توجد طريقة أخرى يمكن أن تتغير بها العلاقة بين أصدقاء الطفولة خلال فترة المراهقة من خلال تطوير سمات شخصية جديدة، وبصفتهم مراهقين قد يصبحون أكثر وعياً بأنفسهم ويبدؤون بتكوين آرائهم ومعتقداتهم الخاصة، وهذا قد يؤدي إلى خلافات أو جدالات مع أصدقاء طفولتهم، وقد يبدؤون بتطوير شعور أقوى بالهوية ويصبحون أكثر ثقة في التعبير عن أنفسهم، وهذا قد يغير الطريقة التي يتفاعلون بها مع أصدقاء طفولتهم.
أصدقاء الطفولة من وجهة نظر بعض الفلاسفة:
تتميز صداقات الطفولة من وجهة نظر بعض الفلاسفة بالبساطة والبراءة؛ وذلك لأنَّ صداقات الطفولة غالباً ما تستند إلى الخبرات المشتركة والشعور بالألفة، بدلاً من التوجهات الاجتماعية أو الفكرية أو الثقافية المعقدة أو القيم المشتركة، ومع نمو الأطفال وتطورهم، قد يمرون بخلافات عميقة يمكن أن تتحدى أساس صداقتهم.
يمكن أن تنشأ هذه الخلافات لأسباب عدة، مثل الاختلافات في القيم أو المعتقدات أو أهداف الحياة، على سبيل المثال قد يجد أصدقاء الطفولة الذين كانوا قريبين من قبل أنَّ لديهم أفكاراً مختلفة عن الدين أو السياسة، وهذا قد يتسبب في توتر صداقتهم.
إضافة إلى ذلك عندما يبدأ أصدقاء الطفولة بتجربة تعقيدات العالم من حولهم، فقد يبدؤون بتكوين وجهات نظر جديدة عن الحياة لا يشاركها أصدقاؤهم، كما يمكن أن يثير هذا إحساساً بالبعد أو الانفصال، وهذا قد يجعل من الصعب الحفاظ على الرابطة الوثيقة التي كانت لديهم من قبل.
أوباما وبايدن أصدقاء منذ الطفولة:
توجد عدة أمثلة عن أصدقاء الطفولة الذين تباعدوا مع تقدُّمهم في السن بسبب خلافات هامة، وأحد الأمثلة المعروفة هو الصداقة بين الرئيسين الأمريكيين؛ السابق "باراك أوباما" والحالي "جو بايدن"، فقد كان الرجلان صديقين في مرحلة الطفولة، وتربطهما خبراتهما المشتركة في كونهما غرباء في مجتمعاتهما، ومع ذلك مع تقدمهم في السن، بدأت آراؤهما السياسية تتباعد، وهذا أدى إلى فترة من القطيعة، وعلى الرغم من ذلك كانا قادرين على التصالح وذهبا في النهاية إلى الخدمة معاً في البيت الأبيض.
مثال آخر هو الصداقة بين "مارك زوكربيرغ" و"إدواردو سافرين" مؤسسي (Facebook)؛ إذ كان الرجلان صديقين في مرحلة الطفولة، وارتبطا بسبب حبهما المشترك لبرمجة الحاسوب، ومع ذلك مع نمو شعبية (Facebook) ونجاحه، أصبحت علاقتهما متوترة بسبب الخلافات بشأن اتجاه الشركة، وفي النهاية تم إجبار (Saverin) على الخروج من الشركة، ولم يتمكن الرجلان من تسوية خلافاتهما.
توضح هذه الأمثلة كيف يمكن أن تنشأ الخلافات العميقة بين أصدقاء الطفولة في أثناء نموهم وتطورهم، في حين أنَّه قد يكون من الصعب الحفاظ على صداقات وثيقة مع مرور الوقت، فمن الهام أن تتذكر أنَّ التغيير جزء طبيعي من الحياة وأنَّ الصداقات يمكن أن تتطور بطرائق مختلفة.
شاهد بالفديو: ملخّص كتاب كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس
ماذا يقول الفيلسوف الأمريكي غاريث ماثيوز عن صداقات الطفولة؟
كتب الفيلسوف الأمريكي "غاريث ماثيوز" بإسهاب عن موضوع صداقات الطفولة، ووفقاً لـ "ماثيوز" غالباً ما تتميز صداقات الطفولة بالبراءة والبساطة؛ وذلك لأنَّ الأطفال لم يُثقلوا بعد بأعباء تعقيدات علاقات البالغين.
