أوَّلاً وقبل كلِّ شيء، يجب أن ندرك أنَّ الأطفال يتعلَّمون تعلُّماً أفضلَ عن طريق التجربة والتفاعل الفعلي، ومن هنا يأتي دور اللعب في توفير بيئة آمنة ومُحفِّزة للأطفال لاستكشاف أفكارهم وقدراتهم، فعند اللعب مع الأطفال، ينبغي أن نكون متفهِّمين ومتعاونين، وأن نشجِّعهم على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرِّية.
ثانياً، يمكننا تحويل اللعب إلى أسلوبٍ للحوار والتعلُّم عن طريق اعتماد بعض الاستراتيجيات، على سبيل المثال يمكننا طرح الأسئلة المفتوحة التي تُشجِّع الأطفال على التفكير النقدي والتعبير عن آرائهم، كما يُمكننا استخدام اللعب الدوري لتنمية مهارات التعاون والتواصل، فيتعاون الأطفال معاً لحلِّ المشكلات أو تنفيذ مهام معينة.
طرائق توظيف اللعب مع الطفل للحوار والتعلُّم وفقاً لعلماء النفس:
يعدُّ اللعب مع الطفل يومياً أمراً هاماً لتطويره الشامل، ومع ذلك لا يوجد عدد محدَّد من الدقائق أو الساعات التي يجب أن يلعب فيها الطفل يومياً، فيتفاوت ذلك بناءً على العمر والاحتياجات الفردية للطفل، وعموماً يُنصح بتخصيص وقت للعب مع الطفل في كل يوم، حتى لو كانت فترات قصيرة، يمكنك تقسيم الوقت على مدار اليوم لإدراج نشاطات اللعب، مثل اللعب الحر والألعاب التوجيهية.
تشمل هذه النشاطات اللعب بالألعاب المفضَّلة لدى الطفل أو القراءة معاً أو اللعب بالألعاب الخارجية، والأهمُّ هو أن تكون اللعبة ممتعة ومَرِحة للطفل، وأن تُتيح له فرصة للتعلم والتفاعل الاجتماعي، ويجب أن يشعر الطفل بالاهتمام والتوجيه من خلال اللعب معه، وأن يحدث تواصل وتفاعل بينكما.
إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون ثمة توازن بين اللعب الموجَّه واللعب الحر، فاللعب الموجَّه يكون بمشاركتك في النشاطات وتوجيه الطفل، في حين يمكن للعب الحر أن يُتيح للطفل الاستكشاف والتجربة الخاصة، ويجب أن تكون الحاجة إلى اللعب مرتبطة بالتطور والنمو الطبيعي للطفل، وأن تستجيب لاحتياجاته واهتماماته الفردية.
يكون توظيف اللعب مع الطفل وسيلةً فعَّالة لتطوير مهاراته على مختلف الأصعدة، سواءً كانت مهارات حركية أم اجتماعية أم إبداعية أم معرفية، وإليك بعض الطرائق التي يمكنك استخدامها لتحقيق ذلك:
1. المهارات الحركية:
يمكنك استخدام الألعاب الجسدية والنشاطات الحركية لتعزيز التنسيق الحركي والمهارات الحركية الدقيقة لدى الطفل، مثلاً يمكنك اللعب بالكرة وتشجيع الطفل على رميها والتقاطها، أو اللعب بالألعاب البنائية لتعزيز مهارات البناء والتوازن.
2. المهارات الاجتماعية:
شجِّع اللعب التعاوني واللعب الجماعي لتعزيز المهارات الاجتماعية لدى الطفل، ودَعْ الطفل يلعب مع أصدقائه أو أفراد العائلة، وقدِّم له الإرشاد لحلِّ المشكلات والتفاعل تفاعلاً إيجابياً مع الآخرين.
3.التفكير الابتكاري والإبداع:
استخدم الألعاب التي تحفِّز الطفل على التفكير الابتكاري واستخدام الخيال، ويمكنك توفير مواد فنية متنوعة مثل الألوان والأقمشة والنماذج لدعم الإبداع والتصميم الخاص بالطفل.
4. المهارات اللغوية والمعرفية:
استخدم الألعاب التعليمية التي تعزِّز المهارات اللغوية والمعرفية، ويمكنك اللعب بألغاز الكلمات أو الألعاب التعليمية التي تعلِّم المفردات والأعداد، كما يمكنك قراءة القصص للطفل وطرح الأسئلة لتشجيع التفكير وتطوير المفهوم القرائي.
