ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سيليستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُقدِّم فيه 3 نصائح لترك انطباع أولي جيد.
وجدت صعوبة في القيام بأشياء مثل التحدُّث أمام الجمهور، بينما أستطيع القيام بذلك بأريحية في مناسبات أخرى، سرعان ما أشعر بالتوتر والقلق، وسؤالي هو كيف تحافظين على هدوءك، وتتركين انطباعاً جيداً في مثل هذه المناسبات؟".
سأجيب عن هذه الأسئلة من خلال 3 نصائح، لكن في البداية سأوضِّح بعض الأشياء:
لماذا الانطباع الأول ليس بهذه الأهمية التي نظنها؟
ربما من المفيد أن نعرف أولاً أنَّ الانطباع الأولي الذي تتركه لدى الناس لا يكون هاماً أيَّاً يكن هذا الانطباع، والسبب أنَّ الانطباع الأول يستمر إلى الفترة التي يجب فيها ترك انطباع ثانٍ، ويصبح بعدها انطباع الشخص عنك حالة متوازنة بين الانطباعين الأول والثاني، هذا يشبه إضافة الرقم 10 إلى العدد 100 أو إلى العدد 1000؛ وبذلك يصبح واضحاً لماذا ليس الانطباع الأول بهذه الأهمية التي نظنها.
لديَّ على سبيل المثال رأي إيجابي عن كثير من أصدقائي حالياً، ليس لأنَّهم تركوا انطباعاً أولياً مذهلاً، بخلاف ذلك، فقد أصابني بعضهم بالإحباط عندما التقينا لأول مرة؛ إذ شعرت بالنفور منهم؛ بل حتى إنَّني شعرت بأنَّهم متعجرفون، ومع ذلك فقد تغيَّر رأي للأفضل بعد لقاءات عدة، فساعد على تقاربنا بمرور الوقت ما نتشاركه من قيم، أما الانطباع الأول فأصبح من الماضي.
في المقابل، قابلت أشخاصاً تركوا لديَّ انطباعاً أولياً رائعاً، ومع ذلك شعرت بخيبة الأمل لاحقاً بسبب عيوب في شخصياتهم، مثل سرعة الغضب والخداع، فقطعت علاقتي معهم نهائياً؛ لأنَّهم ليسوا من النوع الذي أريده في حياتي.
إقرأ أيضاً: أربعة مفاتيح لتحصل على انطباع أولي ممتاز!
لقد حدث في أثناء عملي - بصفتي مدربة جلسات تدريبية لا يمكن وصفها بالمثالية - في الفصل الأخير الذي تحدَّثت فيه عن الأكل العاطفي مشكلات غير مسبوقة في البرنامج، مما أدى إلى التأخُّر عن توقيت بداية الحصة بمقدار 15 دقيقة؛ ومن ثمَّ أطلت زمن الحصة 30 دقيقة إضافية لإنهاء المادة، ومع أنَّه قد يتشكل لدى المشتركين الجدد انطباع أولي سيئ في الـ 15 دقيقة الأولى، فإنَّ ما حدث لاحقاً - مثل رؤيتهم لجودة المحتوى خلال ساعتين من الإعطاء، واستعدادي للإجابة عن التساؤلات جميعها وتغطية الأفكار جميعها، مع دعم من الأشخاص الذين وافقوا على ذلك - ساعدني على تبديد مخاوفهم.
مع أنَّ بعض الناس يخشون مقابلة أشخاص جدد لأول مرة، ويقلقون بشأن الانطباع الأولي الذي سيتركونه، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ معظم الناس لا يهتمون بذلك، على الأقل بالدرجة التي نظنها؛ فلنقل إنَّك ألقيت نكتة سيئة أمام فلان من الناس في أول لقاء، فقد يشعر هذا الشخص بالانزعاج، ويظن أنَّك شخص غريب الأطوار؛ لكنَّه لن يستمر بالتفكير في هذا الموضوع لنصف ساعة أو ليوم أو لأسبوع؛ لأنَّه ليس أمراً هاماً بالنسبة إليه، فسينسى ما حدث وسيعود إلى ممارسة حياته مثلما كان يفعل قبل أن يلتقيك.
