أولاً: أسباب الإلحاح
قبل التذمر والاستغراب والاستهجان وقبل الأسئلة من قبيل "من أين يجلب كل هذه الطاقة؟ ولماذا لا يمل؟ ولماذا لا يتوقف عن تكرار ما يريده؟" هل فكرتِ بصفتك أماً أو بصفتك أباً لماذا يلح ابنك بهذا الشكل؟ وما هي الأسباب التي جعلته قليل الصبر ولحوحاً بهذه الطريقة؟
في الحقيقة تقف العديد من الأسباب وراء إلحاح طفلك، فمن المؤكد أنَّ الطفل لم يولد وهو هكذا، لكن توجد مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية التي تضافرت لجعله هكذا، وخاصةً تلك المتعلقة بسنواته الأولى عندما تتكون السمات الرئيسة للطفل وتتشكل شخصيته، وسنعدد فيما يأتي بعضاً من أسباب الإلحاح:
- عدم الشعور بالأمان، ويرجع هذا إلى أسباب عديدة قد تكون الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو سفره.
- عدم الشعور بالحنان والعطف والإهمال المتكرر له.
- معاناته من التنمر من قِبل أحد إخوته أو أحد والديه.
- الدلال الزائد أيضاً قد يكون من أسباب الإلحاح، فالطفل يشعر أنَّ كل شيء تحت أمره.
قبل الإجابة عن السؤال الأهم "كيف أعالج مشكلة الإلحاح عند طفلي؟" سنقوم بذكر بعض التصرفات التي يبديها الطفل للتعبير عن إلحاحه التي لا تتوقف عند حد الكلام:
- استخدام عينيه واستمراره بالتحديق بالشيء الذي يريده بشكل يثير الانتباه.
- يعبِّر عن إلحاحه بضرب رجليه بالأرض أو حتى الاستلقاء على الأرض.
- يصبح عدوانياً وقد يضرب أمه أو أي شخص يقف أمامه، وخاصةً إذا كان في عمر صغير.
ثانياً: ما هي الخطوات التي تساعدك على وضع حد لإلحاح طفلك؟
يُعَدُّ الإلحاح من أكثر المصاعب التي تواجه الأهل وتكدر صفو حياتهم، وخاصةً عندما يتحول هذا الإلحاح إلى أسلوب ضغط يمارسه الطفل؛ وذلك لأنَّه يعرف ضعفك أمامه، وأنَّه بعد نوبة الحزن والبكاء والصراخ سيحصل على ما يريد.
بدايةً وقبل الحديث عن أي حل أو خطوة أو نصيحة، عليك التوقف عن الاستجابة له؛ وذلك لأنَّك عندما تستجيب له لا تقوم بشيء إلا بتعزيز سلوكه السلبي وتحويله إلى عادة لديه، فإذاً القاعدة الذهبية التي لا مجال للنقاش بها أو التغاضي عنها هي عدم الاستجابة للإلحاح حتى لو كان يمارسه عن طريق البكاء والصراخ والتهديد.
شاهد: 6 طرق تساعد في التعامل مع الطفل الكاذب
سنقدم فيما يأتي مجموعة من الخطوات التي ستساعدك في حال تمكنت من تطبيقها بشكل صحيح على تجاوز هذه المشكلة وتعديل سلوك ابنك بأسرع وقت:
1. وضع القواعد لكل الممارسات التي نقوم بها في المنزل وفي المدرسة وفي الشارع وفي كل مكان تقريباً:
وعندما نتحدث عن القواعد هنا، لا نقصد بأي حال من الأحوال تحويل المنزل إلى سجن أو معتقل يشعر فيه الطفل أنَّه مراقب دائماً ومحكوم؛ لأنَّ ذلك يفاقم المشكلة ولا يحلها.
تتعلق القواعد بأسلوب الحياة داخل المنزل، مثل تحديد مواعيد النوم والمبلغ المحدد للمصروف والطريقة المناسبة لتناول الطعام، وكل قاعدة عليها أن تُفسَّر للطفل حتى يفهم المصلحة من تنفيذها، وفي حال رغب الطفل مرة بالسهر قليلاً فلا مانع، وعلينا التعامل بمرونة وتحويل القرار دائماً لنا، كما علينا أن نتذكر دائماً أنَّ العناد لا يجدي نفعاً، فنحن لسنا في حرب مع أطفالنا، ولا نحتاج إلى الخروج منتصرين، والانتصار الوحيد يكون ببناء طفل سليم نفسياً وجسدياً.
عموماً يجب على الطفل أن يتعلم الالتزام، وهذا لا يحصل بالتلقين والإجبار؛ بل بالتقليد والمحاكاة، فالطفل في سنواته الأولى يميل ميلاً كبيراً إلى تقليد والديه، لذلك عليه أن يرى التزامك أنت أولاً، وصدقني سيفعل مثلك، وإذا كان طفلك في سنينه الأولى، فطبق هذه الخطوة وستكون مرتاحاً فيما بعد.
