إلا أنَّنا سرعان ما نكتشف أنَّنا وقعنا في مشكلة، إما مباشرة أو عند محاولة تغيير وظيفتنا، فعلينا سداد آلاف الدولارات مقابل التدريب الذي طلبت منا الشركة المشاركة فيه أصلاً، وكل ذلك لمحاولة الاحتفاظ بالموظفين.
سداد رسوم التدريب لضمان الاحتفاظ بالموظفين:
يزداد عدد الموظفين الذين يواجهون هذا الأمر، لا سيما العاملين في الصناعات التي أجورها منخفضة ومعدل دوران العمالة فيها عال، فأظهر استطلاع أجرته شركة "سكاي نوفا" (Skynova) على حوالي 1000 موظف ومدير لأخذ آرائهم عن موضوع سداد رسوم التدريب أنَّ "ثلاثة موظفين من أصل أربعة اتفقوا على أنَّ مطالبة الموظفين بدفع رسوم التدريب إذا استقالوا خلال عام من تعيينهم سيزيد من معدل الاحتفاظ بهم".
في شهر تموز/ يوليو من عام 2022، أصدر مركز حماية الطلاب المقترضين (Student Borrower Protection Center) تقريراً بعنوان: "المحاصرة في العمل: مدى استخدام الشركات لديون الطلاب لمنع العمال من ترك العمل" (How Big Business Uses Student Debt to Restrict Worker Mobility)، والذي يوضح بالتفصيل هذه المشكلة.
وفقاً للتقرير: "الضمان الذي تستخدمه بعض الشركات للاحتفاظ بالموظفين هو ما يماثل ديون الطلاب، أو أشكال الائتمان غير التقليدية المستخدمة لتمويل التعليم العالي والتدريب الوظيفي، ومن ثم يترتب على الموظفين الذين يمارسون حقهم الطبيعي في البحث عن وظيفة جديدة عواقب مالية هائلة".
يرى معظم الخبراء أنَّ هذه الممارسة غير أخلاقية، لا وقد تضر بالموظفين أيضاً، فلا تؤيد معظم الحكومات هذه الأنواع من الاتفاقيات كونها تصعب على الموظفين ترك وظائفهم، وهذا يسلبهم حريتهم، ولا توجد أي جوانب إيجابية لهذه الاتفاقية بالنسبة إلى الموظفين، فصحيح أنَّهم يحصلون على التدريب، ولكن بإمكانهم الحصول عليه وحدهم مقابل رسوم أقل دون أن يضطروا إلى البقاء بالوظيفة.
إليك فيما يأتي ما على الموظفين الانتباه إليه إذا طلب منهم أرباب العمل دفع تكاليف التدريب، وما يجب على أرباب العمل مراعاته قبل استخدام هذه الاستراتيجية للاحتفاظ بموظفيهم أو كسب ولائهم على الأمد الطويل.
على الحكومات التحقق من الشركات التي تفرض على الموظفين دفع رسوم التدريب:
على الرغم من أنَّ أرباب العمل قد يعتقدون أنَّهم يحمون استثماراتهم (أي الموظفين المدرَّبين بإتقان)، ويمنعونهم من المغادرة والعمل لصالح منافسين بعد ما تلقوه من تدريب، فإنَّهم يخاطرون أيضاً بفرض ديون تبلغ آلاف الدولارات على موظفيهم الجدد.
في عام 2022، أطلق مكتب الحماية المالية للمستهلك (Consumer Financial Protection Bureau) تحقيقاً في الممارسات والبرامج المالية التي قد تجعل الموظفين مدينين لأرباب العمل، فكان هدفهم اكتشاف ما إذا كان الموظفون يقبلون دفع الديون التي يفرضها أرباب العمل، إلى جانب الشروط والأحكام الخاصة بهذه الديون، ومن ذلك ما إذا كانت تعوق الموظفين عن البحث عن وظائف ذات أجر أفضل، كما وطلب المكتب من الموظفين الذين يعانون من هذه المشكلة تقديم شكوى عبر صفحتهم الخاصة.
على الموظفين الامتناع عن التوقيع على أي نوع من اتفاقيات سداد رسوم التدريب أو أي اتفاقيات مماثلة، والتي قد تؤثر في قدرتهم على ترك العمل.
أنواع التدريب، وتلك التي يمكن أن يدفع الموظفون رسومها:
على الموظفين الانتباه إلى نوع التدريب الذي يطلبه أرباب العمل، فإليك فيما يأتي الأنواع الآتية من التدريب:
1. تدريب اختياري للتطوير المهني:
يجب على الشركات الاستثمار في موظفيها الموهوبين، وتخصيص ميزانية لتوفير فرص التدريب المهني، فلا يبحث عن هذه الفرص إلا الموظفون المتحفزون، وما دام التدريب يتوافق مع مسار نمو الموظفين، فيجب على الشركة تغطية تكاليفه.
2. التدريب المؤسسي أو المهني المطلوب:
من المفترض أن تتكفل الشركة بالتكلفة الإجمالية لهذا التدريب.
3. برامج متقدمة للحصول على الشهادات:
في هذه الحالة من المفروض أخذ موافقة الموظفين لتقاسم نفقات التعليم، والسبب هو الاستثمار الكبير الذي تتطلبه مثل هذه البرامج الرسمية، وحقيقة أنَّ الموظفين سيستفيدون من التدريب طوال حياتهم المهنية.
