بمجرد أن يخطو الفرد الخطوات الأولى في طريق تطوير ذاته، سيكتشف أنَّها رحلة طويلة وممتعة وغنيّة وثرية، ويصل إلى مرحلة أكثر نضجاً، ويسعى إلى بناء منظومة متكاملة مع الناس لتحقيق هدف واحد، الأمر الذي يحتِّم عليه أن يطور من مهاراته القيادية.
يعني أن تكون قائداً ناجحاً أن تمتلك القدرة على تحقيق التوازن بين كلِّ تناقضاتك الشخصية، بحيث تكون حازماً في المواقف التي تستدعي الشدة، ومرناً ومتعاوناً ومشاركاً في مواقف أخرى، ومسيطراً في أماكن معينة؛ على أن يكون الود هو الرابط بين كلِّ هذه الحالات، حيث يُبنَى الفريق المتكامل بالحب وحده، والقدرة على الإنجاز وتخطي العقبات.
يَستخلص القائد الحقيقي من كلِّ شخصٍ أفضل ما لديه، متبنّياً سياسة أنَّ كلَّ إنسان يحمل بداخله نوراً مباركاً من الله، وتكمن مَهمَّته في تحريض هذا النور على الخروج والظهور من داخل الإنسان.
ما أحوجنا اليوم إلى وجود قادة حقيقيين وقادرين على النهوض بأمتنا؛ فكم نجد في مجتمعنا قادة بعيدين كلَّ البعد عن المضمون الحقيقي لمفهوم القيادة، ومشوهين لمضمونها الراقي، ومسيئين إليها أيَّما إساءة؟
لذا، دعونا نخوض في أكثر الشخصيات تأثيراً وأهمية في الحياة، ونتعلّم أكثر عن سِماتها، وكيف لنا أن نعرف فيما إذا كنَّا نملك صفاتها الرئيسة.
ما هي القيادة؟
لا ترتبط القيادة بالدرجة العلمية، ولا بالجنس (ذكر أو أنثى)، ولا بعدد سنوات عمر الشخص؛ بل هي مسألة أعمق من كلِّ هذه الترابطات، وتُعنَى بالمرتبة الأولى بـ:
- مهارات الشخص.
- قدرته على الإقناع والتأثير في الناس.
- قدرته على توجيه الآخرين نحو الهدف بطريقة ذكية ومرنة وآسرة لهم، بحيث يبقون متحفزين وسعيدين وراضين عن ذاتهم وإنجازاتهم، ومنتمين إلى فريقهم انتماءً صادقاً وحقيقياً، لا انتماءً بدافع الواجب أو المال أو الخوف من العقاب.
تمتلك نسبة 2% من سكان العالم القيادة بالفطرة، وهي الفئة الاستثنائية المبدعة؛ في حين تكتسب نسبة 96% من السكان القيادة من خلال التدرب والتعلم؛ بينما لا تستطيع نسبة 2% من الناس أن يكونوا قادة البتة؛ ذلك لأنَّهم يعانون من مستوى ذكاء منخفض جداً.
ما الفارق بين القائد والمدير؟
يركز المدير على المهام والأعمال قصيرة المدى، وتأخذ التفاصيل القسم الأكبر من تفكيره؛ في حين تسيطر الرؤى والمهام طويلة المدى والدراسات الشمولية على تركيز القائد.
من جهة أخرى، يهتم القائد بعلاقته مع الموظفين، وعلاقة الموظفين مع بعضهم بعضاً، ويصل إلى هدفه بالثقة بهم وبقدراتهم؛ في حين يهتم المدير بالإنجاز فحسب، دون مراعاة لمشاعر الناس ومكنوناتهم.
صفات الشخصية القيادية:
1. المصداقية والأخلاق:
لكي نقول أنَّ شخصاً ما قائدٌ ناجح، عليه أن يكون صادقاً مع ذاته ومع غيره، وأن يملك معايير أخلاقية عالية وسامية.
2. التواضع والمرونة:
يعترف القائد المتواضع بأخطائه، ويتقبل النقد برحابة صدر، ويصغي إلى آراء العاملين ويشاركهم إياها بحبٍّ وَوَعِي؛ فهو يقدِّر نقاط القوة لدى الآخرين، ويبقى منفتحاً لاستقبال أفكار جديدة وملهمة.
3. الإيمان:
يكون القائد الناجح مؤمناً صادقاً، بحيث يمتن لكلِّ شيء في حياته، ويرى الجانب الإيجابي من كلِّ تحدٍّ يتعرض إليه.
4. الشجاعة والقدرة على حل المشكلات:
يمتلك القائد الناجح شجاعة كبيرة، بحيث يكون قادراً على التعبير عن رأيه ومشاعره دون خوف أو تردد، وتحمل مسؤولية عمل فريقه أيَّاً كانت النتائج؛ ولكن، لا ينفي هذا حقيقة أنَّه حازم في بعض الأحيان، ويحب دوماً الالتزام بالقواعد والأنظمة.
أيضاً، لا يتخلى القائد الناجح عن فريقه في أيِّ حالٍ من الأحوال، بل يلجأ إلى اتباع الطرائق المبدعة في حلّ المشكلات؛ فهو يملك قدرةً هائلة على تذليل الصعوبات، والمحافظة على رضا جميع الأطراف.
5. القدرة على اتخاذ القرارات:
يمتلك القائد الناجح قدرة كبيرة على اتخاذ القرارات الصائبة في أشد الحالات وأكثرها خطورة؛ فهو مسيطرٌ جيّدٌ على انفعالاته، ويمتلك مهارة التعامل مع الضغوطات.