في النهاية الشخص الوحيد المهووس بالانطباع الأول، هو أنت، في حين لا يهتم الآخرون مطلقاً.
لكن ما يزال الانطباع الأولي هاماً:
فأنا لا أعني أنَّك يجب ألا تهتم أبداً بترك انطباع أولي جيد؛ ففي النهاية تريد أن تترك أفضل أثر عند مقابلة أشخاص جدد لأول مرة، أو في أوقات أخرى؛ لأنَّ الأمر يتعلق باحترامك لوقتهم لا سيما في اجتماعات العمل، والمناسبات التي تتضمن خطاباً.
لطالما كرهتُ اللقاءات الأولى السيئة واجتماعات العمل التي يأتي إليها الأشخاص متأخرين وغير مستعدين، وحتى رسائل البريد الإلكتروني التي يرسل إلي فيها الشخص رسالة دون عناية، ودون الحصول على المعلومات الصحيحة كأن يخاطبني بصيغة المذكَّر.
أنا لا أتجاهل هؤلاء الأشخاص تماماً؛ لكنَّني أيضاً لا أعيرهم أي اهتمام خاص ما لم تثبت اللقاءات المستقبلية خلاف ذلك.
كيفية تكوين انطباع جيد في اللقاءات الهامة:
إذاً كيف نترك انطباعاً أولياً جيداً، خاصة عندما لا يتوفر لنا متسع من الوقت؟
شاهد بالفيديو: ما هي مهارات التواصل الفعال؟
1. قدِّم خطابك الترويجي:
الخطاب الترويجي هو مفهوم في مجال الأعمال، يشير إلى ملخص يُستخدم للتعريف بالشخص أو بالمهنة أو بالمنتج أو بالخدمة أو الشركة أو المناسبة بطريقة مختصرة، وتوضيح قيمته المقترحة، ولكونه خطاباً مختصراً فإنَّ ذلك يعني أنَّك يجب أن تكون قادراً على تقديمه في وقت قصير لا يتعدى في الأغلب 30 ثانية.
عند تكوين صداقات جديدة في مناسبات لا تتعلق بالعمل، فلا حاجة إلى أن تقدِّم نفسك لهم من خلال حديث مطوَّل؛ لأنَّ ذلك سيترك لديهم انطباعاً سلبياً؛ لذا استخدم بدلاً من ذلك فكرة الخطاب الترويجي الذي يهدف إلى استعراض الأمور الأساسية عنك خلال الـ 30 ثانية الأولى من اللقاء.
مثل أهم إنجازاتك التي تجعلك فخوراً، ما هي أهدافك التي تعمل على تحقيقها حالياً، وما هو شغفك في الحياة؟ ما هي الأشياء التي تحدد هويتك؟ لست مضطراً إلى تقديم نفسك من خلال جمل مقتضبة وسريعة، يكفي أن تسلِّط الضوء على أشياء قمت بها، مثل حصولك على شهادة الدكتوراه، أو ربما استقالتك من وظيفتك من أجل السعي إلى تحقيق حلمك، أو كتابة مقالات لمصلحة موقع مميز، أو العمل في شركة مرموقة، أو الاعتناء بأسرتك المكوَّنة من 3 أطفال، أو ربما نشر كتابك الأول، أو سفرك خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وهكذا.
ليس المقصود هنا أن تُبهر الطرف الآخر، لكن إخباره بأشياء أساسية عنك تفخر بها، مما يعطيه لمحة عن شخصيتك.
لنفترض على سبيل المثال أنَّك تعمل بصفتك مدوِّناً بدوام كامل، وقد تركت وظيفتك العام الفائت، لتحقيق شغفك بالكتابة عن السفر، وهذه من الأشياء التي تجعلك فخوراً؛ لذلك تستطيع أن تقول للشخص الآخر عندما تريد أن تعرِّفه عن نفسك: "مرحباً، أنا فلان، وأنا متفرغ للعمل بصفتي مدوِّناً، استقلت من وظيفتي العام الفائت لتحقيق شغفي في الكتابة عن السفر، وأسست حالياً مدوَّنة عن السفر، وأسميتها كذا، لقد أسَّست هذه المدوَّنة منذ 6 أشهر؛ لكنَّني متحمس للغاية؛ لأنَّ عدد القرَّاء يزداد، وآمل أن يتضاعف عددهم في الشهرين القادمين، ماذا عنك؟ ما هو عملك؟".
