سيكولوجيا الاكتناز: هوس الاحتفاظ بالأشياء

يعكس هذا الاضطراب نمطاً من السلوكيات التي تتمثل في الرغبة الشديدة في التجميع والاحتفاظ بالأغراض بصورة مفرطة، مما يتسبب في تشويش حياة الفرد ومحيطه.

تأتي سيكولوجيا الاكتناز كموضوع بحثي مهم يستحق الاهتمام والتفكير، حيث يسعى الباحثون إلى فهم الجوانب العقلية والسلوكية للأفراد المصابين بهذا الاضطراب.

يتضمن ذلك النظر في العوامل المحتملة التي تسهم في تطوير هذا النمط السلوكي، والتحديات التي يواجهها الأفراد المتأثرين، بالإضافة إلى النهج العلاجي والوقائي لتخفيف آثاره السلبية.

يأخذ هذا المقال لمحة عن سيكولوجيا الاكتناز، مستكشفاً أصولها ومظاهرها، وكيف يمكن لعلم النفس أن يلقي الضوء على أسبابه وعلاجه.

سنتناول التحديات التي يواجهها الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب ونلقي نظرة عن كثب على النهج الحديثة في التشخيص والمعالجة.

سيكولوجيا الاكتناز

إنّ الأشخاص الذين يعانون من اضطراب تجميع الأشياء يواجهون صعوبة دائمة في التخلص من ممتلكاتهم أو التخلي عنها بسبب الحاجة المتوقعة للإبقاء على هذه الأغراض.

"محاولات التخلص من الممتلكات تسبب إضطراباً كبيراً وتؤدي إلى قرارات بالإبقاء عليها. والفوضى الناتجة تعيق القدرة على استخدام المساحات الحيوية". (الجمعية الأمريكية للطب النفسي، 2013).

الاكتناز ليس نفسه تجميع الأشياء. حيث يقوم المجمعون عادةً بالحصول على الممتلكات بطريقة منظمة ومتعمدة ومستهدفة. وبمجرد الحصول عليها، يتم إزالة العناصر من الاستخدام العادي، ولكنها قد تكون مصنفة ومعروضة للآخرين.

اكتناز الأشياء يكون غالًباً نابعاً من دافع داخلي، ويتم تحفيزه برؤية شيء يمكن امتلاكه. والأشياء التي يقتنيها الأشخاص الذين يعانون من اضطراب التجميع لا تتميز بموضوع ثابت، بينما تتنوع أشياء المجمعين وتركز بشكل ضيق على موضوع معين.

وعلى عكس التنظيم وعرض الممتلكات في حالة التجميع، تعتبر الفوضى غير المنظمة علامة مميزة لاضطراب التجميع.

الانتشار الإجمالي لاضطراب التجميع يبلغ حوالي 2.6٪، مع معدلات أعلى لدى الأشخاص الذين تجاوزوا سن الستين والأشخاص الذين يعانون من تشخيصات نفسية أخرى، خاصة القلق والاكتئاب.

يبدو أن انتشار صفات التجميع متشابهة عبر البلدان والثقافات، حيث تشير معظم الأدلة إلى أن التجميع يحدث بتردد متساوٍ بين الرجال والنساء. وتبدأ سلوكيات التجميع في مراحل مبكرة نسبياً من الحياة وتتزايد في شدتها مع كل عقد.

عواقب الاكتناز

يمكن أن يسبب الاكتناز مشاكل في العلاقات والأنشطة الاجتماعية والعمل، والوظائف الحيوية. والعواقب المحتملة لاضطراب التجميع يمكن أن تشمل مخاوف صحية وأمنية، مثل مخاطر الحريق، ومخاطر السقوط، وانتهاكات صحية.

كما يمكن أن تؤدي إلى إجهاد وصراعات عائلية، والعزلة والوحدة، وعدم الرغبة في دخول أي شخص آخر إلى المنزل، وعدم القدرة على أداء المهام اليومية، مثل الطهي والاستحمام في المنزل.

تشخيص الاكتناز

تشمل الأعراض الخاصة بتشخيص الاكتناز حسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي ما يلي:

• صعوبة دائمة في التخلص من الممتلكات أو التخلي عنها، بغض النظر عن قيمتها الفعلية.
• هذه الصعوبة ترجع إلى الحاجة المتوقعة للإبقاء على العناصر وإلى الضيق المصاحب للتخلص منها.
• الصعوبة في التخلص من الممتلكات تؤدي إلى تراكمها وازدحامها في المناطق الحيوية النشطة وتسبب ضرراً كبيراً لاستخدامها المقصود.

