يكون تغيير المدرسة تجربةً صعبةً للطفل، وبخاصة إذا كان التغيير ناتجاً عن الانتقال إلى مدينة أو بلدة أخرى أو تغيير المدرسة بسبب التحاق الطفل بمرحلة تعليمية جديدة، وفي جميع الأحوال فإنَّ الانتقال إلى مدرسة جديدة سيترك تأثيراً لا محالة في شخصية الطفل وعلاقاته الاجتماعية، ومن خلال دور الوالدين يمكن تخفيف حدة هذا المنعطف الحياتي وجعله أكثر سلاسة بالنسبة إلى الطفل.
سوف نتحدث في هذا المقال عن تأثير تغيير المدرسة في العلاقات الاجتماعية للطفل، وكيف يمكن للوالدين مساعدة الطفل على تجاوز هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة.
كيف يؤثر تغيير المدرسة في العلاقات الاجتماعية للطفل؟
تعني المدرسة الجديدة زملاء جدد ومعلمين جدد وربما قوانين جديدة، وأشياء كثيرة من شأنها أن تشتت الطفل عن الانتباه للعملية التعليمية، والتي لا ينخرط فيها بكفاءة دون أن يشعر بالأمان والألفة، وستُتَرجَم مشاعر الطفل بالاغتراب على شكل اضطرابات في علاقاته الاجتماعية، فقد يلجأ للانعزال أو يشعر بالوحدة أو يرفض الانخراط في مجموعات جديدة، فكيف تتأثر العلاقات الاجتماعية للطفل عند تغيير المدرسة؟
أولاً: فقدان الأصدقاء
رفاق مرحلة الدراسة هم الأكثر تأثيراً في حياة الطفل، ووجودهم يساهم في تطوير الطفل لمهاراته الاجتماعية والقيادية، ولكن عندما يضطر الطفل إلى تغيير محيطه الاجتماعي من الرفاق الذين اجتهد طويلاً في اختيارهم بناء على القواسم المشتركة بين شخصيته وشخصياتهم، سوف يشعر بالفقد بالتأكيد، وسيشعر أنَّه لن يستطيع تكوين صداقات جديدة، وتُتَرجَم أفكاره هذه على شكل المشاعر الآتية:
1. الحزن:
يشعر الطفل بالحزن على فقدان أصدقائه المقربين.
2. الخوف:
يشعر الطفل بالخوف من عدم القدرة على تكوين صداقات جديدة.
3. الوحدة:
قد يشعر الطفل بالوحدة والانعزال إذا لم يتمكن من تكوين صداقات جديدة بسرعة، أو إذا لم يكن أصدقاؤه الجدد بنفس مستوى الانسجام مع شخصيته كما الرفاق القدامى.
4. الغضب:
قد يشعر الطفل بالغضب من فقدان أصدقائه أو من الانتقال إلى مدرسة جديدة.
تؤثر هذه المشاعر في سلوك الطفل، وقد تؤدي إلى انخفاض درجاته المدرسية أو إلى مشكلات سلوكية.
ثانياً: الشعور بالوحدة
يشعر الطفل الذي يغير مدرسته بالوحدة في المدرسة الجديدة، وقد يجلس في الفصل وحيداً ويقضي الاستراحة وحيداً ويتناول طعامه وحيداً، وهذا ما سيزيد رفضه للمرحلة الجديدة، ويعزز من حنينه للمرحلة السابقة، فلا يُلام الطفل على هذه المشاعر، ولكن من الطبيعي أن يشعر بها، وفي مثل هذه الحالات يجب على الأهل أن يتحدثوا مع الطفل كثيراً وأن يشجعوه على الانخراط مع أصدقائه وتكوين علاقات صداقة جديدة تبدد شعوره بالوحدة، وتجعل بعض الأسباب الطفل يشعر بالوحدة عندما يغير مدرسته، ومنها:
1. فقدان الأصدقاء:
عندما ينتقل الطفل إلى مدرسة جديدة، فإنَّه يفقد أصدقاءه المقربين في مدرسته القديمة، وهذا يكون صعباً جداً على الطفل، ويؤدي إلى الشعور بالوحدة والانعزال.