2. الطفل ذكي جداً وهو قادر على التقاط كل حركة أو تصرُّف منك:
فعندما يستشعر ضعفك أمام إلحاحه سيستمر ويزيد من الإلحاح، لكن كيف يستشعر الطفل ذلك؟ الجواب بسيط جداً عندما تفقد هدوءك سيعرف أنَّك اقتربت من الانصياع لرغبته، لذلك حافظ على هدوئك، ويمكنك تجاهله أو إعادة سبب الرفض وأنت تنظر بحب إلى عينيه، وإذا كان أحد ما معك يمكنك الانفصال قليلاً والابتعاد عنه تجنباً للانفعال الذي سيوصلك في النهاية إلى قبول ما لا تريده.
مثلاً إذا كنت في السوبر ماركت مع طفلك وألح إلحاحاً شديداً على طلب الشيبس، وعندما رفضت دخل في نوبة بكاء وصراخ داخل السوبر ماركت، بدايةً تذكَّر أنَّ كلام الناس ليس هاماً، فالهام هنا هو طفلك فقط، فارفض بكل هدوء دون عبارات التهديد من قبيل "عندما نعود إلى المنزل سأعاقبك عقاباً شديداً" فقط أخبره أنَّك لن تشتري الشيبس له، فقد تناوله ظهراً على سبيل المثال.
إذا لم يقتنع معك واستمر في الصراخ، فتجاهله قدر الإمكان، وحاول إلهاءه بقسم آخر أو بمساعدتك على اختيار الخضار الطازجة مثلاً، لكن إياك والوعود الكاذبة من قبيل "سنشتري بعد قليل" أو "سنشتري من مكان آخر".
3. الحب دائماً وأبداً هو السلاح الذي يمتلكه جميع الأهل:
ويستطيعون إشهاره في حال فقدان السيطرة، فلا تحاول الاستهانة بمشاعر طفلك أو إخباره بأنَّ ما يريده لا يعنيك؛ بل بخلاف ذلك يمكنك إخباره أنَّك تفهم طلبه جيداً، لكن يجب احترام القاعدة، وحتى يصبح موقفك أقوى يمكنك مثلاً تعداد بعض الأشياء التي كنت ترغب بشرائها، ولكنَّك لن تتمكن احتراماً لقواعد وحاجات العائلة.
مرة أخرى تذكر أنَّه لا يهم كم من الوقت مضى، ولا يهم من ينظر إليك، وبالتأكيد لا تستجب لمن ينصحك بإجباره بالعنف على السكوت، فهذا طفلك وأنت تريد حلاً دائماً، ولا تريد فقط تجاوز موقف بعينه، فكل هذه الطرائق تنهي الموقف، لكن لا تمنع تكراره، ناهيك عن كل الآثار السلبية في شخصية الطفل؛ لذا يمكنك استغلال كل ما يجري لمصلحتك، فعندما يلح طفلك مثلاً على الشوكولاتة، أخبره أنَّ الشوكولاتة ليست حاجة ضرورية، وأنَّ شراء الطعام الآن هو المقصد، ولكنَّك ستنفذ رغبته في حال فاض عن كمية النقود المخصصة لشراء الطعام.
حوِّل إلحاحه إلى لعبة، وابدأا معاً بعدِّ النقود، إن فاض ربح هو، وإن لم يفض تربح أنت، وذكِّره أنَّه يجب احترام قواعد اللعب دائماً، وشجعه على الاستمرار بالحماسة، كأن تقول: "بقي ثلاثة أغراض ومعي هذا المبلغ، هيا نكمل… بقي غرض، تعال نبحث عن تخفيضات، وهكذا...".
إقرأ أيضاً: أسئلة الأطفال المحرجة، وطرق التعامل معها
4. النقاش ثم النقاش:
ففي كل خطوة مما سبق عليك الاعتماد على النقاش والتفسير والتوضيح وذكر الأسباب، فأنت لا ترفض لمجرد الرفض وليس لأسباب خاصة، فقط احتراماً للقواعد.
5. توجد فكرة هامة جداً ظهرت خلال السنوات الماضية في الميادين التربوية:
وهي التركيز على النقاط الإيجابية في شخصية الطفل بدلاً من إصلاح السلبية، فبعد أن أمضينا سنوات طويلة في محاولة الإصلاح أثبتت الدراسات التربوية الحديثة أنَّ المجدي أكثر هو تعزيز الإيجابي وتطويره، لذلك لا تنسَ مدح طفلك عندما يقدم استجابة صحيحة، ولا تنسَ مكافأته على سلوكه الجيد، فإذا مر موقف لم يلح به طفلك، فامدحه عليه.
في الختام:
في النهاية لا بد من تذكير الأهل أنَّه لا يوجد حل سحري لمشكلة الإلحاح، وأنَّنا لن ننام لنستيقظ ونجد أنَّ المشكلة قد حُلَّت وتخلص طفلك من إلحاحه أخيراً؛ بل بخلاف ذلك عليك أن تضع في بالك أنَّك تحتاج إلى وقت وصبر كثير لتعديل سلوك طفلك السلبي وتعويده على استخدام سلوك بديل عن الإلحاح عندما يريد شيئاً بقوة.
أضف تعليقاً