5. التنوُّع والتحدِّي:
قدِّم مجموعةً متنوِّعة من الألعاب والنشاطات لتحفيز الاستكشاف وتطوير مهارات جديدة، ودع الطفل يتعرَّض لتحديات جديدة ويواجه صعوبات محتملة، فيمكنه تطوير مهارات التحليل والتخطيط والصبر.
6. الاستفادة من اللحظات اليومية:
توظيف اللعب مع الطفل في المواقف اليومية مثل الطبخ والتنظيف والتسوق، ويمكنك دمج الطفل في هذه النشاطات وتشجيعه على المشاركة وتطوير مهارات مثل العد والتصنيف وقراءة لافتات المحلات، وتعدُّ هذه الطريقة من أهمِّ طرائق الاستفادة من كل لحظة مع الطفل وتحويلها إلى حوار وتعلم ينعكس إيجاباً على الطفل.
استخدم اللعب لتطوير مهارات الطفل بطرائق ممتعة وتفاعلية، وتأكَّد من أنَّ اللعب يكون مرحاً ومليئاً بالتحفيز، واحرص على تقديم توجيه ودعم للطفل في اللعب، وبالتوازي مع ذلك قدِّم الحبَّ والاعتراف لجهود الطفل وتقدُّمه في تطوير مهاراته.
شاهد بالفيديو: فوائد التعلم باللعب للأطفال
ألعاب تتحوَّل إلى حوار وتعلُّم مع الطفل:
يمكن القول إنَّ معظم الألعاب تستخدم وتتحول إلى حوار وتعلُّم مع الطفل، فقط إذا امتلك الأهل النباهة والفطنة والقدرة على تطويع اللعب لمصلحة أطفالهم، وفيما يأتي مجموعة من الأمثلة عن الألعاب التي يمكنك لعبها مع الأطفال لتحويلها إلى أسلوب للحوار والتعلم:
1. لعبة "المطعم":
أعِدَّ مطبخاً صغيراً واطلب من الطفل أن يكون الطاهي المبدع، وفي أثناء اللعب يمكنك طرح أسئلة عن أنواع الطعام والمكونات المستخدمة والأطباق المفضلة، ويمكنك أيضاً استخدام الفرصة لمناقشة صحة التغذية وأهمية تناول الأطعمة الصحية.
2. لعبة "بناء الأبراج":
استخدم مجموعةً من الكتل أو الألعاب المشابهة لبناء أبراج، وفي اللعب يمكنك طرح أسئلة عن كيفية توازن الأبراج، وماذا يحدث عندما تضيف كتلة جديدة، وكيف يمكن تحسين التصميم، ويمكنك أيضاً استخدام الفرصة لمناقشة المبادئ الهندسية البسيطة والفيزياء.
3. لعبة "الأدوار":
خصِّص أدواراً للأطفال مثل الطبيب، أو المُعلِّم، أو الشرطي، ويمكنك طرح أسئلة عما يفعلونه في دورهم وكيف يساعدون الآخرين، ويمكنك أيضاً استخدام الفرصة لمناقشة قِيَم العمل الجماعي وأهمية مساعدة الآخرين.
4. لعبة "الحديقة":
جهِّز حديقة صغيرة واطلب من الأطفال أن يكونوا مسؤولين عن رعاية النباتات والزهور، ويمكنك طرح أسئلة عما يحتاجه النبات للنمو، وكيف يمكن الاعتناء به، ودور النباتات في حياتنا والبيئة، ويمكنك أيضاً استخدام الفرصة لمناقشة أهمية الحفاظ على البيئة والاستدامة.
5. لعبة "الكلمات المتقاطعة":
استخدم لوحة مغناطيسية أو قطع أُحجية مع الكلمات المتقاطعة، وشجِّع الأطفال على تكوين كلمات وحل الألغاز، ويمكنك طرح أسئلة عن معاني الكلمات واستخدامها في جمل، وتعزيز مهارات القراءة والكتابة.
هذه فقط بعض الأمثلة، ويمكنك بالطبع، تعديلها وتكييفها وفقاً لعمر الطفل واهتماماته الشخصية، والهدف الأساسي من هذه الألعاب هو تعزيز التواصل والحوار بينك وبين الطفل، وتشجيعه على التفكير النقدي واكتساب معرفة جديدة من خلال اللعب.
نصائح لتحويل اللعب العادي إلى حوار وتعلُّم:
فيما يأتي سنقدِّم مجموعة من النصائح عن كيفية تحويل الألعاب العادية إلى أسلوب للحوار والتعلم:
1. استغِل الفرص التعليمية:
ابحث عن المفاهيم التعليمية أو القيم التي ترغب في تعزيزها لدى الطفل، وحاول إدماجها في اللعب، فمثلاً إذا كنت ترغب في تعليم الطفل عن الألوان، يمكنك استخدام ألعاب البناء واطلب منه ترتيب الكتل وفقاً للألوان.