وإذا كانت المناطق الحيوية خالية من الفوضى، فإن ذلك يرجع فقط إلى تدخل أطراف أخرى (على سبيل المثال، أفراد العائلة أو المنظفون أو السلطات).

يسبب الاكتناز مشاكل كبيرة وقد يؤدي إلى مشاكل في الحياة الاجتماعية أو العمل أو في مجالات وظائف أخرى مهمة (بما في ذلك الحفاظ على بيئة آمنة للفرد والآخرين).

شاهد بالفديو: الامراض النفسية ماهي، وكيف نتعامل معها؟

يمكن أن يشمل تقييم الاكتناز أسئلةً مثل:

• هل تواجه صعوبة في التخلص من الممتلكات، مثل التخلص، إعادة التدوير، البيع أو الوهب؟
• بسبب الفوضى أو عدد الممتلكات، ما هي صعوبة استخدام الغرف والمساحات في منزلك؟
• إلى أي حد يؤثر تجميعك وتخزينك واقتناؤك للأشياء على وظائفك اليومية؟
• إلى أي مدى تعيق هذه الأعراض الدراسة أو العمل أو حياتك الاجتماعية أو العائلية؟
• إلى أي مدى تسبب لك هذه الأعراض الضيق؟

قد يقوم المحترفون في الصحة النفسية أيضاً بطلب إذن للتحدث مع الأصدقاء والعائلة للمساعدة في التشخيص أو استخدام استبيانات (مقاييس تقييم) لمساعدة في تقييم مستوى الوظائف.

قد يعترف بعض الأفراد الذين يعانون من اضطراب التجميع بوجود مشكلة في تراكم الممتلكات، في حين قد لا يرى آخرون أن هناك مشكلة.

يحدث الاكتناز في معظم الحالات وعلى الرغم من أنه ليس سمة تشخيصية أساسية، يجب مراقبته بعناية. بالإضافة إلى السمات الأساسية لصعوبة التخلص والفوضى، يعاني الكثير من المكتنزين أيضاً من مشاكل مرتبطة مثل التردد، والمثالية، والتسويف، وعدم التنظيم والتشتت.

يمكن أن تسهم هذه السمات المرتبطة كثيراً في مشاكلهم في الوظائف وفي الشدة العامة.

إقرأ أيضاً: مرض القلق النفسي: أسبابه، أنواعه، أعراضه، علاجه

قد يشكل تجميع الحيوانات نوعاً خاصاً من اضطراب التجميع، ويشمل اقتناء عدد كبير من الحيوانات (العشرات أو حتى المئات).

يمكن أن تعيش الحيوانات في مكان غير مناسب، مما يخلق ظروفاً غير صحية وغير آمنة للحيوانات. والأفراد الذين يقومون بتجميع الحيوانات عادةً ما يظهرون رؤية محدودة بشأن المشكلة.

يعاني العديد من الأفراد الذين يعانون من اضطراب التجميع أيضاً من اضطرابات نفسية أخرى، بما في ذلك الاكتئاب، واضطرابات القلق، واضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه، أو اضطراب استخدام الكحول.

أسباب الاكتناز وعوامل الخطر

السبب وراء اضطراب التجميع غير معروف. نظراً لتصنيفه الأخير، فإن علم الأعصاب المتعلق بـ اضطراب التجميع لدى البشر هو مجال ناشئ حديثًاً، مما يجعله إلى حد ما مبكراً للوصول إلى استنتاجات قاطعة.

يكون التجميع أكثر شيوعاً بين الأفراد الذين لديهم أحد أفراد العائلة يعاني أيضاً من مشكلة في التجميع. كما يمكن أن يؤدي حدوث حدث حياتي مؤلم، مثل وفاة أحد الأحباء، إلى تفاقم أعراض التجميع. ويتميز اضطراب التجميع بأعراض عصبية وسمات تختلف عن اضطراب الوسواس القهري (OCD) والاضطرابات الأخرى.

تم ربط نقص في معالجة المعلومات بـ اضطراب التجميع، بما في ذلك التخطيط، وحل المشكلات، والتعلم والذاكرة البصرية، والانتباه المستمر، والذاكرة النشطة، والتنظيم.

تظهر سلوكيات التجميع بشكل نسبي في وقت مبكر من الحياة ثم تتبع مساراً مزمناً. وتشير معظم الدراسات إلى حدوثها بين سن 15 و 19 عاماً. حيث أنّ الاعتراف المبكر والتشخيص والعلاج تعتبر أموراً حاسمة لتحسين النتائج.