2. الشعور بالاختلاف:
قد يشعر الطفل بأنَّه مختلف عن الأطفال الآخرين في مدرسته الجديدة، ويكون هذا بسبب اختلاف خلفيته الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية أو بسبب أسلوبه في الحياة.
شاهد بالفديو: تغيير المدرسة للطفل: الصعوبات والحلول
3. نقص الثقة بالنفس:
قد يشعر الطفل بعدم الثقة بنفسه في بيئة جديدة، ويؤدي هذا إلى التردد في التواصل مع الأطفال الآخرين وتكوين صداقات.
إنَّ الشعور بالوحدة تجربة صعبة جداً للطفل، ويؤدي إلى انخفاض درجاته المدرسية أو إلى مشكلات سلوكية، لذا من الهام أن يتذكر الآباء أنَّ هذا الشعور هو تجربة طبيعية تحدث لأي طفل يغير مدرسته، ويحاولوا أن يقفوا إلى جانب أبنائهم في هذه المرحلة، إضافة إلى القيام بالأشياء التي تساعد على تخفيف آثار هذه التجربة في طفلهم.
ثالثاً: التعرض للتنمر
إنَّ تغيير الطفل لمدرسته كما قلنا سوف يشعره بالوحدة والفقد لأصدقائه، وهذا ما قد يجعل ثقته بنفسه أقل، وهذا ما يستغله عادة الأطفال المتنمرون؛ إذ يقومون باستغلال ضعف الطفل الوافد حديثاً ووحدته، ويدركون أنَّ لا رفاق له يدعمونه ويوقفونهم عند حدهم، فيتمادون في إزعاجه والتنمر عليه، وهذا ما يصعِّب بدوره علمية اندماج الطفل في مدرسته الجديدة، ومن الأسباب التي تؤدي إلى تعرض الطفل للتنمر عندما يغير مدرسته:
1. الشعور بالاختلاف:
فقد يشعر الأطفال الآخرون بأنَّ الطفل الجديد مختلف أو غريب، وهذا يدفعهم إلى التنمر، وبخاصة إذا كان الاختلاف في الشكل أو الانتماء الديني أو اللكنة أو غير ذلك.
2. نقص الثقة بالنفس:
يشعر الطفل الجديد أنَّ العيون جميعها محدقة به، وأنَّه مراقب طيلة الوقت، وهذا ما يترجَم على شكل تردد في التواصل مع الأطفال الآخرين وتكوين صداقات، ومن ثم يجعله هدفاً للتنمر.
3. عدم معرفة قواعد المدرسة:
قد لا يعرف الطفل قواعد المدرسة أو توقعات المعلمين، وقد يؤدي هذا إلى ارتكاب أخطاء أو مخالفات؛ وهذا قد يجلب له التنمر.
كيف أساعد طفلي على تحسين علاقاته الاجتماعية عند تغيير المدرسة؟
فيما يأتي بعض الطرائق التي ترشد الوالدين والمعلمين في مساعدة الطفل المنتقل حديثاً إلى مدرسة جديدة على تجاوز مخاوفه وكسر عزلته وبناء علاقات اجتماعية جديدة:
1. تهيئة الطفل نفسياً لعملية الانتقال والتغيير:
إنَّ أول وأهم خطوة يجب على الأهل اتباعها لمساعدة طفلهم على تقبل مدرسته الجديدة وبناء علاقات اجتماعية جيدة هناك هي الحديث مع الطفل عن عملية الانتقال قبل حدوثها، والحديث عن الفروقات والاختلافات بين المدرستين، إضافة إلى تبرير أسباب الانتقال للطفل، والسماح له بالتعبير عن رأيه ومخاوفه بحرية ومناقشتها معه، وإنَّ هذا الحوار إذا تم بهدوء ودون عصبية وتوتر سيكون له مفعول سحري في جعل عملية التغيير أكثر سلاسة.
