نحن في فريق "النجاح نت" نؤمن أنَّ جميع الأهالي يتمنون حياةً أفضل لأبنائهم، ويعملون بكل جهد في سبيل تحقيق ذلك، وحتى تتحول هذه الأمنيات إلى واقع ملموس، وحتى تجنبوا أطفالكم العيش في واقع من صنع خيالكم فقط، وحتى تتمكنوا من مساعدة أبنائكم وتهيئتهم للتعامل مع أي موقف صعب قد يتعرضون له؛ تابعوا القراءة.
كيف يمكن تأسيس بيئة مساعدة لابنك على مواجهة المواقف الصعبة في الحياة؟
من المعروف أنَّ الأسرة هي الحاضن الأول للطفل، ومن خلالها يكتسب صفاته الأساسية وسماته وخصائصه، وعلى هذه الأسرة أن تكون نموذجاً مصغراً عن المجتمع الذي يعيش فيه الطفل، وبذلك علينا بصفتنا أهلاً استثمار جو الأسرة لإنشاء بيئة اجتماعية مشابهة نوعاً ما لطبيعة المجتمع وظروفه سواء الجيدة أم السيئة، اللينة أم القاسية، وذلك لتدريب ومساعدة أبنائنا على مواجهة كل الظروف ومنها المواقف الصعبة في الحياة.
يُستخدم مصطلح البيئة المعقَّمة في مجال التربية الحديثة، وحقيقةً تم استنساخ هذا المصطلح التربوي عن مصطلح طبي بنفس الاسم، فالبيئة المعقمة من الناحية الطبية تشير إلى المكان المحمي والمعقم لدرجة كبيرة، فهو مكان خالٍ من أي أثر للبكتيريا والجراثيم والميكروبات أو أيَّة ملوثات خارجية أخرى، والهدف من إنشاء بيئة كهذه هو الحفاظ على صحة الإنسان.
غالباً ما تؤدي هذه المغالاة في التعقيم إلى إضعاف الجهاز المناعي وصنع جسم ضعيف غير قادر على مواجهة الأمراض، فالصحيح إذاً هو إنشاء بيئة ضمن معايير نظافة معقولة ومقبولة، حتى يعتاد الجسم على المواجهة ونفسح له مجال الدفاع عن نفسه، وهذا يزيد من قوَّته ومناعته.
ينطبق الكلام السابق حرفياً على الحقل التربوي، فمن الأمور غير الصحية أبداً صنع عالم مثالي للطفل وتصوير الحياة له على أنَّها نزهة جميلة في يوم ربيعي دافئ؛ بل بخلاف ذلك لا بد من العمل ومنذ الصغر على تهيئته لمواجهة المواقف الصعبة والمشكلات التي قد تواجهه، ومن الجدير بالذكر أنَّ مصطلح البيئة المعقمة في المجال التربوي يشمل معنيين أساسيين هما:
- البيئة المغلقة والمحكومة بنظرة واحدة وأفكار محددة هي أفكار الأسرة، وأيَّة أفكار خارجية تُعَدُّ غير مقبولة ومرفوضة.
- البيئة التي يتم فيها عزل الأبناء تماماً عن أيَّة مشكلة أو موقف صعب أو مشاعر سلبية، ومن المواقف الصعبة التي قد يمر بها الطفل؛ فقدان أحد أصدقائه أو الانتقال إلى مدرسة أخرى أو طلاق الوالدين.
طرائق تهيئة ابنك لمواجهة المواقف الصعبة في الحياة:
بعد أن تعرفنا إلى شكل البيئة الطبيعية التي يجب صنعها للطفل، سنقدم لكم بعض الطرائق لتهيئة ابنك لمواجهة المواقف الصعبة في الحياة:
1. المصارحة:
الطريقة الأولى التي يمكن اتباعها مع ابنك هي مصارحته بالموقف الذي حصل أو الحدث المؤلم، والابتعاد عن اختلاق الأكاذيب وابتكار حلول لتجنب مصارحته؛ وذلك لأنَّ هذه الطرائق في التعامل مع ابنك تندرج تحت ما يسمى الحماية المفرطة، فيكبر الطفل معتقداً ألا وجود للتجارب السلبية والمواقف الصعبة.
