لا داعي لنبحث كثيراً لندرك مدى تأثير وانعكاس مشكلات الحياة على العلاقة الزوجية، إذ يُعد الزواج واحداً من أكثر العلاقات التي تبدأ بالحب والحماسة والشغف والأحلام، وتنتهي بالفتور وانطفاء جذوة الحب.
تعزيز العلاقة الزوجية بالطاقة الإيجابية
أياً كانت الحالة الاجتماعية الحالية لك عزيزي القارئ، إلا أنّك قد مررت بتجارب كثيرة في حياتك الزوجية أو سمعت عن تجارب لأشخاص متزوجين، وأكاد أكون متأكداً من غالبية المتزوجين يعيدون ذات العبارات الآتية "ليتني لم اتزوج"، و"الزواج مسؤولية"، و"لو يعود بي الزمن إلى الوراء لما تزوجت"، وغيرها من العبارات التي تدل على حالة الفتور في العلاقة الزوجية.
قد يكون هذا الفتور أمراًطبيعياً، إلا أنّ استمراره من دون معالجة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة تصل حد الخيانة الزوجية أو الانفصال الزوجي. فهل فكرت يوماً في كيفية تجنب الملل في العلاقة مع الشريك؟ وهل أخبرت نفسك يوماً بأنّك لن تكون مثل أولئك المتذمرين من علاقتهم الزوجية؟
في اللحظة التي تشعر فيها أنّك عالق في شباك الملل، وأنّ زواجك بات أمراً روتينياً وعادياً بالنسبة إليك، فاعلم أنّه قد حان الوقت المناسب من أجل ضخ طاقة جديدة في العلاقة الزوجية. عليك أولاً أن تقف أمام ذاتك لتطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- هل علاقتي الزوجية كانت بمحض إرادتي أم تم فرضها عليّ؟
- هل علاقتي الزوجية الحالية أفضل من أيام الزواج الأولى أم أن اليوم هو الأفضل؟
- هل هناك أمر ما كنت أفعله في أيامي زواجي الأولى، ولم أعد أفعله الآن؟
- هل أنا قادر على إعادة الحب إلى علاقتي الزوجية؟
أسباب الملل في العلاقة الزوجية
عادةً ما تبدأ العلاقة الزوجية بكثير من الموجات العاطفية التي تترافق بالفرح والسعادة والأحلام الكبيرة، إلا أنَّ مثل هذه المشاعر والعواطف لا تستمر بعد الاستقرار مع الشريك. وهنا لا بد لكلا الشريكين أن يعرفا تماماً مسببات الفتور والملل الحاصل في العلاقة الزوجية، هذه الأسباب هي:
1. انخفاض معدل التواصل الفعّال
يرتكب عديد الأزواج أخطاء كبيرة في التواصل مع الشريك، فغالب الحديث يكون روتينياً، مثل "ماذا فعلت اليوم؟ وماذا ستطبخين غداً؟ وهل نام الأولاد؟ وهل درس الأبناء؟" وأخرى مثل "الطقس جميل اليوم، والطعام لذيذ"، وغيرها من الأحاديث الروتينية اليومية المتكررة.
لا يمكن أبداً أن نتجاهل سخف هذه الأحاديث السطحية التي تتحول إلى صمت مع مرور الأيام، فيصل الزوجان إلى مرحلة حتى يتوقفان فيها عن طرح مثل تلك السخافات، وتدخل العلاقة الزوجية في مرحلة الطلاق الصامت.
2. التوقف عن المبادرات
لا يمكن إنكار أنَّ الأيام الأولى من الزواج تكون مفعمة بالمبادرات الخلّاقة والمفاجئة من كلا الزوجين، إلا أنَّ الخطأ الذي يرتكبه غالب الأزواج والزوجات يكمن في توقفهم عن تقديم المبادرات تجاه الشريك. ولتكن صريحاً عزيزي القارئ، متى آخر مرة حملت فيها وردةً حمراء إلى زوجتك، وأنتِ أيتها السيدة الفاضلة، متى كانت آخر هدية قدمتها إلى زوجك؟
إنَّ استمرار المبادرات والقيام بالمفاجأت الجميلة يكسر نمط الروتين اليومي في العلاقة الزوجية ويبعدها عن التكرار المقيت، ويبعدها عن الملل، يقول رافي بيليك، مستشار العلاقات ومدير مركز بالتيمور للعلاج: "الحقيقة هي أنَّ جميع العلاقات تتطلب عملاً ومدخلات متسقة لتظل حيوية ومرضية".
