وعندما يحين وقت الحديث أخيراً، فإنَّ رد فعل جسدك الذي يسيطر عليه القلق يبلغ أقصاه، فتشعر في البداية بالتوتر، ثمَّ بمجرد أن تتصل بمديرك في العمل، ينبض قلبك بسرعة أكبر وتتعرق يداك.
مع استمرار هذه الأعراض، يصبح تنفسك سريعاً وضحلاً، وتحاول بكل الطرائق الممكنة تهدئة نفسك، لتتذكر عندها المقولة الشهيرة: "خذ نفساً عميقاً".
تماشياً مع هذه النصيحة، تبدأ الاستنشاق بعمق، ولكن ما مدى فائدة هذه النصيحة؟
من المحتمل أنَّ معظم الناس سمعوا أنَّ التنفس العميق يمكِن أن يكون له تأثير مهدئ، ولكنَّ هذا الأمر غير صحيح، ولفهم لماذا قد يؤدي التنفس بعمق إلى نتائج عكسية، يجب أولاً فهم أساسيات عملية تنفس الإنسان.
عملية التنفس:
التنفس عملية تلقائية؛ أي أنَّنا نتنفس في معظم الأوقات دون أن نكون مدركين تماماً لذلك، حيث يتحكم الجهاز العصبي غير الإرادي في الجسم بعملية التنفس، ويتكون هذا الجهاز من قسمين:
- الجهاز العصبي الودي، الذي يحفز استجابة الكر أو الفر في الجسم.
- الجهاز العصبي اللاودي، الذي يريح الجسم بعد تحفيزه.
يتوازى هذان النظامان مع عملية التنفس؛ ففي أثناء عملية الشهيق، ينخفض الحجاب الحاجز ويتسبب ذلك في توسيع القفص الصدري، وتمتلئ الرئتان بالهواء، مسببةً ضغطاً على جدران القلب، مما يؤدي بدوره إلى منع تدفق الدم من وإلى القلب.
لتعويض منع تدفق الدم هذا، تزداد معدل ضربات القلب، مما يحفز الجهاز العصبي الودِّي.
في أثناء الزفير، يرتفع الحجاب الحاجز لأعلى، ويقل حجم القفص الصدري؛ حيث تُفرِغ الرئتان الهواء بداخلهما، فيرتاح الجسم؛ إذاً في الواقع، الزفير هو الذي يساعد جسمك على الاسترخاء وليس الشهيق.
شاهد بالفيديو: 8 طرق للتخلص من التوتر
هل يساعد أخذ نفس عميق على الاسترخاء؟
بناءً على الآلية التي تتم بها عملية التنفس، وإذا "أخذتَ نفساً عميقاً" بسرعة؛ فقد يؤدي ذلك إلى فرط التنفس؛ وبالتالي استنشاق الكثير من غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يؤدي بدوره إلى تدفق دم أقل إلى الدماغ؛ فعادةً ما يَحدث فرط التنفس في حالات الذعر أو التوتر.
يعتقد الأشخاص الذين يطلبون منك "أخذ نفس عميق" أنَّهم يمنعونك من الإصابة بفرط التنفس عندما يطلبون منك التوقف عن التنفس بسرعة، فالفكرة هي أنَّ استنشاق الكثير من الهواء والاحتفاظ به هو فرط تنفس بحد ذاته؛ لأنَّك ما زلتَ تحفِّز جهازك العصبي الودِّي.
استخدِم التنفس العميق لمساعدة جسمك على الاسترخاء:
من الطبيعي جداً أن يستجيب الجسم للقلق والريبة من خلال اضطراب التنفس المفرط، إلا أنَّ الشيء الجيد هو أنَّ الإنسان يستطيع التحكم في معدل تنفُّسه وبالتالي؛ السيطرة على حالته النفسية.