مثلاً إذا كَسَر أحد بالخطأ لعبة ابنك المفضلة فقد تلجأ إلى إخفائها وإلهائه عنها حتى تشتري لعبة مماثلة لها دون أن تخبره أنَّها كُسِرَت، وفي الواقع هذا التصرف خاطئ ولا يسهم في تهيئة ابنك لمواجهة المواقف الصعبة في الحياة؛ بل عليك أن تعمل قدر المستطاع على توفير بيئة طبيعية يمر فيها ابنك بالمواقف المختلفة ويتعرض لجميع أنواع المشاعر ومنها الحزن، وهذا يساعده عندما يكبر على التأقلم مع أي موقف قد يمر به، كما يؤهله لتجاوز حالات الفقدان أو الخسارة التي يمكن أن يعيشها عندما يخرج لمواجهة العالم وحده.
2. القيام ببعض النشاطات والألعاب:
يمكن مشاركة الطفل بمجموعة من الألعاب والنشاطات التي تتطلب منه تجاوز مواقف صعبة أو حل مشكلة ما، فهذا من شأنه مساعدة الأطفال على الإحساس بوجود العقبات دائماً، وينمي مهارات حل المشكلات لديهم، هذه المهارات التي سيكونون بحاجة كبيرة إليها في المستقبل، ومن هذه النشاطات البحث عن أحد الرفاق المختبئين أو حل بعض الألغاز.
3. المواجهة:
لا يعني هذا أبداً ترك الطفل وحده يواجه المواقف الصعبة؛ بل علينا تجهيزه مسبقاً لعملية المواجهة هذه، وذلك من خلال تدريبه وتنمية مهاراته في مواجهة المواقف الحياتية المختلفة ومنها الصعبة، وأيضاً يجب أن تكون المواجهة ضمن حدود معينة يفرضها الموقف نفسه وكل شيء يجب أن يتم تحت إشرافنا ومتابعتنا.
مثلاً قد يموت أحد أصدقاء ابنك، وهنا يجب أن تخبره وتصارحه بالموضوع وتدعه يعبِّر عن مشاعره بالطريقة التي تريحه، لكن دون تركه يعاني وحده، وفي أثناء مروره بهذه التجربة يجب مراقبة تصرفاته وانفعالاته، ففي كثير من الأحيان يحتاج أطفالنا إلى المساعدة حتى يتمكنوا من تجاوز المواقف الصعبة بأكبر قدر من المرونة.
شاهد بالفديو: 8 ممارسات لتزرع الثقة في نفس طفلك
4. مشاركة حزنك مع طفلك:
يلجأ الكثير من الأهالي إلى إخفاء مشاعرهم عن أطفالهم بهدف حمايتهم وعدم التأثير فيهم أو إثارة مشاعر الحزن لديهم، وهذا ليس صائباً في بعض الحالات، فأحياناً ينبغي علينا إظهار مشاعرنا الحقيقية أمام طفلنا حتى يعتاد هو أيضاً على التعبير عن مشاعره، وهذا ما يسهل عليه تجاوز أزماته، لكن بنفس الوقت عليك شرح سبب الحزن لطفلك.
كأن تخبره مثلاً بأنَّك تعاني من ضغط شديد بسبب أعمال متراكمة وتحتاج إلى بعض الراحة، وهذا ما ينعكس على سلوكات الطفل، فيعبِّر بأسلوبك نفسه عن حزنه بسبب موقف ما مر به، فبدلاً من لجوء الطفل إلى الصراخ عندما يحزن، قد يلجأ إليك ويعتمد طريقتك ويخبرك بسبب مشاعره، وهذا ما يسمى التعلم بالنمذجة؛ أي أن تكون نموذجاً لابنك وقدوة جيدة له.
من الجدير بالذكر أنَّ بعض الحالات لا ينطبق عليها ما ذكر آنفاً من إظهار مشاعر الحزن، فمثلاً عند توديع ابنك في أثناء ذهابه إلى الروضة لا يجب أن تبكي حتى لا يشعر بالخطر وعدم الأمان.
