7. ابتعد عن استخدام الهاتف قبل النوم
تجنب استخدام الهاتف الذكي أو أي أجهزة رقمية أخرى قبل النوم، وذلك لتقليل التأثير السلبي على نوعية النوم والصحة العامة، حدد وقتاُ محدداً قبل النوم يكون فيه مناسباً لوضع الهاتف جانباً والابتعاد عن استخدامه.
كما يمكنك استخدام وضع الليل أو وضع "عدم الإزعاج" على هاتفك قبل النوم، والذي يقلل من إشعارات الهاتف ويجعل الشاشة أقل سطوعاً، مما يسهل النوم.
8. حاول استخدام واستهلاك وسائط حقيقة صحية
حاول استخدام واستهلاك وسائط حقيقة صحية يعني التركيز على الأنشطة والهوايات التي تنشط جسمك وعقلك في الواقع الحقيقي بدلاً من الاعتماد الكامل على الوسائط الرقمية مثل:
- ممارسة التمارين الرياضية.
- والتجول في الطبيعة.
- القراءة.
- الطبخ.
- التفاعل الاجتماعي مع الأصدقاء والعائلة.
هذه الأنشطة ليست فقط مفيدة للصحة البدنية والعقلية، ولكنها أيضاً تساعد في تقليل الاعتماد على التكنولوجيا والتخمة الرقمية.
9. حاول أن تستمتع باللحظة
حاول أن تستمتع باللحظة يعني أن تكون حاضراً ومتواجداً بذهنك وروحك في اللحظة الحالية، بدلاً من التفكير في استخدام الهواتف المحمولة أو وسائل التواصل الاجتماعي، عندما تكون مع الأصدقاء أو تزور مكاناً جديداً، حاول التمتع باللحظة والتفاعل مع من حولك بدلاً من التفكير في التقاط الصور أو التحديثات على الشبكات الاجتماعية.
10. اعمل على قضاء وقت أكبر مع الناس
العمل على قضاء وقت أكبر مع الناس يعني التفاعل والتواصل مع الآخرين في العالم الحقيقي، سواء كان ذلك من خلال الاجتماعات الاجتماعية، أو ممارسة الأنشطة الجماعية مثل:
- الرياضة أو الهوايات.
- الاسترخاء.
- التمتع بالوقت الممتع مع الأصدقاء والعائلة.
هذا يساعد في تقليل الاعتماد على التكنولوجيا وتحسين الروابط الاجتماعية الحقيقية، وبالتالي تقليل التخمة الرقمية.
11. خذ فترات استراحة منتظمة عن الشاشات
يعني ذلك تخصيص فترات منتظمة خلال اليوم للابتعاد عن الشاشات، سواء كانت الهواتف الذكية، أو الحواسيب، أو التلفزيونات، يمكنك تجربة هذه الطريقة من خلال أخذ فترة استراحة قصيرة تتراوح مدتها بين 5 إلى 10 دقائق كل 50 إلى 60 دقيقة من الاستخدام المستمر.
وهذا يساعد في تخفيف إجهاد العين، وتجديد الطاقة، وتحسين التركيز والإنتاجية، حتى الأشخاص الذين يعملون في وظائف مطلوبة يمكنهم تحقيق هذا الإنجاز من خلال تحديد أوقات محددة للراحة والانتعاش خلال اليوم.
12. نظم وقتك
نظم وقتك يعني تقسيم وقتك بين استخدام الأجهزة الرقمية وأنشطة أخرى مثل القراءة، وممارسة التمارين الرياضية، والتفاعل مع العائلة والأصدقاء.
وببساطة، يجب عليك تحديد الوقت المناسب لاستخدام الأجهزة الرقمية بشكل متوازن مع القيام بأنشطة أخرى تساعد في تحقيق التوازن في حياتك وتقليل التخمة الرقمية.
13. تطبيق تقنيات الاسترخاء
استخدم تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، والتأمل، واليوغا للتخفيف من التوتر والإجهاد الناتج عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا.
14. اطلب مساعدة
إذا واجهت صعوبة في التحكم في استخدامك للتكنولوجيا الرقمية، فلا تتردد في طلب المساعدة من أصدقائك أو أفراد العائلة أو متخصصين في الصحة النفسية.
شاهد بالفيديو: 10 أسباب لمنع الطفل من الألعاب الإلكترونية!