يستطيع الإنسان تغيير نمط تنفُّسه، وهذا يعني أنَّه قادر على تدريب نفسه على الاستجابة لفرط التنفس بنمط تنفس إرادي مصمم لتعزيز الاسترخاء.
لذا؛ عندما تحاول التحكم بأعراض القلق التي تظهر عليك عندما تتحدث على الهاتف مع مديرك في العمل، ركِّز على إطالة الزفير، بدلاً مِن أخذ نفس عميق.
يوصي بعض الباحثين بنسبة محددة من الشهيق والزفير التي يمكِن ممارستها عند الرغبة في تحقيق حالة تنفس أكثر استرخاء، على سبيل المثال: توصي أستاذة علم النفس الطبي إينا كاهزان (Inna Kahzan)، في كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard)، بنسبة 4:6؛ أي تسخِّر 40% من دورة التنفس للشهيق، و60% من دورة التنفس للزفير؛ بحيث يكون التنفس من البطن "منخفضاً وبطيئاً"، وضرورة الانتباه "إلى موقع التنفس، والانتقال السلس من الزفير إلى الشهيق، والزفير الطويل والكامل، دون التركيز على عمق الشهيق".
على الرغم من أنَّ عدد الأنفاس المحدد الأكثر فائدة بالنسبة إليك قد يختلف بناءً على معدل تنفسك الطبيعي - حيث يميل بعض الأشخاص إلى التنفس بمعدل أعلى/ أقل من الآخرين - فإنَّ التقدير التقريبي لهذه النسبة هو أن تستنشق لمدة 4 ثوان، ثمَّ تأخذ زفيراً لمدة 6 ثوان.
الجدير بالذكر أنَّ التركيز على الزفير الطويل كوسيلة لاسترخاء تنفسك ليس مفهوماً جديداً. في الواقع، إنَّ مد الزفير هو جزء أساسي في العديد من تقاليد اليوغا (yoga)، واختبرَ بعض الباحثين تأثيرات تقنية براناياما (Pranayama) للتنفس (وهي التحكم بالتنفس في اليوجا)؛ حيث تكون نسبة الشهيق إلى الزفير 1:2؛ أي الشهيق أبطئ من الزفير عند مرضى الربو.
تدرَّب على التنفس العميق، وقلِّل التوتر من خلال التركيز على الزفير وليس على الشهيق:
في المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر، خذ دقيقةً لتوجيه نفسك، "وذلك من خلال أخذ شهيق لمدة 4 ثوان، ويتبعه زفير لمدة 6 ثوان.
ركِّز على الاستنشاق الطبيعي؛ أي ألا يكون النفس قصيراً ولا طويلاً جداً، ثمَّ مدِّد الزفير.
ستبدأ في ملاحظة أنَّك تهدأ، وهذا بدوره سيمكِّنك بشكل أفضل من التركيز على التحديات القادمة، ومع ذلك، ومثل معظم الأمور، فإنَّ استخدام التنفس لتنظيم الجهاز العصبي يتطلب تدريباً، لذلك من الهام جعل الزفير المطوَّل جزءاً من روتينك اليومي.
بغضِّ النظر عن حالتك النفسية، خذ وقتاً لممارسة الزفير المطول لمدة 2-5 دقائق (أو حتى تلاحظ استرخاء معدل التنفس) كل يوم، حيث يمكِن أن يكون هذا جزءاً من بناء اليقظة الذهنية لك كقائد.
كما هو الحال مع أيَّة عادةٍ، ستعزز الممارسة اليومية قدرتك على القيام بالزفير المطول عندما تكون في حالة من القلق الشديد أو الذعر أو التوتر.
في الختام:
شجِّع أصدقاءك وعائلتك على القيام بتمرين تنفس مماثل عندما يكونون في حالةٍ من القلق، فبدلاً من إخبار الناس "بأخذ نفس عميق" عندما يحدث شيء غير متوقع أو يسبب التوتر، انصحهم "بتمديد عملية الزفير".
أضف تعليقاً