لماذا يكون الانجذاب الجسدي نحو الشريك بعيداً عن الوعي والمنطق؟
ليس من المستغرب أن يكون الانجذاب الجسدي فاقداً للوعي إلى حد كبير؛ هذا لأنَّه يخضع لسيطرة الجهاز الحوفي؛ وهو جزء بدائي من الدماغ مسؤول عن تنظيم الوظائف الأساسية مثل الجوع والعطش والخوف، وعند لقاء شريك محتمل، فإنَّ جزءاً من الدماغ يسمى الوطاء يحفز إطلاق الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، وهذا يسبب الإحساس بالشهوة أو الحب، وبفضل كفاءة هذه الحلقة غالباً ما يتخذ الناس رأيهم بشأن شخص ما خلال الدقائق الثلاث الأولى من مقابلته.
هذا ما تقوله "هيلين فيشر" عالمة أنثروبولوجيا وباحثة في معهد "كينزي" ومؤلفة كتاب "تشريح الحب": "يُعَدُّ الجهاز الحوفي أحد أقوى أجهزة السيطرة على الدماغ؛ لذا فإنَّ الشوق الجنسي أو الرومانسي يميل إلى التغلب على الأفكار القادمة من قشرة الفص الجبهي ذات الأولوية العالية من الناحية النظرية"، كما تقول "فيشر": "يمكننا التغاضي عن عدد كبير من المشكلات والصعوبات عندما يتعلق الأمر بموضوع رغبتنا".
هل ننجذب أكثر إلى من يشبهنا أم إلى من يختلف عنا؟
في الحقيقة نحن نميل إلى الانجذاب إلى الأشخاص الذين يشبهوننا، فعادة ما ننجذب إلى أولئك الذين يذكروننا بأحبائنا، مثل الوالدين أو الأشخاص الهامين السابقين أو الأصدقاء؛ إذ تقول "بيفرلي بي بالمر" دكتورة وأستاذة علم النفس في جامعة ولاية "كاليفورنيا" ومؤلفة كتاب (Love Demystified: Strategies for): "وجدت الدراسات أنَّنا قد نجد أنفسنا أقل انجذاباً للأشخاص الذين يختلفون اختلافاً كبيراً عن أنفسنا من حيث سمات الشخصية، ونحن أكثر انجذاباً إلى أولئك الذين يكملوننا أو ربما يكونون نسخاً أفضل من أنفسنا.
يفسر هذا الانجذاب سبب ميلنا أيضاً إلى مواعدة الأشخاص الذين يشاركوننا العِرق والوضع الاجتماعي والاقتصادي ومستوى التعليم والانتماء السياسي؛ إذ تُظهر بيانات التعداد السكاني في الولايات المتحدة أنَّ 10% فقط من الزيجات فيما مضى كانت بين أعراق مختلفة.
وجد تحليل مشهور عن العلاقة بين العِرق والمواعدة أجراه موقع (OkCupid) أنَّه على الرغم من أنَّ نسبة كبيرة من المشاركين أشاروا إلى أنَّهم سيواعدون شخصاً من عِرق مختلف، لكن لم يُظهروا ذلك عندما تم سؤالهم عن لاعبهم المفضل أو المغني الذي يحبون سماعه دائماً، وبالمثل قال 77% من الجمهوريين والديمقراطيين إنَّ زوجاتهم أو شريكاتهم كانوا في نفس الحزب، وذلك في استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث.
الحب من أول رائحة:
يوجد عامل آخر يُستشهد به كثيراً في الثقافة الشعبية وهو الرائحة، وهذا ما يسمى "الفيرومونات"؛ إذ يقول بعض الخبراء إنَّ المعنى ليس له تأثير كبير فيمن نجده جذاباً، (إنَّه حب من النظرة الأولى، وليس حباً من أول رائحة، كما أنَّ حاسة البصر لدى الإنسان أكثر دقة من الرائحة)، ومع ذلك يعتقد خبراء آخرون أنَّ عوامل أخرى مثل مزيلات العرق والعطور وروائح الجسم يمكن أن تؤدي دوراً في موضوع الجاذبية.
