وتُعَدُّ مهارة التفكير الناقد واحدة من المهارات التي يُعَدُّ اكتسابها من قِبل الطفل في سنوات مبكرة كنزاً ثميناً يفتح أمامه آفاقاً لا حدود لها من الفهم العقلي والمنطقي لكل ما يدور حوله، وبراعةً في حل المشكلات، وثقة في النفس مصدرها الاعتماد على جواب العقل عن كل سؤال، وبسبب أهمية وجود مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال، خصصنا هذا المقال للحديث عن هذه المهارة، وأهميتها، وكيفية تعزيزها عند الأطفال.
ما هو التفكير الناقد للأطفال؟
لا بد لنا من تعريف مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال حتى يتثنى لنا فهمها واكتشاف طريقة تنميتها لدى الطفل؛ لذا يمكننا الإجابة عن سؤال "ما هو التفكير الناقد للأطفال؟" بما يأتي:
التفكير الناقد للأطفال أو ما يسمى أيضاً التفكير النقدي هو قدرتهم على التفكير بوضوح وعقلانية، وعدم التسليم بأي فرضية دون تحليل ونقاش من قِبلهم حتى لو مع أنفسهم، وهي مهارات تفتح أمام الطفل باب الشك دائماً، وتحرِّض فضوله باستمرار، فيبحث عن الأسباب والدوافع التي جعلت الأمور تسير على النحو الذي تسير عليه.
وإنَّ مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال أعمق بكثير من عمليات الجمع والطرح وتذكُّر المعلومات؛ إنَّها مهارة تساعد الطفل على الاستخلاص والاستنتاج من التجارب التي تمر أمامه، وتوظيف معلوماته التي يستنتجها في حل المسائل والمشكلات، وفي حال لم تكن كافية للإجابة عن الأسئلة التي تدور في رأسه، فهو ببساطة وبواسطة مهارة التفكير الناقد التي يمتلكها سيرفض التسليم للنتيجة دون اقتناع كامل، وينطلق للبحث عن مصادر أوسع ومعلومات أخرى لحل المعضلة التي تشغل تفكيره.
إنَّ مهارة التفكير الناقد للأطفال تُثير في ذواتهم دوافع البحث، والميول نحو الاكتشاف، فهي تغذي الفضول الذي يمتلكه معظم الأطفال، وتساعدهم على الإجابة عن كثيرٍ من الأسئلة، عن طريق مناقشة البالغين أو الاستقصاء بأنفسهم عن طريق مقاطعة ما يسمعونه أو يشاهدونه مع معلوماتهم السابقة، للوصول إلى الجواب الذي يبحثون عنه.
ما هي مهارات التفكير عند الأطفال؟
تتنوع مهارات التفكير عن الأطفال، واتفق الباحثون على تقسيمها إلى قسمين: مهارات التفكير الأساسية، ومهارات التفكير العليا.
1. مهارات التفكير الأساسية فهي تنقسم إلى:
- مهارة التركيز التي يتفرع عنها مهارة تحديد المشكلات، ومهارة وضع الأهداف.
- مهارة جمع المعلومات التي تندرج ضمنها مهارة الملاحظة، ومهارة صياغة الأسئلة.
- مهارة التذكر التي تنقسم إلى مهارة الترميز، ومهارة الاستدعاء.
- مهارة التنظيم التي تتألف من مهارة المقارنة، ومهارة التصنيف، ومهارة العرض، ومهارة الترتيب.
2. مهارات التفكير العليا فيصنف ضمنها:
- مهارة التفكير الإبداعي.
- مهارة حل المشكلات.
- مهارة التفكير فوق المعرفي.
- مهارة اتخاذ القرارات.
- مهارة التفكير الناقد.
ما هي مهارات التفكير الناقد؟
يمكن تقسيم مهارات التفكير الناقد إلى مجموعة من المهارات الجزئية، التي تتكامل في مجموعها لتؤدي وظيفة التفكير النقدي تأدية تامة، ومهارات التفكير الناقد هي:
- مهارة الاستنتاج: التي تتيح الوصول إلى نتيجة محددة بعد سلسلة من العمليات، يضاف إليها معايير اختيار النتيجة المناسبة ودحض الخاطئة.
- مهارة التفسير: وهي التي تسمح بتحديد الأسباب التي أدت إلى نتيجة معينة وتعليلها.