يشير إلى أنَّ صداقات الطفولة غالباً ما تستند إلى الخبرات المشتركة والشعور بالألفة، وليس إلى القيم أو الاهتمامات المشتركة، كما يلاحظ "ماثيوز" أيضاً أنَّ صداقات الطفولة يمكن أن يكون لها تأثير عميق في النمو الاجتماعي والعاطفي للطفل؛ وذلك لأنَّها توفر بيئة آمنة وداعمة للأطفال لاستكشاف هوياتهم الخاصة والتعرف إلى العالم من حولهم.
إضافة إلى ذلك يشير "ماثيوز" إلى أنَّ صداقات الطفولة يمكن أن تصبح في بعض الأحيان مصدر توتر أو صراع، وخاصة عندما يقترب الأطفال من سن المراهقة، فعندما يبدأ الأطفال بتطوير شعور أكبر بالوعي الذاتي والاستقلالية، قد يبدؤون بالتشكيك في قيم ومعتقدات أصدقاء طفولتهم، وهذا قد يؤدي إلى خلافات أو نقاشات.
مع ذلك يعتقد "ماثيوز" أنَّ هذه الصراعات يمكن أن تكون مفيدة في نهاية المطاف؛ وذلك لأنَّها تساعد الأطفال على تعلم المهارات الاجتماعية والعاطفية الهامة، مثل التعاطف وتسوية الخلافات والتواصل.
هل من الهام إبقاء أصدقاء الطفولة من وجهة نظر الفيلسوف الأمريكي جاريث ماثيوز؟
بينما يقر الفيلسوف الأمريكي "غاريث ماثيوز" بالدور الهام الذي يمكن أن تؤديه صداقات الطفولة في التطور الاجتماعي والعاطفي للطفل، إلا أنَّه لا يجزم بضرورة الحفاظ على هذه الصداقات طوال حياته، ومع ذلك يعتقد "ماثيوز" أنَّ صداقات الطفولة يمكن أن يكون لها تأثير دائم في إحساس الشخص بذاته وفهمه للعالم من حوله.
يشير "ماثيوز" أيضاً إلى أنَّ أصدقاء الطفولة يمكن أن يوفروا إحساساً بالاستمرارية والترابط مع تحرك الناس في الحياة، وأنَّ هذه الصداقات يمكن أن تساعد الأفراد على الشعور بالجذور والانتماء، وبهذا المعنى يقترح "ماثيوز" أنَّ صداقات الطفولة يمكن أن تكون ذات قيمة بقدر ما توفر إحساساً بالدعم العاطفي والاجتماعي.
عموماً، وفي حين أنَّ "ماثيوز" لا يجزم بضرورة الحفاظ على صداقات الطفولة طوال حياة المرء، فإنَّه يدرك الدور الهام الذي يمكن أن تؤديه هذه العلاقات في تشكيل إحساس الشخص بذاته وفهمه للعالم من حوله.
ماذا يقول جان بياجيه عن صداقات الطفولة؟
"جان بياجيه" عالم النفس السويسري الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنَّه أحد أكثر علماء النفس التنموي تأثيراً في القرن العشرين، كان لديه أيضاً الكثير ليقوله عن صداقات الطفولة؛ إذ يعتقد "بياجيه" أنَّ التطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنموهم المعرفي، وأنَّ العمليتين مترابطتان، ووفقاً لـ "بياجيه" تعكس صداقات الأطفال تطورهم المعرفي، فيتعلمون فهم العالم الاجتماعي من حولهم والتنقل فيه.
لاحظ "بياجيه" أنَّ الأطفال الصغار غالباً ما يشكلون صداقات بناءً على الخصائص الجسدية المشتركة، مثل الجنس أو العمر، ومع ذلك مع نموهم وتطورهم، يبدؤون بتكوين صداقات أكثر تعقيداً تستند إلى الاهتمامات والقيم والشخصيات المشتركة، كما يعتقد "بياجيه" أيضاً أنَّ صداقات الأطفال تؤدي دوراً رئيساً في تطورهم الأخلاقي، فيتعلمون التمييز بين الصواب والخطأ والتعاطف مع الآخرين.
