كانت كارين قد نقلت ابنها من مدرسة خاصَّة إلى أخرى جديدة قامت إحدى صديقاتها بترشحيها لها. خلال جولتها لأوَّل مرَّة في تلك المدرسة، افتُتِنَت كارين بها، إذ تشتمل على حديقة، وكانوا يعزفون الموسيقى للتَّلاميذ أثناء الغداء، فالمدرسة كانت جميلة على حدِّ وصف كارين.
لكن مع بدء العام الدِّراسي، بدأ إبنها تلميذ الصَّف الرابع يقول إنَّه لا يريد الذَّهاب إلى المدرسة، وكان كل يوم قبل ذهابه إليها، يدَّعي أنَّه يشعرُ بالغثيان، وعندما كانت تأتي به من المدرسة عندَ ظهيرة كُلِّ يوم، كانت تراه غاضباً. افترضت كارين أنَّ ذلك الأمرَ مَرَدُّه إلى أنَّ الصَّبي لم يتأقلم بعد مع الأجواء الجديدة في مدرسته، لكن كارين لم تعلم بالحقيقة المُفزِعة إلا عندما حَلَّ عيد الهالوين. فقد سألت طفلاً في الصَّف المجاور لابنها إذ كانَ يُحبُّ مدرسته، ليجيبها بأنَّه راضٍ عنها، لكن ابنها على المقلبِ الآخر "لم يكن يقضي وقتاً ممتعاً"، إذ أخبرها الصَّبي أنَّ معلمته تصرخ عليه طوال الوقت، إلى درجة أنَّهم كانَ بإمكانهم سماع ذلك في الصَّف المجاور.
عقدت كارين اجتماعين اثنين، أولاً مع معلمة ابنها التي أصرَّت على أنَّ المشكلة هي عدم اهتمام ابنها، ثم مع المدير الذي رفض القيامَ بأيَّ شيء. وتقول عن ذلك: "لقد أخبروني أنَّهم قلقون بشأن طفلي لأنَّه لا يستطيع التَّركيز ولا يقدر على الانتباه، كان كلاهما يُلمِّحان ضمنيَّاً إلى أنَّ ابني بحاجة إلى أدوية". ومع أخذها بآراء التربويين المهنيين الخبراء بعين الاعتبار، اصطحبت كارين طفلها لإجراء تقييم نفسي له في جامعة بايلور، ليتيبَّنَ أنَّه لا يُعاني من شيء!
تحدثت كارين، والتي كانت في حينها متطوّعة نشطة في المدرسة، إلى أهالي آخرين لاحظوا جميعاً أنَّ مُعَلّمَةُ ابنها لا تبتسم أبداً. وفي الوقت عينه، شاركها ابنها المزيد من التفاصيل حول مُعَلّمَتِهِ: تقول كارين: "لقد أخبرني أنَّها تسخرُ منه وأنَّها لئيمة، وأصرَّ على أنَّه ينتبه لها عندما تشرح الدُّروس، لكنَّه ينظر من النافذة لأنَّه يفضِّل النَّظر إلى الأشجار أثناء الاستماع لها، بدلاً من النَّظر إلى وجهها الغاضب". لكن عندما كانَ ابنها ينظر من النَّافذة، كانت المعلمة وباستمرار تُهينه على مرأى من الطلاب الآخرين، وتصرخ في وجهه وتضرب بيدها على مقعده. وفي غضون بضعة أيامٍ أُخرى، تخللها حلقاتٌ جديدة من حلقاتِ مسلسل الضَّرب على المقعد، قامت كارين في يأسٍ باخراج ابنها من المدرسة وبدأت معه التَّعليم المنزلي.
نوعٌ آخر من التَنَمُّر
يحظى التَنَمُّر باهتمام قوميٍّ ويؤخذ على محمل الجدِّ أكثر من الأيام الماضية. لكنَّ التَّركيز ينصبُّ على الإساءة المباشرة من طفلٍ تجاهَ طفلٍ آخر. في حين أنَّ الفتيات اللئيمات، ومن يقومون بالتَّوبيخ ومن يُعذِبِّون الآخرين، والذين يؤذون الآخرين جسديَّاً، والذين يَستبعدون الآخرين عن المجموعة؛ هم جميعهم يُعتَبرون أشكالاً أكثر خطورة للمُتنمرين. أضف إليهم المُعَلّمُون الذين يُسيئون استخدام سلطتهم على الأطفال في حين أنّهُ يُفتَرَض بهم حمايتهم. لكن عندما يقومُ المُعلمون بالإساءة للأطفال لفظياً وجسديَّاً، فَنادراً ما يتم إطلاق المصطلح الأصح على هذه الإساءة وهو "التَنَمُّر"، مما يُعَزِّز الفكرة الخاطئة بأنَّ التَنَمُّر يحدث فقط من قِبَلِ الأطفال، وليس البالغين كذلك.