5. تعليم الطفل المرونة:
المرونة هي القدرة على التكيف مع ظروف الحياة المختلفة، وهي من أهم الأساسيات التي يجب أن تزرعها ضمن عادات ابنك؛ وذلك لأنَّها تساعده على التعامل مع المواقف الصعبة والمشكلات التي قد يمر بها دون أن ينكسر، وهذا يتطلب منا بدايةً العمل على بناء ثقة الطفل بنفسه وتعويده على حل مشكلاته من الصغر بدلاً من حلها عنه.
علينا تعليمه تحمُّل مسؤولية قراراته وتقبُّل نتائجها وإن كانت هذه النتائج خارج حدود توقعاته، فمثلاً إذا أصر ابنك على لبس قطعة ملابس غير مناسبة لحالة الطقس فدعه يلبسها بعد أن شرحت له سبب عدم مناسبتها، ودعه يتحمل مسؤولية قراره دون محاسبته وإشعاره بالفشل، وتذكر دائماً أنَّك في حال تحملت المسؤولية دائماً عن طفلك سيُصدم مباشرة وينهار عند أول موقف يواجهه وحده في الحياة ويتطلب منه اتخاذ قرار.
6. الإصغاء إليه:
أفسح دائماً مجالاً لابنك ليعبِّر عن نفسه ليخبرك تجاربه ويحدثك عن المواقف الصعبة التي يمر بها يومياً، فمهما بدت مشاعر ابنك بسيطة بالنسبة إليك دعه يتحدث عنها ولا تستخف أبداً بها، فأول خطوة للتخلص من المشاعر السلبية هي الحديث عنها، لذلك دعه يعيش مشاعره، وأخبره أنَّ كل ما يمر به طبيعي وأنَّ الصعاب موجودة دائماً في الحياة وأنَّك مررت سابقاً وما زلت تمر بظروف صعبة، وتذكر دائماً نحن لا نحاول إنكار مشاعر الطفل؛ بل نحاول تعليمه كيف يتعامل معها.
بعض النصائح لمساعدة ابنك على تجاوز المشاعر السيئة:
من الطبيعي أن يشعر الطفل بمشاعر سيئة بعد مروره بتجربة عصيبة أو بعد تعرضه لموقف صعب، وفيما يأتي مجموعة من النصائح لمساعدة ابنك على تجاوز المشاعر السيئة:
- علِّم ابنك كيف يميز مشاعره ويسميها حتى لا يخلط بين الغضب أو الخوف والحزن.
- امنح ابنك المساحة الكافية ليُظهر مشاعره ويعبِّر عنها، ثم ساعده على تجاوزها بتفسيرها وشرحها، مثلاً قد يطلب والد أحد أصدقاء ابنك منه المغادرة في أثناء وجود ابنك عنده، وهذا ما يُشعر ابنك بالحزن والخجل، وفي هذه الحالة يجب بدايةً السماح له بالتعبير عن حزنه، وبعدها تحديد سبب الحزن، ثم مساعدته على فهم سبب تصرُّف والد صديقه وتفسيره؛ لأنَّ هذا يساعد كثيراً على التخفيف من المشاعر السيئة.
- اقترح بعض النشاطات على ابنك لمساعدته على تجاوز مشاعره السيئة، كذهابه في نزهة مع صديق، أو اصطحابك إياه في رحلة أو زيارة لشخص مقرب.
- أصغِ إلى مشاعر الطفل ولا تستخف بها، ففي كثير من الأحيان يكون كل ما يحتاجه طفلك لتجاوز مشاعره السيئة القليل من التعاطف والكثير من الأحضان.
- أشعره دائماً أنَّك إلى جانبه دائماً وعلى أتم الاستعداد لسماعه وتقديم الكثير من الحب له على الرغم من كل ما يجري حوله.
في الختام:
عملية تهيئة الطفل لمواجهة المواقف الصعبة لا تتم بين ليلة وضحاها؛ بل يجب العمل عليها في عمر مبكر حتى تصبح جزءاً من سلوكات طفلك، وهذا حقيقة ما أشرنا إليه أكثر من مرة خلال هذا المقال نظراً لأهميته، فالتدريب المستمر وتنمية المهارات الاجتماعية لدى ابنك وتأهيله للعيش ومواجهة الحياة بحلوها ومرها يجب أن يكون أولوية لديك.
أضف تعليقاً