بطبيعة الحال، لا قيمة للوقت والمال ما لم تكن لدينا أفكار ملهمة عن كيفية استثمارهما.
إذا حصلت على مليون دولار غداً على سبيل المثال، ولكن لم يُسمح لك بإنفاقها على أي شيء، فلن تكون لها أي قيمة، وإذا كان بإمكانك توفير ساعة إضافية عن طريق التخلص من التسويف، ولكن ليس لديك رؤية مقنعة لما عليك فعله في تلك الساعة، فلن تستفيد منها على الأرجح، ومع ذلك، يعتقد كثير منا أنَّ الحصول على مزيد من المال والوقت هو الهدف الرئيس لرحلتنا نحو النمو الشخصي.
يشير بعض الأشخاص إلى أنَّ سعينا إلى الحصول على المال والوقت، بعيداً عن مجرد البقاء على قيد الحياة، يتعلق بالقدرة على القيام بمزيد من الأشياء وقضاء مزيد من الوقت مع أحبائنا وأصدقائنا، على سبيل المثال، عند توافر المال، ربما نتمكن من تحمل تكاليف اصطحاب الأسرة إلى بلد أجنبي مدة أسبوع، ويكون لدينا الوقت لذلك، ولكن مجرد قضاء مزيد من الوقت مع أحبائنا - حتى لو فعلنا ذلك في أجمل الأماكن - لا يضمن أنَّنا سنستمتع بهذا الوقت معاً، فإذا كانت العلاقات بيننا متوترة أو غير مريحة، فقد ينتهي بنا الأمر إلى تمني العودة إلى العمل.
ما هي أهمية الوقت والمال؟
ما نريده من السعي إلى جني المال وتعزيز الإنتاجية ليس مجرد زيادة كمية الوقت الذي نقضيه في التواصل مع الناس، بل تعزيز جودة علاقاتنا مع الآخرين، سواء مع أحبائنا أم زملائنا أم الغرباء، بمعنى آخر، نريد أن نشعر بمحبة وتفهُّم الأشخاص الذين نتفاعل معهم، عندما نكون معهم.
نريد أن نشعر باحترامهم وقبولهم لنا كما نحن، فقد يفيد اكتساب مزيد من المال والوقت علاقاتنا بهذا المعنى، وربما يقربنا قضاء وقت إضافي مع عائلاتنا من أحبائنا على سبيل المثال، أو ربما يتيح لنا امتلاك منزل كبير إقامة مناسبات اجتماعية للتواصل والاستمتاع مع مزيد من الأشخاص.
مع ذلك، في كثير من الأحيان، نغفل عن حقيقة أنَّنا نسعى إلى النجاح المادي لتحسين علاقاتنا مع الناس، وينتهي بنا الأمر في نهاية المطاف إلى السعي إلى الحصول على المال والوقت بطريقة تضر في الواقع بعلاقاتنا، ويحدث هذا عندما نضع توقعات غير واقعية عن تأثير المال والوقت في علاقاتنا مع الآخرين.
يعمل بعض الناس على سبيل المثال بجد للغاية على أمل نيل تقدير الآخرين لهم عند تحقيق النجاح المادي، وربما يعتقدون أنَّ الآخرين سيجدونهم أكثر جاذبية أو إثارة للاهتمام أو أي شيء آخر، وبعضهم الآخر ممن يواجهون صراعاً في علاقاتهم - ربما مع أزواجهم أو أطفالهم - يسعون جاهدين إلى الحصول على الثروة معتقدين خطأً أنَّ مزيداً من المال سيجعل التفاعل مع أحبائهم أسهل بطريقة أو بأخرى، وربما يؤدي شراء سيارة أو منزل أكبر للعائلة إلى حل المشكلة في النهاية.
مع ذلك، فإنَّ التوتر الذي يسببه هؤلاء الأشخاص لأنفسهم، يؤدي في الواقع إلى تدهور علاقاتهم، إضافة إلى ذلك، عندما لا يحقق العمل الذي يقومون به التفاعلات العميقة والمرضية التي يريدونها، فإنَّهم يبدؤون في الاستياء وإلقاء اللوم على الأشخاص من حولهم، فيقولون لأنفسهم: "أنا أقوم بكل هذا العمل من أجلهم، لماذا لا يقدرونني؟"، والنتيجة هي مزيد من الصراع وعدم الرضى، إذا ركز كل منكما كثيراً على حياته المهنية على حساب الحب بينكما، فإنَّ كل الدخل الإضافي في العالم لن ينفعكما.
شاهد بالفديو: 7 أشياء أهم من المال
ما هي مقومات نجاح العلاقات؟
إذا لم يحسِّن المال والوقت علاقاتنا، فما الذي يحسنها؟ الخطوة الأولى لبناء علاقات أكثر إرضاءً من أي نوع هي إبقاء انتباهك على مقدار الأشياء المشتركة بينك وبين كل شخص تراه وتتفاعل معه، وإنَّ أهم صفة تتقاسمها مع أي شخص آخر هي الحقيقة البسيطة التي نغفل عنها؛ الحياة.
من ناحية، كل شخص هو كيان منفصل له اهتماماته وأحلامه وما يحبه وما يكرهه وما أشبه ذلك، ومن ناحية أخرى، نحن جميعاً أجزاء من نفس الكل، عندما نعطي حبنا وتقديرنا لشخص آخر، فإنَّنا نحب ونقدر أنفسنا، وعلى نفس المنوال، عندما ننتقد ونحكم على شخص ما، فإنَّنا نفعل الشيء نفسه لأنفسنا أيضاً.