وسط تزايد المُعطيات التي تُشير إلى أنَّ التَنَمُّر آخذٌ في الازدياد، يَظهَرُ غيابٌ صارخٌ للإحصائيات عن التَنَمُّر من قبلِ البالغين في المدارس. وذلك مَرَدُّه وبشكلٍ جزئي، لأنَّ تحديد التَنَمُّر من قبل المُعَلّم أو مدير المدرسة ومعالجته وتصحيحه؛ أمرٌ أكثرَ تعقيداً بكثير. إذ من الصَّعب معرفة ما الذي يجب اتِّخاذه تجاهَ مُدرِّسٍ يتخطى محاولة ضبط سلوك الأطفال، إلى التَّعنيف وتخويف الطلاب وإذلالهم والإساءة لهم بدنيَّاً للحدِّ الذي يَجعَلُ الطِّفلَ يخافُ التَّواجد في للمدرسة.
وردَّاً على مقالٍ نشره موقع (Great Schools) الإلكتروني بعنوان "مقال عن وقف التَنَمُّر"، اعترف مدرسٌ شجاع بالتَنَمُّر على طُلاَّبِه فيما سبق، إلى أن قامَ بتغيير طريقته، حيثُ كتبَ قائلاً: “أصبحت مُدَرِّساً عندما كنت في بداية العشرينيات من عُمري، كنتُ فظَّاً جدَّاً في تعاملي مع الأطفال؛ وخاصَّة ذوي الحالات الخَّاصَّةُ الذين كنت أعلمهم، إلى أن أُجبِرتُ على الاستقالة، وبعد 3 سنوات أدركتُ لمَ كنتُ مخطئاً. لقد تغيَّرت تماماً وعندما عُدت مرَّةً أخرى للتدريس لم أرفع صوتي على طُلابي أو أتعرّض لهم بأي تهديدات قَطّْ، وكان الأمر رائعاً! إذ تعلَّمتُ أن أكون مثلاً يُحتذى به.
دفعنا اعترافه الصَّادق للبحث بشكلٍ مُعمَّق عن المُعَلّمين المُتَنَمّرِين، وهو موضوع نادراً ما تتم مناقشته، فبدأنا بسؤال قُرَّاء (Great Schools) عمَّا إذا سبقَ لهم يوماً ما أن علَّمهم مُعلِّمٌ متنمر، لتردنا عشرات القصص المؤلمة، التي لم يمتلك أصحابها أي طريقة واضحة لتصحيح الوضع. فعندما يتعرّض طفلٌ ما للتَّنمر من قِبل طفل آخر، يقترح علينا الخُبراء الكثير من الطُّرق لمواجهة ذلك، مثل: قاومهم أو حاول الابتعاد عنهم أو تجاهلهم، أو قم بالرّد عليهم بشكل صارم وحازم لايقافهم عمَّا يقومون به، أو أخبر المُعَلّم، أخبر والديك، وحاول التَّحدث إلى شخصٍ بالغ أو مسؤول واطلب المساعدة منه. ولكن عندما يأتي التَنَمُّر من قبل أحد هؤلاء المسؤولين أنفسهم -مثل الأساتذة أو مُدراء المدارس- فكيف يجدرُ بطفلٍ أن يُجابَه ذلك؟ إذ مع وجود مُدَرّس متنمر، فإنَّ مقاومة الأمر، أو الخروج من الصَّف المدرسي، أو تجاهل المُعَلّم هي حلول ليست بالحلول النَّاجعة بتاتاً، بل على العكس من ذلك، تلك حلولٌ من المُرَجَّح أن تُوقعَ الطِّفلَ في ورطةٍ أكبر.
