نشر الباحثون "بريكمان" (Brickman)، و"كواتيس" (Coates)، و"جانوف بولمان" (Janoff-Bulman) مقالاً علمياً في مجلة "بيرسوناليتي أند سوشال سايكولوجي" (Personality and Social Psychology)، وقد أُجرِيَت دراسة على 22 شخصاً ربحوا اليانصيب، و29 شخصاً أصيبوا بالشلل بعد التعرض لحوادث سير.
كشفت الدراسة أنَّ مستوى سعادة هؤلاء الأشخاص بعد تعرُّضهم لهذه التغييرات الجذرية في حياتهم بمدة قصيرة لا يختلف عن شعور مجموعة مرجعية مؤلفة من أفراد لم يتعرضوا لتغييرات جذرية سواء كانت سلبية أم إيجابية في حياتهم.
كرة الثلج:
تتطاير ندف الثلج في كل مكان عند هز كرة الثلج للأعلى، ويكون المشهد خلاباً لدرجة تفوق الوصف، ولكنَّها سرعان ما تستقر وتعود لحالتها الطبيعية كما كانت في السابق.
تعكس آلية عمل كرة الثلج قابلية الإنسان للتكيف مع كل التغييرات التي تحدث في حياته؛ إذ يتميز العقل والجسم البشري بقدرة استثنائية على مواجهة التحديات واستيعابها والرجوع إلى وضع التوازن السابق، ويُطلَق على هذه العملية اسم الاستتباب الداخلي، وهي تعبِّر عن قدرة الجسم على المحافظة على استقراره وثباته أمام التغيرات الخارجية والداخلية.
زيادة مستوى السعادة:
تشير الدراسات التي أُجرِيَت على التوائم أنَّ نحو 22-55% من الفروقات الفردية في مستوى السعادة تتوقف على العوامل الوراثية، وهذا يعني أنَّ قدرة الفرد على زيادة مستوى سعادته هي محدودة بالفعل، ولكنَّها كافية ووافية.
يفترض أحد أبحاث "نظرية السعادة المستدامة" (sustainable happiness theory) أنَّ نتائج دراسة رابحي اليانصيب والناجين من حوادث السير صحيحة، ولكنَّها أغفلت بعض العوامل؛ إذ تشترك الحادثتان في كونهما خارجتان عن سيطرة الإنسان تماماً، وقد تمَّ إغفال هذا العامل في الدراسة.
أجرى الباحثون "شيلدون" (Sheldon)، و"آباد" (Abad)، و"فيرجسون" (Ferguson)، و"جانز" (Gunz)، و"هاوسرماركو" (Houser-Marko)، و"نيكولز" (Nichols)، و"ليوبوميرسكي" (Lyubomirsky) دراسة نُشِرت في مجلة "موتيفيشن أند إيموشن" (Motivation and Emotion)، وأثبتت نتائجها أنَّ تأثير تغيير الظروف الحياتية في مستوى سعادة الفرد شبه معدوم سواء كانت هذه التغييرات خاضعة لحكم القدر أم أنَّه عمل على تحقيقها عن سابق إصرار وتصميم.
يحدث هذا لأنَّه يعتاد على التغيير ويصبح الوضع طبيعياً بالنسبة إليه بعد فترة؛ وبالنتيجة يعود مستوى السعادة إلى وضعية التوازن من جديد، سواء كان التغيير يتعلق بزيادة الدخل المادي، أم الممتلكات مثل شراء سيارة، أم منزل، أم الحصول على وظيفة جديدة على سبيل المثال.
شاهد بالفديو: أنت لا تجد السعادة بل تبنيها كاتارينا بلوم Katarina Blom
كيف تصبح أكثر سعادة؟
لا داعي لأن تغيِّر ظروف حياتك حتى تصبح أكثر سعادة؛ بل يجب عليك أن تغير الروتين الذي يحكم نشاطاتك وعاداتك، وتداوم على خوض التجارب الجديدة والبنَّاءة باستمرار، فقد اكتشف الباحثون أنَّ مستويات السعادة تزداد عند الأشخاص الذين يتخذون تدابير فعلية لتحقيق التقدم في النواحي الآتية:
1. الاستقلالية:
تزداد سعادة الإنسان عندما يشعر بالمسؤولية تجاه سلوكاته ويتصالح معها.
2. الكفاءة:
تزداد سعادة الإنسان عندما يدرك مدى براعته في تأدية الأعمال، ويصقل قدراته ومهاراته.
3. العلاقات مع الآخرين:
تزداد سعادة الإنسان عندما يحظى ببعض العلاقات الهادفة في حياته.
يشترط نجاح العملية أن تكون إرادتك قوية، وتمتلك خطة عمل واضحة لزيادة سعادتك وتحقيق نتائج دائمة؛ إذ يعتقد بعض الأشخاص أنَّ السعادة مرتبطة بزيادة الممتلكات، والترقي في العمل، وتعزيز المكانة الاجتماعية، واتباع الأهداف التي يمليها الآخرون عليهم، وهذا أبعد ما يكون عن الصواب.
قد تزداد سعادتك عندما تحقق الشروط المذكورة آنفاً في بعض الحالات؛ لأنَّها ساهمت بمحض الصدفة في زيادة استقلاليتك أو كفاءتك أو جودة علاقاتك، فإذا كنت تعاني من الفقر الشديد على سبيل المثال، فإنَّ كسب المال سيساعدك على زيادة استقلاليتك، فخيارات الإنسان الفقير في الحياة محدودة للغاية، ولكنَّ زيادة مدخولك المادي إذا كنت ميسور الحال بالأساس لن يزيد من استقلاليتك ولا من سعادتك.
في الختام:
لقد قدَّم المقال 3 نتائج هامة تتعلق بموضوع البحث عن السعادة:
- إذا قمت بالعمل على تحقيق هدف يتعلق بالاستقلالية أو الكفاءة أو العلاقات وباءت التجربة بالفشل، فإنَّك ستصاب بالإحباط أكثر من حالة الفشل في تحقيق هدف يغير ظروفك الحياتية، وقد يحدث هذا لأنَّ الهدف في الحالة الأولى أكثر أهمية بالنسبة إليك، ناهيك عن أنَّ تحقيقه يعود عليك بمكاسب كبيرة، ويؤدي فشلك إلى إحداث خسائر كبيرة بالمقابل، لهذا السبب يجب عليك أن تحرص على اختيار أهداف واقعية يمكنك تحقيقها.
- يجب عليك أن تواصل العمل على تحقيق الأهداف التي تحتاج إليها في حياتك حتى تزيد سعادتك؛ إذ تنتج السعادة عن الاستمرار في خوض التحديات والتجارب الجديدة والنجاح في تأديتها؛ ولهذا السبب يجب عليك أن تختار هدفاً يتيح لك إمكانية الاستمرار في تحدِّي نفسك وتنميتها.
- تتحقَّق السعادة عندما يؤمن المرء بقدرته على زيادة مستوى سعادته، وهذا يعني أنَّ اعتماد العقلية الإيجابية يساعدك على تحقيق غاياتك، كما يجب عليك أن تكون منفتحاً للتجارب الجديدة والفوائد الناجمة عنها حتى تزيد من مستوى سعادتك.
أضف تعليقاً