- مهارة الاستدلال: التي تمكِّن من ربط الحقائق المكوِّنة لمسألة ما مع بعضها بعضاً وتجميعها بوصفها دلائل على صحة الفرضية المقدمة.
- مهارة التقويم: وهي التي تمكِّن من التأكد من صحة التفكير الناقد ونجاحه في حل المسألة وتنفيذه.
شاهد بالفيديو: كيف تساعد أطفالك على التفكير كرواد الأعمال؟
ما هي أهمية تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال؟
إنَّ أهمية تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال تنبع من مزايا هذا النمط من التفكير، والتي تتيح للطفل فهماً أوسع للعالم المحيط، وتزيد من تحصيله الأكاديمي، واتخاذ قراراته اتخاذاً مستقلاً، وإصدار الأحكام إصداراً واعياً بعيداً عن التحيز، عدا عن رفض تقبُّل المعتقدات الشائعة قبل تدقيقها وتمحيصها.
إنَّ أهمية تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال تبدو تظهر بوضوح في امتلاكه المهارات التي تخدم تحليل الأفكار ومحاكمتها عقلياً، والاعتماد على الخبرات التي تكونت من المواقف الحياتية السابقة في استنباط الحلول وطرائق المعالجة للمسائل الحالية، ولا تخلو مهارات التفكير الناقد من الاعتماد على التأمل والخيال في ابتداع الحلول وإيجاد الإجابات والترابطات المنطقية.
ومن أهمية تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال، أنَّها تجعله يعتمد على الدمج بين الخيال في البحث عن الحلول، والعقل في مقاطعة هذه الحلول مع المنطق، فالتفكير الناقد غالباً ما يكون مُوجَّهاً لخدمة قضية معينة أو حل مسألة ما، فهو يعتمد على دراسة المعطيات الموجودة وتسخيرها في إيجاد حل أو تفسير للحلقة الناقصة أو المشكلة التي تواجه الطفل.
تتميز العمليات العقلية التي تندرج تحت مهارات التفكير الناقد بالانضباط؛ فهي تحاول إيجاد الحلول في إطار المنطق المعتمد على معلومات حقيقية وواقعية، وحتى في حال تقديم الافتراضات، فهي يجب أن تكون مبنية على ملاحظات دقيقة، ثم تُسبَر بمقاييس العقل والمنطق، وتُستبعَد إذا ما كانت مخالفة لهما، وهذا ما يجعل أهمية تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال تقبع في مراتب عليا من سلم الأولويات والمهارات التي يجب على الأطفال اكتسابها.
وتُعَدُّ مهارات التفكير الناقد عند الأطفال هي الطريقة المثلى لإنشاء معيار تفاضلي في دماغ الطفل يساعده على تقييم الأمور والحكم عليها، فهي تولِّد في نفسه كثيراً من التساؤلات التي تحرضه للبحث عن الإجابة، ليكوِّن صورة واضحة ومنطقية عن الوسط المحيط به، ومن ثم إقامة المقارنات بين الاحتمالات ومناقشة كل واحد منها بطريقة عقلية ومنطقية، ليتسنى للطفل معرفة أسباب المشكلة الحقيقية واستبعاد الأسباب غير المنطقية، وتقديم حلول واقعية وعقلانية تساعد على إنهاء هذه المشكلة أو تفاديها.
ومن أهمية مهارات التفكير الناقد عند الأطفال، أنَّها تمكِّن الطفل من التفكير بوضوح، وسلسة الأحداث بطريقة منطقية تتيح له فهم المسائل بحيادية ووعي؛ الأمر الذي يشكل إضافة نوعية لشخصيته ويكون سلاحاً من أسلحة نجاحه وتميُّزه، ويُعَدُّ التفكير الناقد ركناً موجَّهاً نحو إحداث تغييرات جذرية في المجالات الاقتصادية والتقنية، فهذه المجالات هي الأكثر حاجة نحو ربط الأمور بأسلوب المنطق، وتُعَدُّ مهارات إيجاد المشكلات فيها وحلها جزءاً هاماً ومحورياً.
كيف تطوِّر مهارة التفكير الناقد عند الأطفال؟
يمكن تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال عن طريق مجموعة من الممارسات التي يمكن أن يقوم بها المربون في المنزل، والمعلمون في المدرسة.