2. التحدث مع الطفل عن يومه المدرسي:
في المدرسة الجديدة يجب على الأهل سؤال الطفل يومياً عن يومه المدرسي، وعن الأشياء التي أعجبته وأزعجته، وعن الزملاء الذين استلطفهم أو نفر منهم، فهذا يساعد الأهل على تقييم وضع طفلهم الاجتماعي في مدرسته.
3. تشجيع الطفل على المشاركة في النشاطات المدرسية:
تساعد النشاطات المدرسية، مثل النوادي الرياضية أو النوادي الاجتماعية، الطفل على التعرف إلى أشخاص جدد وتكوين صداقات، لذا يجب على الأهل تشجيع الطفل على الالتحاق بهذه التجمعات الطلابية وبخاصة تلك التي تتطلب تعاوناً وعملاً جماعياً من أجل تكوين علاقات اجتماعية جديدة.
4. مساعدة الطفل على التواصل مع الأطفال الآخرين:
على الوالدين أن يشجعا على التحدث إلى الأطفال الآخرين في المدرسة، وأن يقدما له المساعدة إذا واجه صعوبةً في ذلك، ومن الأمثلة على ذلك تقديم الحلوى للأصدقاء في العيد للتعرف إلى ثقافته مثلاً، أو دعوتهم إلى عيد ميلاده وغيرها.
5. تقديم الدعم:
تختلف شخصيات الأطفال وتتفاوت بشكل كبير، فمنهم من لا يجد صعوبةً في تكوين علاقات جديدة، ومنهم من يجد صعوبة بالغة في ذلك، ويستغرق وقتاً طويلاً، لذا من الضروري أن تكون داعماً لطفلك في هذه التجربة الجديدة، وأن تمنحه الوقت والفرصة للتكيُّف.
6. زيارة المدرسة الجديدة:
يجب زيارة المدرسة الجديدة مع طفلك قبل بدء العام الدراسي، فيساعده ذلك على التعرف إلى المكان والأشخاص، ولا بد أن يكون طفلك بصحبتك، وذلك من أجل أن يألف المكان.
7. إعداد قائمة باحتياجات المدرسة:
ساعد طفلك على إعداد قائمة بالأشياء التي يحتاجها لبدء العام الدراسي؛ إذ يساعده ذلك على الشعور بالاستعداد، ويزيد من تأهبه النفسي للمرحلة الجديدة.
8. التحدث إلى معلم الطفل:
تحدث إلى معلم طفلك عن مخاوفه؛ إذ يمكنه تقديم الدعم والتوجيه، ولا يمكن إغفال دور المعلمين في تسريع عملية اندماج الطفل مع محيطه الجديد وحمايته من التنمر من قبل زملائه.
9. تشجيع طفلك:
تشجيع الطفل على التحدث إلى صديق أو أحد أفراد الأسرة إذا كان يواجه صعوبة في التأقلم، فيتلقى مزيداً من الدعم العاطفي.
10. السماح لطفلك بالتواصل مع أصدقائه القدامى:
قد يكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي في اندماج الطفل في مدرسته الجديدة، ولن يشعر بالوحدة ما زال يستطيع التواصل مع أشخاص من منطقة الراحة الخاصة به، وقد تكون نصائحهم ذات وقعٍ أفضل في نفس الطفل من نصائح والديه.
في الختام:
إنَّ البالغين أنفسهم يجدون صعوبة في إنشاء علاقات اجتماعية جديدة في المكان الجديد فما بالنا بالأطفال، ففي الحقيقة قد يكون بعض الأطفال أكثر كفاءة من الكبار في التأقلم والاندماج، والخلاصة من كل ذلك هي أن يدرك الأهل أنَّ تغيير الطفل لمدرسته ليس أمراً سهلاً، وسيؤثر بالتأكيد في نموه الاجتماعي وخبراته، لذا عليهم أن يكونوا بقربه دائماً ليقدموا له الدعم والإرشاد في سبيل تجاوز هذه المرحلة وبأقل خسائر نفسية ممكنة.
أضف تعليقاً