سيستمتع الطرف الآخر بهذا التعريف المختصر عن نفسك، ودون أن تبذل مجهوداً كبيراً، سيهتم الطرف الآخر بمعرفة مزيد عنك، ربما يتساءل عن الأماكن التي سافرت إليها، وعن رابط المدونة وكيفية قيامك بهذا، وكيف تكسب دخلاً من الكتابة عن السفر، هذه هي بعض الأسئلة التي ستخطر في ذهن المستمع خلال الـ 30 ثانية التي تحدثت بها.
ميزة أن تكون صريحاً في التعريف عن نفسك، هي أنَّك تجذب تلقائياً الأشخاص ذوي العقلية المماثلة لعقليتك، والذين يريدون أن يعرفوك جيداً؛ ومن ثَمَّ ستتجنب الأشخاص الذين لا يريدون ذلك؛ لذلك لا تهتم بأن تكون جريئاً؛ بل ركِّز أكثر على أن تكون صادقاً مع نفسك، وأن تجعل شخصيتك الحقيقية تتألق.
لكن احذر أن تفرط في الحماسة، وتسترسل في الحديث مطولاً عن مدى روعتك، أو مدى نجاحك؛ لأنَّ ذلك قد يجعل الآخرين ينزعجون منك غالباً؛ لذا تحدَّث عن الأمور الأساسية التي تجعلك تشعر بالفخر والأمور التي تحدِّد هويتك؛ ومن ثمَّ استخدم هذه الأمور بصفتها نقطة انطلاق لتعزيز التواصل.
2. أعطِ الطرف الآخر فرصة للتحدث:
احرص على أن يحصل الطرف الآخر على فرصة للتحدُّث وأن يكون لدى كل منكما فرصة لطرح أفكاره، لا بأس بأن يتحدث أحدكما أكثر من الآخر بقليل حسب الموضوع المطروح؛ لكنَّ الأمر الهام هو أن تحرص على أن يحظى كل منكما بفرصة للتحدث، إذا كانت المحادثة بين 3 أشخاص أو أكثر، فاسمح للجميع بالمشاركة في الحديث إذا كان ذلك ممكناً.
الالتزام بهذه القاعدة هام جداً؛ فالناس يحبون المشاركة في الحديث حتى الخجولين والهادئين منهم، لكن بشرط أن تعرف كيف تطرح الأسئلة، فلَدى كل شخص منا أشياء تثير شغفنا، وقد تكون علاقاتنا أو وظيفتنا أو هواياتنا وغير ذلك، وما يجعل الأشخاص الهادئين يتجنبون المشاركة في الحديث، هو أنَّك لم تطرح الأسئلة المناسبة.
أضف إلى ذلك أنَّك عندما تعطي الآخرين فرصة المشاركة في الحديث، فإنَّك تجعلهم محط اهتمام، وتحفِّزهم على إظهار شخصيتهم؛ إذ يتحدث معظم الناس كثيراً ولا يعطون الفرصة لغيرهم، فلا تكن واحداً من هؤلاء.
سيعزِّز تبادل الأدوار في المحادثة مع الآخرين الانطباع الإيجابي عنك؛ لأنَّك تُظهر للآخرين الاهتمام، بينما لا يفعل ذلك الآخرون؛ وذلك يُبرز سمات اللطف والتعاطف لديك، لكن في الوقت نفسه، لا تبالغ وتتوقع أن يشارك الشخص الآخر بالحديث كاملاً، فهذا يصبح أشبه باستجواب، فكما تريد أن تتعرف إلى الطرف الآخر، هو أيضاً يريد التعرُّف إليك، ولا تستطيع تحقيق ذلك إلا من خلال التحدُّث عن نفسك جيداً؛ لذا اجذب اهتمام الطرف الآخر، وسيعرف أنَّك ترغب في إجراء تواصل حقيقي معه.