6. الذكاء العاطفي:
يعدُّ اكتساب مهارات الذكاء العاطفي اليوم من أهم المهارات القيادية؛ إذ على القائد أن يملك وعياً ذاتياً بمشاعره ومشاعر الآخرين، ويكون قادراً على التحكم بها.
أيضاً، عليه أن يتقن فن التعامل مع الآخرين، بحيث يستثمر أفضل ما لديهم من طاقات.
7. القدرة على التحليل:
يملك القائد الناجح القدرة على رؤية القضية من منظورها الكلي الشمولي، بحيث يربط بينها وبين كلِّ المتغيرات المحيطة بها؛ ويتطلب هذا الأمر قدرةً كبيرةً على التحليل والعصف الذهني.
8. التفكير الاستراتيجي:
يعشق القائد الناجح رسم استراتيجيات مستقبلية، فهو لا يستطيع المضي قدماً دون أن يكون لديه مرتكز ورؤية واضحة.
10. التخطيط:
يحدد القائد الناجح أهدافه، ومن ثمَّ يرسم الخطط القصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، والمتوافقة مع كلِّ هدفٍ على حِدَة.
11. الطموح:
يكون القائد الناجح طموحاً جداً، وتربطه مع عمله علاقة حب وانتماء؛ على عكس المدير الذي يعمل خوفاً من خسارة منصبه.
12. الجدية في الحياة:
يميل القائد الناجح إلى التعامل مع أمور الحياة بجدية واحترام، بعيداً عن السطحية والاندفاعية غير المحسوبة؛ ويرغب بشدة في ترك أثرٍ قيِّم له في الحياة.
13. الميل إلى التغيير:
يبتعد القائد الناجح عن الجمود والرتابة؛ فهو دائم البحث عن التطور والتجديد.
اختبار تحليل الشخصية ديسك (DISC):
تساعد نظرية "ديسك" (DISC) على تحليل أنماط الشخصية من زاوية القيادة، فهي تقسِّم السلوك البشري إلى أربعة أنماط شخصية أساسية موجودة لدى جميع البشر، لكنَّها تختلف في نسب توزيعها وظهورها بين الأفراد.
تساعدك هذه النظرية على فهم ذاتك أكثر، والتعرف على نقاط ضعفك ونقاط قوتك، وتحديد المحفزات الشخصية والعوامل المسببة للتوتر، وحل المشكلات، وتحسين مستوى الإنتاجية والأداء الجماعي في العمل، وفهم الأنماط الشخصية للناس؛ ممَّا يحقق نجاحاً أكبر في التواصل.
لقد قُسِّمت الأنماط الأربعة للشخصية بناء على متغيرين هما: السرعة في اتخاذ القرار، وقوة التركيز على العلاقات والعمل؛ وهذه الأنماط الأربعة هي:
1. الشخصية المسيطرة:
تميل هذه الشخصية إلى اتباع أسلوب القيادة الرسمية، حيث تركز على العمل، ولا تعترف بوجود العاطفة أو العلاقات، وتكون سريعةً جداً في اتخاذ القرارات، وتميل إلى السيادة والحزم واستخدام السلطة.
ومن السمات السلوكية لهذه الشخصية القيادية:
- تركز على تحقيق النتائج.
- تنظر إلى الأشياء بنظرة شمولية.
- تدخل مباشرةً في صلب الموضوع.
- يمكن أن تتصف بالفظاظة والتبلد وعدم الحساسية تجاه الآخرين.
2. الشخصية المؤثرة:
تميل الشخصية المؤثرة إلى الانفتاح على الآخرين والتواصل الكبير معهم، وتبدي حماساً عالياً في أثناء العمل، وهي سريعةٌ في اتخاذ القرارات، ولديها قابليةٌ كبيرةٌ إلى إحداث تغييراتٍ في بيئة العمل؛ ولكنَّها قد تعاني من الاندفاع الشديد، وقلَّة التنظيم ومتابعة الأعمال.
3. الشخصية المستقرة:
تجد الشخصية المستقرة أمانها في الحفاظ على وضع العمل الثابت، وهي متأنية في اتخاذ القرارات، وتكون داعمةً للآخرين، وتتحلى بالصدق والمشاركة والهدوء؛ ولكنَّها قد تتردد في اتخاذ القرارات، ولا تميل إلى إحداث التغييرات في بيئة العمل إلَّا عند الضرورة.
4. الشخصية الحذرة:
تهتم الشخصية الحذرة بجودة العمل في المرتبة الأولى، وتعشق الالتزام والمثابرة والتنظيم في العمل، وتركز على العمل بضميرٍ واجتهاد، وعلى الدقة في العمل والمهارة والكفاءة؛ ولكنَّها تخاف من الوقوع في الأخطاء، ولا تحب ثقافة التغيير، وتميل إلى التحليل المبالغ فيه، وإلى عزل نفسها عن الأخرين.
فالقائد الناجح هو من يحقق التوازن بين الأنماط الأربعة، ويستثمر نقاط قوته ويطورها، ويكتشف نقاط ضعفه ويعمل على تقبلها أولاً، ومن ثمَّ تحويلها إلى الاتجاه السليم الذي يريده.
الخلاصة:
القائد هو ذاك الشخص القوي، والواعي لكونه المسؤول عن كلِّ ما يحدث في حياته، والمؤمن بربه العظيم إيماناً مطلقاً، والباحث عن الفرص في خضم التحديات، والمصغي الجيد للآخرين، والباعث على التفاؤل والحماس أينما حل، والمصمم على تحقيق هدف معين، بحيث يخطو كلَّ يوم خطوة في سبيله.
أضف تعليقاً