3. التوقف عن السّعي وراء الأهداف
غالباً ما يكون لدى المرء أهداف كبيرة قبل الزواج، ومعظم الناس يحملون تلك الأهداف إلى أيام حياتهم الزوجية الأولى، ولكن مع مرور الوقت والسنوات توضع تلك الأهداف على رفوف النسيان، ويعلوها غبار الإهمال ولا يتم تنفيذها. هنا لا بد من التوقف قليلاً للتساؤل:
- هل وجود الشريك في الحياة الزوجية يعني عدم الاستمرار في تحصيلك الأكاديمي او نيل شهادة الدكتوراه مثلاً؟
- هل وجود شريك في العلاقة الزوجية يمنعك من القيام بالأنشطة التي كنت تقوم بها قبل الزواج؟
- هل استمرار العلاقة الزوجية لسنوات يعني أنَّ تتوقف عن قراءة كتاب أو كتابة رواية مثلاً؟
- هل تعني العلاقة الزوجية الجلوس في المنزل وعدم الخروج مع الأصدقاء؟
- هل تعني العلاقة الزوجية الانعزال عن المحيط الخارجي؟
بالعكس كلياً، إنًّ وجود الشريك يجب أن يحفّزك للقيام بكل ما تحبه، وهذا يساعد كلا الزوجين على كسر حالة الروتين والجمود التي يمكن أن تصيب العلاقة الزوجية.
شاهد بالفيديو: أسس الذكاء العاطفي بين الزوجين
4. توقف الزوجين عن ممارسة هواياتهم
لا يمكن لنا أن نتجاهل المسؤوليات الجديدة التي يتحملها الزوجان والتي تفرضها العلاقة الزوجية، ولا يمكن أن ننكر مدى الصعوبات التي يمكن أن تعترض سبيل الحياة والعلاقة الزوجية.
إلا أنَّ كل ذلك لا يبرر توقُّف الزوجين عن ممارسة هواياتهم، وخاصةً أنَّ ممارسة الهواية تبعث في النفس طاقةً إيجابية، فهي تُعد بمنزلة رعاية للذات من أجل أن تبتعد عن الروتين، ومن يهمل رعاية ذاته هو بالتأكيد لن يتمكَّن من رعاية علاقته الزوجية، وبالتالي الوقوع في فخ ملل العلاقة الزوجية وفُتورها.
كيف نعالج الملل في العلاقة الزوجية؟
إنَّ تجنُّب الملل في العلاقة الزوجية يعد مسؤولية تقع على عاتق كلا الزوجين، وبالتالي معالجته وإعادة إحياء الحماسة في العلاقة الزوجية لا يُعدّ أمراً معقداً ولا صعباً، فكل ما يتطلَّبه الأمر هو بذل جهد للحفاظ على الأشياء السعيدة في الحياة الزوجية، ومراقبة الأنماط والعادات غير الصحيّة التي تمتص الفرح من العلاقة الزوجية وتجعل كلا الزوجين عالقين في دوّامة الروتين اليومي.
لذلك عزيزي القارئ سنتعرف معاً إلى 7 طرائق يمكن استخدامها لإعادة بثّ الحياة في العلاقة الزوجية، وهي:
1. فرز مشكلاتك الشخصية
تكون معالجة الملل في العلاقة الزوجية من خلال تشخيص المشكلات التي يعاني منها كلا الزوجين، وتحييد أثر تلك المشكلات. على سبيل المثال، قد تكون هناك مشكلات في عملك أيها الزوج، فليس من مسؤولية الزوجة أن تنقل لها تلك المشكلات إلى داخل المنزل لتتوتر الأجواء وتتشنج العلاقة الزوجية، وتبتعد السعادة عن المنزل، لذا على كلا الزوجين أن يمتلكوا مهارة ضبط المشكلات والتحكم بها، والحفاظ على حالة السعادة في العلاقة الزوجية.