قبل التوقيع على أي اتفاقية، يجب على الموظفين تحديد نوع التدريب الذي يشير إليه رب العمل، لا سيما إذا كان نوعه غير واضح.
أثر دفع رسوم التدريب في اهتمام الموظفين برسالة الشركة:
لا يعلم جميع المديرين كيفية تحفيز الموظفين؛ إذ قد يبدو لهم أنَّ استثمار الشركة في الموظفين، سيعزز التزامهم وولاءهم لرب العمل على الأمد الطويل؛ لكن يقول الخبراء إنَّ ذلك قد لا يحدث دوماً.
غالباً لا يحصل الموظفون الذين ليس لديهم اهتمام بالمشاركة في التدريب المهني على فوائده؛ إذ يثير التدريب المتخصص اهتمام الأفراد الذين لديهم الحافز لتحقيق النمو في مناصبهم؛ لذا فإنَّ مطالبتهم بدفع رسوم التدريب ستؤدي إما إلى تقليل رغبتهم بالحضور أو انخفاض اندماجهم في الشركة.
يفضَّل تحفيز الموظفين عبر مطالبتهم بتحديد كيفية تطبيق الخبرات التي تلقوها في التدريب لتحسين أدائهم في العمل، بدلاً من مطالبتهم بدفع تكاليف تطورهم المهني.
تفاوت التوقعات باختلاف مجالات العمل:
يجب تحديد التوقعات وأفضل الممارسات في مجال عملك المحدد بدلاً من التركيز على الوضع في مجالات عمل مختلفة؛ فمثلاً يبحث محترفو التكنولوجيا عن برامج تدريب للموظفين غير الضليعين في المجال التقني، والتي غالباً ما يدفع أرباب العمل رسومها، وهو أمر شائع في مجال التكنولوجيا.
تحتوي معظم الشركات، لا سيما في مجال التكنولوجيا، على أقسام للتعلم والتطوير توفر التدريب للموظفين، كما تتعاون هذه الأقسام مع موردين لتوفير التدريب لموظفيهم، وفي كلتا الحالتين، لا يدفع الموظفون أي رسوم لقاء التدريب.
لأنَّ معظم الموظفين يضطرون إلى بذل مزيد من الجهد وأداء مهام إضافية باستخدام موارد أقل نتيجة تسريح العمال؛ يجب أن تقدم الشركات دورات تدريبية أو ستخاطر بإصابة الموظفين بالاحتراق الوظيفي بسبب زيادة عبء العمل، كما قد تنخفض دوافع الموظفين إذا طلب منهم أرباب العمل دفع رسوم التدريب الذي يتلقونه.
عندما يتلقى الموظفون تدريباً فعالاً، سيهتمون برسالة الشركة، وتغطي بعض الشركات تكاليف التدريب الذي تريد من الموظفين المشاركة به، بينما تطلب منهم دفع رسوم التدريب الذي يرغبون في تلقِّيه، ولكن، يفقد الموظفون نتيجة لذلك اهتمامهم برسالة الشركة؛ لأنَّهم لا يرون أنَّها تهتم بهم، صحيح أنَّهم يتلقون تدريباً ممتازاً، لكنَّهم يبحثون عن وظيفة أخرى، فيستفيد بذلك أرباب عمل آخرون من خبرتهم.
كيفية تعزيز أرباب العمل لولاء الموظفين ودوافعهم:
لقد تغيرت طبيعة العمل والوظائف في وقتنا الحالي، فلم يعُد من الواقعي أن يتوقع أرباب العمل من الموظفين البقاء في الشركة لسنين طويلة، ولقد تغير ولاء الموظفين والتزامهم تجاه الشركة على مرِّ السنين؛ فتتراوح فترة الخدمة الطويلة اليوم ما بين سنة إلى ثلاث سنوات مقارنة بالالتزام في العمل في شركة واحدة مدى الحياة كما كان في الماضي.
وفقاً لتقرير توجهات عالم العمل (World of Work Trends) لعام 2023 الصادر عن منظمة "توب إيمبلويرز إنستيتيوت" (Top Employers Institute)، زاد تقديم ورش العمل والتدريب لدعم تطوير الموظفين بنسبة 8% من عام 2021 إلى عام 2023، ويشير التقرير إلى أنَّ أرباب العمل يدركون أهمية الاستثمار في تطوير موظفيهم مهنياً بوصفه طريقة لزيادة اندماجهم وإنتاجيتهم والاحتفاظ بهم.
نتيجة لذلك، تعمل معظم الشركات على توسيع برامج التدريب والتطوير، وتوفير مزيد من الفرص للموظفين لتعلم مهارات جديدة وتحقيق التقدم في حياتهم المهنية؛ فأصبح ذلك توجهاً رئيساً في مكان العمل في عام 2023 وما بعده، إذ يعد منح الموظفين القدرة على التحكُّم بعملية تعلمهم استراتيجية فعَّالة جداً.
في الختام:
يجب على الشركات الراغبة في تدريب وتطوير موظفيها الاستثمار في ذلك، بدلاً من محاولة ضمان الاحتفاظ بهم عبر اللجوء إلى أساليب غير أخلاقية، وتُفيد معظم الشركات أنَّ موظفيها ذوو قيمة كبيرة، والاستثمار في تدريب الموظفين خيرُ إثبات على ذلك.
أضف تعليقاً