إضافة إلى ذلك أشار "بياجيه" إلى أنَّ صداقات الأطفال يمكن أن تكون مصدراً هاماً للدعم والحماية والتعاضد، ولا سيما في أثناء مواجهتهم لتحديات المراهقة، كما لاحظ أنَّ صداقات المراهقين غالباً ما تتميز بمشاعر الولاء والثقة؛ إذ يتعلم المراهقون الاعتماد على بعضهم بعضاً للحصول على الدعم العاطفي والنفسي والجسدي، وعموماً يسلط عمل "بياجيه" الضوء على الدور الحاسم الذي تؤديه الصداقات في النمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال، ويؤكد أهمية رعاية هذه العلاقات طوال فترة الطفولة والمراهقة.
شاهد بالفديو: 9 طرق لتطوير المهارات الاجتماعية
كيف يمكن أن يكون لصداقات الطفولة تأثير دائم في إحساس الشخص بذاته وفهمه للعالم من حوله؟
يمكن أن يكون لصداقات الطفولة تأثير عميق ودائم في إحساس الشخص بذاته وفهمه للعالم من حوله، وفيما يأتي بعض الطرائق التي يمكن من خلالها لصداقات الطفولة تشكيل نمو الشخص:
1. الخبرات المشتركة:
غالباً ما تتطور صداقات الطفولة بسبب الخبرات المشتركة، مثل اللعب معاً أو الذهاب إلى المدرسة أو النمو في نفس الحي، كما يمكن أن تساعد هذه التجارب المشتركة على خلق شعور بالانتماء والألفة التي يمكن أن توفر أساساً لإحساس الشخص بذاته وفهمه للعالم من حوله.
على سبيل المثال، الشخص الذي نشأ وهو يلعب كرة القدم مع أصدقاء طفولته قد يطور إحساساً قوياً بهويته بصفته لاعب كرة قدم، وهذا ما قد يؤثر في خياراته المهنية وعلاقاته الاجتماعية ونظرته العامة إلى العالم.
2. الدعم العاطفي:
يمكن أن توفر صداقات الطفولة أيضاً مصدراً للدعم العاطفي والنفسي، وهذا قد يساعد على بناء احترام الشخص لنفسه، كما يمكن للأصدقاء الداعمين أن يساعدوا بعضهم على الشعور بالتقدير والاحترام، وهذا الأمر قد يكون له تأثير دائم في إدراكه لذاته.
على سبيل المثال، قد يحمل الشخص الذي لديه صديق طفولته المقرب والذي كان دائماً موجوداً لتقديم كلمات التشجيع هذا الإحساس بالدعم العاطفي معه طوال حياته، وهذا يساعده على تطوير شعور قوي بالمرونة النفسية وتقدير الذات.
3. القيم والاهتمامات المشتركة:
في حين أنَّ صداقات الطفولة قد لا تستند دائماً إلى القيم أو الاهتمامات المشتركة كما يقول الفيلسوف الأمريكي "جاريث ماثيوز"، فمن المؤكد أنَّها يمكن أن تتأثر بها، ومع نمو الأطفال وتطورهم قد يبدؤون بالانجذاب نحو الأصدقاء الذين يشاركونهم اهتماماتهم وقيمهم التي يمكن أن تساعد على تشكيل شعورهم بالذات وفهمهم للعالم من حولهم.
على سبيل المثال، قد يكون الشخص الذي نشأ مع أصدقاء الطفولة الذين كانوا شغوفين بالعدالة الاجتماعية أكثر ميلاً إلى تبني منظور مماثل، وقد يكون لديه الدافع لمتابعة مهنة أو الانخراط في نشاط متعلق بهذه القضية.
في الختام:
يمكن أن يكون لصداقات الطفولة تأثير دائم في إحساس الشخص بذاته وفهمه للعالم من حوله، وهذا يوفر إحساساً بالاستمرارية والترابط الذي يمكن أن يشكل مساراتهم الشخصية والمهنية، كما لها دور في الدعم النفسي والعاطفي، لكن قد تواجه هذه الصداقات بعض الخلافات العميقة، وقد تصبح عبئاً على أصحابها، وهذا ما يدفعهم إلى التخلي عنها.
أضف تعليقاً