البحث في هذا الموضوع بالذات غير حاسم، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أنَّ النساء يفضلن الرجال الذين أظهرت جيناتهم استجابة مناعية مختلفة عن جيناتهن، وكشفت أخرى أنَّ النساء قد تم توظيفهن من قِبل الرجال الذين أُعجبوا برائحتهن.
التركيز على الشكل الخارجي هل هو بيولوجيا أم ثقافة؟
على الرغم من أنَّ معظمنا لا يريدون الاعتراف بذلك، إلا أنَّ المظهر الجميل هو أقوى عامل يؤثر في الانجذاب، وهذا وفقاً لما ذكرته "مادلين إيه فوجير" الحاصلة على دكتوراه وأستاذة علم النفس في جامعة ولاية "كونيتيكت" الشرقية ومؤلفة كتاب علم النفس الاجتماعي للجاذبية والعلاقات الرومانسية.
تقول "فوجير": "عندما نذكر الصفات التي نحب وجودها في شريك نقضي معه الحياة بأكملها، يقول معظمنا إنَّ السمات النفسية مثل اللطف والمودة المتبادلة والذكاء أهم من الجاذبية الجسدية، لكن في الواقع الجاذبية الجسدية لها تأثير أقوى في قراراتنا في الارتباط من عوامل أخرى مثل الشخصية أو التعليم".
يربط البشر السمات الجسدية الجذابة بالصحة والشباب والخصوبة، فبالنسبة إلى الرجال والنساء، الوجوه المتناسقة جذابة، وقد أظهرت الأبحاث أيضاً أنَّ الرجال يفضلون النساء اللواتي تبلغ نسبة الخصر إلى الورك نحو 70%، لماذا؟ تقول "فيشر": "الأشخاص الذين يختلفون عن تلك النسبة الأساسية هم أكثر عرضة لفقدان الحمل ويكونون أكثر عرضة لبعض الأمراض وتحديات الخصوبة".
ما هي مشكلة الأبحاث التي تتناول الانجذاب الجسدي؟
الأهم من ذلك أنَّ العديد من الدراسات المتاحة عن هذا الموضوع تستند إلى مجموعات صغيرة نسبياً من الأشخاص البيض في المقام الأول، وهذا يعني أنَّ النتائج قد لا تكون مماثلة لأشخاص من أعراق أخرى أو من عامة السكان.
هذه مشكلة في العديد من مجالات البحث العلمي، لكن من الهام خاصةً الإشارة إليها في حالة الجاذبية التي قد يتأثر الكثير منها بشدة بعوامل مثل العِرق أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية أو جوانب أخرى من الهوية؛ إذ تؤدي هذه العوامل دوراً كبيراً في فهمنا الثقافي للجمال، ومن ثمَّ فإنَّ الدراسات التي لا تأخذها في الحسبان قد لا تتناول بشكل دقيق حقيقة الانجذاب.
شاهد بالفديو: 8 تصرفات اذا فعلها الرجل فاعلمي أنه يحبك
لماذا كانت الأجساد السمينة محبوبة في الماضي؟
في الواقع، تؤدي الظروف الثقافية السائدة دوراً كبيراً فيما يجده الناس جذاباً، على سبيل المثال، حيث يُعَدُّ تمجيد الأجساد النحيلة ظاهرة غربية وحديثة نسبياً. من تماثيل "فينوس أوف ويلندورف" التي تعود لعشرات الآلاف من السنين إلى النساء اللواتي رُسمن في لوحات "روبنز" و"رامبرانت"، تم إضفاء الطابع الجمالي المثالي على الأشكال الأكبر والأكثر استدارة تاريخياً.
"أدت ندرة الطعام عبر معظم فترات التاريخ القديم إلى عَدِّ السمنة أمراً جيداً، وأنَّ البدانة والتوزع الكثيف للشحم أمران مرغوب فيهما، فهذا ما انعكس في الفنون والأدب والرأي الطبي في ذلك الوقت"، هذا ما توصل إليه الدكتور (Garabed Eknoyan) طبيب أمراض الكلى في كلية "بايلور" للطب، حيث يكمل قائلاً: "بدايةً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ الطابع السلبي للسمنة لأسباب جمالية".