بل حتَّى إخبار مُعَلِّمٍ آخر أو مديرُ المدرسة يصبح أمراً صعباً. إذ على أقلِّ تقدير، يُدركُ الطِّفلُ أنَّ إخبارَ شخصٍ بالغٍ كأستاذٍ آخر أو مدير المدرسة أو والديه حتَّى؛ لن يقومَ بحلِّ المُشكلةِ بين عشيَّةٍ وضُحاها. إذاً ما الذي يجب على الطِّفل -أو أحد الوالدين- القيامَ به؟ ربما تَكونُ الخطوة الأولى هي الاستماع لقصص الآخرين والتَّعلم منها، مثل ما حدثَ مع المُعلِّمةِ المتقاعدة إيلين سيجال، والذي كانَ المُتنمِّرُ في حالتها مدير مدرستها في نيوجيرسي، والتي عانت من تعليقاته العُنصريَّة. إذ اعتاد ذلك الرَّجلُ السُخريةَ من الطُّلاب ذوي الأصول الإفريقية، وتقليدَ لكنةِ الأهالي بِسُخرية، ولم يجرؤ أحد على الاعتراض على ذلك. حتَّى المُعَلّمين كانوا يخشونه ويَخشَونَ أن يراهم وهم يتحدثون إلى إيلين حتَّى لا يواجهوا غضبه. وبعدَ عامين ونصف من المعاناة مع هذا المدير، استسلمت إيلين أخيراً واتَّخذت قرارها بالرَّحيل وانتقلت إلى مدرسةٍ أُخرى.
تعتقد إيلين أنَّ هُناك طُرقاً أخرى يمكن اتِّباعُها، والآن بصفتها مستشارة تعليمية أطلقت شركة ناشئة تُدعى (Stizzil) لمساعدة الأطفال من خلال دروس خاصة واختبارات إعداد وتعلُّم تقديرِ الذَّات، والمزيد من الطُّرُق التي يمكن دعم الطفل بها، والتي وقفت بها إيلين في الصُّفوف الأماميَّة لمواجهة المُعَلّمِين المُتَنَمّرِين. كتبت واحدة من طالباتها عن معاناتها مع مُعَلّمِهَا المُتَنَمّر في الصَّف الثاني، الذي جعلها منبوذة، وقد أثَّر هذا التَنَمُّر الذي تعرضت له من قِبله على حياتها في المدرسة المتوسطة.
وقد رافقت إيلين والد أحد الأطفال المُهاجرين لملاقاة مستشارة المدرسة التي قالت لها بِصوتٍ منخفض وهي تضع رأسها على مستوى مكتبها -أمام أهل الطِّفل- "لا أعلم لمَ تُضيعين وقتك؟ إنَّها مُجرَّد شتيمةٍ عنصريَّة من جُملة الشَّتائم العنصريَّة الأخرى!".
اتِّخاذ الاجراءات
في مواجهة هذا التَنَمُّر الصّارخ تُقَدّم إيلين هذه النّصيحة: ”أول شيء عليك فعله هو التوثيق، ثم التوثيق، ثم التوثيق“، على الرُّغم من صعوبة الأمر على نفسيَّةِ الوالدين، عليهم توثيق كل حَدَثٍ جرى بالتاريخ واليوم والساعة، إضافةً إلى الذي حدث بالتَّفصيل، لأنَّه من المهم أن تكون موضوعيَّاً وعقلانيَّاً قدر الإمكان. وللمساعدة في إعطاء سياقٍ مناسب لما تقوم بتوثيقه، من الجَيّد التَّعمّق بالقوانين والسياسات المتعلقة بالتَنَمُّر في بلدك. وفي حال لم يكن الوضع سيئاً للغاية، يُمكنك التَّحدث إلى المُعَلّم مباشرةً لتعرف ماذا يمكن أن تفعلا سويَّةً لحلِّ هذه المشكلة، أما إذا لم تكن هناك استجابة من طَرَفِهِ، عليك وقتها أن تعرف ما عليك فعلهُ عن طريق التَّحدث إلى كل الأطراف الفاعلين في المدرسة، طفلك، والطُلاب، وأولياء الأمور الآخرين، من خلال تطوّعك في المدرسة للمساعدة في الأنشطة المختلفة، أو عرض المساعدة في توصيل زملاء طفلك للمدرسة، وفي خلال هذه الفترة استمع جيداً وتعرَّف على تفاصيل كل ما يحدث حول طفلك وهذا المُعَلّم، حتى تتمكن من توثيق كل الأمور بموضوعيّة، ففي النهاية شكوى ولي أمر واحد قد لا تلقى آذاناً صاغية، في حين أنّ قلق مجموعة كبيرة من الأهالي قد يُمَثّل فُرصَةً أكبر من أجل الاستماع للمشكلة.