سنورد فيما يأتي بعض التصرفات التي من شأنها تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال وتعزيزها:
1. لعبة حل الألغاز:
لا تتوقف أهمية لعبة حل الألغاز عند كونها لعبة ممتعة؛ بل تتعداها لتكون خطوة هامة في تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال، فهي تدفعهم إلى تحليل المعلومات التي تُقدَّم إليهم عن اللغز، ومحاولة مناقشتها، والربط بينها ربطاً منطقياً يوصلهم إلى نتيجة نهائية تكون حلاً لهذه المسألة أو هذا اللغز.
2. قراءة الصحف والكتب:
يُعَدُّ هذا الإجراء من الإجراءات التي تساعد على تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال، ويساعد سؤال الطفل عما فهمه أو استخلصه مما قرأ على سبر استيعابه، كما يُعَدُّ الطلب من الطفل تلخيص قصة أو كتاب أنهى مطالعته، طريقة مثالية لاختبار الصور والأفكار التي كوَّنها الطفل عن الشخصيات والأحداث.
3. تعزيز مهارة الاستماع:
تُعَدُّ تنمية مهارة الإصغاء والاستماع الجيد من الممارسات التي تساهم في تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال، فالاستماع يحتاج إلى تركيز جيد ودقة ملاحظة، ويَنتُج عنه تقييم من قِبل الطفل لما سمعه، وبناء رأي ووجهة نظر شخصية، ومقارنة لتوافق الآراء المطروحة مع رؤيته أو اختلافها.
4. النقاش مع الطفل:
يُعَدُّ خوض النقاشات من وسائل تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال، وهذا السلوك يساعد الطفل على تمييز الخطأ من الصواب، كما أنَّه ينبهه إلى عدم تصديق كل ما يسمعه، ويشجعه على الشك في صحته حتى يجد التعليل المناسب له.
ويساعد النقاش مع الطفل على تقوية ثقته بنفسه وتشجيعه على التفكير، وينصح المتخصصون بأهمية استشارة الطفل في الأمور التي تخصه لسماع رأيه، أو في الأمور التي تخص أمور المنزل عموماً، وليس من الشرط النقاش في أشياء جوهرية ومصيرية؛ إذ إنَّ تعداد الخضار والمواد الغذائية الموجودة في المنزل وسؤال الطفل عن الأطباق التي يمكن صنعها بواسطتها يُعَدُّ من التمرينات البسيطة التي تساعد على تطوير التفكير الناقد عند الطفل.
5. سؤال الطفل:
يُعَدُّ طرح الأسئلة أسلوباً من أساليب تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال، ويجب عدم الاكتفاء بإجابة مختصرة من جانب الطفل؛ بل الاستمرار في سؤاله عن سبب إجابته بهذه الطريقة، وما هي الأسباب التي حالت بينه وبين تقديم إجابة أخرى.
6. أن تدع طفلك يحل مشكلاته بنفسه:
إنَّ ترك الحرية والقيادة للطفل في حل مشكلاته يُعَدُّ من طرائق تطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال، ويُعَدُّ اندفاع الأهل لتقديم الحلول أو حل المشكلات التي تواجه الطفل في الدراسة أو اللعب واحداً من عوامل تشكيل طفل اتكالي ومفتقر إلى مهارة حل المشكلات؛ لذا فإنَّ التصرف الأفضل يكون في إعطاء مساحة ووقت كافيين للطفل لحل مسائله العالقة، والتدخل في الحالات التي لا تنجح فيها حلوله.
7. نشاطات اللعب الحر:
يسمح هذا النوع من النشاطات بتطوير مهارة التفكير الناقد عند الأطفال؛ فإنَّ استخدام الطفل ألعابه استخداماً غير مصمم للعب بها، يُعَدُّ تفكيراً خارج الصندوق من شأنه أن يعزز مهارة التفكير الناقد عند الطفل، كما أنَّ الرسم والتلوين يُصنَّفان أيضاً ضمن هذا النوع من النشاطات التي تسمح للطفل أن يعبِّر عن نفسه وأفكاره.
إنَّ التفكير الناقد هو أسلوب التفكير الذي يمكِّن الإنسان من معالجة الأمور معالجة عقلية ومنطقية، ويتيح له حل مشكلاته ومسائله بطريقة مستقلة، وإنَّ امتلاك مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال هو أولى طرائق بناء ثقتهم بأنفسهم، وبناء شخصياتهم المستقلة الواعية، وتوظيف فضولهم في المكان الصحيح.
أضف تعليقاً