شاهد بالفيديو: عشرين مهارة تجعلك محبوباً لدى الآخرين
3. ساعد الطرف الآخر إذا كان ذلك ممكناً:
لنفترض أنَّ الطرف الآخر مهتم بتأليف كتاب، وأنَّ لديك خبرة في تأليف الكتب أو نشرها، أو على الأقل تعرف صديقاً لديه خبرة في هذا المجال، أو تعرف شخصاً أصدر كتاباً من فترة، أو يؤلف كتاباً في الوقت الراهن، فقدِّم له خلاصة معرفتك؛ ومن ثمَّ وجِّه هذا الشخص إلى المسار الصحيح.
لقد أذهلني أحد أصدقائي ويُدعى "كارل" (Carl) بالانطباع الذي تركه لديَّ خلال مراسلاتنا الأولى إلى اليوم الذي التقينا فيه، كنت في مدينة نيويورك (New York) وكان هو في المدينة نفسها، فتواصلت معه لألقي التحية فقط، كان "كارل" أحد الأشخاص الذين أعرفهم عن طريق العمل؛ ومن ثمَّ تواصلنا مع بعضنا بعضاً عن طريق البريد الإلكتروني عندما أجريت مقابلة مع أحد الأشخاص على مدونتي، وكنت أشك فيما إذا كان سيجيب عندما أتواصل معه.
لكنَّه فاجأني بالرد على رسالتي؛ بل حتى إنَّه دعاني إلى تناول العشاء معه ومع زوجته وأصدقائه في عطلة نهاية الأسبوع، ثمَّ دعاني إلى تناول وجبة الفطور معه ومع صديقه في الصباح التالي، واصطحبني بجولة في أرجاء المدينة خلال فترة الظهيرة والمساء، مع أنَّه لم يكن مضطراً إلى ذلك، التقينا مرةً أخرى وبقينا على تواصل، وأصبحنا أصدقاء مقربين.
ما أذهلني بشأن "كارل" حينها هو لطفه، فهو لم يكن مضطراً إلى أخذي في جولة في أرجاء المدينة، أو أن يعرِّفني إلى أصدقائه؛ لكنَّه فعل ذلك؛ ولذلك ترك لديَّ انطباعاً مذهلاً، ما جعلني أؤمن بأنَّ هذه الصداقة تستحق أن تُعزَّز وتُوطَّد.
لذا اسأل نفسك، كيف يمكنك أن تقدِّم خدمة للطرف الآخر، هل يوجد أي شيء تستطيع من خلاله تقديم المساعدة لهذا الشخص؟ ما الذي يعمل عليه هذا الشخص الآن وتستطيع مساعدته على إنجازه؟ هل تعرف أي شخص مُطلِع في المجال يمكن أن تعرِّفه إليه؟
يجب ألا تقدِّم المساعدة فقط عندما يطلبها الناس؛ فمعظم الناس لا يطلبون المساعدة أبداً، لأنَّهم يرغبون في إظهار استقلاليتهم ولطفهم بهذه الطريقة، مُدَّ يد العون حتى لو لم يكن الشخص بحاجة إليها، وقد تجد رغبة لدى هذا الشخص بتعزيز علاقته معك.
إقرأ أيضاً: كيف تترك انطباعاً إيجابياً في أول يوم عمل؟
في الختام:
هذه 3 نصائح بسيطة تستطيع تطبيقها حتى في لقاءات قصيرة لا تتجاوز 15 دقيقة؛ لذا قدِّم نفسك بطريقة مختصرة، واسمح للطرف الآخر بالحديث، واعرض المساعدة عليه إذا كان ذلك ممكناً؛ وبذلك ستترك انطباعاً جيداً يدوم لفترة طويلة لدى الكثيرين إذا نفذت النصائح جيداً.
لكن في النهاية، تذكَّر أنَّك يجب ألا تقلق كثيراً بشأن انطباعات الآخرين عنك؛ بل ركِّز بدلاً من ذلك على كيفية التعبير للآخرين عن قيَمك من خلال أفعالك، سيؤدي ذلك تلقائياً إلى تكوين انطباع أولي رائع لدى الآخرين.
أضف تعليقاً