15. تشجيع الحميات الرقمية
تصور الحمية الرقمية مفهوماً يشبه مفهوم الحمية الغذائية، حيث يهدف إلى تنظيم وسائل الاتصال الرقمية واستخدامها بشكل صحي ومتوازن، حيث يسعى الأشخاص الذين يعانون من التخمة الرقمية إلى تطبيق الحمية الرقمية لتحسين صحتهم العقلية والاجتماعية والعاطفية من خلال تخفيف الاعتماد الزائد على التكنولوجيا والوسائط الرقمية.
ومن طرق الحمية الرقمية:
الصيام الرقمي
قد يكون الصيام الرقمي تجربة مفيدة للتخلي عن الأجهزة الرقمية لفترة محددة، مثل يوم أو حتى أسبوع كامل، خلال هذه الفترة، قم بمراقبة مزاجك ورفاهيتك وتسجيل ملاحظاتك في يومياتك لتتبع تجربتك، يمكن أن يساعد هذا النوع من التجارب في فهم تأثير الاعتماد الزائد على التكنولوجيا على حياتنا اليومية وصحتنا العامة.
الامتناع الرقمي
الامتناع الرقمي يعني الابتعاد الكامل عن استخدام الأجهزة الرقمية لفترة محددة من الزمن، سواء كانت ساعات قليلة أو أيام كاملة، في هذه الفترة، يمتنع الفرد عن فتح الهواتف الذكية، واستخدام الحواسيب، والولوج إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
يهدف ذلك إلى إعادة الاتصال بالعالم الحقيقي وتحسين الصحة العقلية والاجتماعية.
حذف برامج محددة
حذف برامج محددة يعني إزالة تطبيقات معينة من الأجهزة الرقمية التي قد تسبب إدماناُ أو تشتتاً زائداً،يتم ذلك لتقليل الوقت المستخدم في الأنشطة غير المنتجة وزيادة التركيز على الأنشطة الهادفة والمفيدة.
القضاء على وسائل التواصل الاجتماعي غير الضرورية منها
القضاء على وسائل التواصل الاجتماعي غير الضرورية يعني التخلص من التطبيقات أو المنصات التي لا تقدم فوائد كبيرة أو ضرورية للفرد، والتي قد تساهم في زيادة التشتت، تشمل بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي التي قد لا تقدم فائدة كبيرة وغير ضرورية:
- تطبيقات التواصل الاجتماعي الشائعة مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام، خاصة إذا كان الاستخدام ليس لأغراض اجتماعية حقيقية بل لمجرد التفرج على المحتوى.
- تطبيقات الدردشة الفورية التي قد تسبب الانشغال المفرط بالردود السريعة والتفاعل الدائم.
- تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تقدم محتوى سطحي أو محتوى غير مفيد من وجهة نظر الفرد.
استخدام خطة فوربس لمدة 30 يوم
خطة فوربس 30 يوم هي خطة تطوير شخصي مقترحة من مجلة فوربس، تهدف إلى مساعدة الأفراد على تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية خلال فترة 30 يوم، تتضمن هذه الخطة عادةً سلسلة من الأنشطة والتحديات التي يقوم بها الفرد يومياً لتحقيق هدف الخطة، مثلا:
- اليوم الأول: لا تلمس هاتفك حتى تصل إلى العمل.
- اليوم الثاني: لا تتفقد هاتفك أثناء وجبات الطعام.
- اليوم الثالث: الابتعاد عن تطبيق الفيس بوك.
- اليوم الرابع: الابتعاد عن رسائل البريد الإلكتروني بعد الخروج من العمل.
- اليوم الخامس: قضاء وقت أكبر مع العائلة.
- اليوم السادس: عدم استخدام الهاتف قبل النوم.
في الختام
التخمة الرقمية أصبحت تحدياً شائعاً في حياتنا اليومية، مما يؤثر على صحتنا العقلية والجسدية وجودتنا في الحياة، من خلال فهم الأسباب والتأثيرات لهذه الظاهرة، وتبني استراتيجيات التعامل معها، يمكننا أن نحد من تأثيرها السلبي ونحقق التوازن المطلوب في حياتنا الرقمية والواقعية.
ومن الضروري أن نتخذ خطوات نحو تقليل الاعتماد الزائد على التكنولوجيا، وتحديد الأولويات، وتنظيم وقتنا بشكل جيد، بالتزامن مع ذلك، يجب أن نستمتع باللحظات الحقيقية مع العائلة والأصدقاء، ونقدر التفاعل الإنساني خارج العالم الرقمي، بتطبيق هذه الخطوات البسيطة، يمكننا بناء علاقة صحية ومتوازنة مع التكنولوجيا، والتمتع بحياة مليئة بالرفاهية والسعادة.
أضف تعليقاً