2. اطرَحْ الأسئلة:
في اللعب، كن مستعدَّاً لطرح الأسئلة المفتوحة التي تشجِّع الحوار والتفكير النقدي، واطرح أسئلة عما يحدث في اللعبة، ولماذا يحدث، وكيف يمكن تحسين الأداء، فهذا يساعد على تنمية مهارات التواصل والتفكير الاستدلالي لدى الطفل.
3. شجِّع على التعاون:
شجِّع الأطفال على اللعب مع الآخرين وتبادُل الأفكار والمعرفة، ويمكنك تشجيعهم على العمل بوصفهم فريقاً في حلِّ المشكلات أو إكمال المهام، وهذا يعزِّز المهارات الاجتماعية والتعاونية.
4. استفِدْ من الخيال:
دع الأطفال يستخدمون خيالهم وإبداعهم في اللعب، فقد يُجسِّدون شخصيات مختلفة أو يبتكرون قصصاً ومغامرات، واستمتع باللعب معهم واسألهم عن تفاصيل وأحداث القصة التي يبتكرونها، هذا يُعزِّز الخيال والإبداع وقدرات السرد لديهم.
5. وفِّر الموارد التعليمية:
استخدم الألعاب المصمَّمة خصيصاً للتعليم وتطوير المهارات، هناك عدد من الألعاب المتاحة في السوق تهدف إلى تعزيز المفاهيم الأكاديمية مثل القراءة والكتابة والرياضيات، ويمكنك الاستعانة بهذه الموارد لدمج العناصر التعليمية في اللعب.
6. حافِظْ على المرونة والمتعة:
لا تنسَ أنَّ الهدف الأساسي للعب هو المتعة والترفيه، فحافظ على الألعاب مرنة ومسلية، وتأكَّد من أنَّ الطفل يستمتع بالوقت الذي يقضيه في اللعب، فإذا كان الطفل يستمتع باللعب، فسيكون أكثر استعداداً للمشاركة في الحوار والتعلم.
عند تحويل الألعاب إلى أسلوب مثل الحوار والتعلم، يجب أن تكون حريصاً على إنشاء بيئة تعليمية داعمة، فيشعر الطفل بالراحة في التعبير عن أفكاره والاستفسارات، كما يجب أن تكون متحمِّساً ومشاركاً في اللعب والمحادثات مع الطفل، فهذا يعزِّز الانخراط والتعلُّم، ويجب أن تستغلَّ الألعاب بوصفها وسيلةً لتعزيز المعرفة والمهارات لدى الأطفال، وأن تستخدم الإبداع والمرونة في تحويل الألعاب العادية إلى فرص تعليمية ومحادثات غنية بالمعرفة.
في الختام:
إنَّ توظيف اللعب مع الطفل يكون أسلوباً فعَّالاً للحوار والتعلم، فعندما نلعب مع أطفالنا، نقدِّم لهم فرصةً للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، ونبني علاقات قوية ومتواصلة معهم، فعن طريق اللعب يمكننا تعزيز مهارات الطفل الحركية والاجتماعية والإبداعية والمعرفية، ويمكننا أن نشجعهم على التعاون وحل المشكلات وتطوير الخيال والإبداع والتفكير النقدي.
من خلال اللعب الموجَّه واللعب الحر، يمكننا توفير بيئة تعليمية مُحفِّزة تستند إلى اهتمامات وقدرات الطفل، فيجب أن نتأكَّد من أن تكون اللعبة مرحة وممتعة ومحبَّبة للطفل، وأن نقدِّم التوجيه والدعم اللازم له خلال اللعب، في نهاية المطاف، يجب علينا أن نتذكَّر أنَّ اللعب مع الطفل ليس مجرد تسلية، بل هو أداة قوية للتواصل والتعلم، ويكون للَّعب دورٌ هام في تعزيز تطور الطفل الشامل، وبناء علاقة وثيقة ومحبة معه.
لذا دعونا نستثمر في وقتنا مع أطفالنا ونستمتع باللعب معهم، ونجعلها فرصة للحوار والتعلم والنمو المشترك، فلنكن أصدقاء وشركاء لأطفالنا من خلال اللعب، ولنعِش معاً ذكريات جميلة وتجارب قيِّمة تستمر مدى الحياة.
أضف تعليقاً