شاهد بالفديو: 6 أمور يحتاجُها الناس لتحسين صحتهم النفسية

كيف يتم علاج الاكتناز؟

يستخدم مقدمو الرعاية الصحية نوعين رئيسيين من العلاجات لعلاج اضطراب التجميع:

1. العلاج السلوكي المعرفي

العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو نوع من الحديث العلاجي (العلاج النفسي). وهو علاج شائع لاضطراب التجميع، ويتم بمساعدة محترف الصحة النفسية المرخص، مثل الطبيب النفسي، يتعلم الأفراد كيف يفهمون سبب تجميعهم وكيفية تخفيف القلق عند التخلص من العناصر.

يعلم المتخصصون أيضاً مهارات التنظيم واتخاذ القرارات. يمكن أن تساعد هذه المهارات في إدارة الممتلكات بشكل أفضل.

2. الأدوية المضادة للاكتئاب 

والتي تكون عادة مثبطات استرجاع السيروتونين المحددة (SSRIs). حيث يقوم بعض مقدمي الخدمات بوصف مضادات الاكتئاب للمساعدة في علاج اضطراب التجميع. ويمكن أن تحسن هذه الأدوية أعراض الحالة لدى بعض الأشخاص.

الوقاية من الاكتناز

1. هل يمكن تجنب اضطراب التجميع؟

لا يوجد وسيلة معروفة لتجنب اضطراب التجميع. ومع ذلك، تظهر سلوكيات التجميع بشكل نسبي في وقت مبكر من الحياة (عادةً بين سن 15 و 19 عاماً) ثم تتبع مساراً مزمناً.

إذا لاحظت علامات التجميع في طفلك أو شخص تعرفه، فإن التعرف المبكر والتشخيص والعلاج تعتبر أموراً ضرورية لتحسين النتائج.

2. ما هي توقعات اضطراب التجميع؟

• تكون توقعات اضطراب التجميع غالباً سيئة. بينما يحدث تحسن كبير في حالات بعض الأفراد بعد العلاج السلوكي المعرفي، إلا أن العديد من الأشخاص يستمرون في المعاناة من الأعراض بعد العلاج، مما يؤثر على حياتهم اليومية.
• غالباً ما يعاني الأفراد المكتنزون من نقص في المساحة الحيوية الوظيفية، مما يمنعهم من أداء المهام اليومية المهمة، مثل الطهي، والتنظيف، والنوم، والاستحمام.
• قد يعيشون أيضاً في ظروف غير صحية أو غير آمنة. كما يمكن أن يؤدي التجميع إلى مخاطر الحريق والمخاطر التي تؤدي إلى السقوط وانتهاكات صحية.
• يمكن أن يسبب اضطراب التجميع أيضاً مشاكل في العلاقات والأنشطة الاجتماعية والعمل. وغالبًا ما يؤدي إلى المشاكل العائلية والصراعات والعزلة والوحدة.
• يمكن أن يؤثر التجميع على التطور الاجتماعي للأطفال. فقد تؤدي الظروف التي لا يمكن العيش فيها إلى الانفصال أو الطلاق، وحتى فقدان حضانة الطفل.
• الأشخاص الذين يجمعون الحيوانات في ظروف معيشية غير آمنة، قد يواجهون أيضاً متابعة قانونية من منظمات حقوق الحيوان بموجب اتهامات بإساءة معاملة الحيوانات.

التعايش مع الاكتناز

متى يجب عليّ مراجعة مقدم الرعاية الصحية بشأن اضطراب التجميع - الاكتناز؟

في بعض المجتمعات، يمكن أن تساعد وكالات الصحة العامة في معالجة مشاكل الاكتناز. في بعض الحالات، قد يكون من الضروري تدخل وكالات الرفق الحيوانات.

إذا كنت أنت أو شخصاً تعرفه يعاني من أعراض اضطراب التجميع، اتصل بمقدم الرعاية الصحية الخاص بك أو بمحترف الصحة النفسية.

إقرأ أيضاً: أشهر الأمراض النفسية: أعراضها وطرق علاجها

في الختام

في ختام هذا المقال عن سيكولوجيا الاكتناز، ندرك أن هذا الاضطراب يمتلك أبعاداً عديدة تتطلب فهماً عميقاً وتدخلاً فعّالاً. كما يتضح أن التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذا السلوك المعقد تتجاوز مجرد تجميع الأشياء. حيث يتطلب التعامل مع سيكولوجيا الاكتناز فهماً دقيقاً للعوامل المؤثرة واستراتيجيات فعالة للتشخيص والعلاج.

تحفزنا هذه الدراسة على إيلاء انتباه أكبر للصحة النفسية، وضرورة التوعية بمختلف الاضطرابات النفسية. ويمكن للتفهم العميق للعقلية البشرية أن يسهم في تقديم الدعم والمساعدة لأولئك الذين يعانون من الاكتناز، مما يسهم في تحسين جودة حياتهم وتعزيز صحتهم النفسية.