إقرأ أيضاً: 7 سلوكيات خاطئة تجنبها حتى تحافظ على زواجك
2. مراجعة الذات
إن شعرَ الزوجان أنَّ هناك فتوراً في العلاقة الزوجية، فعليهم مراجعة ذاوتهم للتعرف على أفعالهم وأفكارهم التي تؤدي إلى الفتور في العلاقة الزوجية، من أجل استبدال تلك الأفكار والتصرفات بأُخرى تغذي حالة الحب في العلاقة الزوجية وتعيد الألق إليها.
3. اخرج عن المألوف
من المعروف لكل فرد منا سواء كان متزوجاً أم لا أنّ كسر الروتين لا يكون إلا من خلال الخروج عن المألوف، فكيف إذاً في حالة العلاقة الزوجية؟ لا يمكن أن نتجاهل أنَّ مرور الأيام والسنوات في العلاقة الزوجية يجعل كلا الزوجين يعرفان بعضهما تماماً مما يخلق نوعاً من الفتور.
ولذا، عندما يستشعر الزوجان مثل هذا الفتور في العلاقة الزوجية عليهم مسؤولية أن يغيّروا الروتين. على سبيل المثال، إن كان من المعتاد بين الزوجين الخروج إلى منطقة ريفية في عطلة نهاية الأسبوع فمن الأفضل أن يتغير الأمر وليكن الذهاب إلى الساحل مثلاً أو رحلة في الصحراء وغيرها من الأفعال التي يمكن أن تكسر جمود الحياة اليومية.
4. التواصل العفوي
لا شيء أجمل من أن يتصرف الزوجان بعفوية فيما بينهما، مع تفهُّم كل منهما لعفوية الطرف الآخر من العلاقة، فالعفوية في العلاقة الزوجية تكسر الروتين وتُبعد الملل عنها، وتفتح قنوات التواصل بين الزوجين.
5. عدم التوقف عن التعلُّم
على كلا الزوجين أن يحاربا الملل في العلاقة الزوجية من خلال اكتساب مهارات جديدة تابع الأخبار مثلاً، وانخرط في الفعاليات، وانقل التجارب إلى بيتك. وأنت أيتها الزوجة، لا تتوقفي عن تجريب أشياء جديدة من مأكولات، ومشروبات، وألبسة، وتعلُّم كيفية ترتيب الديكورات المنزلية بطريقة مختلفة، قد يظنّ الزوجان أنّهما كبرا على مثل هذه الأشياء، والسؤال هنا: ألم تقوموا بهذه النشاطات في أيام الزواج الأولى؟ أترك الجواب لكم.
6. الحفاظ على الخصوصية، والابتعاد الإيجابي
الخصوصية الفردية شيء جميل ويقدسه الناس، لذا من المهم جداً لكلا الزوجين أن يحافظا على خصوصيّتهما الفردية، كالعلاقة بالأصدقاء والخروج معهم، وممارسة الهوايات الخاصة.
تخلق هذه الأمور لكل منهما مساحته الخاصة التي يمكن من خلالها أن يجدد طاقة الحياة في العلاقة الزوجية، فخروج الزوج أو الزوجة في رحلة مع الأصدقاء من دون مرافقة الشريك يؤجّج لديهما مشاعر الاشتياق للشريك، ويكسر روتين التواجد اليومي في المنزل، ويبعد شبح الملل.
في الختام
يجب علينا أن ندرك تماماً أنَّ العلاقة الزوجية هي كعلاقة الورد مع الماء والتراب، فمن المستحيل أن تزهر وردة مالم يتم العناية بها ورعايتها، كذلك هي العلاقة الزوجية؛ من المستحيل أن تستمر متأججة بالحماسة ما لم يحمل كلا الزوجين مسؤوليتهما الكاملة في رعايتها.
من منا لم يسمع بحالات طلاق وانفصال دون أسباب واضحة؟ لو بحثنا في تلك العلاقات لوجدنا أن الملل هو المسبب الرئيس للطلاق وعلى الرغم من صغر كلمة الملل إلا أنَّ لها مدلولات خطيرة جداً فهي تعني الطلاق الصامت وفقدان الشغف تجاه الشريك. وهناك من يجتازها بأمان واقتدار، وآخرون يفشلون، وتتحول الحياة في أحسن الأحوال إلى مجرّد روتين عادي يختصر في الطعام والشراب والغسيل والقيام بالواجبات المعتادة.
أضف تعليقاً