لماذا تُعَدُّ الأجساد النحيلة هي الأكثر جمالاً في هذه الأيام؟
نميل نحن البشر إلى التأثر بآراء أصدقائنا وعائلتنا والمجتمع ككل، فعندما تعرض لنا روايات وسائل الإعلام في كثير من الأحيان صوراً لنساء نحيفات وذوات بشرة فاتحة على أنَّهن يتمتعن بالجمال المثالي، فإنَّنا نستوعب هذه القوالب الجاهزة من التفكير حتى تسكن حيز اللاوعي.
وفقاً لإحدى الدراسات التي أُجريت على طلاب الجامعات البيض، فضَّل الرجال النساء ذوات مؤشر كتلة الجسم أقل من النساء اللواتي يتمتعن بصحة جيدة ووزن أعلى مقارنة مع الطول، ويقول الباحثون: "يمكن أن يكون للمعايير الثقافية والأسرية تأثير كبير في صفات الأشخاص الذين نُعجب بهم أو ننظر إليهم بوصفهم شركاء رومانسيين محتملين".
هل تطغى الشخصية الجذابة على شكل الجسم؟
دائماً ما يقولون لنا إنَّ المظهر الخارجي ليس كل شيء، وفي هذا السياق يضيف الدكتور "بالمر": "تظهر بعض الأبحاث المثيرة للاهتمام أنَّ اختيار شريك يتمتع بشخصية جذابة ومرحة يمكن أن يوسع قبولنا لأنواع الأجسام المختلفة".
هل تختلف معايير الانجذاب إلى الشريك حسب النمط المتوقع للعلاقة؟
من المثير للاهتمام أنَّ الصفات التي يبحث عنها الناس تختلف أيضاً اعتماداً على ما إذا كان هدفهم هو الشراكة المؤقتة أم الشراكة الجادة، وتقول الدكتورة "فوجير": "تُظهر الأبحاث أنَّه عندما نطلب من النساء التفكير في علاقة قصيرة الأمد مثل علاقة ليلة واحدة، فإنَّهن يهتممن أكثر بالرجال الأكثر جاذبية جسدياً.
في المقابل، عندما نطلب من النساء التفكير في علاقة طويلة الأمد، تكون الجاذبية الجسدية أقل أهمية، فقد تعكس هذه التفضيلات المقايضة التطورية لأهمية الجودة الجينية الجيدة مقابل أهمية العثور على شريك يبقى على الأمد الطويل ويحتمل أن يساعد على تربية الأبناء".
من يهتم بنا أكثر ننجذب إليه أكثر:
إضافة إلى الجوانب الثقافية والبيولوجية، نحن أيضاً مفتونون باهتمام الآخرين بنا على الصعيد العاطفي والجنسي، وهذا ما يؤكده عالم النفس والباحث "آرثر آرون"، وفي الواقع كشفت دراسة حديثة أنَّ كونك موضوعاً جاذباً للآخرين هو مؤشر على الرغبة الجنسية.
تقول الدكتورة "فوجير" في مجلة علم النفس اليوم: "عندما نشعر بالشرارة في موعد غرامي ما، قد لا تكون تفضيلاتنا والصفات المعيارية التي وضعناها مثل مستوى التعليم أو الطول هامة على الإطلاق".
في الختام:
في نهاية المطاف يبقى انجذابنا للآخرين غريزياً وبدائياً إلى حد كبير، لكن يمكننا بالتأكيد الانتصار على هذه المشاعر الأساسية إلى حد ما، فإذا كنا نرغب في أن نكون أكثر انفتاحاً بشأن عوامل الجذب التي تتحكم بنا، يجب علينا فهم العوامل التي تؤثر في انجذابنا نحو الآخرين، ويمكننا إشراك تفكيرنا النقدي مع تحييد المشاعر والغرائز، وهذا يؤدي إلى التعقل أكثر للعثور على شريك مناسب.
أضف تعليقاً