تنصح إيلين الأهالي بمقاومة رغبتهم في الذَهاب إلى مكتب المدير مباشرة للشكوى بشأن المشكلة، بل عليهم بدلاً من هذا اتباع ”التسلسل القيادي“، بدءاً من أعلى المُدَرّسِين مرتبةً أو رئيس قسم ذلك المُعَلّم، ثم نائب المدير والمدير والمشرف على المدير والمشرف. يعمل هذا النَّهج لصالحك لسببين: الأول هو أنَّه كلما كان الشخص المسؤول أكثر قرباً من المشكلة، كلما زادت قدرته على اتخاذ قرارٍ سريع وفعال، والثاني هو أنَّك عندما تذهب للمدير الأعلى مرتبة، سيصبح السؤال الأول هو: "إلى من تحدثت عن هذه المشكلة؟ وماذا قالوا لك؟ وكيف حاولوا مساعدتك؟" وإن لم تستطع الإجابة بشكل صحيح، سَيُعاد توجيهك مرة أخرى للأشخاص الذين تخطيت سُلْطَتَهُم. دائماً ما عليك توثيق كل خطواتك والأحداث التي وقعت، حتى إذا مَرَّ وقتٌ طويل على محاولتك لحل المشكلة، فلا يمكنهم تجاهل هذا! وإذا حاولوا عرقلةَ مساعيك، يمكنك تهديدهم بالتَّحدث إلى وسائل الإعلام ونشر ما يحدث مع طفلك في مدرستهم.
معركة لا يستطيع الأطفالُ خوضها
عندما يتعلَّق الأمرُ بحماية الأطفال من المُعَلّمين المُتَنَمّرِين، فإنَّ الأطفال للأسف في وضعٍ ضعيف، وغير مُهَيّئِين لخوض مثل تلك المعركة من تلقاء أنفسهم. وأكبر مثالٍ على ذلك، ذاكَ الطالب في إحدى المدارس الثانوية في بوسطن، الذي يحتاج الآن لمحامٍ خاص من أجل محو مُشكلةٍ حدثت معه من سجله المدرسي. يقول المحامي دانيل مالوني أنَّ الطالب طَلَبَ مراراً وتكراراً -ولكن من دون جدوى- أن يتمّ نقله من صفه المدرسي، حيث شعر أنَّه بمثابةِ هدفٍ مباشر لمُعلِّمٍ مسيء. إلى أن وصل ذلك الوضع في يوم من الأيامِ إلى ذروته، وذلك عندما قام الصبي بالتنفيس عن إحباطه، وبدا ذلك بمثابةِ تهديدٍ للأستاذ. فَتَمَّ فصلُهُ من دونِ سابقِ إنذار، الأمر الذي تسبَّبَ في تشويه سجله المدرسي، وهو ما يُعرِّض فرصته في دخول الجامعة للخطر.
ما المغزى من القصة؟ لم يتمكن المُراهق من الدّفاع عن نفسه ضد مُعَلّمِهِ المُتَنَمّر، وهو الآن بحاجة لمساعدة قانونية لحماية مستقبله. عندما يتعلق الأمر بالمُعَلّمين المُتَنَمّرين، لا يوجد طريقة إيجابيّة لحلِّ المشكلة، ولكن هُناك عدة طُرق يمكن للوالدين المُضِي بها، في حالة كارين كان الخيار الأفضل هو التَّعليم المنزلي، والآن عاد ابنها مرة أخرى للمدرسة في المرحلة الثانوية مع مُعَلّمِين رائعين كما تذكر.
أما بالنسبة لإيلين فكان خيارُ الانتقال لمدرسة أخرى هو الحلَّ الأنجع، ولكنَّها تعتقد أنَّ اتباع بروتوكول محدد مثل توثيق كل حادثة وبناء نظام دعم ومحاولة حل المشكلة تصاعدياً وفقاً للتسلسل القيادي، يمكن أن يحمي الطفل من الصدمات المستمرة على أيدي المُعَلّمين المُتَنَمّرِين، ويُجَنِّبُهُم محنة ترك المدرسة بشكلٍ كامل. ولكن، وكما تقول إيلين، فإنَّ الكفاح من أجل حماية طفلك من مُعَلّمٍ مُتَنَمّرٍ قد لا يكون -ولن يكونَ عادةً- بالأمر السَّهل.
أضف تعليقاً