عندما ندرك أنَّنا نتشارك الحياة مع جميع الكائنات، يصبح التواصل معهم أسهل وأمتع، وتزول أهمية المخاوف والأحكام والاحتياجات غير الملباة التي نتحملها في التعامل مع الناس، وعندما ننظر إلى محادثة مع شخص ما كما لو كانت مجرد حياة تتفاعل مع نفسها، فإنَّنا نشعر بالحب والمرح بدلاً من الخوف واتخاذ موقف دفاعي، وقد يكون إمعان النظر في الحياة التي نتشاركها مع الآخرين مرضياً جداً، حتى في أقل التفاعلات أهمية.
بث الحياة في الأوقات المشتركة التي نقضيها معاً:
في المرة القادمة التي تتفاعل فيها مع شخص ما، جرب تركيز انتباهك على الأحاسيس التي تشعر بها في تلك اللحظة، ولاحظ ضغط قدميك على الأرض، وتوسُّع وانقباض رئتيك، ونبض قلبك، والدفء والوخز الذي قد تشعر به في أجزاء مختلفة من جسمك، وما أشبه ذلك، وانتبه إلى مشاعرك بعيداً عن الهموم والأحكام والاحتياجات وغيرها من الأفكار التي تميل إلى تشويش عقولنا عندما نتعامل مع الناس، وركز انتباهك على الإحساس بدلاً من التفكير.
حاول أن تتخلى، في محادثة واحدة فقط، عن أي جهد للدفاع عن نفسك، أو ترك انطباع جيد عنك، أو قول أشياء ذكية أو مضحكة، وما أشبه ذلك، وضع في حسبانك، ولو لمدة قصيرة فقط، فكرة "نظراً لأنَّك أنت والشخص الذي تتحدث معه كيانٌ واحد - الحياة، والوجود، والوعي، أو أي شيء نريد أن نسميه - فلا يتعين عليك إثبات له أي شيء أو الحصول على أي شيء منه"؛ بمعنى أنتما خليتان من نفس الكائن الحي، وأنتما ببساطة تتحدثان إلى نفسيكما وتقدرانهما، فيمنحك الحفاظ على وعيك بجسدك إحساساً مباشراً بهذا الأمر.
قد تتحدث بطلاقة أو تلزم الصمت، فلا فرق في ذلك، فبصرف النظر عما تفعله أو تقوله في أثناء التفاعل، إذا حافظت على تركيز انتباهك في الطاقة التي تشعر بها في جسدك، فمن المرجح أن تكون المحادثة ممتعة ومرضية، وقد تشعر أيضاً بفهم الآخر لك وتقديره، والسبب هو أنَّك عندما تركز انتباهك على الحياة التي تتشاركها مع الشخص الذي تتحدث إليه، فإنَّه يبدأ في الشعور بالحيوية التي تستمدها من إحساسك بالحياة المشتركة ويقدرك من هذا المنطلق أيضاً.
عصر جديد من الكتب عن العلاقات:
بالطبع، توجد كتبٌ عن تحسين الذات لإنجاح العلاقات، لكن هذه التعاليم تميل إلى التركيز على الانفصال بيننا لا الوحدة بيننا، وعندما تتناول كتب التنمية الشخصية العلاقات بين الأشخاص، فعادةً ما يتعلق الأمر بأساليب إقناع الآخرين بمنحنا ما نريده في المبيعات ومفاوضات الأعمال، بدلاً من أساليب تقدير جوهر حياتنا المشتركة.
توجد كتبٌ عن العلاقات الحميمة، لكنَّها أيضاً تتمحور حول كيفية جعل أفراد الجنس الآخر يتجاوبون معنا بطريقة معينة، ويتلقى الرجال كماً هائلاً من النصائح عما يجب قوله وكيفية تحريك أجسادهم لإقناع النساء برجولتهم، وتتعلم النساء سلوكات لإقناع الرجل بالتزام العلاقة، حتى لو لم يكن راغباً في ذلك، وتتعامل هذه الكتب والمقالات مع أفراد الجنس الآخر كما لو كانوا منافسين أو حتى أعداء يجب علينا التغلب عليهم أو هزيمتهم، ونظراً لأنَّ هذه التقنيات ليست متجذرة في كياننا المشترك، فإنَّ أي سعادة نحصل عليها من استخدامها هي بسيطة وعابرة.
على النقيض من ذلك، عندما نتعامل مع أي شخص، بصرف النظر عن مدى أهميته بالنسبة إلينا، من منطلق إدراك طاقة الحياة التي نتقاسمها معه، فإنَّ الحاجة إلى التنافس معه أو الدفاع عن أنفسنا تتلاشى وتحل محلها الرحمة والألفة التي تنشأ من مكان أعمق من الفكر الواعي.
ستركز كتب التنمية الشخصية في المستقبل على أساليب إبقاء أنفسنا على دراية بكياننا المشترك في جميع أنواع التفاعلات، سواء العلاقة بين الأزواج، أم تربية الآباء للأطفال، أم مفاوضات العمل، أم أي شيء آخر.
في الختام:
بالتأكيد لا ضير من كسب المال وتعزيز الإنتاجية لما لهما من أهمية في تحقيق حياة متوازنة، ولكن عندما نعتمد اعتماداً كلياً على المال والوقت لمنحنا الرضى في علاقاتنا، فإنَّنا نقع في مشكلات تؤدي إلى تدهور علاقاتنا مع الآخرين، وعندما نركز اهتمامنا على الحياة التي نتشاركها جميعاً، فإنَّنا نحقق سعادة في تفاعلاتنا لا يمكن شراؤها بالمال والوقت.
أضف تعليقاً